الأحد 16 شباط / فبراير 2025, 09:51
كيف تنشد الحرية




تكبير الحروف : 12 Punto 14 Punto 16 Punto 18 Punto
كيف تنشد الحرية
الإربعاء 02 تشرين الثّاني / نوفمبر 2011, 09:51
كورداونلاين
عندما نرفض ما هو سلبي بالنسبة لنا وما هو غير سوي وما هو بائد وما هو مستبد في حياتنا, هذا يعني أننا ننشد الأفضل,

نندرج في سياق مقالنا هذا لمعرفة وإدراك ما تكوننه الليبرتارية, من فهم ذهني وموضوعي لمجمل تفاصيل الواقع الحياتي المعاش, ومن منطلق البناء على المنظور العام لفهم وذهنية الوسط الاجتماعي, والنتيجة ماهية الحرية بفضائها الواسع وكصبغة مفهوم شامل لا إيديولوجي وخاص بذاته.

فمنذ النشوء, يتطور الإنسان شيئاً فشيئاً في صيرورة حياته, وهذا التطور ناتج عن سعيه المستمر نحو الأفضل, وهذا السعي نابع من يقينياته الفطرية, من يقينية الطموح التي تولد الدافع للارتقاء نحو الأفضل أو الوصول إلى الهدف المحدد, بالتالي الارتقاء والتطور اندرجا حكماً من خلال التجارب واتساع أفق مدارك الإنسان عبر صيرورة حياته, ومن هنا عندما يريد أو ينشد الإنسان شيء ما, يكون قد أدرك ذلك الشيء في عقله, وإلا لما أراده, وتلك الإرادة هي نشوء سعيه للارتقاء والتقدم, وبما أن الطموح يقينية فطرية لدى الإنسان تقوده نحو التفوق والتطور في حياته, بالتالي يبقى التطور والتغير في حركة مستمرة ولا متناهية في صيرورة حياة الإنسان, وتلك الاستمرارية في التغير والتطور, ناتجة من اتساع أفق مدارك العقل الذي يتسع من خلال توالد الفكرة للفكرة, ومن هنا يكون مدى التقدم والتطور مبنياً على مدى أفق الوعي لدى الإنسان, وذلك الوعي في جميع الاتجاهات يتشكل ويتطور من خلال مجمل السبل الفكرية والثقافية, وبما أننا نريد الحرية وننشدها, فينبغي أن نسعى لإدراك أرضيتها الفكرية, تلك الأرضية النابعة من جوهر الطبيعة للحياة الإنسانية ونسلك سبل التحرر من ما بات سلبياً في حق الحياة ورجعياً في الوارث الفكري والثقافي الإنساني, والتقدم في كسر شوكة الثقافة السلطوية وجموحها الكابح لأنشودة الحرية.  

عندما نرفض ما هو سلبي بالنسبة لنا وما هو غير سوي وما هو بائد وما هو مستبد في حياتنا, هذا يعني أننا ننشد الأفضل, نريد أن نتحرر من ذلك الشيء, وببساطة إن لم نكن أحرار لا يمكننا الوصول للأفضل في حياتنا, ذلك أن ثمة سلطوية تكبح وصولنا, ورغم أن السلطوية تتعدد وفق المكان وحسبه, يبقى أخطر السلطويات الكابحة لعجلة تحررنا, هي التسلط العقائدي الشمولي وسلبيات الموروث الثقافي والاجتماعي على أذهاننا, وبالتالي عندما ننشد الحرية ونريدها, هذا يعني أننا ليبرتاريو النزعة (أي الحرييون), وبما أننا كذلك ورغم أن إنشاد الحرية يقينية رافقت مسيرة حياة الإنسان منذ النشوء, وسواء بوعيها أو بدونه, إلا أن مسلك الحرية في عصرنا هذا بات حركة وعي اجتماعي عام ومتبلور, وهذا التبلور يتضح من خلال رفع صوت الإنشاد العام للحرية وإدراكها وسلك سبل التحرر, وتلكم هي من صميم المفاهيم الليبرتارية التي تبلورت أصلاً وتتبلور من جراء ارث الثقافة البائدة وتراكم ممارساتها السلطوية وعلى اختلافها. 

إذا ما هي الليبرالية ـ الليبرتارية ـ ليبراليزم (liberalism), فمن حيث التسمية,هي كلمات ترمز إلى المفاهيم في الحرية والتحرر وتنطلق منها, وهي تعني التحرر وأي بمعنى إنشاد الحرية و أي الحرييون, وقد اشتقت من مصادرها في اللاتينية, ليبر (liber) وتعني الحر, والانكليزية ليبرتي (liberty) أي الحرية, وبالتالي يمكن قلبها إلى أية لغة بمعناها الدقيق إذا ما سمحت قواعدها اللغوية بذلك؟, ففي الكوردية ( الحر ـ آزاد ,الحرية ـ آزادي, التحرر أو التحرري وتحديداً الليبرتارية ـ آزادياتي ), وبالتالي الليبرتارية هي مفهوم أو مذهب لا عقائدي (لا إيديولوجي) أو فكر للحرية والتحرر, مبني في أساسه على الحرية المطلقة والحق المطلق, وينضبط في مفهومه على أساس حق الحياة للجميع؟, كما أنه يخضع ويتكيف حسب ظروف كل مجتمع ونوعية وسوية ثقافتها, ولكنه لا يخضع كلياً ويتحرك ويتغير ويتقدم ويتطور بتحرك متطلبات الفرد والمجتمع, وبالتالي الليبرتارية هي حركة وعي اجتماعي وسياسي تستند على مبدأ الحق في الحرية والاختيار, وتهدف إلى تحرير الإنسان, سواء أكان فرداً أو جماعة من القيود السلطوية على اختلافها, والتي تشمل في إطارها العام بالقيود السياسية والاقتصادية والثقافية, ففي الجانب السياسي, تؤكد وتنطلق من مبدأ الحق والحرية, بالالتزام باستقلال الفرد والحريات الشخصية, وضمان مبدأ المساواة أمام القانون, وحماية وتأييد النظم الديمقراطية والحريات السياسية والمدنية والإصلاحات الاجتماعية, أما في الجانب الاقتصادي, فقد ارتبطت الليبرتارية بالحرية الاقتصادية وسمي الاقتصاد وفقها بالاقتصاد الليبرالي أو الاقتصاد الحر, حيث تنطلق في ذلك من مبدأ الحرية ذاته, وتنشد الاقتصاد الحر والانفتاح (الاقتصاد الكلي), وتأكيد على المنافسة الحرة, التي تؤدي بدورها إلى الاقتصاد التفاعلي والتكامل التلقائي, وحيث عروض الجودة والقيمة السعرية.   

تستند الفلسفة الليبرتارية وتتمحور بشكل أساسي, حول حرية واستقلال الفرد, انطلاقاً من حق الحياة الموهوب للجميع, فهي تعني حرية الفرد في جميع اختياراته في الحياة دون أية وصاية, فقد وجد الإنسان كفرد مطلق الحرية في الحياة الطبيعية الواهبة له, وانطلاقاً من حقه في الحياة هذا, تنطلق حريته المطلقة فيها باختياراته, ما دامت لا تتجاوز ولا تتدخل في حجز حرية الآخرين وخياراتهم, فلكل إنسان الحق في دائرته الشخصية والخاصة كيفما يعيش ويشاء ويعتقد ويفعل في الحياة, فلكل منا رغباته وطموحه وأخلاقياته وخياراته وعقله الخاص به الذي يقوده في الحياة, وبالتالي لا تأبه الليبرتارية لسلوك الفرد طالما أنها لم تخرج عن دائرة حقوقه وحرياته, فقط تصبح صارمة عند تجاوزه لحقوق وحرية الآخرين انطلاقاً من حق الجميع في الحرية والحياة, ومن جهة أخرى أيضاً, تنتهي الحرية وسواء أكانت لفرد أو جماعة أو دولة وما شابه, في فعل المساس بالحياة وتكاملها أو أي شيء من المشترك المادي الطبيعي وتكامله, والذي هو هبة للجميع ومن حق الجميع في الحياة, إذا ما ثبت الخلل الجسيم أو سبب مهدد لحياة ما والاتفاق عليه, أو إذا ما شرع ذلك وفق الأصول, انطلاقاً من الحق العام للمشترك الإنساني والحياتي لما تحتويه الطبيعة الحية والخامة وديمومتها, أما بالعودة إلى المنطلق الرئيسي في الفلسفة الليبرتارية والأساس فيها هي حرية الفرد, التي تتمحور في حق الاختيار كيفما يشاء لحياته, له الحق وخاصته في اعتناق ما يشاء أو عدمه, له الحق في إتباع إيديولوجية وضعية أو سماوية أو يحيا متحرراً من الأطر العقائدية, له حق الاعتقاد بوجود خالق أو عدم وجوده, له حق التعبير عن قناعاته بمختلف الوسائل وعلنيتها وكما يريد, له الحق في متابعة قناعاته والبحث عنها, له الحق الانضمام أو الاشتراك في أي جماعة ما, له كل الحق في رغباته واختياراته وقناعاته, فالليبرتارية تعني حق الحرية والاختيار.

انطلاقاً من حرية الفرد وفضاء الحرية الواسع, ليس لليبرتارية أية مرجع مقدس, وكل نتاجها الفكري لا يغدو أكثر من اعتقاد منتجها الفرد, ذلك أن الحرية أوسع من العقيدة وشمولية أي إيديولوجية وفكر, ولو قدس أي من رموزها لما أصبحت حين إذ ليبرتارية أي الحرياتية, وتصبح من تلقاء نفسها إطاراً إيديولوجياً, وذلك تبعاً من أن الحرية حريات وبعدد تواجد الإنسان في العالم, فقط مرجعية الحرية هو ذلك الحق الطبيعي للإنسان في الحياة وبفضائه الواسع, أما كل النتاج الفكري حول قيم الحرية فجميعها مراجع ليبرتارية غير ملزمة لكنها قابلة لتكيف واختيار أي فرد معها, وبالنتيجة فكلها نتاج ثقافة إنسانية في بلورة ثقافة الحرية, وبالتالي كل فرد ليبرتاري هو مرجع ليبرتاريته وله الحق والحرية في التشارك مع الآخرين أو عدمه, كالانضمام ألي جماعة فكرية أو تنظيم أو التشارك في مطالب عامة وما إلى هنالك وفق اختيارات الفرد.

ففي جانب بلورة الثقافة الليبرتارية, وانطلاقاً من حق الفرد في التعبير عن قناعاته, وكون الليبرتارية هي ثقافة الممارسة, فلا يفترض ولا يجوز أن يفرض الليبرتاري أرائه وقناعاته على الآخرين, وإن لكان كذلك لم يعد ليبرتارياً ولأصبح مستبداً, فالليبرتارية تحترم اختيار الآخرين لقناعاتهم, لأن الكل حر في قناعاته, فالليبرتارية تتكيف مع سوية ونوعية الثقافة العامة في أي مجتمع كان, كما أن الليبرتارية تعني التحرر وثقافتها, ولذا هي تحارب كل ثقافة وأفكار وممارسات سلبية وإملائية وأيً كان وضعيتها دينية أو دنيوية ومن شأنها كبح حق حرية الإنسان وحق اختياراته, كما أن الليبرتارية تحتضن وتشمل الجميع, الديني والعلماني والملحد والمؤمن فهي مبدأ الحرية والاختيار, وتقف بالضد من كل أشكال التطرف على حساب الآخر, وبالتالي هي تعبر أو الليبرتاري يعبر عن الحرية وتضميناتها وإطلاقها بالفكر والممارسة.

كيف يمكننا فهم ماهية تكيف الليبرتارية مع ثقافة المجتمع

بما أن الليبرتارية تعني التحرر وهي فكر وثقافة الحرية, فطبقاً لمدى نسبية السوية الثقافية للفرد والمجتمع, تتكيف الحرية بالنسبية وفقها, ومن هنا تتكيف الليبرتارية مع ثقافة كل المجتمعات وتقود التحرر وتتطور داخل المجتمعات من خلال حيز الحريات فيها, كما أن مدى انفتاح وليبرتارية المجتمعات, تستدل من  مستوى سويتها الثقافية, والتي تتضح من خلال مستوى نتاجها التطوري والحضاري بالمجمل, (( قد يقول قائل بما معناه: أن الاتحاد السوفيتي السابق, كانت دولة متقدمة بالرغم من أنها كانت تتبع الإيديولوجية وكنظام حكم؟, فيكمن الجواب باختصار, بأنها انهارت بسبب تنهجها للإيديولوجية والإيديولوجية سلطوية شمولية المنحى, فالعقيدة لا تراعي مدى الحرية والحرية تطمح لتحرير ذاتها, ويقينية الطموح الإنساني تتبع الحرية ولتحقيق الأفضل, وبالتالي التحرر هو من ينتج التطورات والتقدم المستدام؟)), وبعبارة أخرى, أن الرفعة الثقافية لأي فرد أو مجتمع تستوضح من خلال ما ينتج عنه من أعمال وأفعال وسلوكيات ممارسة, ومن هذا المنطلق يتبين الاستيضاح بمدى نسبية السوية الثقافية بين الأفراد والمجتمعات, وطبقاً لهذه السوية, نستدرك مدى نسبية تحرر الفرد والمجتمع من القيود السلطوية الثلاثة.

كما من الطبيعي أن يتشكل أي مجتمع كان من سويات فكرية وعقليات شتى, حيث تتفاوت السوية الثقافية فيما بينها, إلا أن ذلك التفاوت وبتطابقه لنوعية وسوية ثقافة أي مجتمع كان, يتلخص ويشكل في إطاره العام لنمطين فكريين وثقافيين, أحدهما يميل إلى العقائدية وعلى اختلافها, حيث يرسم أفقاً في الحرية, والآخر متحرر أو تحرري النزعة, أي ذو تطلع عمودي في الحرية وفضائها الواسع, وبالتالي يتخذ كل منهما على حدا وبشكله العام, طابعه الثقافي والفكري, في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي, ومن هنا, حيث تحكم الديمقراطية ومداها في العلاقة بين مكونات المجتمع وتعبيراته, وذلك لكون الديمقراطية ومهما كانت درجتها والتي هي أيضاً تعتمد على سوية ثقافة المجتمع, وهي تتمحور في مبادئها على حكم الشعب للشعب, بالتالي تكون مركز إتاحة فرص الاختيار للشعب في جميع قضاياه, ومن خلال ما يتقدم من رؤى وعرضها على الشعب أو مجالسه حيث عملية التصويت والإقرار تبعاً لنتائجها, ومن هذا المنطلق تكاد تكون الليبرتارية لا تنفصل عن الديمقراطية من حيث المبدأ, وكلاهما مبادئ في الحرية والاختيار, إلا أن طابع الاختيار في الديمقراطية يطرح من خلال عموميته, ووفق الغرض الذي يأتي فيه,وبالنتيجة الديمقراطية مفهوم للحُكمِ والحَكَم, أما الليبرتارية فهي حق حرية الاختيار التام للفرد واستقلاله من دون الرجوع إلى أحد في كل ما يخصه كفرد, وبطبيعة الحال الفرد خاضع للعملية الديمقراطية في مشاركاته مع الآخرين والمجتمع ككل, ذلك انطلاقاً من حق الحرية والحياة الموهوب للجميع, وفي هذا السياق تتأثر الليبرتارية بالديمقراطية وتندمج معها وترعاها في مسألة الحكم والعدالة الاجتماعية, إلا أن الليبرتارية تبقى نهجاً للحرية وتحرر الإنسان من كافة القيود السلطوية, وتتحرك بالتكيف مع نوعية وسوية الثقافة داخل المجتمع, كما أن لكل التعبيرات المجتمعية نبض ومكان فيها, وسواء إن أقر بها من يقر ومن لا يقر, وذلك وفقاً من أن الليبرتارية تمثل حرية الاختيار, بالتالي لكل منا اختياراته وتبعاً لتكوينات ثقافة المجتمع, والتي تتلخص فيها العلاقات الأفقية إلى ضروب وقناعات مختلفة ونسبية تتمحور في نهاية المطاف لطابع عقائدي ترسم أفقأً للحرية, حيث تمتثل ما بين الرجعية الفكرية وتمتد بنسبيتها وفق الأفق التي رسمها كل فرد أو طرف لذاته,

أما الليبرتارية فعلاقاتها عمودية, والعلاقات العامودية بإمكانها الاحتضان والتكيف مع مجمل العلاقات الأفقية, وتبعاً لذلك أيضاً, لا تتحدد الليبرتارية بالجهوية, أي أنها ليست في اليمين ولا اليسار, ولوفق التعبيرات الكلامية للثقافة السياسية السالفة والماضية, ذلك أن كلٍ من اليمين واليسار نقيضان إيديولوجيان وكلاهما يمتدان بعلاقات أفقية ويتمثلان للسلطوية, وبعبارة أخرى, ليست في الليبرتارية أفق تحدد, وإن أصبحت كذلك لأصبحت عقائدية سلطوية, وبالتالي تتقاطع العلاقات الأفقية في عامودية العلاقات الليبرتارية, أي التقاطع مع عامودية الفضاء الواسع للحرية, ووفق ذلك تستوضح مستوى التحرر من كثافة اللاحرية والسلطوية نسبة لمجمل العلاقات الأفقية, ولسبب عامودية العلاقات الليبرتارية, وأي تصاعدية التحرر فيها, تتكيف بدرجة لامتناهية مع مجمل الكل الثقافي, ويبقى هنا أن نستدل على ماهية هذا التكيف, بمعنى هل هذا التكيف يقودنا إلى النسبية أو إلى أن الليبرتارية ليبرتاريات أو أن الليبرتارية تمثل الوسطية طبقاً لتكيفها مع ثقافة المجتمع أم ماذا؛ بالرغم من ذلك كله, فلا نسبية في الليبرتارية كونها تعني الحق في الحرية المطلقة, انطلاقاً من حق الحياة الواهب والممنوح للجميع ولا سيادية احد على أحد فيها, ولكون الحياة ليست بمنحة إنسان حتى يرسم ويفرض فيها أفق الحرية على الآخر الإنسان, وبعبارة أخرى, فلا نسبية في الليبرتارية بقدر ما تعني التحرر من كثافة أللاحرية, ووفق ذلك أيضاً, لن تكون الليبرتارية ليبرتاريات, بل بقدر ما تعني تكيفك وتكيف ثقافتك معها, وبالنتيجة أيضاً بقدر ما تعني وجهات نظر ليبرتارية, كما أنها ليست بالوسطية ولا تمثل كذلك وبسبب تكيفها مع ثقافة الكل, بقدر ما هي تعني مسلك الحرية وموفر سبلها, ذلك أن فضاء الحرية واسع لا متناهي, حيث أنت من تتكيف مع هذا اللامتناهي وترسم الأفق فيه لذاتك وبحسبك, وبالنتيجة الليبرتارية مسلك التحرر من السلطوية, وأيً كانت هذه السلطوية وموقعها, فمتى ما قدتها قادتك للتحرر.

أما من جهة أخرى, وبما أن الليبرتارية تتكيف مع ثقافة المجتمع, بالتالي من الطبيعي أن تطرح الليبرتارية أو تشمل أو تنسب لها وجهات نظر عديدة, وقد تصنف وجهات النظر تلك تحت مسميات دالة على شكل أقسام ليبرتارية, إلا أنها لا تعني أن تكون لتلك الأقسام تعريفات وسياسات تحدد ماهيتها الخاصة, بقدر ما هي استدلال على نمط ثقافي وسياسي اقتصادي واجتماعي, وبالنتيجة ناتج هذا التكيف ووجهات النظر تلك, عائد إلى السيادة الكلامية للثقافة الأيديولوجية والسياسية التي مضت, والأكثر تحديداً تلك الأفكار والثقافة السياسية الاشتراكية والشيوعية, والتي هي أيضاً في اغلب تجمعاتها قد اضطرت وباتت تنحو وتتخذ في الكثير من ممارساتها العملية سياسات وأفكار ليبرتارية, وبعبارة أخرى ووفق الممارسات, حيث باتوا يبتعدون عن الأرضية الشمولية العائدة لإيديولوجيتهم إلى حد ما, وذلك بحكم صيرورة التقدم والتطور الفكري والثقافي, ولكن ما نعني به بتلك الأقسام في الليبرتارية, هي تنطلق من مبدأ الحرية المطلق وخياراتها وحق الحياة العام, ولذا فلا يغررن أحد تلك التعبيرات الكلامية لوجهات النظر الليبرتارية على أنها تتخذ منحاً إيديولوجياً في أقسامٍ ليبرتارية, فقد سبق وذكر أن علاقات الليبرتارية هي علاقات عامودية وبالتالي الحرية لا تتحدد أفقياً, ومن تلك الأقسام الليبرتارية...

الجيوليبرتارية, وهي دمج بين الليبرتارية والجيورجية, ويعني بذلك المبدأ القائم على أن أراضي الدولة هي ملك لكل مواطنيها, وأي بنحو ما ينتج عنها كشراء وامتلاك الفرد لقطعة منها, بالتالي يعود عائد أجارها للمجتمع ككل... .        

الليبرتارية اليسارية, وتنطلق من مبدأ المساواة, ومنها المساواة في ثروات المصادر الطبيعية, على اعتبارها ملك الجميع, ودعم أنواع من السياسات الاجتماعية, كالضمان الاجتماعي وتأييد الاتحادات العمالية.. .

الليبرتارية الاشتراكية وهي ذاتها كقسم من أو منسجم مع الليبرتارية اليسارية, حيث تنشد لتغيب كل أفاق وأشكال السلطوية وتقترن باللاسلطوية الاشتراكية والشيوعية.. .

الليبرتارية المحافظة, قد يصفها البعض باليمينية طبقا لتعبيرات كلامية وإيديولوجية, ووفق ذلك أيضاً يصنف إلى نوعين, وهما المحافظين والنيوليبرتارين (المحافظين الجدد), فالمحافظون غالباً ما يميلون في تأييدهم لنمط الواقع القائم ويصفون بالدستورين, وبطبيعة الحال هم يختلفون مع ما تم تسميته بالنيوليبرتاريين, واللذين قد يصفهم البعض بالخروج عن المألوف, وذلك وفق ما يعنى بهم بتأييدهم للحرية الكلية, لكن بالعودة إلى مغذى الليبرتارية والتي تعني التحرر وانطلاقاً من ذلك, فإن من يحافظ على أفق للحرية سقط من مبدأ الليبرتارية (التحرر), انطلاقاً من أن الحرية ليست لها علاقات أفقية بل تمتد عمودياً في نحوِ فضائها الواسع, ومن لا يحترم حق الآخر, أي يخرج عن نحوِ طبيعة حق الجميع في الحياة, أيضاً سقط من مبدأ الليبرتارية, وبالتالي يكمن شكل الاختلاف بين المحافظين والنيوليبرتارين على النحو التالي؛ فالنيوليبرتاريون هم تقدميو النزعة, حيث يختلفون بذلك عن المحافظين الراديكاليين القدامى إذا جاز التعبير, ففي الجانب الاقتصادي, ينشدون اقتصاد سوق كلي (سوق مفتوح), حيث يرفضون تدخل الحكومة في سن القوانين للتجارة, وبما أنهم عولميو الثقافة (عولمة) فهم متسامحون مع الهجرة الغير قانونية, أما في الجانب الثقافي الأخلاقي, وانطلاقاً من الحرية الفردية المطلقة في دائرتها الخاصة ومثالاً على ذلك, فهم متسامحون ويؤيدون حقوق المثليين, أما بالتالي وبصفة عامة فهم عولميون, وتختصر العولمة باللاحدود, وهو مذهب سياسي اقتصادي, يهدف إلى إزالة الحدود أمام البشر والبضائع والأموال والمعلومات, من دون أن يعترض ذلك أية عوائق سلطوية, واعتبار العالم قرية كونية صغيرة وذات حضارة إنسانية.

أخيراً, بما أن الليبرتارية تتكيف مع ثقافة الكل وهي تعنى بالتحرر, لذا بقي أن نذكر بإيجاز ووفق ما سلف, بأن الليبرتارية لا تحكمها التوافقية مطلقاً؟, فقط عقائدية العلاقات الأفقية, هي من تطرح توافقيتها في عامودية العلاقات الليبرتارية, وبحكم صيرورة التقدم والتطور الفكري والثقافي, وبعيداً عن التعبيرات الكلامية, يبقى للفرد اختياره, والفرد هو من يشكل المجتمع, وبالتالي هو من يحدد درجته في الحرية, أو مدى التخلص من كثافة اللاحرية, وبالتالي أيضاً تبقى الحرية في الأعلى اللامتناهي, حيث يتقدم الإنسان نحوها بتقدمه الفكري ونبله الثقافي والحضاري وسموه الإنساني. 

 ـــــــــــــــــ إدريس بيران 1/11/2011

429.

مواضيع جديدة في موقعنا الجديد اضغط هنا


ارشيف
ارشيف

صحافة وإعلام و آراء

كتاب الموقع
عبدالغني ع يحيى
العصر الطيني في العراق.
بنكي حاجو
الكذبة الكبرى
ب. ر. المزوري
النقطة
زاكروس عثمان
أحزاب خارج التغطية
إبراهيم اليوسف
النص الفيسبوكي 2.
عبد عبد المجيد
الفسيفساء السورية
أفين إبراهيم
رضاب الفراش
وزنة حامد
قلق الذات