كي لا يظنّ كلّ ذي شَبَقٍ, وكلّ ذي قلقٍ, وأيضاً كلّ ذي تصاوير مقمّطةٍ بالعطونة, وكلّ حمّالِ قصبةٍ مُترعةٍ بالعفن,
وكلّ أولئك المتمترسين خلف لوحاتٍ مفتوحةٍ على رؤىً مغلقة, وفي فضلى الحالات خلف وريقات مزنيٌّ بها
باندلاقات من إفكٍ وبانصباباتٍ من كذب, كي لا يظنّ هؤلاء أنّ اليقين هو ما يقطر وما يسيحُ من عجزهم على الصفحات الرقميّة,
وكذا أن يَئِدوا ظنونهم بأنّهم ذوو قدرة ومقادير على ارتجال اللّغة, وامتطاء عذريّة الكلمة والعبث ببراءة الحرف,
فلتغفر اللّغة ظلفَ الوافدين عليها والمُفترين على الفكر باسمها, ولتعفو كذا عن شدّة وضوحي.
تئنُّ الاخيلة والمجازات من لوثة القافزين على صهواتها, من هناك, من البعيد حيث المقهور يقبعُ,
ذات إشكالٍ أسديتُ له النُصحَ أن اشحذ نصالَ قذفك المثلومة, وتحرّر من التراتبيّة الممجوجة لأضغانك المُعلنة,
كمناجذِ العماء تنهالُ على ذواتها بأتربةٍ من جهل.
حينما القلقُ يستعيرُ جداراً من كلمات ومن خلفهِ تُرمى نتوءاتٌ لفظيّة للتهجّم والتشويه فحسبُ,
حينها فقط يُدرَكُ كم هي ناضجةٌ هاتيك الثمار. إذن فليذهب كلّ سابحٍ في شتائمِهِ وكلّ متزلّجٍ على جليدِ وهمِهِ إلى اللجّة,
ويقود الخِضَمّ, ويغشى الوغى, وبنادي بما يريد, يصدح ويغرّد وينادي, لن يسلبه أحدٌ عنفوانَه ولن يعيّبَ كائنٌ استئثاره,
أمّا أن يبيع ويبتاع, ويتبضّع أقاويلَ مُلقاةٍ على أعتابٍ عتيقةٍ مُتجدّدة و"يتّهم الماء بالبلل" والشمس بالدّفء,
فإنّ
هذا لطالبُ شقاقٍ وقلمُه مُعفّرٌ بحبر النفاق, ما يملك في يمينه إلّا أن
يخطّ بما يُتَندّرُ به دون استحياءٍ من اشتعال البؤس في محيّاه
وكذا من بلوغ ذهنه سنون اليأس منذ أمدٍ بعيد.وبعضُ متسوّلي اللّغة المتأتئين من حوله والدائرين في فلكه المخاتل,
ما فتئوا ينصبون فخاخاً - لن تُطبقَ إلّا على ذو الشّيب وكلّ ناصبيها -
ما برحوا يزاودون على من استأثر بفلذّاتٍ من روحه لأجل التراب ومن عليه, يتربّصون, يراقبون, يترقّبون,
ويعدّون له من العدّة الكثير من خناجرهم المضمرة والمشهرة في آن " لقد يمّم صوب الجبل, لقد نزل من الجبل,
توجّه إلى المطار, أطلقَ منبراً, افتتح مركزاً, قال كذا وقال كذا ..." موادٌ دسمة إلى القلم والورقة إذن ولنتهجّم...
وهاكم هذه الإمّعة " بخصوص ما نُشر..., نشر أكثر من موقع..., توضيح بخصوص..., أندّد بخطف...إلخ"
كم أكره السّفائن والجليد بسببه ومَن على شاكلته!
هلّا التفتّم إلى ما يطهّر الذوات, وهلّا استدرتم إلى ما يهدّئ من الحنق والرّوع, فلن يهيم أحدٌ بالبثور الناتئة المتناثرة
على وجوه نصوصكم, وما من أحدٍ ليصدّق أنّ دمامل كلماتِكُم حبلى بغير القيح.
ماهرون في التواري خلف أبراج الكلام, وقدّام الفعائل عراةٌ إلّا من أسمالٍ بلون الخيبة, وفوحُها واخزٌ من ريح الاندحار.
جهابذة في المواربة وإصابة عين اللّايقين. يكفي - يا سيّدي القارئ - أن تجلد نفسك مرّةً واحدة بقراءة بثور ممّا نحتوه
في جسد اللّغة تشويهاً وكذباً لتدرك حجم معاناتهم من مركّب النقص ومتلازمة الإفكِ المتقطّر من أقلام هؤلاء الجهابذة.
أحمد يوسف
الدانمرك