أثارت تركيا يوم الثلاثاء خيار التدخل العسكري في جارتها سوريا في حين
رفضت روسيا حتى فرض حظر للسلاح بينما تحاول دمشق وضع حد للاحتجاجات المناهضة للحكومة.
ومما يبرز الانقسامات بين القوى الكبرى بشأن كيفية التصدي لإراقة الدماء
في سوريا قال وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو ان أنقرة مُستعدة "لاي سيناريو".
ومن جانبه قال وزير الخارجية الروسي انه حان الوقت لوقف توجيه إنذارات لدمشق.
وتواجه سوريا عقوبات اقتصادية متزايدة وادانة بسبب ما تسميه الامم المتحدة
"انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان" لكن الرئيس بشار الاسد لا يظهر أي مؤشر على
الإذعان للضغوط لانهاء قمعه العسكري للمحتجين الذين يطالبون بالاطاحة به.
وتستبعد القوى الغربية منذ فترة طويلة اي تدخل في سوريا على غرار ما حدث
في ليبيا لوقف الحملة التي يعتقد انها اودت بحياة اكثر من 3500 الف شخص خلال ثمانية
أشهر.
لكن وزير الخارجية التركي أشار الى ان القوة العسكرية لا تزال خيارا وان
كان بعيدا على ما يبدو اذا لم يستمع الاسد الى النداءات بوقف العنف.
وقال داود أوغلو لتلفزيون (كانال 24) "اذا استمر القمع فان تركيا
مستعدة لاي سيناريو. أتمنى ألا يكون التدخل العسكري ضروريا أبدا. على النظام السوري
أن يجد وسيلة للتصالح مع شعبه."
وأثار داود أوغلو احتمال إنشاء منطقة عازلة في سوريا اذا ادى العنف الى
فيضان من اللاجئين وهي فكرة استخدمتها أنقرة داخل شمال العراق خلال حرب الخليج الاولى
عام 1991.
وفي حين كان قصف حلف شمال الاطلسي لليبيا حاسما في مساعدة المعارضين على
الاطاحة بمعمر القذافي تتخذ القوى الغربية نهجا أكثر حذرا بشأن سوريا التي تقع في قلب
صراعات الشرق الاوسط وتشترك في الحدود مع اسرائيل ولبنان وتحتفظ بعلاقات قوية مع ايران.
وفي موسكو رفض وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الدعوات في الامم المتحدة
الى فرض حظر سلاح على سوريا قائلا ان تحركا مماثلا ضد ليبيا أثبت انه متحيز وساعد المعارضين
في الاطاحة بالقذافي في اغسطس اب.
وقال في مؤتمر صحفي "نعلم كيف سارت الامور في ليبيا عندما طبق حظر
السلاح فقط على الجيش الليبي في حين حصلت المعارضة على السلاح وتحدثت دول مثل فرنسا
وقطر علانية عن الامر بدون خجل."
وترتبط موسكو -التي انتقدت أيضا المزيد من العقوبات التي فرضتها دول غربية
وعربية على سوريا- بعلاقات سياسية واستراتيجية وثيقة مع حكومة الاسد وتمثل مصدرا أساسيا
للسلاح بالنسبة لدمشق.
وقال لافروف ملمحا الى الجامعة العربية وقوى غربية ان الوقت حان
"للتوقف عن استخدام الانذارات" للضغط على دمشق وكرر دعوة روسيا الى الحوار
بين الحكومة السورية وخصومها الذين تقول موسكو انهم يتحملون جزءا من المسؤولية في اراقة
الدماء.
واضاف "في الاغلب تستفز الجماعات المسلحة السلطات. ليس من الصواب
توقع أن تتجاهل الحكومة هذا الامر."
وتحالفت روسيا مع الصين الشهر الماضي في استخدام حق النقض (الفيتو) ضد
قرار مدعوم من الغرب في مجلس الامن التابع للامم المتحدة يدين حكومة الاسد. ولكلتا
الدولتين امتيازات نفطية في سوريا في حين لدى روسيا ايضا قاعدة بحرية قليلة الاستخدام
هناك وتوفر مستشارين عسكريين للجيش السوري.
وقال لافروف "كلما استمرت الاوضاع على هذا المنوال في سوريا كلما
سبب لنا هذا مشاكل."
وتحث روسيا الاسد على تنفيذ اصلاحات لكنها ترفض المطالب الدولية باستقالته
واتهمت دولا غربية بمحاولة تمهيد الطريق للتدخل العسكري.
وتقول مؤسسة (كاست) الروسية وهي مركز للابحاث العسكرية ان سوريا مثلت
سبعة في المئة من صفقات السلاح الروسية للخارج والتي بلغ حجمها عشرة مليارات دولار
عام 2010.
وقال داود اوغلو ان من السيناريوهات الممكنة اقامة منطقة عازلة لاحتواء
اي تدفق جماعي للاجئين السوريين.
واضاف "اذا بدأ عشرات ..مئات الالاف من الناس يتقدمون نحو حدود العراق
ولبنان وتركيا فليس على تركيا وحدها بل على المجتمع الدولي ان يتخذ بعض الخطوات مثل
اقامة منطقة عازلة. نحن لا نريد ان يحدث ذلك لكن ينبغي لنا ان ندرس ونعمل على هذا السيناريو."
واقام الجيش التركي منطقة عازلة امنية داخل شمال العراق في عام 1991 ويحتفظ
بسرايا من جنوده هناك منذ ذلك الحين.
واختلفت تركيا صديقة سوريا القديمة مع الاسد وتقول انها ستنفذ بعض العقوبات
التي اقرتها الجامعة العربية مطلع الاسبوع. وقال داود اوغلو ان الاسد يرتكب نفس اخطاء
القذافي والرئيس العراقي الراحل صدام حسين باطلاق العنان للقمع الذي لم يؤد سوى لمزيد
من المعارضة.
غير انه قال انه لا يزال امام دمشق فرصة لقبول المراقبين الدوليين الذين
اقترحتهم الجامعة العربية.
وقال وزير اخر ان تركيا ستباشر علاقاتها التجارية مع منطقة الشرق الاوسط
عبر العراق في حالة تدهور العنف في سوريا.
ونقلت وكالة انباء الاناضول عن وزير النقل التركي بينالي يلدريم قوله
اليوم ان أنقرة ستفتح بوابات حدودية جديدة مع العراق اذا لزم الامر.
وقال يلدريم ان العقوبات لن تضر بالشعب السوري ومضى يقول "نعتزم
استخدام بوابات حدودية جديدة في العراق لعبور الشحنات اذا تدهورت الاوضاع في سوريا."
وذكرت صحيفة صباح التركية أن انقرة ستفرض بصورة انتقائية عقوبات أعلنت
عنها الجامعة العربية لتجنب الاضرار بالشعب السوري.
وفرضت الجامعة العربية العقوبات يوم الاحد وطرح الاتحاد الاوروبي عقوبات
خاصة به في اليوم التالي.
وقالت الصحيفة انه سيجري تعليق حسابات الحكومة السورية في البنك المركزي
التركي وستوقف المبيعات الرسمية للدولة السورية وسيفرض حظر للسفر على الاسد وأفراد
عائلته.
لكن الرحلات المدنية لن توقف وستستمر خدمات الخطوط الجوية التركية الى
دمشق. ولم تذكر الصحيفة مصادر لهذا الخبر.
* من دارين بتلر وناستاسيا استراشيوسكايا
(رويترز)