الإثنين 10 شباط / فبراير 2025, 01:24
مرح البقاعي: مثلث برمودا ـ في آفة المعارضة السورية




مرح البقاعي: مثلث برمودا ـ في آفة المعارضة السورية
الخميس 29 أيلول / سبتمبر 2011, 01:24
كورداونلاين
استوت تركيا على عرشها راعيةَ لصنوف من المعارضات تقلّبت بين مظهرها السياحي حيناً، والمكوكي أحياناً، وذلك بهدف تفريخ "المجالس" التي وصل عددها حتى اليوم إلى الأربعة، أُطلقت من مدن تركية مختلفة، بينما تفرّدت الدوحة برعاية مشاورات بين جهات معارضة تدعو إلى إسقاط النظام "الاستبدادي" وليس إسقاط "النظام" هذه المرة!

مرح البقاعي

27-9-2011

 

تأسيساً على انخراطي في الشأن السياسي السوري، من بابه الحقوقي الإنساني، منذ أن خَطَتْ على الورق قصيدتي الأولى، إلى ساعة كتابة هذه السطور؛ واستتباعاً لعشرات من الدراسات والمقالات والمحاضرات التي كتبتها في الشأن السياسي الشرق أوسطي بعامة، والسوري بخاصة، وعلاقتهما الجدلية مع الغرب الحرّ ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية؛ ويقيناً راسخاً من طرفي أن الثورات العربية المتلاحقة، وفي مقدمتها الثورة السورية الماجدة ـ الثورة الأكثر عنفاً في اتجاهه الأحادي المسلّط  من جحافل قوى النظام الأسدي الاستبدادي على رقبة شعب أعزل لكن لا يستسلم ـ إنما هي ثورات ذات اتجاه واحد في مسيرة التاريخ، بمعنى أن لا رجعة لأي منها ولا تراجع إلى ما قبل تاريخ اندلاعها.

فالثورة السورية التي انطلقت في الخامس عشر من شهر آذار الفائت، لم تنتظر مؤتمراً للمعارضة في الخارج أو مشاورات حزبية لمعارضة الداخل ولا "مجلساً وطنياً" يدفعها للخروج طلباً للحرية والكرامة، بل ارتفعت راياتها مع ارتفاع شهقات أطفال زجوّا في السجون واقتلعت أظافرهم لأنهم تجرأوا على تهجئة كلمة "حرية" على جدران مدارسهم في مدينة درعا الشهيدة.

ولأنَّ هذه الثورة وليدة حدث استثنائي في التاريخ الإنساني، فقد جاءت هي في حلّة استثنائية أيضاً، فلا الرصاص، ولا التعذيب الوحشي في المعتقلات، ولا التمثيل بجثث الشهداء، ولا إرهاب الدولة المتّصل، تمكّنوا من ليّ عزيمة الثوار ودفعهم إلى العودة إلى غرفهم المظلمة قبل أن تقتحمها أنوار الحرية.

هكذا تجوهرت الثورة السورية وارتفعت من خضاب دم شهدائها وسنديان إراداتهم، في حين بقي الأداء المعارض متأخّراً عن مسيرة الثوار أشواطاّ تنوء بالخلافات الإيديولوجية المقيتة بين أطرافها المتباعدة أصلاً في جغرافيتها الذهنية والنفسية؛ وتفاوت هذا الأداء المجدور بين أشكال مريضة من التداول السياسي الذي يحتكم إلى المنفعة الشخصية والأنا المتضخمة على فراغ، مروراً يالبهلوانية السياسية وركوب موجة الثورة من أجل الظهور الفطري الإعلامي هنا وهناك، وصولاً إلى الانتهازية الحزبية والاستقطاب السياسي الفئوي المستتشري في أوصال معظم المشتغلين في دوائر المعارضة العتيدة.

لعبت الدول الإقليمية، ذات المصالح الخاصة، دوراً مفصلياً في تأصيل هذا الاستقطاب، وجعلت من منتجعاتها الساحلية مظلة راعية له، وفتحت خزائنها وبواباتها  لترسيخه بين أطياف المعارضة التي وجدت ضالتها في السعي بين "صفا" استنبول و"مروة" الدوحة،  وما بين المدينتين القطبين تتموضع طهران بثقلها العقائدي والقومي لتتمّم أضلاع مثلث برمودا ( تركيا ـ إيران ـ قطر)  الذي ستغيب فيه المعارضة كفعل سياسي مستقل وتحضر كأداة للتجاذبات الإقليمية الدامغة.

آفة المعارضة السورية، ولا سيما جناحها الخارجي، تكمن في غياب الرؤيا والرؤية السياسيتين عند معظم ناشطيها، واعتمادهم على النقل الأعمى والحرفي لتجارب إقليمية موازية، قد تشترك معها في الظرف لكنها حتماً لا تشترك في الأدوات والنتائج، ولاسيما في مقاربة تجربة المعارضة الليبية.  لم تأخذ المعارضة السورية عن النموذج الثوري الليبي إلا "بدعة" تشكيل المجالس التي سرعان ما تحوّلت إلى عدوى محمومة تسري في أوصال أطيافها كافة، ودونما استثناء؛ أخذت هذه المجالس تتوالد على شاشات الفضائيات بصورة موتورة، وتُنافس بعضها بعضاً في قدرة كل منها على جمع أكبر عدد من "نجوم المعارضة" في قوائمها العصماء! غفلت المعارضات السورية العتيدة عن حقيقة أساس، تكمن في لبّ المسألة، ومفادها أن المجلس  الوطني الانتقالي الليبي كان  قد ائتلف أصلاً في الداخل اليبي بعد أن كان الثوار قد سيطروا على معظم أرجاء ليبيا، وتحت مظلة دعم دولي كامل للثورة الليبية، لوجستياً وسياسياً وعسكرياً، وبغطاء من النيتو ما زال قائما بفاعلية حتى الآن، مساهماٌ في إسقاط النظام  وداعماٌ لحركة الثوار على الأرض.

إنه من نافل القول أن نشير هنا إلى أن اللحظة السياسية السورية تفترق بشدة عمّا كان عليه الظرف الليبي حين الإعلان عن المجلس الوطني هناك، فلا المجالس السورية المعلنة منها، أو تلك التي في طريقها إلى الإعلان، تشكّلت في الداخل السوري، وباختيار وتأييد من أصحاب الحق الأول في تحديد مسار الثورة وهيئاتها وهم الثوار؛  ولا تحرير المدن السورية الثكلى من أزيز عجلات دبابات ومجنزرات القتل والتدمير الأسدية كان قد أنجز قبيل تشكيلها، ولا انضوت دول العالم في وقفة واحدة لتأمين الحماية الدولية للشعب السوري لتهيئته لمرحلة انتقالية تتطلب حاملاً سياسياً موازياً، حتى لو جاءت هذه الحماية  بهيكلتها الإنسانية، حصراً، كإرسال لجان التقصي والمراقبة، وفتح الطريق لمنظمات الإغاثة، والضغط من أجل دخول وسائل الإعلام الدولية المستقلة لنقل أحداث الثورة السورية ووقائعها تماماَ كما تجري على الأرض، وبعيداَ عن تزوير وتأويل الإعلام السوري المتفاني في ظلاميته.

هكذا ابتعدت بنا حُمّانا عن تشخيص الداء الحقيقي والهدف الرئيس لكل عمل معارض وهو تحقيق المطلب السقف للثورة: إسقاط النظام! واستوت تركيا على عرشها راعيةَ لصنوف من المعارضات تقلّبت بين مظهرها السياحي حيناً، والمكوكي أحياناً، وذلك بهدف تفريخ "المجالس" التي وصل عددها حتى اليوم إلى الأربعة، أُطلقت من مدن تركية مختلفة، بينما تفرّدت الدوحة برعاية مشاورات بين جهات معارضة تدعو إلى إسقاط النظام "الاستبدادي" وليس إسقاط "النظام" هذه المرة!

هكذا تخلّف الحراك المعارض السوري ـ ولا سيما الخارجي منه  دونما تبريء لساحته في الداخل ـ  بشكل مقلق عن مسيرة الثورة السورية  العارمة، وأصبح عبئاً عليها ومعوّقاَ لفعلها ووسيلة للتشويش على نضارة أدائها.

فصل المقال يكمن في قدرتنا أن نعود مجتمعين إلى حالة الرشد الوطني التي تتطلب في هذه المرحلة الابتعاد ما أمكن عن التجاذبات والشخصانية والنزوع العقائدي، والاحتكام إلى العمل الجماعي والأداء المسؤول والشفيف الذي يقوم على تقديم الكفاءات على الانتماءات الجهوية، الأداء الذي أسّه وبوصلته الدم السوري الغالي الذي صُرف من أجل هدف أوحد، لارجعة عنه ولا تراجع، ألا وهو إسقاط هذا النظام الجائر، بمكوناته كافة، ابتداء بالرأس ووصولاً إلى قاعدة الهرم.

 

461.

مواضيع جديدة في موقعنا الجديد اضغط هنا


ارشيف
ارشيف

صحافة وإعلام و آراء

كتاب الموقع
عبدالغني ع يحيى
العصر الطيني في العراق.
بنكي حاجو
الكذبة الكبرى
ب. ر. المزوري
النقطة
زاكروس عثمان
أحزاب خارج التغطية
إبراهيم اليوسف
النص الفيسبوكي 2.
عبد عبد المجيد
الفسيفساء السورية
أفين إبراهيم
رضاب الفراش
وزنة حامد
قلق الذات