كتاب ينحاز الى الفكر الرصين ويخرج أفكاره من تراث عميق، هو التراث الديني الذي يستند اليه أي باحث شرقي أو غربي، لذلك نجد في فصول الكتاب الولوج الى أسس الأشياء وتسميتها بمسمياتها الأصلية
فتح الله حسيني
يجادل الكاتب الكردي عادل أحمد صالح، من سجن "تيدهولم" في المنفى السويدي، بحرية تامة ولغة طليقة أفكار الباحث برنراند راسل، في كتابه "مفهوم الصراع بين العلم والدين" يجادل دون أدنى شك في قدراته الفكرية، من حيث العوائق الجمة التي تعترض طريق أي باحث في مجال أكاديمي، عندما تفوته رفوف صنوف المكتبات الضخمة والفخمة في العواصم والمدن الكبرى، لئلا يتوه عن موضوعه الأساس، فهو بطبيعة الحال يجادل كل تلك الأفكار والحقائق كمن ينحت طقوسه في الصخر، تارة بلغة مؤرخ، وتارة أخرى بلغة باحث فريد عن رونق الحقيقة، الحقيقة فحسب، مهما كان ذاك النحت صعباً أو متعباً الى حد الإعياء.
الكتاب برمته، الصادر حديثاً عن دار "ديلان" بمدينة السليمانية، جدال ساخن، منطوي على أسس علمية رغم الافتقار الى مصادر بحثية كثيرة، كطبيعة أي كتاب بحثي، سجالي، فكري، ومع ذلك هو كتاب ينحاز الى الفكر الرصين ويخرج أفكاره من تراث عميق، هو التراث الديني الذي يستند اليه أي باحث شرقي أو غربي، لذلك نجد في فصول الكتاب الولوج الى أسس الأشياء وتسميتها بمسمياتها الأصلية من تضاريس متشبعة وعلم عظيم وأديان مقدسة ودور الكنيسة ومظاهر رجال الدين والعقائد والآيديولوجيات، والعلاقات الخاصة والعامة المبنية على أسس المصلحة الفردية أو القيم الانسانية في آن معاً، بعد أن يجهد الكاتب عادل أحمد صالح كثيراً في إضفاء صفة البحث على كتابه، لأنه كتاب مسارات متفرعة دون مسار واحد، مسارات تأخذ باليقين، والمصدر، أو تجانب التفسير ثم ترك الحقيقة على صورتها الأسمى دون رتوش.
يلفت الكاتب المنقود رسل الى أن الملكية الخاصة تقابل النظرة النقابية وتظهر عداوة لكل من الدولة والملكية الخاصة مععاً، فهو، أي رسل، يميل إلى الاعتقاد بأن النظرة السنديكالية أقرب إلى الصواب من النظرة الاشتراكية في هذا الشأن، وذلك لأن كلا من الملكية الخاصة والدولة، اللتين هما أكثر المؤسسات سيطرة في العالم المعاصر، يزيد من فقدان الحيوية التي يشكو العالم منها بشكل مضطرد.
يناقش المؤلف عادل أحمد صالح بشئ من التفصيل واحياناً التكرار المشخص أفكار رسل، في ما يتعلق بمهام الدولة، والكنيسة، والدولة كمؤسسة جامعة لكل شئ أساسي في خارطة الدولة، فيطرح أفكاراً جديرة بالاعتراض من لدنه على أفكار رسل وخطابه الموجه الى المثقفين دون ان يكون قاصرا على خاصتهم.
فيتضمن قضية برتراند رسل الصراع الذي اشتد واحتدم بين رجال الدين ورجال العلم في أوربا، وسخونة الصراعات التى نشبت بين علماء اللاهوت ورجال العلم خلال الأربعة قرون الماضية، والصراع القائم بين الدين والعلم الذي لم يعد له محل، بحسب المؤلف، فهي بالتالي علاقة تكامل وليس علاقة تنافس، فالعلم يغذي العقل والدين يغذي الوجدان.
عندما أسند اليّ مهمة مراجعة وتقديم هذا الكتاب "المفهوم العلمي للدين" للكاتب الكردي عادل أحمد صالح، لم أتوانى لحظة في التردد، كما ولم أتردد في الوقوف
الى جانب هذا الكاتب، الباحث عن مكامن الخطأ أنما تواجد، أو المشخص فعلاً لثنايا أخطاء ظاهرة ومبطنة تسبح في فضاءات عالمنا دون أن ندري، فكان لا بد من هذا الكتاب.
الكتاب: العلاقة بين العلم والدين
المؤلف: عادل أحمد صالح
مراجعة وتقديم: فتح الله حسيني
الناشر: دار ديلان / السليمانية
عن "الاتحاد"