إيلاف من دمشق
في
حوار خاص مع "إيلاف" يتحدث المعارض السوري الكردي مشعل التمو الناطق
الرسمي باسم تيار المستقبل الكردي في سوريا عن قراءته للواقع السوري الحالي، وعن
كيفية تأثير قانون الإعلام الذي صدر منذ أسبوع في كشف حقيقة الأحداث في سوريا، وعن
وضع المعارضة وعن الشكل الأمثل للتدخل الخارجي في بلاده، كما تطرق لضرورة مناقشة
اسم الجمهورية السورية بعد رحيل نظام بشار الأسد.
بدايةً كيف تقرأ الواقع الحالي في
سوريا؟
الواقع الحالي تجاوز نقطة اللاعودة سواء
لجهة خيار النظام الأمني المصرّ على القتل والتدمير واستباحة المدن والحرمات
والمقدسات، أو لجهة الثورة السورية وإصرارها على إسقاط النظام وبناء دولة مدنية
تعددية ديمقراطية تداولية تشاركية.
وبالتالي ليس أمام النظام سوى
الرحيل وتسليم السلطة بشكل سلمي، واعتقد ان خيار التدمير العسكري في النهاية سيؤدي
إلى استجلاب التدخل الدولي لحماية المدنيين، لأن ذلك يندرج في إطار القانون الدولي
ومجلس الأمن والفصل السابع، ناهيك عن تفكك الجيش وما ينتج من ذلك من مصادمات
دموية، ولأن الثورة السورية، سلمية وديمقراطية، وقوتها في سلميتها، فهي قادرة على
إسقاط النظام، إذ انه لولا القوة المفرطة لكان هناك عشرات الملايين في الشوارع
والساحات العامة، وما نراه الآن هو إرادة تحدي الموت في سبيل الحرية والكرامة،
وأعتقد أن على العالم الإقليمي والدولي والعربي والإسلامي أن يدرك أن إرادة الشعب
السوري أقوى من أي مصالح أو ارتباطات تربط هذا وذاك بنظام التدمير، وبالضرورة
عليهم دعم الشعب السوري في سعيه نحو الحرية.
كثيرون تحدثوا عن إعلام التضليل
وتضليل الإعلام، إلى أي حد سيؤثر قانون الإعلام في كشف الحقيقة؟
أعتقد ان الحديث عن الإعلام والتضليل هو
كمن يحاول منع أشعة الحقيقة بالغربال، ففي فضاء مفتوح وتقنيات متطورة، بات حبل
التضليل قصيراً جداً، وما محاولة إعلام التضليل سوى فضح لثقافة الرؤية
الاستبدادية، التي تعتمد المنهج الغوبلزي في تزييف الحدث والصورة والمعلومة،
متناسية التطور التقني العالمي وحجم الفارق الزمني بين الأمس واليوم، أما موضوع
قانون الإعلام في ظل نظام القمع والشمولية والقتل، ليس له أي قيمة، حيث يبقى مجرد
فقاعة إعلامية، لا تأثير لها فالنظام قائم على إعلام التضليل وتضليل الإعلام معاً،
عماده الكذب والتدجيل والتلفيق، فهو يكذب حتى بدرجات الحرارة وخارج أي قانون، إذا
كان قانون الحياة الإنسانية لا يستطيع لجمه، فكيف بقانون أصلاً إصداره للتضليل.
المعارضة الخارجية وأجنداتها؟ ما
كيفية الوصول إلى الاتفاق مع الداخل؟
المعارضة هي المعارضة بغض النظر عن
أماكن تواجدها، وطبيعي أن يكون هناك الكثير من المعارضين الفعليين الذين لسبب أو
لآخر أصبحوا خارج البلاد، والكثير من راكبي الموجة، وطبيعي أن يكون هناك أجندات
منوعة، لكن الأجندة التي ستصنع المستقبل، على كل الأصعدة، هي أجندة الثورة السورية
بفعلها الميداني وتجسيدها السياسي، وعندما يصبح الخارج متسقا مع أجندة الداخل،
يصبح جزءا منه وتكون المعارضة هي المعارضة وما عدا ذلك تبقى الأمور في إطار الرأي
السياسي والأجندات المنوعة التي مهما فعلت تبقى خارج سياق ومنظومة الفعل الميداني
والسياسي للثورة السورية.
هل أنتم مع التدخل الخارجي أم ضده؟
وما هو الشكل الأمثل للتدخل والدعم؟
أيضا التعميم هنا مرفوض، لأنه يهدف
إلى التعمية على حقيقة الترابط العالمي الآن، فمن جهة نقول إن العالم قرية كونية
صغيرة، بمعنى عمق وحجم الترابط الإنساني، فهل يمكن اعتبار هذا الترابط الإنساني
تدخلا خارجيا؟
قد يكون التدخل العسكري المباشر غير
مقبول، ولكن هناك أشكال عديدة يمكن بها دعم الثورة السورية سياسية واقتصادية
وأمنية لحماية المدنيين لأن قضية حماية المدنيين من عمليات الإبادة الجماعية ليست
قضية داخلية بل دولية تتبع القانون الدولي والفصل السابع من ميثاق مجلس الأمن، ولا
يجوز الخلط بين هذا وذاك، فالتدخل في البوسنة وكوسوفو وليبيا ورواندا والكثير من
أماكن التوتر الأخرى وفي كل منها تم بشكل مختلف عن الآخر ويبقى الأمر مرتبطاً
بالشكل الأنسب المتوافق مع القانون الدولي لحماية المدنيين السوريين من بطش الأمن
والجيش السلطوي.
كيف تمكن النظام السوري من تفكيك
المعارضة؟
النظام السوري بني على منظومة أمنية
قمعية وعبرها وأد أي مظهر من مظاهر إشغال العقل والتفكير ناهيك عن المعارضة
السياسية ،حيث رفض الجميع، فكرياً وثقافياً وسياسياً واختزل كل المجتمع في شخص
مؤله وطبيعي أن الفضاء الاستبدادي يخلق معارضة مبتسرة والمعارضة السوية بفكرها
وسلوكها هي التي تنشاً في فضاءات ديمقراطية وما نراه راهناً من تفكك للمعارضة هو
نتاج مرحلة القمع المديدة وطبيعي أن الثورة لها إفرازاتها التي اعتقد أنها تنضج
يوماً بعد آخر سواء الشبابية أو الكلاسيكية، وستأخذ المبادرة المطلوبة لقيادة
المرحلة الانتقالية، والعبور بشكل سلمي وديمقراطي بسوريا من الدولة الأمنية إلى
الدولة المدنية.
ما الذي يمنع تطبيق الديمقراطية في
العالم العربي؟ وما السبل إلى كيفية الفصل بين ما هو ديني، قومي وسياسي؟
الأنظمة العربية هي نتاج مرحلة
تاريخية معينة بكل موروثها السياسي والديني والقمعي أيضا سواء الإقليمي أو الدولي
وحتى نمط التفكير السياسي السائد آنذاك وبالتالي أنتج أنظمة كوكتيلية، فيها خلط
ومزج غير متجانس ما بين القومي والديني والقطري وإلى ما هنالك من معطيات داخلية
وشعارات عابرة للقارات، بمعنى التأسيس كان غير ديمقراطي فمن الطبيعي أن البناء لن
يكون ديمقراطياً وراهناً بعد المتغيرات المتسرعة بات ليس فقط التفكير بل حسم
المسائل وفكفكة المنظومة الثقافية والسياسية للاستبداد والطغيان والتصحيح أولاً
ومن ثم وضع الأمور في نصابها سياسياً ودينياً وقومياً فمن يسعى للديمقراطية
والمدنية والتعددية والتداولية والتشاركية عليه أن يقبل أولاً بالدولة الحيادية
التي لا دين لها فالدين هو للإنسان وليس للمفاهيم السياسية، والقومية هي للمجموعات
الإنسانية، والدول القومية مرحلة تاريخية تجاوزها الزمن، بمعنى المطلوب هو الاتساق
والانسجام بين المفهوم وما يتطلبه وبين التجسيد العملي له.
هل ترى أنّ الحراك الشبابي قادر على
تخطي الإرث السلطاني وبناء دولة حديثة؟
نعم، فهذا منطق الحياة ومنطق
التاريخ الإنساني ولولا ذلك لما كنا رأينا دولا ديمقراطية الآن وكانت في ما مضى
ديكتاتوريات وسلطانيات قمعية ودموية، والشباب السوري قادر على إزالة السلطانية
البعثية ومخلفاتها وبناء دولة مدنية.
في هذه اللحظة الحرجة التي تمر بها
سوريا، هل ترى كسر حاجز الخوف مهماً؟
أعتقد أنه لولا كسر جدار الخوف
والتحرر من ثقافة الرعب التي زرعها النظام الأمني خلال 50 عاما لما كنا رأينا هذه
البطولة الفريدة التي يسجلها الشعب السوري، وهذه الإرادة التي تتحدى آلة الحرب
والدمار التي يمتلكها الطاغية، والأهم هنا الاستمرار في التحدي وصولاً إلى انتزاع
الحرية ومحاكمة مجرمي الحرب المسؤولين عن سفك الدم السوري ،وعما ألحقوه من دمار
وتخريب في بنية المجتمع السوري خلال فترة طغيانهم.
الفئة التي تمثل الحركة أغلبها من
الأرياف التي تعاني غياب التنمية، لم لا يتم تطهير الجانب الاجتماعي للثورة
السورية؟ وما دور التنمية في التأسيس للديمقراطية؟
ليس فقط غياب التنمية أدى إلى اندلاع
الثورة، وهو جانب لكن مجمل الفعل السلطوي تجاه المجتمع وتغييب البشر والحجر راكم
معطيات الثورة وأدى إلى اندلاعها، وراهنا اعتقد ان الفئات المشاركة ليست فقط
الريفية، بل قسم كبير من الفئات المدينية ،وطبعاً الأمور نسبية ، وطبيعي أن أي
ثورة لها جانب سياسي وجانب اجتماعي وجوانب أخرى متعددة، واندماجها يشكل هدف الثورة
وسبيل انجاز مهامها التي هي مهام بناء الإنسان أولاً بقيمه وثقافته وحضوره وقدرته
على ممارسة دوره البناء في الممارسة الديمقراطية التي تشكل مسألة التنمية البشرية
ركيزة من ركائزها.
برأيك هل تستطيع المعارضة وضع حل
ديمقراطي للقضية الكردية؟
المعارضة السورية هي تيارات متنوعة،
واتجاهات سياسية مختلفة ومن الخطأ التعميم بل إن الأمور نسبية، فهناك من يؤمن
بالديمقراطية وضرورة تحققها الفعلي لكل مكونات الشعب السوري، وهناك من لا زال
متشرباً بما زرعه البعث من رؤى اقصائية للآخر المختلف والمتمايز قومياً، وبالتالي
أعتقد ان الجيل الشاب الذي يقود الثورة راهناً لديه الكثير من التطلعات المدنية
والديمقراطية والقليل من العقد القوموية، مما يؤطر لحل ديمقراطي لقضية الشعب
الكردي في سوريا، كقضية وطنية وديمقراطية في سوريا تهم الأغلبية السورية، بمقدار
ما تهم الكرد ومن جهة أخرى فأي قضية ديمقراطية الحل ترتبط بحاملها وعدالة مطلبها
وإذا كان مطلب الثورة السورية هو بناء دولة مدنية تعددية وتشاركية فمن الطبيعي أن
يكون الكرد شركاء كاملي الشراكة في الحقوق والواجبات شراكة يحفظها الدستور ويقر بها.
رفضتم في مؤتمر اسم الجمهورية
(العربية) السورية. هل من توضيح باعتبار أن المثقف العربي لم يستوعب اسم الجمهورية
الأساسي؟
لعل من أوائل من طرح هذه القضية
وضرورة مناقشة المفهوم نفسه كان الأستاذ جاد الكريم الجباعي، منذ أكثر من عشر
سنوات بمعنى أن أي صفة تأكل الموصوف الذي يليها، فالعربية تلتهم السورية وهذا ما
فعله الفكر العنصري بمختلف تسمياته والتعددية القومية والتشاركية في الوطن الواحد
التي ندعو ويدعو إليها كل من ينتمي إلى الثورة السورية، تتناقض مع مفهوم الدولة
العرقية ذات الصفة الواحدة وحتى تتناقض مع علم الاستقلال وحتى مفهوم الدولة
المدنية دولة الكل الاجتماعي، دولة كل السوريين ( وهنا لا يقول أحد العرب فقط)
ويتناقض مع إصباغ الصفة القومية على الدولة، فإذا كان هناك غير العرب ،وهم قوميات
أساسية موجودة تاريخياً على هذه الأرض التي اسمهما المعاصر سوريا، فهي إذن تعبر عن
المجموع وليس عن قومية واحدة ومن المؤسف أن بعض الفكر العروبي يختزل العروبة
بالتسمية، وليس بالتاريخ والحضارة والثقافة وغيرها من محددات الصفة القومية.
واعتقد أننا بحاجة إلى الكثير من النقاش
والحوار حول المفاهيم المعرفية نفسها، قبل أن ندرجها كمفاهيم سياسية على الأقل
لتنسجم مع الطرح الديمقراطي والدولة المدنية التعددية التي نعمل من اجل بنائها.