سوريا والتدخل الخارجي ...... بقلم: أ. خورشيد شوزي
هناك تقارير حقوقية مؤكدة عن تعذيب وقتل الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، ومنذ بدء الثورة السورية وإلى الآن، يرتكب جلاوزة النظام، من الأمن وفرق الموت (الشبيحة)، وفرق من الجيش، جرائم غير إنسانية
حكايات بطولية ممتلئة بعبق التاريخ تخبرنا بها ملاحم حركة الشعوب نحو
الحرية وإسقاط كابوس الظلم والاستعباد، هذه الملاحم صنعها الآباء والأجداد من قبل،
ويصنعها الأحفاد الآن من خلال نموذج إنساني لثورة الحرية والكرامة، والتي سيتحدث
عنها التاريخ طويلاً، فهو اليوم يكتب قواعد الثورة بالدم والتضحيات بصدور عارية
أمام جبروت آلات القتل للطغاة، ليسطر بدايةً حقيقية أخرى لتاريخه العظيم.
هناك تقارير حقوقية مؤكدة عن تعذيب وقتل الأطفال والنساء والشيوخ
والشباب، ومنذ بدء الثورة السورية وإلى الآن، يرتكب جلاوزة النظام، من الأمن وفرق
الموت (الشبيحة)، وفرق من الجيش، جرائم غير إنسانية، ومذابح ممنهجة، من خلال دك
المدن بقذائف الدبابات والقناصة والشبيحة الذين يهاجمون التظاهرات السلمية،
منتهكين الحرمات وتخريب الممتلكات ، وسرقة البيوت والمحلات، ويقومون بأعمال
التعذيب والقتل في الساحات العامة، والمنازل والمعتقلات، مستخدمين الكهرباء وقلع
الأظافر، وبتر الأعضاء، وحتى المصابين يمنع نقلهم إلى المشافي، والذين يصلون منهم،
يتم الإجهاز عليهم بوحشية.
أما الاعتقالات التعسفية فهي تتم بشكل مهين للكرامة الإنسانية،
والقانون، وحقوق الإنسان، والأخلاق، والضمير، وكذلك استدعاء الناشطين والسياسيين
والحقوقيين والمثقفين لمراكز الأمن، والتحفظ على الكثير من سجناء الرأي والسياسيين
في السجون بعد إصدار قانون العفو، والمحاكمات الجائرة بحق الناشطين الحقوقيين والسياسيين
والشباب المتظاهرين خاصة في محافظة الحسكة، وبفضل هذه العقلية الإجرامية للنظام
فقد أصبح أكثر من عشرون ألفاً من المواطنين السوريين رهن الاعتقال أو الاختفاء
القسري، وأكثر من خمسة آلاف شهيد.
وبالرغم من هذه الفظائع التي ارتكبت، وترتكب بشكل يومي، منذ تسعة أشهر
بحق أبناء الشعب السوري من قبل جلاديه، إلا أنه لم يكن يوجد لدى غالبية الشعب
الصامد حتى قبل فترة قصيرة مؤشرات على تقبل فكرة الاستعانة بالخارج، وبالأخص
التدخل العسكري(علينا أن نميز بين أساليبه المتعددة)، وهو موقف يحمل حرصاً شديداً
على النأي بسوريا عن الحروب الأهلية ، الحروب التي يسعى إليها النظام، إلا أن رفض
هذا التدخل بشكل قاطع قبل الآن لم يكن ينم عن رؤية صحيحة لحقيقة الأوضاع في سوريا،
فالحالة السورية حالة سلطوية فريدة تم حبكها بعناية على مدى أربعة عقود من
التحالفات والسمسرات التي أتاحت للنظام تملك أدوات قمعية فتاكة، ستستمر، مهما
تراكمت العقوبات الشكلية ضعيفة التأثير، والتي تقابل من جهة الدول الراعية للنظام
بالتمويل والدعم، مالياً وعسكرياً وسياسياً.
ولكن رأي الشعب تغير باتجاه طلب تفعيل الضغط أو التدخل الخارجي بعيد
المجازر الرهيبة التي ارتكبت وسترتكب ضده، حتى أنه تمت تسمية إحدى الجمع بـ "جمعة
أحرار الجيش" ثم تتالت الجمع التي شعاراتها هي نوع من المطالبة بالتدخل
الخارجي، مثل "جمعة المهلة العربية"، ثم "جمعة تجميد العضوية"،
ثم "جمعة طرد السفراء"، وأخيرا "جمعة المنطقة العازلة"، أي
الحماية بكل الوسائل والطرق، وحتى العسكرية التي من شأنها أن تساهم في إضعاف
النظام، وفرض عزلة دولية عليه، وإسقاطه، وهو ما سيتم لا محالة، بالتدخل الخارجي،
وتفعيل دور الضباط الأحرار المنشقين عن النظام، والصمود السلمي الشعبي في وجه
أدواته القمعية، وهذا الصمود سيكون مثل "السوسة" التي ستنخر في جسد
النظام المتداعي، وفي النهاية الانتصار للشعب.
هناك عوامل كثيرة تجعل التدخل الخارجي لصالح الشعب السوري بطيئاً جداً
(مع العلم أن التدخل الدولي قائم في سوريا منذ بداية الثورة السورية، من خلال
الدعم المتنوع الذي تقدمه إيران وأداتها حزب الله في لبنان، والدعم الدبلوماسي أو
العسكري الذي تقدمه روسيا والصين وبعض الدول الأخرى، وآخرها صفقة الصواريخ الروسية
المعلنة، ناهيك عن الصفقات غير المعلنة، والدعم المالي الذي قدمته العراق، كل ذلك،
بالتأكيد مظاهر تدخل دولي لصالح النظام).
فالظروف المصيرية التي تمر بها سوريا اليوم، بشكل عام، والكورد بشكل
خاص، تتطلب منا جميعاً تغيير عقلياتنا التفريقية القديمة في مواجهة الأوضاع
الراهنة، والمرحلة المصيرية التي أوجدتها رياح التغيير الربيعية التي ستحدد هويتنا
المستقبلية في سوريا، وهذا يتطلب منا التفكير بعقلية واقعية، وترتيب وتنظيم وتوحيد
الرؤى، التي باتت ضرورة مرحلية وإستراتيجية لا مناص من السير باتجاهها، والأخذ
بها، للم شمل الكورد، ولا أبالغ إذا قلت بأن الأحزاب الكوردية هي الركيزة الأساسية
في بناء البيت الكوردي، ضمن وضع الجميع أنفسهم أمام السؤال "ماذا نستطيع أن
نحققه للكورد في ظل فرصة تاريخية لن تتكرر؟"، كما لابد لنا الانتباه إلى دور
الشباب الكوردي المساهم في الثورة، حيث كان "جوانين كرد" طليعة شبابنا
الكوردي الذين سدوا هذا الفراغ في البداية، وإن كان ينكل بهم من قبل الأمن، فلم
تمر فترة إلا وكان هناك أعضاء منهم في السجن، ولا يزال حتى الآن من يدفع منهم
الضريبة، وقد أصبحوا نبراساً لنا، فانطلقت نوى شبابية كثيرة استجابت لهم، وهم
العنوان والفخار لنا، وكذلك كل الشباب الكوردي البطل الذي نرفع بهم رؤوسنا، وعلى
أحزابنا أن يوحدوا الجهود مع هؤلاء الشباب، وأن يكونوا لهم القدوة الحسنة للوصول إلى بر الأمان الذي يحقق
مطالبنا وحقوقنا المشروعة.