السبت 01 حزيران / يونيو 2024, 23:37
سورية والبلدان العربية؛ مقارنة عامة لحالة الفقر




تكبير الحروف : 12 Punto 14 Punto 16 Punto 18 Punto
سورية والبلدان العربية؛ مقارنة عامة لحالة الفقر
الإثنين 08 آب / أغسطس 2011, 23:37
كورداونلاين
إن الأخطار المحيطة بالواقع السوري مقارنة بما هو عليه الحال في البلدان العربية الأخرى، كان أهم مبررات الثورة السورية بعد فشل السياسات الحكومية من إجراء أي تحسن في مستوى الفقر بل وزادت من تفاقمه وتعقد مشكلاته

 

يعتبر الفقر في أساسه عجز عن تأمين الاحتياجات الإساسية للإنسان، ولاسيما الغذاء والماء واللباس والسكن، وهي احتياجات لايمكن ان تستمر الحياة بصورة طبيعية بدونها. غير أن الفقر يتضمن محتويات أخرى، لاتقل أهمية عن المحتويات السابقة، إذ بين محتوياته هدر الكرامة الإنسانية، والعجز عن المشاركة الفاعلة والناشطة في الحياة العامة بجوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو إلى ما سبق، يجعل من الفقراء قنابل موقوتة، يمكن أن تنفجر في سياق ظواهر سياسية واجتماعية واقتصادية. وبانفجارها يمكن أن تلحق الكثير من الأضرار الفادحة بالمجتمع والدولة

 

 

 

وبالإستناد إلى محتويات الفقر التي يُمكن أن تتضمن مستويات مختلفة منه مضافة إلى الوقائع السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة في البلدان العربية، فإنه يمكن القول أن الفقر يُمَثل حالة حاضرة في كل الدول العربية، مع وجود تمايزات تجعل تلك البلدان تندرج في ثلاث مستويات لجهة علاقتها بالفقر

 

 

 

أول هذه المستويات، تمثله البلدان شديدة الفقر، والتي تزيد نسبة الفقراء من سكانها عن نصف السكان، وتندرج في عدادها بلدان منها الصومال وفلسطين واليمن، التي يعاني أغلب السكان فيها من الفقر، وقسم كبير منهم يعاني من الفقر الشديد، وكلاهما ترافقه ترديات متعددة، ذات تعابير معلنة

 

 

 

والمستوى الثاني تندرج في تعداده بلدان بينها مصر وسورية والأردن، وتصل نسبة الفقر بين سكانه إلى نحو أربعين بالمائة، نصفهم في مستوى الفقر الشديد. ومؤشرات الفقر في هذه البلدان واضحة في دلالاتها المختلفة، والأزمات المرتبطة بالفقر ظاهرة ومعلنة

 

 

 

ويتضمن المستوى الثالث من بلدان الفقر العربي، بلداناً غنية مثل الجزائر والعراق، التي تعيش فيها فئات فقيرة، وبعضها فئات معدمة، يمكن أن تصل نسبتها من السكان إلى حدود العشرين بالمائة، وثمة مؤشرات واضحة  فيها على وجود الفقر

 

 

 

وبصورة عامة، فإن أسباب الفقر في البلدان العربية تتوزع مابين أسباب خارجية وأخرى داخلية. والأهم في الأسباب الخارجية البيئة التي تجري داخلها العلاقات الدولية للبلدان العربية، ولاسيما في الجانبين الاقتصادي والمالي، حيث تحظى الدول الأغنى والأقوى بميِّزات على حساب الدول الأقل غنى وقوة وكل الدول العربية تندرج في القائمة الثانية. أما الأهم في الأسباب الداخلية، فأساسُه السياسات غير المتوازنة التي تنتهجها الحكومات العربية في ميادين التنمية الاقتصادية لجهة ميلها لصالح الفئات الأغنى على حساب الفئات الفقيرة، وانخفاض معدلات التنمية وتنامي البطالة، وارتفاع معدلات التضخم التي تجعل المداخيل تفقد قدرتها الشرائية

 

 

 

وتؤدي هذه السياسات ونتائجها، ليس إلى استمرار الفقر فحسب بل إلى مفاقمته مع الوقت. وطبقاً لتقديرات الخبراء فإن الفقر يمكن أن يتضاعف في البلدان العربية في خلال العقدين القادمين مع الزيادة الهائلة للسكان ما لم تحصل إصلاحات جوهرية من الناحيتين السياسية والاقتصادية في البلدان العربية، تؤدي إلى اشراك المجتمع المدني إلى جانب الدولة في إحداث طفرات تنموية ذات معدلات نمو عالية تقارب العشرة بالمائة، وتوزيع عادل للدخل، ومواجهة جذرية مع الفساد

 

 

 

إن سورية -بصفتها واحدة من الدول العربية- تنطبق عليها الملامح العامة لحالة الفقر في البلدان العربية، ولاسيما مجموعة البلدان المصنفة في المستوى الثاني مثل مصر  والأردن، التي هي بلدان محدودة في مواردها من جهة، وفيها مستويات من الفقر يقارب تلك الدول، لكنها تختلف عن تلك الدول في بعض من المعطيات الأهم فيها

 

 

 

 أولاً - إن معدلات النمو السكاني هو أعلى من بقية بلدان المجموعة، بل هو من أعلى معدلات نمو السكان بين الدول العربية، حيث بلغ ٢،٥ بالمائة، وهو مرشح للاستمرار في المدى المنظور

 

ثانياً - إن بين أسباب الفقر في سورية شيوع ظاهرة اقتصاد الظل، وهو اقتصاد يقوم على أُسس غير قانونية وأخرى غير مشروعة، ومنها التهرب الضريبي والتهريب والرشاوي والفساد وغيرها من أنشطة تتجاوز أموالها مئات مليارات الليرات السورية

 

ثالثاً - إن سورية تعاني أكثر من بقية الدول العربية الأخرى من الأزمات الناتجة عن الجفاف وانحباس الأمطار، مما ينعكس سلباً على مواسمها الزراعية وثروتها الحيوانية، وكلاهما بين مواردها الأساسية. كما تنعكس سلباً على سكانها، فتدفع أعداد كبيرة منهم إلى هجرة داخلية وخارجية

 

رابعاً - إن سورية تعاني من مستوى فساد هو بين الأعلى في مستويات الفساد بين البلدان العربية، وإن هذا الفساد يشمل المستويات المختلفة في الأجهزة الإدارية التنفيذية إضافة إلى الجهاز القضائي

 

خامساً - كما أن سورية أقل البلدان العربية في مستويات الشفافية الإعلامية، حيث مازالت السلطة حاضرة بقوة ولاسيما في ميدان الإعلام المحكوم بالسيطرة الحكومية

 

 

 

وبطبيعة الحال، فإن حضور هذه المعطيات في الواقع السوري يجعل من سورية أكثر من غيرها عرضة لمفاقمة ظاهرة الفقر، الأمر الذي يعني أنها يمكن أن تنتقل إلى بلدان المستوى الأول من بلدان الفقر العربي مثل اليمن والصومال وفلسطين، التي يرتفع فيها مستوى الفقر إلى فوق الخمسين بالمائة من السكان

 

 

 

إن الأخطار المحيطة بالواقع السوري مقارنة بما هو عليه الحال في البلدان العربية الأخرى، كان أهم مبررات الثورة السورية بعد فشل السياسات الحكومية من إجراء أي تحسن في مستوى الفقر بل وزادت من تفاقمه وتعقد مشكلاته. إن المطلوب في سورية سياسات أكثر جذرية في التصدي لمشكلة الفقر؛ سياسات تشترك فيها الدولة والمجتمع المدني بصورة مشتركة، تقوم على مواجهة شاملة مع تلك الخصوصيات، ولاسيما مجال التزايد السكاني في معدلاته الراهنة، ورسم سياسات من شأنها مواجهة آثار موجات الجفاف وتردي المواسم الزراعية. وكله ينبغي أن يترافق مع معالجة جدية لواقع الفساد، الذي يدمر أية محاولات ومبادرات من أجل التنمية، والتقدم نحو تحقيق المساواة في المجتمع، ولاسيما لجهة توزيع الدخل بصورة عادلة، وهي إجراءات لايمكن أن تتحقق في ظل غياب المشاركة والشفافية وانعدام الحريات والإعلامية خصوصاً، واستمرار سيطرة الدولة على المؤسسات الإعلامية والاتصالات

 

٨ آب/أغسطس ٢٠١١

 

مركز التواصل والأبحاث الإستراتيجية SRCC

1490.

مواضيع جديدة في موقعنا الجديد اضغط هنا


ارشيف
ارشيف

صحافة وإعلام و آراء

كتاب الموقع
عبدالغني ع يحيى
العصر الطيني في العراق.
بنكي حاجو
الكذبة الكبرى
ب. ر. المزوري
النقطة
زاكروس عثمان
أحزاب خارج التغطية
إبراهيم اليوسف
النص الفيسبوكي 2.
عبد عبد المجيد
الفسيفساء السورية
أفين إبراهيم
رضاب الفراش
وزنة حامد
قلق الذات