أحمد يوسف
يراعٌ ينتكِسُ كلّما تحسّسَ ثقلَ التصاوير الّتي يوشكُ على الإندلاق بها,
وجَريدٌ ناصعٌ ينكمشُ مسوَدّاً من وطأةِ كَلِمٍ مُتَماهٍ بالأحمر, فتولد لوحةٌ
تلفّها القتامة, ونصٌّ واجمٌ من هول القطيعة, الارتياب أجمل ما فيه, واليقينُ
موءودٌ قُبيل بزوغِه, كلمةٌ تطأ أخرى, ومورفيمٌ ينازع آخر.
بنيةٌ ميتافيزيقيّةُ التشكُّل, وفحوىً عَصيّ على نفاذ الألق, تتلعثمُ الـ"
أنا " بأَنَفَةٍ لبعثرة الـ"نحن", المتناثر أصلاً قدّام العصفِ ومن
خلفه, والـ" نحن" هذا يتسوّلُ الانتماء على أرصفةِ" الآخر"..
والانتماءُ يُنكّسُهُ الأشقّاءُ مع الرّايات في مكانٍ ما,للمفاخرة بأخرياتٍ
قانياتٍ بلون الفاجعة, ليغدوَ وهماً كلّ ما يُصدَحُ لأجله.
هناك في اللّامكان, أو في القصيّات من الأمكنة, لا بل من على شفير العالَم
يظهر المُتكوِّرُ كرجلٍ من هُلام,ليُعلن على الملأ "الأعلى" كتلتَه
الجليديّة, باحثاً عن وزنٍ في الفضاء, وعن بُعدٍ زائدٍ له في الفراغ أو على أيِّ
هامش, في غفلةٍ من أيّة شموسٍ قد تكتشف ميوعَتها الحقيقيّة.
ليس بعيداً عن ذاك اللّامكان,أو في المكان ذاته,أي عند ذؤابات الكوكب,ثمّةَ
فارسٌ من ورقٍ مُكدّس, يطوف بالمعنى غير مدركه,قوسُهُ من صدأ المُخيّلة, الوتر
صديدٌ مطّاطيّ, والنّصالُ كلماتٌ مثلومةُ النهايات, يمُجّها عرّابو اللغة قاطبةً,
ويغلي الوطيس:
" واحد, اثنان,..., أولاً, ثانياً,..., حادي عشر"
هيه مهلاً! لَملِم أشياءَك واشحذها من جديد, لَكَم يشفقُ الفرسان على
" حالك الحالي".
في إحدى الأركان المعتمة ثمّة مَبرَكٌ سفسطائي لا مُنتَمٍ, مُبهِرٌ لدرجة
العَماء, يديره فيلسوفٌ بلا رؤية, هو السّائسُ وهو المَسوسُ في آن, لا يغضبُ إلّا
لخواء مَبرَكِهِ, ولا يغضب إلّا من سلالة المُنتمين, يجولُ في مكانه, وبين شخوصه
الّتي من ضباب, يُجالِس ذاتَه, يُحدّثُ ظلّه, فهو مختصّ بالنّيل من النجمات ولعق
الخيبات,
آهٍ!! كم من تبسّمٍ يشي بالبَلادة.
ولكي لا يوغلُ النصّ في ما هو بعيدٌ فقط من الأمكنة, هناك في مكانٍ قريب,
وفي زمانٍ ليس بالبعيد أيضاً, بزغَ فطحلٌ خرافيُّ القَسَمات, أسطوريُّ الطّلعة.
ذات تَفَكُّرٍ علّمَ اللاحقين كيف يغدون فطاحلَ انشطاريّة كونه هو السّابق,
وبعد أن انفضَّ المُتثائبون من حوله قرّر التخلّي عن التلاعب بالخليقة,ليتفرّغ
للتلاعب بالكلمات. منذُ أمَدٍ أطلَّ مُجدّداً لتنصيب نفسه شيخاً على كلّ مريدٍ لا
شيخَ له, وفقيهاً عالماً, مُكتظٌّ محرابُهبطوابير الخطّائين ليصكَّ لهم فتاوٍ تُشَرعِنُ
وجودهم, بعد أن أفقدهم إياه في جلسةٍ سَمَرِهِ الأخيرة... فلتغورُ جلُّ السفائن طالما
الفقيه ليس على متنِ إحداها.
في الخفاء حيثُ لا يدري أحدٌ أينَ, و ما مِن مُتَنَبىءٍ يُخمِّنُ في أيّة
مواقيت,يتكاثر الإشكاليّون مِمّن يمتلكون أجنحةً لا مرئيّة, يحلّقون من مملكةٍ إلى
أخرى, أنتاليّون,إقليميّون,بروكسيليّون,قوميّون, وطنيّون,إنقاذيّون, فدائيّون...
إشكاليّون.
في خِضَمَّ هذا الزخم الكئيب من مُحَفّزي الكآبة اللغويّة, ومُهَيّجي
العاهة الذهنيّة, ليس ثمّةَ مثبِّطٌ خُلُقِيّ ناجعٌ لِأيّ جُمُوحٍ مُغَفَّل. فلا
لومَ ولا جُناحَ إن انتكسَ اليراعُ أو انكمشَ الجَّريد.
24/7/2011