كان للجزيرة السورية - التي تشغل الشمال الشرقي من سورية - دور هام ومتميز في مجالات الحياة المختلفة منذ بدء التاريخ وحتى قبله، ولن نبالغ إذا علمنا أن القرية الأولى شيدت على ضفاف الفرات منذ الألف العاشر قبل الميلاد،
بيوت الطين في الجزيرة السورية
إبراهيم عباس إبراهيم
كان للجزيرة السورية - التي تشغل الشمال الشرقي
من سورية - دور هام ومتميز في مجالات الحياة المختلفة منذ بدء التاريخ وحتى قبله،
ولن نبالغ إذا علمنا أن القرية الأولى شيدت على ضفاف الفرات منذ الألف العاشر قبل
الميلاد، وأن المدينة ألأولى انطلقت من الجزيرة وعاصرت المدن السومرية؛ حيث
استطاعت معاول المنقبين الأثريين الكشف عن مدن وممالك قديمة (أوركيش – نگار –
شُبَت انليل – كخت – نَبَادا ........الخ ) ولا يزال كثير منه راقد في أعماق التلال
ينتظر من ينقذه ويبوح بأسراره. ومن خلال تلك المكتشفات وغيرها تأكد الدور الذي
أدته الجزيرة على مر التاريخ ولا سيما في مجال العمارة وهذه المقالة تتناول (بيوت الطين)
كما هي الآن، بعيداً عن التاريخ وتلك التلال على الرغم من مدى الترابط بين القديم
والحديث. هذه البيوت التي تنتشر بكثافة وخاصة في الريف كما لا تخلو منها الأحياء
القديمة من المدن، ولا تختلف كثيراً عن بعضها بعض إلا بالطفيف من الأمور، وكأنها
إرث توارثه الأجيال زمناً طويلاً، ويبقى للعامل الاقتصادي وقساوة المناخ دوره في
ذلك فشتاء الجزيرة بارد، وصيفها حار جداً، وبيوت الطين تناسب مثل هذا المناخ.
هندسة
البيوت الطينية:
بقيت
المخططات بسيطة ومنحصرة في بعض النماذج المتكررة وهي: مستطيل مقسم إلى أربع غرف يتوسطها
صالون أو ما يعرف باللغة المحلية بالـ (هيوان)، ويؤدي دور الموزع بالدرجة الأولى،
وقد يقتصر البيت على غرفتين أحياناً بحسب عدد أفراد الأسرة وإمكاناتها، وفي هذه
الحالة قد يترك الصالون مفتوحاً تماماً من الجهة الأمامية، أو تكون الغرف كلها على
استقامة واحدة دون الحاجة إلى الصالون، وقد شيد نموذج آخر وإن كان قليل الانتشار
وسمي بالـ (عولي)، والبيت فيه مؤلف من طابقين يستخدم الأسفل منه للمؤونة والحاجات
الزائدة والأعلى للسكن.
وفي كل
تلك النماذج يبقى الجنوب هو الاتجاه الرئيسي للاستفادة من أشعة الشمس وتجنباً
للرياح الشمالية التي تهب في فصل الشتاء وتبقى المنافع (المطبخ – الحمام -
المرحاض) مستقلة عن تلك الكتلة المعمارية.
مواد
البناء:
يعتبر اللبن الأساس في عمارة الطين، ويصنع من
التراب الأسود مخلوطاً بالتبن، ويرطب بالماء ثم يترك يوماً أو أكثر للتخمر وفي هذه
الحالة يسمى (بشروك)، ثم يدعك بالأقدام حتى يحصل على الطراوة والمزج المناسب ليسكب
في قوالب خصصت لذلك أبعادها (30 ×50 سم) وبسماكة تتراوح بين (8 – 10 سم)، ليترك بعدها أياماً معرضة
لأشعة الشمس حتى ينشف ويصبح بذلك جاهزاً للاستخدام، وهناك مقاسات أصغر تدعى (يارم)
أبعادها (20 – 30 سم)
تستخدم على السواكف وفي الأماكن الضيقة.
أما بالنسبة للحجارة فيقتصر استخدامها في
الأساسات وأحياناً على سواكف الأبواب والنوافذ.
ملحقات
البناء:
تم استخدام الدعامات الخشبية (بَشْت) القصيرة
منها على سواكف الأبواب والنوافذ، أما الطويلة فهي للأسقف، يوضع فوقها القصب ثم
القش وبعدها يغطى بالطين الممزوج بالتبن عدة طبقات. وتختلف أشكال الأسطح من مكان
إلى آخر، وأكثرها انتشاراً نوعان: الأول يكون في الوسط محدباً ينحدر بكل الاتجاهات،
وقد أحيط البيت بأكمله بإفريز ممتد إلى الخارج للوقاية من المطر، والنوع الآخر
يكون السطح فيه مسطحاً مائلاً باتجاه الأمام، وتتوزع في حدها الأمامي عدة مزاريب لتصريف
مياه الأمطار، و يختلف عددها باختلاف حجم البيت. أما النوافذ والأبواب فهي على
العموم مصنوعة من الخشب، و يكسى الباب الخارجي بصفيحة معدنية مغروزة بمجموعة من
المسامير الكبيرة، وتبقى البيوت الطينية فقيرة بالزخارف وتقتصر على استخدام أقواس
على المدخل الخارجي وأحياناً على النوافذ ومن الداخل تكثر المكتبيات التي تستخدم
لأغراض مختلفة.
الإكساء:
يكسى
الداخل والخارج وحتى الأرضيات بالطين الممزوج بالتبن، ويستخدم عادة التراب الأسود،
ولكن لا يستبعد استخدام التراب الأحمر أيضاً في إكساء الجدران الداخلية فقط حيث
تكون عملية صقله أفضل وأجمل وأسهل.ولكن مع توفر مادة الاسمنت بات استخدامه وارداً
حتى في بيوت الطين وخاصة الأرضيات، وأحياناً من الداخل، ولو بارتفاع قليل تجنباً
للرطوبة.
جدير بالذكر أنه على الرغم من غزو الاسمنت
واستخدامه الواسع وخاصة في المدن لما له
من مزايا إلا أن عمارة الطين بقيت هي الشائعة في القرى.