هناك رؤية مسبقة لمستقبل سورية يتم رسمه من قبل الغرب و حليفه اردوغان تتلاءم مع نهجه الإيديولوجي و السياسي و الذي يفيد بأنه لا وجود حقيقي للكرد
لا تزال الانتفاضة السورية مستمرة و تتسع يوم بعد يوم بشكل أفقي لتشمل مناطق جديدة كل أسبوع من عمر هذه الثورة التي خلفت ورائها أربعة أشهر اتسمت بالعنف الوحشي و ممارسات سادية من قبل النظام الأمني تجاه المتظاهرين.
خلال هذه الأشهر عقدت مؤتمرات عدة للمعارضة و السلطة للبحث عن مخرج للازمة المعاشة حيث تتالت المؤتمرات في الخارج و التي اتسمت بطابع ديني و حضور واضح للإخوان المسلمين الحلف الاستراتيجي لحزب العدالة و التنمية بقيادة اردوغان, كما كانت لاردوغان مواقف متشددة تجاه النظام تبين لمن راهن عليها بأنها كانت دعائية و ورقة ضغط تستخدم على النظام السوري؛ وقد كشفت صحف عدة مساعي تركيا و بتفويض غربي لإيجاد صيغ حل للازمة السورية من خلال حكومة تشترك فيها المعارضة و على رأسهم الإخوان. و لا يخفى على احد إن الإخوان كانت لهم لقاءات سرية مع مسؤولين في النظام السوري أكدها قادة الإخوان أنفسهم, أخرها تصريح المراقب العام محمد رياض الشقفة بأنهم يودون الرجوع إلى سورية و حل أنفسهم و العمل في المجال الدعوي قبل اندلاع الانتفاضة السورية. إذا المساعي لاحتواء الأزمة السورية تأتي من خلال مباركة غربية تسعى للضغط على النظام لإيجاد معارضة معتدلة تندمج مع نظام فاقد الشرعية و ضعيف بفعل الحراك الجماهيري و العقوبات الخارجية. هذه المعادلة التي أدخلت الثورة السورية في منطقة رمادية تحاك فيها المؤامرات من قبل أطراف عدة و تعقد الصفقات و تحضر وصفات جاهزة لتحل محل النظام القائم تلقى رضا الحكومة التركية التي تسعى جاهدة من خلال حلفائها الإسلاميين إلى تهميش أي مسعى لتثبيت الحقوق القومية للشعب الكردي في سورية, و هذا ما كان جليا في مؤتمر اسطنبول مؤخرا.
و هذا يوضح بان هناك رؤية مسبقة لمستقبل سورية يتم رسمه من قبل الغرب و حليفه اردوغان تتلاءم مع نهجه الإيديولوجي و السياسي و الذي يفيد بأنه لا وجود حقيقي للكرد في هذا المستقبل المرسوم من قبلهم.
و بالعودة إلى الحراك الكردي الذي بدا بالشباب المختلف التوجهات و الانتماءات لأنهم بكل تأكيد لم يأتوا من المريخ و هم ليسوا مجهولي الهوية و إن كانت لهم خلافات مع الأحزاب التي انشقوا أو ابتعدوا عنها, كما إن اغلب التنظيمات الكردية كانت مشاركة في هذه التظاهرات منذ بدايتها من خلال شبيبتها و مؤيديها رغم عدم التصريح بشكل علني, لكن ما شاب هذا الحراك الشبابي انه و رغم كل الدعوات إلى إظهار اللون و المطلب الكردي في التظاهرات إلا إنها كانت تقف في وجهه تلك الدعوات و في حالات كانت تصطدم بمن يحاول إظهار الخصوصية الكردية. هذا العمل أثار إشارات استفهام كثيرة عن ماهية هؤلاء البعض الذين يواجهون الخصوصية الكردية و لصالح من يقومون بهكذا عمل؟. و إلى ماذا يرمون من وراء ذلك؟. لن نقوم بتكرار ما ينشر من معلومات عن الشبهات التي تحوم حولهم لكن سنتتبع النسق الذي يسير فيه هؤلاء و إلى أين يؤدي. من الواضح بان هناك قوى إسلامية تسيطر على مشهد الحراك الجماهيري إلى جانب قوى مدنية ديمقراطية؛ لكل منهم نسق و تطلعات مختلف و مشتركة في ذات الوقت (مشتركة من حيث التخلص من النظام الأمني الاستبدادي و مختلفة من حيث الرؤية المستقبلية لسورية), و بالنسبة للتيارات الإسلامية المتحالفة مع حكومة اردوغان فهم ضد أي مكسب مستقبلي للكرد و يعملون جاهدين للحيلولة دون حصول الكرد عليه, و هذه الرؤية تتمثل في عدم إظهار أي خصوصية كردية خلال هذه الثورة و تعميمها بلون و طابع واحد, الشيء الأكيد إن النظام شملنا بظلمه و استبداده لكن ثنائية الاستبداد كانت علينا اشد وطأة لأننا من قومية أخرى, و هذا ما يحاول البعض تجاهله. و إن كانت الوطنية و الهم الوطني و العمل المشترك و الثورة المشتركة تعني "لا" للخصوصية الكردية و للوجود الكردي؛ هذا يعني إن الواقع بالنسبة للكرد لن يتغير؛ إلا في شكل "الـ لا" وحدها حيث ستتغير من بعثية إلى إسلامية. و في هذه الحالة نسال من يود طمس الخصوصية الكردية لصالح من يقوم بذلك؟!!.
يوم الجمعة الموافق لـ 22/7/2011 تقرر تسميتها بجمعة آلا رنكين لتكون تصويبا و تصحيحا للحراك الشبابي و الشعبي في المناطق الكردية و ضرورة إظهار الخصوصية الكردية لونا و مطالبا (هذه الألوان التي لم تعجب البعض و تهجم عليها بشكل مهين بكل المقاييس للأسف). و في اللحظة الأخيرة عند انطلاق التظاهرات تراجع من يسمون أنفسهم بأسماء شتى مع لازمة الشباب الكرد, و لم يقبلوا السير معا مما أدى إلى انقسام التظاهرات على نفسها!!. حدث هذا الفعل في مناطقنا كلها بشكل متزامن!!, لكن أكثرها حدة كانت في قامشلو حيث اتجه البعض باتجاه وسط المدينة و قامت الأجهزة الأمنية بالاشتباك معهم فما كان من متظاهري "آلا رنكين" إلا أن قاموا بوقف مسيرهم و العودة لنصرة المتظاهرين الذين اتجهوا إلى وسط المدينة, و كان لتصريح السيد صالح مسلم المشارك في التظاهرة الأثر البالغ في الأوساط الشعبية حيث قال " لا يمكننا أن نترك أي جماعة كردية وحيدة في مواجهة النظام، لذلك قمنا بتوجيه التظاهرة مرة أخرى نحو مكان احتشاد رجال الأمن لمساندة الجماعات الكردية الأخرى" هذا الموقف الذي ينم عن عمق الارتباط بالوطنية الكردية ما هو إلا تعبر عن ميراث عشرات السنين من العمل الوطني الجاد و تضحيات الآلاف من الشهداء و المئات من المعتقلين في سبيل حل القضية الكردية و انتزاع الحقوق المشروعة.
بهذه الروح الوطنية يؤكد الاتحاد الديمقراطي من ورائه حركة التحرر الكردستانية مجددا بأنه يعني ما يقول و سيبقى سندا لشعبه بمختلف توجهاته. و لمن يراهن على قوى هنا أو هناك نقول لهم لا تتجاهلوا حقائق التاريخ فلم يكن للكرد من وراء المراهنة على القوة الخارجية سوى البلاء, لن قوانا الذاتية الخاصة بنا إخوتنا يجابهون أعتا قوى الشرق الأوسط تركيا و إيران و يوجهون لهم ضربات قاسية تزلزل كيانهم و أركان نظامهم. لذا علينا إن نعي بأنه إن كان لنا سند فهم سندونا.
ختاما نقول خلافنا, تناحرنا سبب مصائبنا و شقائنا و لا سبيل إلى خلاصنا إلا بالاتفاق.
رودي عثمان - 25/7/2011