قبل كل شيء,ارى من المعيب حقا أن تقام في سوريا الآن,وسط هذا النزيف المستمر لدماء الأطفال والنساء والمواطنين الذين لاحول ولاقوة لهم, وفي أجواء من التقتيل والاغتصاب والتعذيب والتشريد, احتفالات كوردية, عائلية أو مجتمعية, سياسية أو فنية,تحت أي شعارٍ كان وفي أي مناسبة كانت , ففي ذلك إهانة مباشرة للسوريين الذين تحترق أكبادهم من آلام هذه الحقبة الدموية في تاريخهم المعاصر... إن أي تبرير اجتماعي أو حزبي لمثل هذه الاحتفالات في سوريا لايجد قبولاً في قلبي وعقلي كإنسان كوردي, واعتبر هكذا احتفالات الآن اساءة كبيرة للتآخي العربي–الكوردي الذي طالما نادينا به في أحزابنا وندواتنا وأدبياتنا وإعلامنا وسهراتنا الاجتماعية. فكيف ستنظر إلينا ثكالى الحولة ودرعا ودمشق وحمص وحلب وادلب والحراك ومعرة النعمان ودير الزور وسواها, وماذا سيكون انطباع عشرات الألوف من المساجين واللاجئين السوريين عنالكوردي وهو يرقص في هذه الأيام ويغني على المسارح, وكأنه فرح بما يسفك من دماء في سوريا... ولربما أكون ضعيف القلب... فلا تؤاخذوني على ابدائي رأيى الشخصي الذي قد يكون خاطئاً في نظر بعض"حكماء القوم"... والآن إلى موضوعنا الأساسي:
اتهم"المندوب السامي"الروسي على سوريا, سيرغي لافروف, الدول الغربية بأنها تسعى للاتيان بالديموقراطية إلى سوريا عن طريق القصف بالقنابل, والدول الغربية في سياساتها تجاه سوريا لم تتحرك حتى الآن إلا ضمن المسموح به من قبل الروس, ولذلك كان يجدر استخدام مصطلح "ديموقراطية الانتظار" عوضاً عن "ديموقراطية القنابل", في حين يمكننا القول بأن السيد لافروف ومن ورائه سيده بوتين يبدوان اليوم وكأنهما الممثلان البارزان ل"شرعنة المذابح" في سوريا, في عام1982أول مرة والآن من جديد, ولروسيا تاريخ في شرعنة المذابح, في الشيشان وأفغانستان والعراق وغيرها...
معلوم في العالم بأسره أن القنابل التي تسقطها الطائرات والدبابات الأسدية على رؤوس الأطفال السوريين وأمهاتهم وأخواتهم,وكذلك على أفران الخبز وأسواق الخضار والمدارس والمستشفيات, وتلك الطلقات التي يطلقها كلاب النظام الأسدي وقناصته المجرمون هلى المتظاهرين والمعارضين, كلها من صنعٍ روسي, وأن النظام الأرهابي في دمشق ما كان ليستمر في حربه على الشعب السوري وما كان ليتمادى في جرائمه ضد الإنسانية, لو لم يستخدم الروس في مجلس الأمن الدولي حق الفيتو, الذي بتكرار استخدامه قد أفسح المجال لهذا النظام أن يزيد من عدد شهداء الشعب السوري إلى أكثر من30.000مواطن, معظمهم من المدنيين. فكيف يتجرأ هذا الداعم الروسي للاجرام ضد الإنسانية على الزعم بأن الغرب يسعى لتطبيق "ديموقراطية القنابل" في حين أنه الأب والأم لمثل هذه السياسة اللاأخلاقية حقاً, قبل أي جهة أخرى في هذا العالم, والغريب أن لافروف هذا يقول بكل صفاقة أن "هيئة التنسيق الوطني السورية" تؤيد سياسة بلاده تجاه "الازمة" السورية, وهي في الحقيقة ليست مجرد أزمة سياسية أو مالية أو اقتصادية وإنما حرب نظام إرهابي على شعب يريد الحرية. وما يزعجني من هذا الكلام هو وجود فصيل "كوردي" ضمن تشكيلة هذه الهيئة التي إن صح كلام لافروف عن تأييدها لسياسته, إنما يسيء إلى قضية شعبه التي هي قضية حرية, لا أكثر ولا أقل.
أما عن الدول الغربية والعديد من دول العالم الأخرى,ومنها الدول التي أطلقت على نفسها اسم "أصدقاء سوريا", فقد علت أصوات مندوبيها أمام كاميرات الاعلام وفي مجلس الأمن الدولي وبرلماناتها الوطنية,وكذلك أمام الكونغرس الأمريكي وبرلمان الاتحاد الأوربي,إضافة إلى تركيا وبعض الدول الأخرى في العالم, ومنها دول عربية, مطالبة بتنحي الأسد "الفاقد للشرعية", فإن معظم تصريحاتها الاحتجاجية ضد سياسة الأسد الدموية كانت متفاوتة في علو النبرة وصراحة المواقف,ومنها ما وصل إلى درجة رسم "خطوط حمراء!" عديدة, كتصريحات السيد رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان المتكررة عن عدم سكوت بلاده في حال اقتحام جيش النظام ومرتزقته مدينة حماه ومن ثم مدينة حلب,وكان آخرها تهديد السيد باراك أوباما, بصدد احتمال "تدخل أمريكي" في سوريا, في حال نقل أو استخدام الأسد للسلاح الكيميائي أو الجرثومي ضد الشعب السوري, وهذا مشجع وجيد ولكن....!
كل ما أظهرته دول العالم من خارج الدائرة المؤيدة لنظام الأسد من مواقف وما أطلقه زعماؤها من تصريحات وما قدموها من مساعدات للمعارضة السورية لم ترتفع إلى مستوى القضية السورية,التي وصل الاجرام الحكومي فيها لدرجة لايصدقها العقل من الايغال في الفتك الذريع بالشعب, وليس هناك فصيل سوري واحد من المعارضة السياسية أو من الثورة السورية راضٍ عن شكل ومستوى وأسلوب الدعم المالي والمعنوي له أو لسواه من قبل "أصدقاء الشعب السوري", بل إن مبادرات هذا العالم "الحر الديموقراطي" وكل مساعيها الدولية قد خدمت النظام بشكلٍ أو بآخر, لاقتناع الأسد ومجرميه أو ظنهم بأن العالم لن يتدخل مطلقاً لوقف حربه على الشعب السوري, حتى ولو قتل نصف هذا الشعب ودمر كل مدنه وهجر معظم سكان البلاد. والمبادرة العربية كانت "مضحكة", إلا أن خطة كوفي عنان الدولية كانت مثار سخرية الشعب السوري كله, ولن ينفع ظهور الدبلوماسي العربي الأخضر الابراهيمي كخلفٍ لكوفي عنان, فهذا التلاعب بعنصر الوقت في نظر السوريين على الأقل ليس إلا خدمة من العالم الخارجي لنظام الأسد, فماذا يعني تهديد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالتدخل في حال استخدام الأسد للسلاح الكيميائي أو الجرثومي, ألا يفهم منه بأن بامكان الأسد الاستمرار في قصف المدن وتهجير السكان وتصفية المعارضين وذبح المتظاهرين, فالخط الأحمرالأوباماوي يبدأ لدى استخدام الأسلحة المحرمة دولياً, في حين أن الخط الأحمر الأردوغاني–الداوود أوغلوي يبدأ عندما تتساقط قنابل طائرات الأسد على مدينة عينتاب أو أضنة هذه المرة.
فهل ينتظر الديموقراطيون أن يقضي الأسد الارهابي على ثورة الشعب السوري أو يبيده قصفاً بالسلاح التقليدي وتقتيلاً وذبحاً أو يهجره عن بكرة أبيه, حتى يتدخلوا فعلياً لصالح هذا الشعب, في هكذا حال تنطبق على حالهم صفة "ديموقراطية الانتظار" وليس "ديموقراطية القنابل" التي حاول الصاقها بهم الدبلوماسي الروسي الأكبر لافروف.
السوريون لن ينسوا هذه المواقف المملة والخادعة والمترددة للعالم الحر الديموقراطي وأتباعه من العرب وسواهم, كما لن ينسوا خيانة لافروف ومعلمه بوتين لهم ووقوفهما مع من يعمل على ابادتهم. ومن تلك المواقف تصوير المشهد السوري وكأنه لفريقين يمتلكان قوة النار والتدمير ذاتها ولهما ذات النزعة في التقتيل والاجرام ضد الإنسانية,في حين أن قتال السوريين دفاع عن النفس وعن الإنسانية.