يستعين خان بتاريخ الإسلام ليُذكّر القارئ كيف احتلت المرأة مواقع في الحياة العامة فيؤكد ذلك بالقول
كتب الباحث الهندي الاصل السيد علي خان، وهو طالب دكتوراه في جامعة كمبردج، في صحيفةBusiness Standard قبل عدة ايام مقالا مهما بعنوان" ماوراء البرقع والبكيني
، يلقي الضوء، بصورة رائعة، على مشكلة البرقع التي اندلعت مؤخرا حربا ضده في اوربا
بعد ان قامت بعض الدول بمنع المرأة المسلمة من ارتدائه في الاماكن العامة.
وقد قام خان، في مقالته، بالربط بين محاولة تحجيم المراة ومنعها من اداء
دورها في المجتمعات الشرقية المتزمتة وبين ماتقوم به بعض المجتمعات الغربية من محاولات
محمومة لتسليع المراة وتشييئها عبر تقديمها للاخر عبر نموذج ورداء جنسي بحت يستفز الغرائز.
يقول خان في بداية مقالته... ان فرنسا قامت مؤخرا بتنفيذ قرار منع ارتداء
النقاب او حجاب الوجه، وهو قرار يؤثر على بضعه الاف من النساء في فرنسا ويبدو انه مُرر،
في رأي خان الصريح، لاسباب سياسية اكثر من كونها امور متعلقة حقوق المراة، وبعد ذلك بعدة أيام ألغت سوريا قرارها بمنع المعلمات
من ارتداء النقاب بسبب ضغط علماء المسلمين الذي تبع المظاهرات في البلد.
ثم يتعرض خان الى الحجج التي يلقيها البعض في هذه القضية فيرى ان احدى
الحجج التي غالبا ما تُقدم من قبل المطالبين بمساواة الرجل بالمرأة أو المفكرين الليبراليين،
ان النساء قد تعرضن، من خلال التقاليد في المجتمعات الدينية، إلى ظلم، ولهذا فحق النساء
يجب ان يُحمى من قبل الدستور. والدين الأبرز الذي تعرض للنقد هو الإسلام
ومعاملة المسلمين للمرأة .
ثم يستعين خان بتاريخ الإسلام ليُذكّر القارئ كيف احتلت المرأة مواقع
في الحياة العامة فيؤكد ذلك بالقول...طبعا من الملائم أن نذكر أن بعض المعلقين المسلمين
والنقاد يتناسون أن المراة المسلمة تاريخيا كانت في مواقع في السلطة وفي الحياة العامة،
فزوجة الرسول خديجة كانت امراة غنية وسيدة اعمال ، والخليفة عمر، وهو الرجل المشهور
بتنفيذه الصارم للقانون، قد اختار الشفاء بنت عبد الله ابن شمس بن خلف القرشية العدوية
كمديرة للسوق في المدينة.
ثم يعرج خان على الأعراف والتقاليد
البائسة التي ادت الى الاسائة لهذه الصورة وهذا الدور الذي كانت تقوم به فيقول
....ولكن بسبب الأعراف والتقاليد بالإضافة إلى الحاجة لتحديد الشخصية الذاتية طبقا
للاخر اكثر من الاكتفاء الذاتي بالذات ككل، نجد أن بعض الناس احتفظ بصورة نمطية عن
النساء والتي انعكست بالمقابل بشكل سيء على الدين، حيث بدلا من التركيز على المجادلات
التي تتحدث عن النقاب او النساء المسلمات من المهم الكشف عن ان المشكلات التي تتعرض
لها المرأة في المجتمعات الدينية مشابه، الى حد ما مع مشكلات المراة في الجتمعات غير
الدينية.
ثم يجد خان حالة من التشابه بين من يظلم حقوق المرأة وبين من يقوم بتقديمها
على شكل جنسي فيقول ...المجموعات الدينية التي تقلل من حقوق المرأة وتجبرهم على الالتزام
بمبادئ معينة تعمل بشكل مشابه لمدراء الإعلانات في مختلف الإعمال الذين يستخدمون مظاهر
النساء الخارجية لكي يتم تسويق منتجاتهم وبيعها ، أو كمحرري الصحف الذين يجذبون القراء
الرجال بواسطة صور لنساء يرتدين ملابس شفافة بينما يتم بيع دهن للشعر او حتى أحذية.
خان بدوره يضرب مثال على ما آل اليه وضع المرأة في العصر الحالي فيقول
...اذا قام شخص بتشغيل جها التلفاز اثناء فترة استراحة الاعلانات في أي بلد و قام بإسكات
الصوت، فانه سوف يظهر جليا له كيف تُعامل الأجساد النسائية بصورة جنسية
ولاشيء أكثر من كونها مجرد موضوع يساعد على بيع الأشياء من الايس كريم إلى أجهزة الهاتف
المحمول.
ويضرب خان مثال اخر على إحدى الإعلانات الأخيرة لحبوب مشهورة في انكلترا،
حيث نرى فيها رجل يغمز لما يظن المشاهدون بانه
أمراة مغرية ومثيرة ليظهر بعدها فقط انه يحدق الى الطعام الموجود في يديها. وفي البلدان
العربية... المرأة الجذابة ولو ارتدت الحجاب، تستعمل ايضاً لكي تُزيد من الرغبة في
اقتناء المنتجات المختلفة.
ثم يتطرق خان الى برنامج حواري على التلفزيون الايطالي فيقول ... في هذا
الحوار تظهر فيه امرأة جملية ترتدي البكيني وتقف مبتسمة وتقهقه بينما تؤدي دور هامشي
زخرفي في العرض .آه انا سمعت ناقدا حكيما يقول
" على الاقل هؤلاء النساء لديهن الحرية لعدم الذهاب لتلك العروض". والواحد
لايستطيع رفض هذه الحقيقة ... لكن الحقيقة ذاتها تؤكد بان الشكل الانثوي الجسدي يبقى
مجرد حيلة اعلانية تاخذ طريقها لتوضيح كيف الرجل سواء كان ملحدا أو متدينا أو ليبرالي
أو محافظ ، يفعل الشيء نفسه....تشييء المرأة، وهنالك مجموعة معينة تفعل ذلك عبر تغطيتها
وجعلها غير مرئية ..ومجموعة اخرى تحول الاثنى
إلى لاشيء أو مجرد موضوع اشتهاء جنسي.
ويمر خان على ماقاله الكاتب سام هارس مؤلف كتاب " المنظر الطبيعي الاخلاقي"
في مقابلة تلفزيونية، حيث اكد " لدينا
حضارة (المجتمع الاسلامي) تهدد المرأة كملك
جنسي للرجل... انها تقلل من قيمتها" على الرغم من ان هذا يمكن ان يكون صحيحا بالنسبة
لمجموعة معينة من النساء المسلمات، فان هذه المشكلة مستوطنة في اغلب المجتمعات، ولاتقتصر
على المجتمعات الاسلامية.
وعلى السيد هارس، لكي يتأكد من كلامي، ان يشاهد اعلانات معينة لأي شركة
معطرات تستخدم الروائح كطعم للجوع الجنسي...لامرأة ترتدي ثيابا شفافة.
ولا ينسى خان ان يذكر بلده الأصلي الهند ليقول بعد هذه الفقرة بأنه...من
المثير للاهتمام ان نذكر أن الهند اتخذت خطوات
لمواجهة مثل هكذا اعلانات بواسطة منع اعلانات
المعطرات المحتوية على مشاهد جنسية علنية.
فالرجال، ومن وجهة نظر خان يحاولون، وبغض النظر عن المعتقدات الدينية
او العقائد السياسية، يسعون للسيطرة على المرأة ولو بطرق مختلفة. لذلك فهو يرغب ان
نتجاوز الحوارات الضيقة السلبية حول البرقع والبكيني ونتحرك فيما وراء الأمثلة والنماذج
الضيقة للبرقع او البكيني من اجل خلق فضاءات تكون المراة فيها متصورة ومُعرّفة وتبني
دورها الخاص في المجتمع من غير اكراهات رغبات الرجل.
ولهذا يرى خان انه ...من الخطأ الافتراض بأننا وصلنا لنقطة، خصوصا في
البلدان الغربية، تمتلك فيها المرأة نفس قابليات وقدرات الإنسان. بالرغم من ان هنالك
عددا كبيرا من النساء ممن حققوا نجاح في أهدافهم، ولكن بالرغم من ذلك تبقى تلك المجتمعات
مُسيطر عليها بشكل كبير ومقادة بواسطة الرجال.
وفي هذا السياق يقدم خان نموذجا على سلوك نسائي يقدم نفسه كأمراة لا من
خلال ذاتها وسلوكها وانما من خلال الرجل وتقليده
فيقول ...اغنية نجمة البوب جيسيكا جي بعنوان " افعلها كرجل" والتي اطلقت تشرين الثاني نهاية السنة الماضية قد وضحت
الحجة، وقد حصلت الاغنية على الترتيب الخامس في بريطانيا وبيعت منها اكثر من 300 الف
نسخة وتم سماعها 28 مليون مرة على موقع يوتيوب" والان وصلت الى 39 مليون"،
كانت الفرقة تقول " انا استطيع فعل ذلك كرجل افعلها كرجل امسك " فرجي
" سارتدي قبعتي مثلك" .
ويعلق خان على الفديو فيقول بان هذا الفديو الجنسي الذي اثار لدى البعض
الغضب جاء ليظهر، بطريقة ما، كيف تحاول جيسيكا جي أن تؤكد نفسها كأمراة وتمنح لنفسها
سلطة بواسطة الغناء حول كيف تستطيع التصرف مثل أي رجل كما يوحي لنا العنوان .
اما ردة الفعل حول هذا الفيدو فيجدها خان بين نوعين من الناس...فالمحافظون
سوف يعتبرون الفديو كنموذج على الانحطاط الاخلاقي الذي يجب ومن المهم ان نحمي المراة
منه،واخرون سوف يقولون ان هذا جزء من حرية التعبير والحرية الفردية لصنع خيار مستقل
يتعلق بالموافقة او رفض هذا الفديو.
فمن المهم ان نفهم، وهذا مهم
لدى خان، كيف دلّ هذا الفديو على مشكلة
عريضة، وهي ان المراة غالبا ماتُجبر على تعريف
نفسها وتحديدها هويتها من خلال علاقتها او منافستها للرجل، في حين ان المفروض العكس
تماما وهو ان تنبي المرأة ذاتها وفقا لشخصيتها وامكانياتها وحدها. والقانون في فرنسا،
لا يجب ان يكون عذرا لاثارة تجربة لجماعة ما ويتجاهل المشكلات العالمية والعميقة التي
تواجهها المرأة.
مهند حبيب السماوي
alsemawee@gmail.com