جاء البعث وحكم البلاد، وصار الحزب القائد للدولة والمجتمع. ادعى أنه يمثل ماضي وحاضر ومستقبل الأمة. بقي يردد أنه "الممثل الشرعي الوحيد للشعب"، دون أن نرى له صندوق انتخاب واحد حتى ولو كان على شكل صندوق تفاح أو طماطم
المجلس الوطني هو الممثل
"الشرعي الوحيد للشعب السوري". كلام يردده قادة وأعضاء المجلس، قبل أن يعيده
أنصارهم في الداخل والخارج. نحن لسنا بصدد مصادرة آراء هؤلاء، فكل شخص، أو جماعة، أحرار
بآرائهم والدفاع عنها بالطريقة التي يرغبون. النقد التالي هو نقد للخطاب واللغة، وليس
انتقادا لشخوص الناس، لأننا ضد التشهير، ولسنا في صف أحد ضد آخر.
لكن: في عام 1963 حصل الانقلاب
البعثي الشهير، وجاء "مجلس قيادة الثورة" المؤلف من العسكر. السوريون يسددون
اليوم أخر فواتير ذاك اليوم.
جاء البعث وحكم البلاد، وصار
الحزب القائد للدولة والمجتمع. ادعى أنه يمثل ماضي وحاضر ومستقبل الأمة. بقي يردد أنه
"الممثل الشرعي الوحيد للشعب"، دون أن نرى له صندوق انتخاب واحد حتى ولو
كان على شكل صندوق تفاح أو طماطم !
اليوم يوجد المجلس الوطني
المعارض. يردد المجلس وبقوة أنه "الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري". يقول
المجلس إنه "أنصاره من المتظاهرين رفعوا لافتات تأييد له". مع ذلك، لم تحصل
انتخابات ديمقراطية، لنعرف من هو الممثل الشرعي للشعب السوري، وحتى لو كان كل السوريين
يناصرون المجلس، قسم منهم شاهدناه في الشارع، وربما هناك من يناصره سرا خوفا من البطش
بهم، فإن تعبيرا بحجم "ممثل شرعي" يحتاج انتخابات ومراقبين. إذا انتخبوا
المجلس عبر الصندوق، سنبارك له. هكذا تكون الديمقراطية التي نتطلع إليها في سوريا.
إن تعبير "الممثل الشرعي
الوحيد للشعب السوري"، يخيفنا ويذكرنا بمجلس قيادة الثورة عام 1963. إن كلمات
"الوحيد، والقائد، والملهم، والضرورة"، أنهكت السوريين نفسيا وسياسيا. لقد
حطمتهم. هذه التعابير من قبل أي مجلس سوري، وأخرهم المجلس الوطني، تخيفنا، وتجعلنا
نتوجس بأننا غدا إذا جاء المجلس للحكم وحكم البلاد وقمنا بانتقاده مثلا فإنه سوف يقوم
باعتقالنا كصحفيين وتعذيبنا ويستخدم معنا نفس أدوات البعثيين وأجهزتهم، من كرابيج ومواسير
وكابلات رباعية، ولكنها ستكون أدوات تعذيب مطورة وشفافة أكثر من تلك البعثية! ربما
إذا وجهنا نقدا للمجلس سوف يتم الإلقاء بنا في السجن بتهمة "معاداة الثورة"
– التهمة نفسها التي وجهها النظام السوري لمعارضيه منذ عام 1963 وحتى يومنا.
قد يرد البعض علينا، ويرى
أنه من المبكر الحكم على المجلس. ربما، ولكن نقول مجددا أن المفردات المذكورة أعلاه
مخيفة، ولها تاريخ أسود في ذاكرة السوريين، كما أن صفحات الفيسبوك تعج بتخوين وتكفير
وإقصاء كل من يوجه كلمة نقد واحدة للمجلس، أقلها اتهام الشخص المنتقد بأنه شبيح وعميل
للمخابرات السورية.
إن المجلس يتحدث عن مرحلة
جديدة في البلاد، ولذلك على قادته أن يخرجوا ويعلنوا الترحيب بأي نقد يوجه لهم، ويدينوا
بشدة أي تخوين وتكفير وإقصاء لأي شخص يعبر عن رأي ناقد ضدهم طالما هذا الرأي يأتي في
إطار حرية التعبير وبعيدا عن التشهير.
وقبل أن نختم المقال، لابد
أن نشير إلى أن بعض قادة المجلس الذي يقول بأنه "الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري"
وجهوا نداء إلى "الجيش السوري الحر" وطلبوا منه "عدم مهاجمة الجيش النظامي
والاكتفاء بالدفاع عن المتظاهرين"، إلا أن كتيبة تابعة للجيش الحر نفذت هجوما
ضد مجموعة من طياري سلاح الجو السوري وهم في باص مبيت في طريقهم إلى منازلهم، وليسوا
في طريقهم لقمع المتظاهرين لأن الطيار يقود طائرة وليس باص مبيت، فلماذا لم ينفذ
"الجيش الحر" توجيهات قادة المجلس طالما أن المجلس "يمثل الشعب السوري"
؟ هل هذا يعني "أن الجيش الحر يخالف تعليمات ممثلي الشعب السوري- أي تعليمات الشعب
السوري مباشرة "؟ وبهذه الحالة "إذا كان الجيش الحر يخالف توجيهات ممثلي
الشعب السوري (المجلس الوطني) .. كيف نقيم لهم جمعة خاصة ؟".. تساؤلات سياسية
تحتاج أجوبة سياسية.