*شيرزاد شيخاني
بدا الموعد الذي حدده لنا سكرتير رئيس البرلمان الكردستاني الدكتور كمال كركوكي
غريبا بعض الشيء، خصوصا أنه كان في الساعة الثامنة والنصف صباحا وهي ساعة بدء
الدوام الرسمي، فلم نعتد من مسؤولي إقليم كردستان حضورهم للدوام بدوائرهم في مثل
هذا الوقت المبكر، وما لفت انتباهنا هو انشغال كركوكي قبيل موعد «الشرق الأوسط»
بلقاء أحد المسؤولين المعنيين بتنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي المتعلقة
بتطبيع أوضاع كركوك، وهي المادة التي أصبحت هاجسه الشخصي ومحل اهتمامه الدائم، حيث
يلاحظ في معظم لقاءاته وتصريحاته التطرق إليها والإصرار على الدعوة لتطبيقها على
أرض الواقع. فكركوكي لا يخفي مخاوفه الكبيرة على من يحاوره من مغبة فشل عملية
التطبيع بكركوك، التي يعتبرها مفتاح الحل لجميع مشكلات العراق.
وفي
الوقت الذي يشيد رئيس برلمان كردستان في حواره بالمكاسب الديمقراطية التي تحققت في
كردستان، فإنه يرحب بوجود معارضة فعالة ويعتقد أن العملية الديمقراطية تتطور بوجود
المعارضة الإيجابية السلمية وغير العنفية التي قد تدمر التجربة الكردستانية التي
«تحققت بدماء وتضحيات جسيمة من الشعب الكردي».
في
حوار مع «الشرق الأوسط»، يسلط كمال كركوكي الضوء على الكثير من القضايا المحلية
والعراقية والإقليمية، والى نص الحوار:
*
استأنفت أحزاب السلطة والمعارضة اجتماعاتها هذه الأيام للتداول في حلول تنهي
الأزمة السياسية التي تعصف بكردستان منذ فبراير (شباط) الماضي، والجانب الأهم من
تلك المحادثات يتمحور حول القرار البرلماني لإجراء الإصلاحات السياسية في الإقليم
المتمثل بالنقاط الـ17 والذي يحظى بقبول الطرفين: السلطة والمعارضة، ولكن
المحادثات تجري في ظل غياب البرلمان الكردستاني وهو صاحب القرار المذكور، فما سبب
هذا الغياب عن المحادثات؟
-
البرلمان مؤسسة تشريعية ورقابية منتخبة، وتتمثل فيها قوى سياسية من مختلف مكونات
الشعب الكردستاني، وانطلاقا من دوره السياسي كمرجع أساسي لجميع القرارات التي تصب
في مصلحة الشعب الكردستاني، وفي خضم الأزمة التي ظهرت منذ شهر فبراير الماضي بادر
بإصدار قرار من 17 نقطة لإجراء إصلاحات سياسية شاملة في الإقليم، باعتبارها مطلبا
ملحا للجماهير، وبعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في يوليو (تموز) من عام 2009
حصلت القائمة الكردستانية التي حصدت الأكثرية على فرصة لتشكيل حكومة الإقليم، وهي
حكومة يديرها الحزبان الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، و(5)
أطراف سياسية وقومية أخرى مؤتلفة. ومنذ البداية، تمت دعوة الأحزاب الأخرى الفائزة
في الانتخابات للمشاركة في الحكومة، ولكن بعض الأحزاب التي تنضوي اليوم تحت جبهة
المعارضة رفضت ذلك، وفضلت البقاء ككتل برلمانية معارضة، وأنا أحترم قرارهم
وخياراتهم. ولكن مع بدء الأحداث الأخيرة حاولت أحزاب المعارضة ركوب الموجة، وطرحت
لذلك عددا من المطالب التي تمحورت حول بعض المشاكل التي تعانيها كردستان، سواء
حالة الفساد أو بعض التقصيرات في الجهاز الحكومي، كون الإقليم يمر بفترة انتقال من
النظام الديكتاتوري نحو بناء لبنات الديمقراطية، عليه وبناء على مبادرة السيد رئيس
الإقليم مسعود بارزاني التي طرحها مع رئاسة البرلمان ورئاسة مجلس الوزراء وممثلي
الأطراف السياسية في الإقليم، قبل سفره إلى إيطاليا، وكذلك طرحه لبعض النقاط في
خطابه بعيد نوروز، وكذلك القرار الذي أصدره البرلمان والمتضمن (17) نقطة، وقرارات
أخرى صدرت من قبل رئاسة مجلس الوزراء - صاغت أحزاب السلطة مشروعها الإصلاحي لحل
الأزمة الحالية، وفي المقابل كانت للمعارضة أيضا مشروعها الخاص بها، وعليه فإن
قسما من هذه الأحزاب تجتمع اليوم وتتفاوض من أجل التوصل إلى تفاهمات واتفاقات تسهل
التوصل إلى صيغة مشتركة لمشروع موحد يهيئ الأرضية المناسبة للعمل الجيد من أجل
تقليص النواقص ومن ثم القضاء عليها كليا، ونحن في البرلمان نرحب بتوصل الأطراف
المعنية إلى الاتفاق المنشود لكي تنصرف الجهود إلى تدعيم بناء أسس التقدم والتطور
الحاصل في الإقليم.
*
كيف بدأت الأحداث؟ ألا يفترض أن يكون للبرلمان دور حتى لو كان إشرافيا من أجل
تقريب وجهات النظر بين الطرفين، فهل يجوز أن يغيب دوره في مثل هذه المسألة الحساسة
المتعلقة بمصير الإقليم؟
-
في البداية، كانت هناك مظاهرة سلمية، خرجت من أجل دعم وتأييد ما جرى في تونس ومصر.
ولكنها خرجت في ما بعد عن مسارها السلمي وهاجموا مقرا للحزب الديمقراطي
الكردستاني، وجرت صدامات بين الطرفين، سقط على أثرها شهيد وعدد من الجرحى، وبعدها
توسعت المظاهرات إلى بعض الأقضية التابعة لمحافظة السليمانية وازداد عدد الخسائر
من الشهداء والجرحى واستمرت المظاهرات والاحتجاجات التي غيرت شعارها من دعمها لما
جرى في تونس ومصر إلى مطالب إصلاحية في محافظة السليمانية. ومنذ البداية، نحن
رحبنا بتلك المطالب، وأكدنا استعدادنا لتلبية المطالب التي لا تتعارض مع القانون
ومبادئ الديمقراطية، ومن واجب السلطة سواء كان رئيس الإقليم أو البرلمان أو
الحكومة وهم يتبوأون مؤسسات دستورية وقانونية، فرئيس الإقليم منتخب من الشعب
مباشرة ونال 70% من أصوات الناخبين، والبرلمان منتخب من قبل الشعب أيضا، والحكومة
نالت ثقة البرلمان وبدورها أيضا هي حكومة الشعب وتمثل رغبته، لذلك كان لزاما عليهم
أن يستجيبوا لتلك المطالب الشعبية المشروعة، نحن في البرلمان أبدينا تسهيلات
لإجراء المفاوضات في مبنى البرلمان لكونه بيت الشعب، والاجتماعات الحالية تهدف إلى
الخروج بحل تشارك فيها المعارضة في حكومة ذات قاعدة واسعة، وإذا اتفقت الأطراف
وعرضوا مشروعهم على البرلمان بشكل قانوني، حينذاك يكون للبرلمان رأيه، بما ينسجم
مع القانون ومبادئ الديمقراطية ومصلحة الشعب.
*
في ظل ما تحدثتم به من مطالب المعارضة وتداخلها مع مطالب الشارع الكردي، هل
تتقبلون توجهات وسياسات المعارضة الحالية بكردستان؟
-
وجود المعارضة أمر ضروري وملح في العملية الديمقراطية، كما أنني أعتقد أن
الديمقراطية في وجود المعارضة ستكون أقوى، بشرط أن تكون معارضة إيجابية وليست
عنفية، من واجب المعارضة أن تنتقد الظواهر السلبية ولكن في حدود القانون، وليس
توجيه الانتقاد من أجل الهدم واستخدام لغة وخطاب إعلامي تدميري، فهذا الكيان شيد
بدماء وتضحيات جسيمة للشعب الكردستاني ينبغي لجميع الأطراف أن تحرص عليه، لا أن
تهدمه أو تشوه صورته أمام العالم دون وجه حق، فكردستان العراق تعرض لحرب جينوسايد
(إبادة) من قبل النظام السابق، وكل العراق عانى لأكثر من 35 سنة من الحكم
الديكتاتوري، وما نتعرض له حاليا من مشاكل وأزمات هو في معظمه مخلفات تلك الفترة
المظلمة من تاريخ العراق، فكل الأنظمة في العالم عندما تتحول من الديكتاتورية إلى
الديمقراطية تواجه نفس المشاكل بسبب الموروثات من النظام السابق. وعليه، أعود
لأؤكد أن عملية التحول تحتاج إلى الكثير من الصبر والحكمة في التعامل مع الأحداث.
*
من مؤاخذات أحزاب المعارضة على السلطة، احتكار السلطة من قبل الحزبين الرئيسيين
الاتحاد الوطني بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني، والديمقراطي الكردستاني
بزعامة رئيس الإقليم مسعود بارزاني، واستئثارهما بالسلطتين التشريعية والتنفيذية،
أي الحكومة والبرلمان، منذ أكثر من عشرين سنة، مما يفقد المعارضة أي دور لها في إدارة
شؤون الإقليم؟
-
الانتخاب هو ركن أساس من أركان الديمقراطية في أي مجتمع كان، والانتخابات الحرة
والنزيهة هي التي تحدد الجهة أو الحزب الذي يحظى بثقة الشعب عن طريق الناخبين
لإدارة السلطة، في كردستان اختار الناس هذين الحزبين في الانتخابات العديدة التي
جرت لأسباب قد لا تكون خافية على أحد، منها التاريخ النضالي لهذين الحزبين ودورهما
الريادي في تحرير كردستان من الديكتاتورية وتضحياتهما في مواجهة الأنظمة
الديكتاتورية لأكثر من نصف قرن، واعتبارات أخرى متعددة منها مثلا البرنامج
الانتخابي الذي طرحه الحزبان في الانتخابات والذي حصلا بموجبه على ثقة الناخب
الكردستاني، وعليه فأنت لا تستطيع أن تمنع الناخب من ممارسة حريته في التعبير
وانتخاب من يراه أهلا لتحمل المسؤولية، قد يفوز هذا الحزب اليوم وقد يخسر غدا،
فالاختيار للشعب ولا أحد يستطيع أن يصادر هذا الحق من الشعب.
*
لكن هذا التحالف بين الحزبين واستئثارهما بالسلطة والبرلمان أدى في المحصلة إلى
مأخذ آخر وهو صدور العديد من القرارات والقوانين البرلمانية بصيغة الأكثرية وحرمان
المعارضة من أي دور في الاعتراض على تلك القوانين؟
-
نحن نعيش على هذا الكوكب ولسنا في كوكب آخر، وفي كل الدول الديمقراطية هناك احترام
لرأي الأغلبية، لا يجوز أن نفصل الديمقراطية على مقاسنا، في برلمانات العالم
الديمقراطي، الأقلية تحترم رأي الأغلبية وتلتزم القانون دائما، وعلى الأكثرية أن
تحافظ على سيادة القانون للجميع، وهذا ركن أساسي في العملية الديمقراطية وخاصة في
إصدار القرارات وتشريع القوانين، وما دام الشعب قد وضع مستقبله بيد من ينتخبه من
مرشحي الكيانات والأحزاب السياسية ويمنحهم ثقته، فعلينا أن نحترم رأي الشعب، كما
قلت آنفا عندما تشكلت حكومة الإقليم طلبت قائمة الكردستانية، وهي القائمة التي
فازت بأكثرية المقاعد، من جميع الأطراف أن يشاركوا في إدارة شؤون الإقليم عبر
الحكومة، ويجربوا أنفسهم ويظهروا مدى إمكاناتهم لخدمة الشعب بشكل عملي، حيث استجاب
خمسة أطراف وبقيت ثلاثة أطراف في المعارضة، وأحترم خياراتهم، لكن أن يأتي حزب
معارض لم يرغب في المشاركة في الحكومة ويلعب دور المعارضة ويريد فرض نفسه على
الأكثرية وعليك الاستجابة للعمل وفق وجهات نظرهم، هذا غير صحيح وغير ممكن وليس عرف
في أي بقعة من العالم الديمقراطي.
*
تعاظم دور المعارضة داخل البرلمان في الفترة الأخيرة، وصدرت منهم مواقف عديدة ضد
الكثير من القوانين التي ناقشها البرلمان، خصوصا مع دخول حركة التغيير إلى
البرلمان وتحالفها مع قوى إسلامية أخرى لتشكيل جبهة برلمانية معارضة، هل تتضايقون
من تنامي دور هذه المعارضة البرلمانية؟
-
نحن في هذا البرلمان نداوم يوميا من الساعة الثامنة صباحا، وفي كثير من المرات
نخرج في ساعات متأخرة ليلا لكثرة الأشغال، وبذلك فنحن نتحمل ضغوطا وأعباء كثيرة
جدا لتشريع القوانين، وفي بعض الأحيان ننشغل بالأمور السياسية مثل استقبال الوفود
والسعي لتنظيم العلاقة بين برلمان الإقليم وبرلمانات بعض الدول، إلى جانب المهمة
الكبيرة الملقاة على عاتقنا كبرلمانيين وهي مراقبة أداء الحكومة، بالكاد نجد وقتا
ولو قصيرا للراحة البدنية، ومع ذلك تجد من يخرج علينا يوميا بعشرات المقالات
والكتابات الانتقادية في الصحف ووسائل الإعلام إلى حد لا يمكن تصور ضخامتها، ومع
ذلك فنحن مؤمنون بأننا نؤدي عملا وطنيا ونقوم بواجب خدمة شعبنا، ونؤمن بأنه تقع علينا
مسؤولية ترسيخ وتثبيت هذا الكيان الكردستاني الذي تحقق بدماء أبناء شعبنا، ونحن
نعلم أن الطريق ليس مفروشا بالورود بل هناك الكثير من العقبات والعراقيل تحتاج إلى
جهود مضنية لتلافيها لمواصلة المسيرة التي اختطناها لكياننا، هناك نواقص كثيرة
نعترف بها ونعمل من أجل معالجتها، ولن تثنينا تلك الانتقادات عن القيام بواجباتنا،
انظر حتى السيد رئيس الإقليم يبذل جهودا جبارة من أجل تحسين الوضع بالإقليم،
ومبادرته بالشروع في حملة إصلاحات حقيقية وفعالة على الرغم من ما تتطلبها من جهود
كبيرة ومواجهات عديدة، لكن إصراره على إنجاز واجبه يحفزنا على الاقتداء به،
وبالنسبة للمعارضة لن يضايقنا ذلك أبدا ونتمنى أن يقتدوا بالطريق الصحيح في عملهم
البرلماني ويلعبوا دورا أفضل بأن يكونوا معارضين إيجابيين.
*
قبل سنتين كان هناك حديث ساخن حول سن دستور خاص لإقليم كردستان، ولكن اليوم لا أحد
يتحدث عن ذلك الدستور الذي يرى الكثيرون أنه تأخر صدوره، فأين أصبح مصير هذا
الدستور، وما أسباب تأخره؟
-
مشروع الدستور المقترح أخذ طريقه القانوني، فقد تم تشكيل لجنة لصياغة الدستور في
الدورة البرلمانية الثانية، وشارك خبراء وفقهاء دستوريون في العديد من دول العالم
لإبداء رأيهم وملاحظاتهم ووضعها في متناول يد تلك اللجنة التي أعدت مسودة للدستور
ووافق 36 طرفا سياسيا كردستانيا على مشروع الدستور وطبع منها مليون نسخة، باللغة
الكردية والعربية والتركمانية والسريانية ووزعت على مختلف شرائح وفئات المجتمع
الكردستاني، واستشير الجميع من الكرد والتركمان والكلدان السريان الآشوريين
والأرمن، والأطراف الإسلامية والعلمانية، وغيرها من فئات المجتمع الكردستاني، وحظي
المشروع بموافقتهم وطرح للتصويت فحاز 97 صوتا من أصل 98 عضوا في البرلمان كانوا
حاضري الجلسة، أي بأكثر من ثلثي أصوات أعضاء البرلمان، لذلك حولت المسودة إلى رئيس
الإقليم الذي صدق عليها، وكان يفترض طرح المشروع على الاستفتاء الشعبي بالتزامن مع
الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2009، ولكن كانت هناك عقبات سياسية حالت دون
طرحه على الاستفتاء، وعلى كل حال نحن في انتظار تشريع قانون تشكيل المفوضية الخاصة
بانتخابات إقليم كردستان التي سنحاول من خلالها بعد تشكيلها طرح الدستور على
الاستفتاء الشعبي، فمن حق الشعب الكردستاني أن يكون له دستوره الخاص.
*
هل تم إدراج نص بحق تقرير المصير في ذلك الدستور؟
-
بالطبع، فنحن شعب مثل جميع شعوب وأمم الأرض لنا الحق في تقرير مصيرنا، ومن حقنا
كذلك أن نمارس هذا الحق على أرضنا وأن تكون لنا دولتنا المستقلة أيضا مثل الآخرين،
فهذا حق دستوري طبيعي لا جدال فيه، واليوم نحن اخترنا بملء إرادتنا أن نبقى داخل
حدود الدولة العراقية الاتحادية وصوتنا لدستوره الذي يؤكد الديمقراطية والفيدرالية،
وكذلك على حل النزاع الدائر حول المناطق المستقطعة من حدود إقليم كردستان، مصلحتنا
اليوم تكمن في التعايش السلمي مع إخواننا الآخرين من مكونات الشعب العراقي لبناء
عراق جديد ديمقراطي وفيدرالي يضمن حقوق الجميع، وطالما بقي العراق محافظا على
مبادئه الدستورية وحرص جميع أطرافه على الالتزام بمضامينه وتنفيذه، فنحن سنبقى
جزءا من العراق.
*
أنت تحدثت عن شرط التزم الأطراف العراقية بمضامين الدستور كاملة، ولكن هناك من لا
يوافق على تنفيذ مادة أساسية فيه وهي المادة 140 المتعلقة بالنزاع حول كركوك وبقية
المناطق المتنازع عليها، بل إن هناك من يعتبرها مادة «ميتة»؟
-
صحيح أن هناك الكثير من العراقيل أمام تنفيذ المادة 140 من الدستور، ولكن القول
بموت المادة هو خطأ سياسي كبير وقاتل، فهذه مادة دستورية لن تموت إلا بموت الدستور
نفسه، المادة (140) وضعت كوسيلة لحل مشكلة، ولا تزال المشكلة موجودة ولم ننته
منها، فهل من المعقول أن نزيل الوسيلة التي وضعت لحل المشكلة والمشكلة قائمة؟!
اليوم تجاوز العراقيون حسم مشاكلهم بوسائل العنف والسلاح لأن هذا العصر وتطوراته
لا يحتمل مثل هكذا أسلوب لحسم الصراعات، الشعوب تختار مصيرها اليوم بالوسائل
السلمية، انظر كم من الأنظمة سقطت بمجرد خروج الناس إلى الشارع للتعبير عن مطالبهم
بالطرق السلمية، وعلى الرغم من لجوء معظم الأنظمة القمعية والاستبدادية إلى العنف
لحسم المواجهة في الشارع، ولكن في المحصلة النهائية، إرادة الشعوب هي التي ستنتصر.
لذلك
لكي يتمكن الشعب الكردستاني من استعادة حقوقه في المناطق المنزوعة من حدود
الإقليم، نحتاج بالدرجة الأساس إلى وحدة الصف الكردي وإلى بناء بيتنا الداخلي
وتوطيد دعائمه لكي ننتزع حقوقنا المشروعة ممن يتنكر لها.
*
أنت مهموم دائما بتطبيق المادة 140 من الدستور، ولكن ألا تعتقد أن تنفيذ هذه
المادة قد تأخر أكثر من اللازم؟
-
نعم تأخر التنفيذ كثيرا، والسيد رئيس الوزراء نوري المالكي تعهد لنا بتنفيذها، أود
بهذه المناسبة أن أشير إلى نقطة مهمة، وهي أن سكان تلك المناطق تعرضوا إلى ظلم
كبير خلال سنوات الحكم الديكتاتوري للعراق، فمن جهة استقطع العديد من مناطقهم ظلما
وألحقت قسرا بمناطق أخرى ضمن إطار السياسات الشوفينية للنظام السابق، صودرت مساحات
شاسعة من الأراضي الزراعية والممتلكات من مواطنيها الأصليين ومنحت ظلما إلى آخرين
دون وجه حق، شوه النظام السابق المعالم الجغرافية للعديد من تلك المناطق، حاول
تقليل النسبة السكانية للكرد والتركمان والإتيان بالعرب لإسكانهم في أراضيهم، نحن
لسنا ضد الشعب العربي بل نعزهم، ولكن النظام الديكتاتوري الذي يقوم بطردك من البيت
وأخذ أملاكك التي هي ملك لك ولآبائك ولأجدادك وإسكان غيرك فيها أيا كان قوميته أو
دينه، هذا صعب جدا وغير مقبول! للعلم فقط، في محافظة كركوك استولى النظام
الديكتاتوري على (1300000) مليون وثلاثمائة ألف دونم من الأراضي الزراعية عائدة
للكرد والتركمان، فهل صحيح أن يستمر بهذا الإشكال؟! الدستور العراقي الذي ورد فيه
نص المادة 140 صوت له العراقيون بغالبيتهم العظمى بما فيهم سكان المناطق المتنازع
عليها، والمواطن في تلك المناطق لا بد أن يتساءل عن حقوقه في الدستور الذي صوت له
الشعب، لا يجوز أن نقول لمواطني محافظات العراق أن يستفيدوا من جميع مواد الدستور
ما عدا الساكنين في المناطق المتنازع عليها، ثم إن هذه المادة لا تختص فقط
بالمناطق الكردية المستقطعة من إقليم كردستان، إن المادة 140 تشمل أيضا مناطق أخرى
في الوسط والجنوب ألحقت قسرا بمحافظات أخرى، هناك أصوات شاذة تدعو إلى إلغاء هذه
المادة، ولكني أعتقد أنهم سيفشلون في مسعاهم، فهذه المادة باقية في الدستور ما دام
الدستور باقيا، وأعتقد أن صبر مواطني المناطق المتنازع عليها قد بدأ ينفد، وأن
هناك حاجة لخطوات جدية من الحكومة العراقية لتطبيق تلك المادة وإنهاء هذا الخلاف
الذي قد يهدد اللحمة الوطنية في المستقبل.
*
الفساد هو أحد أهم المشاكل التي يعانيها الإقليم، وهو شكل ظاهرة ساهمت في توسيع
الهوة بين المواطن والحكومة، وأنتم في البرلمان شكلتم لجنة للنزاهة، لكنها عجزت عن
تقديم أي حلول واقعية لهذه الظاهرة المرفوضة شعبيا في كردستان؟
-
أطلق السيد رئيس الإقليم مبادرته التاريخية وهي بالأساس تهدف إلى استئصال شأفة
الفساد، هذه ظاهرة تتفق السلطة من رئيس الإقليم والبرلمان ومجلس الوزراء على
خطورتها وضرورة محاربتها، السيد رئيس الإقليم الأخ مسعود بارزاني طرح مبادرته قبل
وقوع أحداث السليمانية وكان جادا في البدء بإجراءات من أجل القضاء على الحالة،
وطلب من البرلمان ومجلس الوزراء والأحزاب الكردستانية أن تشاركه في جهده في هذا
المجال، وكان ذلك قبل 17/2، ولكن الأحداث تسارعت وحدث ما حدث، ولكن السيد رئيس
الإقليم، بدأ بحملته واتخذت العديد من الإجراءات القانونية من أجل القضاء على هذه
الظاهرة، والعملية بدأت وكانت نتائجها الأولية مثمرة وستستمر ولن تتوقف، ونحن في
البرلمان نبارك جهود رئيس الإقليم، في الوقت الذي نقوم بدورنا الرقابي على الجهاز
التنفيذي ومؤسساته. والحملة التي بدأت ستطال الجميع من دون استثناء، وسيحاسب جميع
من تورطوا في الفساد.
*
هل أنتم راضون عن أداء حكومة إقليم كردستان برئاسة برهم صالح؟
-
الحكومة السابقة التي ترأسها الأخ نيجيرفان بارزاني وضعت أسسا للحكم الرشيد في
إقليم كردستان، وعمل الكثير ووضعت أسس التطور والحكم السليم في الإقليم، والحكومة
الحالية تسير على نفس النهج لإكمال استمرارية التحول في هذا الحكم. بعد أول
انتخابات برلمانية حرة في تاريخ كردستان عام 1992 ورثنا كما هائلا من المشاكل
والنواقص، أضف إليها ما عانينا من آثار الاقتتال الداخلي وتهديدات النظام السابق
المستمرة علينا، والمشاكل الاقتصادية، كل هذ كانت مشاكل كبيرة أمام تطوير تجربة
الحكم بكردستان، ومع ذلك الحمد لله اليوم أصبحنا نموذجا ديمقراطيا فريدا في
المنطقة والعراق، وينبغي للعراقيين أن يستفيدوا من تجربتنا الديمقراطية وأن
يعمموها على جميع أنحاء العراق، ومع كل ذلك يجب ألا يأخذنا الغرور إلى حد أن
نتعامى عن وجود السلبيات والنواقص التي تعمل الحكومة الحالية كما السابقة على
معالجتها، ولا يمكن أن نضع المسؤولية الكاملة لوجود هذه النواقص والسلبيات على
عاتق رئيس الحكومة أو الوزراء فقط، فنحن جميعا متضامنون في تحمل مسؤولية ذلك، ما
دمنا نمثل الشعب في البرلمان والسلطة فإننا نتقاسم المسؤولية تماما، الحكومة
الحالية وضعت برنامجا محددا يستند إلى البرنامج الانتخابي للأحزاب (الديمقراطي
الكردستاني والاتحاد الوطني والأطراف الخمسة المؤتلفة في الحكم)، ونحن في البرلمان
نعمل ونراقب الحكومة التي تنفذ ما رسمه لهم القانون والإيفاء به لصالح شعب
كردستان، لنلبي مطالب الشعب ككل، لأننا نمثلهم ونعمل من أجلهم جميعا، وسنمضي قدما
في هذا الجهد لإيجاد الحلول السلمية إلى حين تقليص مشاكلنا ومن ثم التغلب على جميع
مشاكلنا وأزماتنا وخدمة أبناء شعبنا.
*
لديكم في الإقليم علاقات متطورة ومتنامية مع العديد من الدول الأوروبية، ولكن في
المقابل نلاحظ ضعفا واضحا في علاقات الإقليم بالدول العربية، فما تفسيركم لذلك؟
-
هذا صحيح. لقد ركزنا منذ البداية على العلاقات مع الدول الأوروبية، وكذلك مع دول
الجوار والدول العربية، ولكن التقصير لم يكن منا نحن فقط، فالدول العربية ما زالت
تتعامل بحساسية وحذر بالغ مع الوضع العراقي، وتتردد كثيرا في تطبيع علاقاتها
الدبلوماسية مع العراق، ونحن من جهتنا حاولنا كثيرا أن نفتح الأبواب لعلاقات متينة
مع إخواننا العرب، ولنا أمل كبير أن تذوب الثلوج وتشرق الشمس وتتطور العلاقات
الموجودة حاليا إلى الأفضل، نشكر الإخوة في مصر والأردن الذين فتحوا قنصلياتهم في
أربيل، ولكننا نسعى إلى عقد علاقات طبيعية ومتنامية في مختلف المجالات مع كل الدول
العربية أخص منها بالذكر المملكة العربية السعودية التي تعتبر إحدى الدول المحورية
في المنطقة، وأن قربها من العراق يدفعنا إلى تعاون أكبر وخصوصا في المجالات
الاقتصادية والاستثمارية، نحن نرحب بكل دولة، فأبوابنا مشرعة دائما أمام الدول
العربية لإقامة أفضل العلاقات بين حكومتنا وحكوماتهم وبين شعبنا وشعوبهم.
*عن
" الشرق الأوسط"