إبراهيم اليوسف
elyousef@gmail.com
النص الفيسبوكي 2.
الإثنين 10 أيلول / سبتمبر 2012, 01:17
ولايزال يستعين بالأشكال المتعارف عليها
النص الفيسبوكي وإشكال التجنيس:*
يتركه كلانا في هذا الفضاء
استطاع الفيسبوك أن يحتل مكانة عالية، على امتداد القارات السبعة، ويصبح عادة يومية لدى أوساط عالمية واسعة، مادام أن عدد المشتركين في هذه الشبكة، قد وصل في العام 2012 إلى مئتي وخمسين مليون شخص، وهوما يفتح المجال أمام مايقارب أربعة آلاف لغة عالمية، أن توجد لها فضاءاتها الخاصة، وإن كانت هناك لغات أكثرانتشاراً تكادلاتتجاوزعشراللغات، وذلك قياساً إلى أعداد المتكلمين بها، وقد جاءت شبكة التواصل الاجتماعي" الفيسبوك" إلى جانب غيرها من وسائل ثورة الاتصالات، لتفتح الفرصة للغات جميعها، كي تحافظ على نفسها، وإن كان بعضها مهدداً بالانقراض، أو الابتلاع من قبل أمَّات اللغات الكبرى، بيد أن هذه اللغات الكبرى، نفسها، وجدت في هذا الفضاء الأسطوري، اللامتناهي، والعجيب، جسوراً، إضافية، تؤدي إلى توسيع دوائرها، وإيصالها إلى أعداد أكبرمن المتلقين، وهي سمة تدعولإعادة النظرفي نظرية العلاقة بين اللغة والناطقين بها، وعوامل تطورها، وانحسارها، نتيجة الثورة الهائلة،الأكبرمن أي تصور، والتي يشهدها العالم كله.
ومادامت شبكة التواصل الاجتماعي"الفيسبوك" فضاء شاسعاً، يتسع ليس فقط للكتابات المتنوعة، بل يتسع للصورة أيضاً، حيث يمكن أن يكون حاضناً للفيلم، أو الفيديو، فإن طبيعة تفاعل"الفيسبوكي" مع هذا العالم تتلون، بحسب رغبته، فهي قدتكون أداة للتسلية،أولمضيعة الوقت، كما يوجه الاتهام إليها، إلا أنها نافذة الفرد/المبدع، للتواصل مع جمهوركبير، لم يكن متاحاً من قبل، بهذه الدرجة في أية وسيلة تواصل فردية مع الآخر، بل إن المؤسسة، نفسها، باتت تلجأ إليه، وليس أدلَّ على هذا الكلام من أن أعظم القنوات أو الصحف أو الإذاعات العالمية، باتت توجد لنفسها صفحة"فيسبوكية" وموقعاً إلكترونياً، لتوسيع دائرة التواصل، وإتاحة المادة المقدَّمة، مدى أطول، ومجالاً لامتناهياً، أمام المتلقين، في الوقت الذي اعتدنا فيه، موات المادة الخبرية التي تبثُّ عبرشاشة الرائي، أو المذياع، كي تؤرشف في قرص مضغوط، غيرقابل أن يكون في متناول كل من يريده، في اللحظة نفسها....!.
إذا كان النص الفيسبوكي، لمايزل في طورهلاميته الشكلية، من حيث علاقته بالتأصيل، كجنس خاص، فإنَّ ذلك يأتي نتيجة أسباب كثيرة، لابدَّ من التوقف عندها، وهي تتعلق بمسألة اختطاط أيِّ جنس إبداعي شكله، يعد أمراً بالغ الصعوبة، لاسيما وأن الأجناس الأدبية، قد شهدت ضوابطها، على امتداد التجربة الإبداعية لدى الإنسان، ومن بين ذلك: "الشعر-المسرح-القص-الرواية- المقال"، وإن كنا نجد أن هذه الأشكال الإبداعية، ستستفيد من بعضها بعضاً، عبرالتعايش الاستعاري، بل إنها تستفيد من فنون أخرى، قديمة، معروفة،لاسيما الموسيقا، إلى جانب استفادتها من فنون جديدة كالسينما، وهوما يمكن استكشافه من خلال التركيز على اللقطة التي يشيع انتشارها، بكثرة، بل تكاد تكون الأكثربروزاً بين الكتابات الفيسبوكية، تقول مها بكر:
تفقّدتُ رأسي و هو يطاردُني .
يأكلُ صورتكَ الممدّدة على الحائط ,
و يرمي بقايا وجهي عليه من الإطار ,
ينقرُ الهواءَ المتجمد في أنفي
يُطعمني للفناء و التراب
يجمعُ حطامي ,
يَهَبني لعظامه غمداً
يُقلّدني سيفاً مسموماً
و ليمضي بلا ضجيج يكسر الأرض بقدميّ
و يملأُ سلة الخبز بالغيم و الجراد .
وبدهي، أن النص الفيسبوكي، يكتب من قبل أوساط هائلة،من"الفيسبوكيين" ممن لهم صفحات على شبكات التواصل الاجتماعي، لأن هناك من له صفحته الخاصة، بيد أنه يخصصها، لأجل انتقاء نصوص سواه، سواء أكانت دراسات، أو إبداعات، أو مقالات" كعبدالعزيز الجاسم" أوحكماً، أو روابط فيديوهات،أوربما يكرسها للتواصل الاجتماعي الفعلي، كي يتعارف على سواه، أما هؤلاء الذين يدأبون على الكتابة ففي يومياتهم، فإن هؤلاء أنفسهم، أصناف عدة، حيث منهم من يكتب المقال، أومن ينشرإنتاجه الأدبي القديم، أو من يكتب مذكراته، أو من ينشرنصوصه القصصية، بيد أن هناك أنموذجاً من الكتاب المعروفين، وغيرالمعروفين، ممن يكتبون نصوصاً ذات قيمة فنية استثنائية، حيث طالما يظهرإلى جانب الأسماء الكبيرة ذات الحضورالإبداعي، من لم يعرف بانخراطه في عالم الكتابة، بيدأن توافرهذا الفضاء الإلكتروني المجاني، أمامه، جعله يقدم نصوصاً تلامس اهتمام المتلقي يقول الجاسم:
البحرُ يُقَطِّعُ رؤوسَهُ على الصُخُور المسننة
والمِقْوَدُ بين يَدَيَّ
قد تحطَّم.
**يوماً مَا، يا صغيرتي، ستحمليني
إلى مقابر تلك التِّلال
وإنْ خانتْكِ قُوَاكِ
فقط
بعينيكِ اتبعيني.
لا يا مَرَارتي، لِمَ الخوف؟
معهودةٌ ضجة الشيطان في رؤوسنا. فمتى ما عَطَس البحر
طارتْ تَنُوْرَة البلَد عالياً.
وتعد كتابة النص الفيسبوكي من قبل الناص، الوسيلة التي جعلته يقف أمام أسئلة، باتت تظهرأمامه، تتعلّق بقضية تجنيس النص الفيسبوكي: هل لهذا النص شكل خاص به، وهل له شروط خاصة؟، أين يتموقع هذا النص في ثنائية"السرد/الشعر"، وغيرذلك من الأسئلة التي يفرضها انتشارصنف كتابي جديد، بات يشكل جزءاً كبيراً من الإنتاج الكتابي اليومي المقروء، وهوما دفع ببعضهم، ليرى فيه، نصاً له خصوصيته، وعلاماته الفارقة التي تميزه عن سواه، بيد أن هناك من لم يجد فيه إلا مجرد تناصات مع أشكال سابقة، فإضافة إلى أن الشاعرراسخ الحضور، لايفرِّق بين النص نفسه الذي ينشره، سواء في الصحيفة، أو الموقع الإلكتروني، أو بين دفتي الكتاب،أو على بروفايله الشخصي، دون أية إضافة أو نقصان، وإن كان النص المضغوط، المكثف، هومن يجذب المتلقي، وفي التالي يوجه الناص، لاختيارالنص السريع، لتقديمه لقارئه، لاسيما وأن النص الطويل، هوالأقل تلقياً، على عكس النص القصير، الأكثرتلقياً، وذلك على مستويي:1-سهولة الإيصال2-عدد القراءات، وهذا ماسيكرس الشعورلدى الكتاب، الأكثرحنكة، وتعاملاً، وتواصلاً مع جمهرات متلقيهم، بأن يقدِّموا مثل هذه النصوص، السريعة، وهي التي تعلق بذاكرة من يوجه إليه الخطاب، ما يحقق تفاعل الأطراف الثلاثة في معادلة: النص-الناص-المتلقي، الأمرالذي سيكتشفه، من خلال تجربته الشخصية، الفيسبوكي، ممتلك أدوات الكتابة، الذي لا يستند إلى أية تجربة ذات بعد زماني.
إن أوعية النشر، في ماقبل، كانت جدَّ محدودة، بالنسبة إلى الناص والمتلقي، في آن واحد، وهذا ما كان يعزز من مركزية النص، وسلطة الناص، إذ كان الجانب الخبري أو المعرفي اللذين يقدمان عبرأي منبرللنشر، يمارس دكتاتورية قصوى، حتى وإن كانت هناك، سلطات أخرى، صغيرة، أوكبيرة، في مواجهته، بيد أن النص كان يتحصن بحواجزحماية، تجعل الخطاب فردياً،أبوياً، في الوقت الذي كانت أجهزة المناعة المصطنعة للنص، تخلق أدواتها، في مواجهة، مالايتناسب مع رؤيته، وهوما غاب، فجأة، في زمن العولمة، والثورة المعلوماتية، وتصلح الشبكة العنكبوتية،عامة، للاستشهاد بها، وفي طليعة أدواتها"الفيسبوك"، لتكون بمثابة ترسانة عالمية، عملاقة، تزيل أية مغنطة في منظومة جاذبية وسطوة وعاء النشرالقديم، ليرقِّي كل خطاب من أدواته، بما يناسب خوض غمارالمواجهة-في أي من مجالات الخطاب- الأمرالذي يجعل كل طرف، يحس أنه لابد من تطويرالذات، وهوما يدخل في مصلحة الخطاب نفسه، وإن كنا أمام خطاب وخطاب مضاد، في حالات معرفية عديد، يقول أحمد حيدر:
كعادتنا
في الضوء الخافت
نتتبعُ أخبارأجدادنا
في الحكايات
التي لا تعني أحدًا
سوى الأولياء
وذرّية كانتْ صالحة
نحن ُالأحياء الموتى
ونتسلى مع الريح
بالصفير والهزائم
كأننا بلا سموات
وأدارَ ظهرهُ لآلامنا
أبانا الذي في الأرض
أبانا الذي في ....كأننا بلا آذار
والأشياء جميعها عادية
دم الشهيد والقصيدة
دموع الأرامل
ولا ينفصنا سوى إيوان
تأسيساً على ماسبق، يتضح أنه بالرغم من مرورحوالي ثمان سنوات، من إطلاق الفيسبوك، ليدخل في إطارالاستخدام العام، وقد بلغ انتشارالفيسبوك حداً غيرمتوقع، من قبل، إلا أننا-حتى الآن-لا نستطيع أن نتحدث عن وجود نص خالص الفيسبوكية، كشكل،أو جنس كتابي، بل إن الفيسبوك حمَّال أشكال متباينة، وتجد كل تلك الأشكال عنواناً لها فيه، وكأن الأشكال الكتابية، باتت منجزة، ونهائية..!
بيد أن ما قد يناقض مثل وجهة النظرهذه، هوأن النص الفيسبوكي، تفاعلي، حيث يمكن لما يكتبه الناص، أن يصبح مجرد عنوان، أو أخطوطة أولى، تأسست عليها نصوص تالية، تأتي جميعها، عفوية، إلا أن هذه السمة، لاتعد بدورها، كاملة الفيسبوكية، أيضاً، وذلك لأن مفهوم النص التفاعلي ظهرقبل أن يصبح هذا النص في حيز التداول العام، حين غدا في العام 2004في متناول طلاب جامعات ستانفورد، بعد أن كان خاصاً بطلبة جامعة هارفارد كوليدج، وليخضع بعد ذلك بسنتين-فقط-لتطورات جديدة، طرأت عليه، ضمن سلسلة تطوراته التي بتنا نلحظها، حتى هذه اللحظة..!
وبالرغم من كل ماذكر، فإن النص الذي يمارس تأثيره، ويتفاعل مع قرائه، ضمن اللغة الواحدة، على أوسع نطاق، هوذلك النص المكثف، الذي وجدنا نماذج له، في الشعرالعالمي، تحت تسميات متعددة، وأكثره رواجاً نص"الفلاش" حيث يكون عبارة عن ومضة سريعة، قوامها مفردات جد قليلة، يقدم خلاله الشاعر، صورة بسيطة، أومركبة، تكمن جدواها في استفزازيتها، وقد وجدت طريقها إلى آداب العالم عامة، على اختلاف اللغات الحية، تمتلك مقومات شعريتها، حتى وإن وجد فيها النص القصصي ضالته، أيضاً، كي نجد نصوصاً تصنف نفسها في دائرة القص، توائم النص الشعري ذاته،مايدعو في حالات كثيرة إلى اللبس بين عالمي هذين النصين، إلى تلك الدرجة التي يمكننا فيها،ملامسة شعرية في نص من ال"ق. ق. ج"، تفوق تلك الشعرية التي تكمن في نص شعري، أو على عكس ذلك، إذ يمكن أن نعثرعلى عناصرالقص في نص مصنف ضمن دائرة الشعرية، بأكثرمما هي متوافرة في ذلك النمط القصصي....!.
ومن هنا، فقد يكون الوقت مبكراً جداً، لاكتشاف نص فيسبوكي، له علاماته الفارقة، التي تميزه عن النصين السردي والشعري، وذلك لتعالقه، بل واستنساخه، مع هذين النصين، وعدم مقدرته، حتى الآن، على تأسيس نفسه، ولعلَّ السبب الرئيس-هنا-يكمن في سطوة النص السابق، المنجز، على مخيال الناص الفيسبوكي، إلى الدرجة التي لايستطيع الخروج من دائرة الأسرالمفروضة عليه..!.
ولعل سؤالاً من قبيل" هل ستشهد الأيام القادمة ولادة نص فيسبوكي"، مستوفي الشروط، وغيرمتقاطع مع تكنيك النص السابق عليه، نثراً وشعراً، لما يزل، حتى الآن، غيرقادر، على صياغة إجابته، اعتماداً على المنجز النصي الفيسبوكي، بالرغم من تلاقي المفردة المفتوحة على انزياحاتها الهائلة، إلى جانب الصورة، التي لاتستعصي على القراءة، بلغات العالم كله، بالإضافة إلى الموسيقا التي تشاطرالصورة في عالميتها، وهوما لايزال تحدياً كبيراً، لم تتمكن مليارات النصوص الفيسبوكية، من تجاوزه، لأن أية كتابة، تعد امتداداً لمنجز بضع السنوات الماضية، لم تقدم حتى الآن بشائر بمخاضات ولادة صنف كتابي، عسيرالولادة...!
المراجع:بروفايلات الشعراء مها بكرعبدالعزيز الجاسم أحمد حيدر
هذه الكتابه تعبر عن راي كاتبها