*شيرزاد شيخاني
أكد
الزعيم السوري الكردي البارز عبد الحميد درويش أن «السلطة الحاكمة في سوريا باعتمادها
الحل الأمني حتى الآن ترتكب خطأ فادحا يدفع بالبلاد إلى مزالق خطيرة، ولكن ذلك لا يعني
أن نحمل السلاح في وجه السلطة». وأضاف درويش، رئيس الحزب التقدمي الديمقراطي الكردي
الذي يعتبر أحد أعرق الأحزاب الكردية في سوريا، ويتبوأ منصب نائب رئيس «إعلان دمشق»،
أن «الحرب الأهلية شيء مخيف ومدمر، والشعب السوري شعب مثقف وواع، ولا يمكن أن ينجر
إلى هذا المنزلق الخطير». وفي حوار مع «الشرق الأوسط»، تطرق عبد الحميد درويش إلى العديد
من القضايا الآنية المتعلقة بالحدث السوري، منها أسباب ضعف الدور الكردي ونظرة الأكراد
إلى مستقبل سوريا.. وإلى نص الحوار:
*
منذ بدء الانتفاضة السورية يؤخذ على الأكراد موقفهم الباهت والضعيف في التعامل مع الأحداث،
وهناك من يتهمونهم بمهادنة النظام، فما أسباب ضعف الدور الكردي في هذه الانتفاضة؟
-
ليس من الإنصاف أن يتهم الأكراد بأن موقفهم يختلف عن موقف باقي المواطنين السوريين،
فالكرد كانوا وما زالوا من أشد الدعاة والمناضلين من أجل الحرية والديمقراطية في سوريا،
لأنهم عانوا أكثر من غيرهم من النظام الشمولي والشوفيني، وكانت معاناتهم مزدوجة، كسوريين
من جهة، وكأكراد من جهة أخرى. ومن المهم أن نعلم أن للأكراد وضعا خاصا وحساسا في المناطق
التي يعيشون فيها مع إخوانهم العرب والسريان، وكانت خشيتهم كبيرة في بداية الأحداث
بأن يواجهوا مرة أخرى بتهمة الانفصالية والانعزالية وما إلى ذلك من التهم الجاهزة.
*
أثناء الأحداث التي شهدتها المدن الكردية تلقيتم من النظام وعودا بمنح الجنسية السورية
للأكراد المحرومين منها، ولكن على أرض الواقع لم ينفذ هذا الطلب الذي كان أساسيا في
البداية، هل تتوقعون من النظام الحالي أن يحقق لكم الحقوق القومية الأخرى التي تنادون
بها؟
-
إن الأحداث التي شهدتها المدن الكردية عام 2004 كانت مدبرة من بعض الجهات والأوساط
الحاكمة، وقد زادت هذه الأحداث من معاناة الكرد، واستغلت لتشديد الخناق وزيادة وتيرة
سياسة القمع والاضطهاد ضد الكرد. وإصدار المرسوم «49» بمنح الجنسية للأكراد جاء بعد
الانتفاضة وفي ظرف استثنائي بالنسبة إلى السلطة الحاكمة، ولا أتوقع أن تمنح السلطة
القائمة أي حقوق قومية للشعب الكردي.
*
من خلال التصريحات التي صدرت عن بعض القيادات الكردية السورية هناك رفع في سقف المطالب
القومية للشعب الكردي، وصولا إلى حد الفيدرالية، هل تعتقد بإمكانية تثبيت هذا الحق
في ظل النظام الحالي؟ وهل هناك إمكانية للاستجابة لهذا الطلب بعد نجاح الثورة السورية؟
-
ينصب نضال الأكراد على إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سوريا، وهذا الحل
وشكله سيتم بأسلوب توافقي بين العرب والكرد. أما التصريحات التي يدلي بها شخص أو جهة
معينة فهي تعبر عن وجهة نظر شخصية أو حزبية. وفي هذا الصدد فإنني لست متفائلا بأن السلطة
الحالية ستجد الحل المناسب للقضية الكردية، وفي الوقت نفسه فإنني أتطلع إلى المستقبل
بعيدا عن الشكوك والريبة، وأن سوريا ستكون لمواطنيها عربا وكردا وآشوريين، خالية من
الاضطهاد القومي بعد نجاح الانتفاضة.
*
علاقاتكم مع أطراف المعارضة العربية السورية ضعيفة، وتكاد تكون معدومة، فيما عدا «إعلان
دمشق» وأنتم نائب لرئيسه، فغير ذلك لا يوجد أي جامع يجمعكم مع القوى العربية.. فكيف
يمكن للمعارضة الكردية أن يكون لها دور فاعل في رسم مستقبل سوريا بعيدا عن التنسيق
والتفاهم المسبق مع المعارضة العربية؟
-
هذا غير صحيح ومخالف للواقع، فنحن لدينا علاقات جيدة مع جميع مكونات المعارضة بما فيها
«إعلان دمشق» الذي أفتخر بأنني نائب رئيسه، وكان الإطار الأكبر للمعارضة في وقته.
*
عقدت مؤتمرات عديدة للمعارضة في الفترة الأخيرة، وكانت هناك احتجاجات كردية لوجود تهميش
متعمد للدور الكردي، ما هي أسباب هذا التهميش؟
-
نعم عقدت عدة مؤتمرات في الخارج وكان للأكراد في بعضها دور ضعيف ولا أقول مهمشا. وفي
كل الأحوال فإننا نعتمد على المعارضة في الداخل وهي الأساس، وإن كنا نقدر جهود المعارضة
في الخارج.
*
هناك مخاوف كردية حقيقية من تعاظم دور الإخوان المسلمين في المستقبل، وهذا الدور يحظى
بدعم تركي واضح بدليل المؤتمرات التي عقدت فوق الأراضي التركية، لماذا هذا الخوف من
دور «الإخوان»؟
-
دعني أقولها لكم بصراحة، إنني لا أتخوف من دور الإخوان المسلمين أو غيرهم من التيارات
الإسلامية المسالمة، وخاصة أن المناطق الكردية لا توجد فيها تنظيمات «الإخوان» أو غيرهم
من التنظيمات الدينية، وأرى ألا يدفعنا الخوف من «الإخوان» إلى استبعادهم من الحياة
السياسية أو اضطهادهم بشكل أو بآخر.
*
كانت هناك دعوات متعددة لعقد مؤتمر وطني للقوى الكردية في سوريا، إلى أين وصلت جهود
عقد المؤتمر؟ وما توقعاتكم حوله؟ وهل بالإمكان إنجاحه في ظل الخلافات الموجودة على
صعيد الشارع الكردي؟
-
هناك جهود تبذل من قبل الأحزاب الكردية لعقد مؤتمر وطني كردي، وقد قطعت هذه الجهود
أشواطا في هذا المضمار وآمل أن ننجح في تحقيقه رغم المصاعب والعراقيل التي تواجه هذه
الجهود.
*
كيف ترون مستقبل سوريا في ظل إصرار النظام الحالي على ترجيح الحلول الأمنية على الحلول
السياسية، وهناك سيناريوهات متعددة ترشحها بعض مصادر المعارضة لتطبيقها في ظل استمرار
الأزمة الحالية، منها السيناريو الليبي، أي حمل السلاح لمواجهة السلطة؟ هل أنتم مع
هذا السيناريو؟
-
إن السلطة الحاكمة في اعتمادها على الحل الأمني حتى الآن ترتكب خطأ فادحا، فهذا التوجه
لا يمكن أن يشكل حلا بأي شكل من الأشكال، وإنما يدفع بالبلاد إلى مزالق خطيرة.. وإنني
لست مع تلك الجهات التي تدعو إلى حمل السلاح في وجه السلطة إن وجدت تلك الجهات كما
تدعون.
*
أثيرت مخاوف من شبح الحرب الأهلية في الداخل، وكانت هناك بعض الإشارات في هذا الاتجاه،
منها تهديدات العشائر العربية القاطنين في المناطق الكردية التي ألصقت بيانات تهديدية
ضد المظاهرات الشعبية بالمدن الكردية، هل ما زالت هذه المخاوف قائمة؟ وهل تتوقعون حدوث
أي صدام مستقبلي مع العشائر العربية أو المسيحية في المستقبل؟
-
إن الحرب الأهلية شيء مخيف ومدمر، والشعب السوري شعب مثقف وواع، ولا يمكن أن ينجر إلى
هذا المنزلق الخطير. والكرد في سوريا جزء من هذا الشعب، ولهم علاقات وطيدة مع إخوانهم
العرب والمسيحيين في سوريا، ولا يمكن أن يعطوا أي مجال لفرصة الاقتتال فيما بينهم وبين
إخوانهم الآخرين.
*
«إعلان دمشق» الذي انطلق بقوة في بداية تأسيسه أصبح الآن مجرد إطار مهمش في خضم الأحداث
السورية الساخنة، هل تتوقعون إمكانية إحيائه ليكون له دور مستقبلي في سوريا؟
-
لا أخفيكم بأن «إعلان دمشق» فقد كثيرا من قوته واندفاعه منذ انطلاقته، وكان هذا بسبب
القمع والاضطهاد الذي مارسته السلطة الحاكمة ضد قيادة وقواعد «إعلان دمشق»، ولكن رغم
ذلك فإن هذا الإطار يتمتع بقسط وافر من التأثير في أوساط المجتمع السوري، ولا بد أن
يحتل مكانا بارزا في المستقبل.
*
الثوار الليبيون شكلوا مع تصاعد الأحداث هناك مجلسا انتقاليا حظي بقبول معظم دول العالم،
واستجلب معه تعاونا من حلف «الناتو» مع الثوار المنتفضين أسفر عن إسقاط نظام القذافي،
هل تعتقد أن هناك حاجة إلى تشكيل مجلس انتقالي لقيادة الثورة السورية؟
-
المعارضة الوطنية ما زالت مقسمة في الداخل ونحن نبذل الجهود لتوحيدها قبل كل شيء، وعندما
تتوحد ستقرر ماذا تفعل وماذا يجب فعله.
*
هل تؤيدون تدخلا مدعوما من المجتمع الدولي بهذا الشأن؟
-
إننا لسنا مع التدخل العسكري الخارجي، ولكن هذا لا يعني رفض الضغط السياسي على السلطة
الحاكمة كي تستجيب لمطالب الشعب السوري بالحرية والديمقراطية.
*
تركيا تتدخل بشكل واضح في الأحداث السورية، هل تقبلون بهذا التدخل الإقليمي، وخصوصا
أن تركيا لها مخاوف من تنامي الدور الكردي في سوريا؟
-
دور تركيا بالنسبة إلى ما يجري في سوريا دور انتهازي ومتردد، وهم يحاولون تحين الفرص
لتوجيه مسار الأحداث في الاتجاه الذي يخدم مصالحهم.
*
في إطار الدور الإقليمي، هل جرى أي اتصال بين الأحزاب الكردية السورية وبين قيادة إقليم
كردستان، وخاصة أن حزبكم يرتبط بعلاقات متينة مع الأحزاب الكردية العريقة في كردستان
العراق، خصوصا علاقات حزبكم مع الاتحاد الوطني بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني؟
-
لنا علاقات وطيدة مع سائر أحزاب كردستان، خاصة مع الاتحاد الوطني الكردستاني وقائده
الرئيس جلال طالباني، إلا أن سياستنا تنبع من واقعنا وخصائصنا القومية في سوريا.. وهذا
لا يتعارض مع علاقاتنا الطيبة والأخوية مع الأحزاب الكردستانية.
*
الموقف الأميركي من الأحداث في سوريا بدأ في التصاعد والتشديد على رحيل الرئيس بشار
الأسد، وبقراءة واقع المعارضة لم تتمكن أطرافها إلى الآن من طرح البديل، فهل ترون أن
الأزمة مرشحة للإطالة أكثر من ذلك في ظل القمع اليومي الذي يمارسه النظام؟ وما هو المخرج
في رأيكم؟
-
إن المخرج من هذه الأزمة في رأيي هو أن يستجيب النظام لمطالب الشعب، وهذا يمكن أن يتحقق
بعد أن تتم وحدة المعارضة وتتخلص من هذا التشتت الذي تستفيد منه السلطة، وخاصة أن الضغط
السياسي الممارس من قبل المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والرأي العام العالمي وصل
اليوم إلى حد يؤثر على أحداث سوريا بشكل فعال لمصلحة نضال الشعب من أجل الحرية والديمقراطية.
*
هل ترجحون قيام انقلاب عسكري من داخل النظام؟ وكيف ستتعاطون معه في حال حصل؟
-
إن احتمال عمل ما داخل السلطة من أجل وضع حد للأحداث الجارية والأزمة التي تعيشها البلاد
وارد وممكن، وقد يكون الحل الأكثر انسجاما مع الواقع ومصالح الشعب السوري.
*«الشرق
الأوسط»