أدونيس: أنا مع الحراك الثوري في سوريا مهما كانت النتائج
الثلاثاء 30 آب / أغسطس 2011, 14:12
كورداونلاين
تسلم الشاعر الكبير أدونيس جائزة غوته التي تمنحها مدينة فرانكفورت كل ثلاث سنوات في ذكرى ميلاد أشهر شعراء ألمانيا. وبهذه المناسبة التقت دويتشه فيله أدونيس الذي تثير مواقفه من الاحتجاجات الشعبية في سوريا جدلا قويا.
دويتشه فيله: أدونيس بأي مشاعر تلتقي ألمانيا من جديد بمناسبة تسلمك جائزة غوته؟
أدونيس: أن آتي بهذه المناسبة إلى ألمانيا مجددا أمر يسعدني كثيرا لأنني أحفظ ذكرى عميقة جدا أثناء إقامتي في معهد الدراسات المتقدمة في برلين، وأشعر أنني عميق الصلة بالأدب الألماني وبالفكر الألماني. وهذه الجائزة تجعلني أشعر تماما كما كان غوته يقول: تراث الشاعر اليوم لا يجوز أن يكون منحصرا في تراثه الخاص إنما تراثه هو تراث العالم، وبالنسبة إلي، التراث الألماني الأدبي والفكري هو في مقدمة هذا التراث الكوني.
لنعد إلى الأحداث في سوريا، التي أثارت مقولاتك فيها الكثير من النقد، فالشاعر، خاصة إذا كان من هذا المقام الرفيع، يكون عليه، شاء أم أبى، محاكاة مشاعر أبناء مجتمعه. فهم يتطلعون إليه سائلينه أن ينقل همومهم وأحاسيسهم، فإن هو نفى عقلهم ومقدرتهم على فعل الصواب يصابون بخيبة أمل ويشعرون بأن مشاعرهم قد وُجهت إليها ضربة في الصميم، فهل يمكننا أن نقول إن شيئا من هذا القبيل قد حدث بين أدونيس والمحتجين في سوريا؟
موقفي المناوئ والمعارض للنظام القائم ليس وليد هذه الاحتجاجات إنما هو يرجع إلى عهد قديم. فمنذ حوالي 50 سنة وأنا في صراع متواصل مع ديكتاتورية النظام القائم، لذلك أنا بالطبيعة وتلقائيا ضده، إنما قد نختلف في طرق المعارضة. أنا لا أحبذ طرق العنف بجميع أشكالها مهما كانت مسوغة بحسب أصحابها، لا من جهة النظام أطيقها وقد رفضتها باستمرار ولا من جهة من يعارض هذا النظام. فأنا مع المعارضة السلمية، معارضة على الطريقة الغاندية، وممكن أن نختلف في هذا مع المعارضين اليوم، فهم يريدون الأشياء بطريقتها المباشرة، كأنها الوجه الآخر لعنف السلطة. أنا أعتقد أن المعارضة يجب أن تؤسس لأخلاقية جديدة ولقيم جديدة، كي تستطيع أن تبني مجتمعا جديدا، هذا شيء قد نختلف فيه.
DW
الشيء الثاني هو أن أي معارضة بالنسبة إلي في مجتمع كالمجتمعات العربية، إذا لم تقم صراحة على تجاوز السلطة إلى بناء مجتمع جديد لا تكون بالنسبة إلي ذات أهمية، يعني الأساس ليس أن نغير السلطة، إنما الأساس أن نغيرها كي نبني مجتمعا جديدا. ولكي نبني مجتمعا جديدا لابد من الوضوح الكامل. لا يمكن بناء مجتمع جديد في سوريا ولا في أي مجتمع عربي آخر إلا بالفصل الكامل بين الدين والدولة على جميع المستويات الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية. وخطاب المعارضة حتى الآن ليس واضحا تماما في هذا الصدد.
لكن مع كل ذلك أنا مع هذا الحراك الثوري مهما كانت النتائج، لأن هذا الحراك هو في حد ذاته دليل على حيوية الشعب ودليل على تشبثه بالحرية وتشبثه ببناء مستقبل مختلف. وقد كتبت عن هذا منذ بداية الحراك في سوريا، وموجود ما كتبته في جريدة الحياة، والمقال الأول الذي ذكرته هو " في ضوء اللحظة السورية" لكن مع الأسف معظم الناس لا يقرؤون، وهذا مأخذ آخر على المعارضة، لا يجوز للمعارضة أن تحكم أو تقول ما تقوله إلا استنادا إلى القراءة. أول من رحب بالمعارضة اليوم في سوريا في شكلها الجديد وكتب عنها هو أنا الذي أتكلم معك الآن، ويمكن العودة إلى ما كتبته في جريدة الحياة ، بدءا من شهر آذار/ مارس حين انطلق الحراك السوري.
الناس، التي خرجت من بيوتها ومنازلها تنادي بالحرية، لم تنسق قبلا مع المعارضة. وهذه الاحتجاجات عفوية بالكامل، لذلك إذا كنا ضد مخططات المعارضة أو عدم وضوح مخططاتها فإن الجماهير الشعبية التي تسير في الشوارع بصدور عارية تتلقى الرصاص ليست مسؤولة عن مواقف هذه المعارضة.
أنا مع هذه التحركات الشعبية مئة بالمائة ولم أقل مرة إنني ضدها أو انتقدتها، أبدا بالعكس أيدتها بدءا من عملية تونس وما حدث في مصر، وكنت إلى جانب هذا الحراك الشعبي العفوي.
أود الآن أن أقف عند كلمة الجامع، فبعد الإقصاء التام لكافة أنواع التفكير وملاحقة كافة التيارات الفكرية وممارسة أهوال القتل والقمع والظلم على مر كل هذه السنين العجاف، لم يبق أمام المواطن السوري سوى اللجوء إلى مكان اعتقد أنه يحميه من البطش، وهو مكان العبادة الذي يتمتع بنوع من الحرمة، لكن حتى هذا لم يحمه. المحتجون السوريون قاموا بذلك دون التفكير والتخطيط المسبق لتأسيس مؤسسة دينية، وفي هذه اللحظة بالذات يأتي صوت أدونيس ليقول: أنا أرفض كل حركة تنطلق من الجامع، وهنا بالذات شعر هؤلاء الهاربون من البطش أن أدونيس يوجه إليهم سهما في قلوبهم، فماذا يقول أدونيس؟
أعتقد أنهم يبالغون. أنا قلت إن المناخ الثقافي العام السائد في مجتمعاتنا العربية وبشكل خاص السوري هو مناخ ديني إجمالا. والمناخ العام في البلدان العربية، الاجتماعي والفكري، هو مناخ قروسطي. أي أن الانتماء في أي بلد عربي ليس قائما على المواطنة، إنما هو قائم على الولاء، إما الديني وإما القبلي وإما العشائري، وهذا ما ينطبق على سوريا تماما. وهو ما يؤخذ على النظام الذي بقي نصف قرن ولم يفعل شيئا من أجل تأسيس للمواطنة. إذا في هذا الإطار استخدام الجامع هو استخدام سياسي، إذا لا نستطيع أن نثور على القرون الوسطى بعقلية القرون الوسطى ذاتها، وبهذا المعنى قلت لا أستطيع أن أخرج من الجامع بشعارات سياسية، مع احترامي الكبير لجميع الأديان والمتدينين الأفراد.
الخروج من الجامع بشعارات سياسية، باسم الدين، هذا هو الذي أنا ضده، ولست ضد الخروج من الجامع في المطلق، لو خرجوا من الجامع دون شعارات سياسية، يستخدم فيها الدين، كنت معهم، فاستخدام الدين بهذه الطريقة، وانطلاقا من الجامع، هو بحد ذاته عنف أيضا، عنف سياسي ضد الآخرين، لأن هناك أشخاصا لا يؤمنون بالأديان، مثلي. أنا لا أؤمن بالدين إطلاقا، إذا لي الحق أن أقول إنني لا أخرج من الجامع، إذا لست ضد الجامع بحد ذاته، إنما ضد استخدامه سياسيا من أجل قضايا وطنية وقومية.