داريوس داري
bavedarvan@gmail.com
ليـــلــــة عـــــيد نـــوروز ...؟
الثلاثاء 20 آذار / مارس 2012, 07:58
داريوس داري
ليـــلــــة عـــــيد نـــوروز ...؟
قبل عيد نوروز بتسع أيام جرة أحداث هذه القصة .؟
الليل بضبابه الأسود الكثيف, إشعال الأطفال الشموع و الإطارات فرحا بقدوم الربيع وعيد نوروز.
المدينة ينثر بين طرقاته شيئا من غموضه , ومن بين حفرياته تمتد الأيادي لتصافح المجاري الحديثة لتبارك لها على تخريب شوارع المدينة أكثر فأكثر .
ثم بضعة شموع مضاءة فوق فوهات المجاري كنقط علام ممنوع مرور( الحمير) خوفا من الانزلاق في المتاهات .
أصوات قوية راحت تدوي كهدير المجاري . بضعة أقدام تجري في هلع تريد الفرار من النيران المجهولة تتصاعد طلقات الرصاص . تهشم آهات الأطفال والنساء .
وفجأة اشتعلت المدينة بأكملها , حتى إن ذلك الوهج قد وصل إلى عنان السماء , فأضاءها بنور الإطارات والشموع .
كاد أن يغشي العيون , ومن قوة وهجه , تصاعدت آلاف الآهات من أفواه سكان المدينة , وسالت دماؤهم لتصنع أنهارا من حبر لأقلام شعراء المدينة المنكوبة .
راحت تهرول في كل الأجزاء...
وانطلقت لتفرق البقية الباقية من الناجين , وأصواتهم تعلو وترتفع بشكل مؤلم , وذلك السيل من المجاري يجرفهم دون رحمة ...
استيقظت ... فتحت عينيها , وهي تشعر بلفح النيران على خدودها , اختطفت وسادتها ودفنت وجهها فيها , تاركة عباراتها تغرقها وتصاعد نحيبها بحرقة.
حينما شعرت بيد حنونة تتسلل لتربت على ظهرها .
ترفع رأسها وعينها الغارق في الدموع تنظر إلى وجه آمها , تسارع إلى حضنها تدفن وجهها أكثر وينتشر صدى نحيبها المؤلم في أرجاء البيت ...
كانت الفتاة ترتجف كريشة في مهب الريح , احتضنتها آمها إلى صدرها أرادت أن تحميها من شيء مجهول قد يختطفها في آية لحظة ...
بيديها الحنونين مسحت على شعرها الأسود كعتمة ليالي الشتاء الباردة دون مطر ...
هامسة : ألن تنسي أوهام الحزينة يا ( همرين ) هزت رأسها في عنف معترضة على سؤال آمها الأخير , كانت الكلمات تختنق في رأسها وفمها ترفض الخروج , تريد العيش في قلب صاحبتها تشاركها همومها وآلامها .. تسللت تلك الذكريات إلى عقل ( همرين ) وتناثرت على ساحة خيالها لتبرز معالم كثيرة اندست واختفت , ثم ظهرت واضحة كيوم نوروز ..
هناك تقترب بعينيك عند شجرة التين المبعثرة تصل إليك بضع ضحكات ناعمة أثرت القلوب , تلمح عاشقان بجوارها فتاة جميلة , رقيقة , ناعمة , وبجانبها شاب في مثل سنها أو اكبر بقليل , يرمقان غروب الشمس وهما يتهامسان كعصافير التي تاهت عن أعشاشها ...
مشهد جميل أثار فيهما نشوة لذيذة , وتسللت أصابع الشاب إلى أصابع فتاته : كم أحبك يا ( همرين ) متى يأتي اليوم الذي نكون فيه أنا وأنت تحت سقف الزواج بعيدا عن عيون الحساد وجماجمهم العفنة , لأتوجك إمبراطورة على قلبي , ونعيش معا في السعادة الدائمة إلى الأبد ...؟
كانت تحس بأنها تطير مثل فراشات الربيع بين السحاب , وامتدت يدها دون إذنا منها لتستقر بين يد حبيبها وهو يداعب خصلات شعرها الناعم ..
كانت تحبه , بل تعشقه , كانت تعد الثواني وهي تنتظر اليوم الذي تستقر في عشه , وتغص في محيط العشق والحنان , لقد كانت تأتي إلى هنا كل يوم بعد خطبتها , تظلهما شجرة التين المبعثرة ,
وهي سعيدة بأن ظلها تخيم على العاشقين , تسمع هي إلى همسهما وقصائدهما الغزلية , فتحنو بأوراقها عليهم حتى لا يراهما أحد من المارقين ومن أصحاب الصدور الفارغة ...
وكبر الحلم في قلب ( جوان ) كان شابا شجاعا قويا لا يهاب.
كثيرا ما قاتل , وقاوم , سحق الكثيرين ممن أرادوا أن يسجنوه , ويغتالوا حرية أهل مدينته ..
لم يكن وحده , الآلاف من شبان , كانوا معه , يساندونه بحبهم وحماسهم وخطواتهم الصادقة في سبيل هدفهم النبيل والقضاء على العنصرية والذين يصطادون في الماء العكر كل هؤلاء ليس لهم مكان في مدينتنا الآمنة .
كثيرا ما كانت (همرين ) تذوب بالقصص الرومانسية و العشق , ها هو ذا فارس أحلامها
( جوان )
كانت تذوب في سحر كلماته , استهوتها أجواء العشق الذي سينقلها إليه , فظلت تحلم , وترسم عالم من الآمال والأحلام ,نجمها هو ....
غدا سيكون العيد , ماذا تريدين أن أحضر لك بهذه المناسبة ؟ ابتسمت ابتسامة هادئة, جعلته يتمنى أن يغوص في بحر عينيها , ولا يخرج أبدا ..
لا شيء يا حبيبي , كل ما أتمناه أن يكون عيدنا هذا أجمل عيد وتمر على الآمة الكردية بخير وسلام .. ثم أغمضت عينيها , شعرت بتلك الكلمات تخترق خلاياها فتتجاوز روحها وتستقر هناك , وبحركة عفوية رفعت يدها إلى قلبها , وكأنها تريد أن تحتفظ بها بين طياته فلا تخرج إلى حيز الوجود ...
عيد نوروز ما أجمله .. تلبس الفتيات طيف من الألوان المميزة الزاهية , والفرح يطل من العيون الأمهات والآباء وكل من يشاركنا فرحتنا في عيدنا , ودبكاتنا الفلكلورية وأغانينا النابعة من صدقنا وإيماننا بالمشاركة الجماعية .
صدفة غريبة بأن يكون يوم نوروز هو يوم زواجهم , تخيلت ( همرين ) نفسها تزف عروسا
( ل جوان ) في ليلة العيد , فرحت كثيرا , وغرد ت العصافير وطربت شجرة التين والزيتون وهديل الحمام يرش السلام ...
فتحت (همرين) عينيها على صرخات مزعجة ظنتها في البداية كابوسا ثقيل الظل أراد أن يجتر على أحلامها الوردية ..
أسرعت لتفتح باب غرفتها , رأت التوتر يجوب منزلها , سمعت صوت والدها يصرخ " اللعنة إنهم هنا لقد وصلوا إلى شارعنا " أصوات الرصاص في أرجاء المدينة ..
خفق قلبها في عنف , لقد أتوا ليهدموا أحلامها بالرصاصات وقنابل مسيلة لدموع , سيقضون على كل شيء في مدينتنا .
لا تدري كم من الوقت مضى عليها وهي شاردة الذهن ..
رأت النيران تحرق بعض الأماكن في المدينة , والصرخات تدوي في كل مكان والناس يركضون في اتجاها ت مختلفة , احدهم أصيب برصاصة طائشة والدماء تغرق وجهه , بكت بمرارة , تشبثت بالأرض , لا لن ارحل يا أبي .. يشير بيديه الملوثتين بالدماء ابنه الجريح ..
هيا , خذ ي والدتك واخو ك, اذهبوا جميعا إلى منزل أبو جوان .. لم تصدق (همرين) وهي تسير مع آمها وأخوها الصغير , ليلة العيد التي حلمت بها طيلة أعوام . قد أصبحت كابوسا حقيقيا ..
لحظات قصيرة وفقدت أخوها الكبير ولا تعرف ماذا سيكون مصير والدها بعد أن تركوه وحيدا مع أخوها الجريح ..
خيم على المدينة دخان خانق و الناس يفرون , يحملون بقايا من أحلامهم , والأطفال وثيابهم الملونة , تمرغ بالدماء الحقد والكراهية بسبب . الكرة الغبية ..
ووسط كل ذلك خفق قلب (همرين) " جوان" أين أنت يا ترى؟ ازدادت دقات قلبها في لوعة , والدموع تخنق أنفاسها وأفكارها المشتتة تكاد تعصف بها ..
كل شيء أصبح أمامها قاتما , أحلامها تبخرت , اعتصرت يداها بقايا ذكرى جميلة , كانت بالأمس تعزف عليها أجمل الألحان ..
الليل يمتد , لا تجد سوى الدخان الحرائق في الأماكن البريئة وبدأ السلب والنهب تمتد إلى المدن المجاورة وحتى القرى لم تسلم من النهب ..
.. وصرخت بأعلى صوتها أين أنت يا (جوان) لقد فروا جميعا والذي لم يستطيع الفرار اختبأ في حفريات المدينة مع الجرذان , ها هو ذا يقترب منها , يريد أن يحتضنها إلى صدره ..
الدماء تغمر جسده . الدموع تملأ مقلتيها , وأسرعت إليه لتضمه , كلا يا (جوان) لا تتركني .
يرفع رأسه من بين جراحه ووجهه الشاحب , سامحيني يا حبيبتي , لن أستطيع أن أحقق حلمك , لن نتزوج في ليلة عيد نوروز ..
تنفجر في البكاء , تحتضن رأسه إلى صدرها , صوته الوهن , العذب يتردد صداه , هنا في قلبها .. لا تبكي أرجوك لا أريد أن تكون دموعك أخر شيء يودعني يا صغيرتي .. أنا ورفاقي الشجعان دافعنا عن كرامة امتنا الأبية الصامدة أمام كل الأحقاد .
تتناثر الدماء من بين شفتيه , تحضنه إلى صدرها , تنظر إليه بلوعة شديدة , لقد استشهد بطل الانتفاضة ..
استشهد بطل قامشلوكة افين ..
وصرخت بكل قوتها .. لقد رحل فارس أحلامي يا أماه .. آمها , كانت تشاركها دموعها , وتنظر إليها , تشعر بأن ابنتها سوف تغدو أسيرة لتلك الليلة .. ليلة عيد نوروز ...؟
هذه الكتابه تعبر عن راي كاتبها