كان لبعض شبابها أن اجتمعوا في أمسية من الأمسيات و قرروا اللعب بورق الشدة و كان عليهم أن يحددوا الرهان,فاتفقوا على أن يقوم الخاسر بمشاهدة القناة التلفزيونية السورية لمدة ساعتين
عامودا مدينة كردستانية عريقة,يتميز سكانها بمستوى
عال من الثقافة و خفة الدم
و هم في هذا يشبهون إلى حد بعيد الحماصنة(سكان مدينة
حمص), و لدى سكان هذه المدينة تعليق ساخر على كل حدث أو واقعة.. فكان لبعض شبابها أن
اجتمعوا في أمسية من الأمسيات و قرروا اللعب بورق الشدة و كان عليهم أن يحددوا الرهان,فاتفقوا
على أن يقوم الخاسر بمشاهدة القناة التلفزيونية السورية لمدة ساعتين..و لكن لم تدم
السهرة لأن الرهان كان قاسيا" جدا" و أجمع الكل على أن هكذا رهان إجحاف كبير
بحق الخاسر....فتفرقوا.......
إن ما يثير السؤال هنا هو السبب في انحطاط مستوى
اعلامنا السوري لدرجة أن يكون محط سخرية و استهزاء.
ما السبب في عدم تقبل هذا الإعلام من قبل الأوساط
الشعبية بجميع فئاته العمرية على اختلاف توجهاتهم و انتماءاتهم,لدرجة أصبح الإعلام
السوري يحتل المركز الثاني في الترتيب الشعاراتي في المظاهرات الشعبية المناهضة لنظام
الحكم و أركانه هذه الأيام. حيث نشاهد كيف يهتف الناس (الإعلام السوري كاذب) بعد هتافهم
بإسقاط النظام أولا"..
و لكني أقول لا عجب في أن يكون الإعلام السوري هكذا
و لا يستطيع إلا أن يكون هكذا و لا ولن يستطيع أن يكون أفضل من هذا.. لأن هذا الإعلام
الرسمي منه و غير الرسمي-(و ننوه هنا إلى أن الإعلام الغير رسمي,هو الوجه الآخر للإعلام
الرسمي و لكن تحت مسميات أخرى)- يمثل و ينقل بل و يدافع عن سياسة السلطة و الحزب الحاكم
و هنا تكمن المشكلة !...
فماذا تأمل من إعلام يمثل حكما" أسريا"
دكتاتوريا" أصبحت رائحته النتنة تفوح في أرجاء الشرق الأوسط إن لم يكن في العالم
أجمع,و تقع عليه مسؤولية إقناع العالم بالجمهورية الملكية الأسدية السورية...(و الله
صعبة)
ماذا تأمل من إعلام يمثل سلطة حزب واحد أوحد,أعطى
لنفسه بنفسه الحق بأن يكون القائد ليس فقط للدولة بل و للمجتمع و هم حفنة من المرتزقة
و الشبيحة و رجال العصابات المافيوية..
إن انعدام الشفافية و الخطاب الخشبي المتعفن القائم
منذ عقود و فقدان المصداقية و قلة الكفاءة و الخبرة المهنية هي الأسباب الحقيقية الكامنة
وراء انحطاط مستوى الإعلام السوري ضمن ترتيب الإعلام الإقليمي و العالمي.
و أما الضحك على عقول الناس و الاستهتار بمشاعرهم
و عدم الإلتزام بميثاق الشرف المهني و اتباع اسلوب التضليل و التشويه في سرد الحقائق
و الوقائع و سياسة نثر الرماد في العيون لإخفاء الحقيقة هو السبب الآخر الحقيقي الكامن
وراء انحطاط مستوى الإعلام السوري في أعين الشعب السوري...
و يبقى الأمر الأكثر غرابة هو تجاهل و تغافل المسؤولين
عن هذه المؤسسة الحيوية الهامة عن مواكبة التطور الإعلامي الهائل و وسائله الحاصل في
العالم أجمع!!!...
ألا يسأل القائمون على الأمر أنفسهم لماذا تعتبر
مشاهدة القنوات التلفزيونية بمثابة عقوبة لمشاهديها كما يقول سكان عامودا؟؟؟ اللهم
إلا للنشرات الجوية و قد امتنع الناس حتى عنها منذ أن انتشرت القنوات الفضائية و الإنترنت
و حتى أجهزة الخلوي أصبحت مزودة ببرامج عن الطقس...
لماذا لا يتم شراء جريدة إن خلت من الكلمات المتقاطعة
و يعتبر اقتنائها خسارة مادية رغم بخس ثمنها( 5 ل.س)؟؟؟ و أما الإعلام المسموع فحظه
أوفر من المرئي و المقروء بسبب المقومات الداعمة له و هي: أغاني فيروز صباحا"
و أم كلثوم ليلا", الإضطرار إلى سماعها في حال استئجار سيارة أجرة و ما أحوج الناس
إلى سيارات الأجرة هذه الأيام,حيث تكون أجهزة الستيريو معطلة غالبا" لكثرة استعمالها(و
كثرة الإستعمال مرده تحاشي الإعلام الرسمي).....
الشعب يتمنى تفعيل الدور الحقيقي للإعلام الوطني
و لكنه أيضا" يدرك صعوبة إن لم يكن استحالة هذا الأمر في ظل سلطة متحجرة العقلية
لا تقبل الرأي الآخر و لا حتى وجوده و تبقى خياراته الأخرى الملجأ له للتوصل إلى الحقيقة
أو إيصالها.....
* نجم الدين كلش..اعلامي سوري
kalach2009_(at)_hotmail.de