الإربعاء 18 كانون الأوّل / ديسمبر 2024, 18:47
د. سامان سوراني :رئيس الجمهوریة وعقوبة الإعدام




د. سامان سوراني :رئيس الجمهوریة وعقوبة الإعدام
الإربعاء 15 حزيران / يونيو 2011, 18:47
كورداونلاين
في القرون الوسطى وبداية أوروبا الحديثة، قبل ظهور نظام السجن الحديث، كانت عقوبة الموت معممة كشكل من أشكال العقاب. أما الآن فمجتمع أوروبا رفع هذه العقوبة من قاموسه الجزائي

تبقى عقوبة الإعدام قضية جدلية، تمثل محورًا لمناظرات ساخنة في الفضاء العراقي، وخاصة بعد أن رفض رئیس جمهوریة العراق الفیدرالي، السید جلال الطالباني، التوقیع علی أحکام الأعدام الصادرة ضد مجرمین ومنهم مرتکبي "مجزرة عرس الدجيل" التي ارتكبت عام 2006 وتخویل نائبه بالقیام بأمر التوقیع علیها.

یبدو أن رئیس جمهوریة العراق الاتحادي متأثر بأفکار مارکیز كوندورسيه (1743 م - 1794 م)، خاتمة فلاسفة التنویر الفرنسیة، الذي كرس حياته لمبادئ حرية التعبير والذي دافع عن قضية إلغاء حكم الإعدام و إقترح إقامة محكمة دولية لفض المنازعات بين الدول، لتقوية الإرتباطات السلمية والإنسانية، وإفساد شهوة السيطرة والحروب بينها.

فلسفیاً یذکر بأنه عندما صدر الحكم على سقراط بالإعدام، في تلك الأثناء تسلل إليه ذات ليلة تلميذه الشاب كريتون وهمس في أذنه: "لقد أعددنا كل شيء للهرب فهيا بنا يا أستاذي إلى الحرية. فتطلع إليه سقراط طويلا ثم قال: كلا يا كريتون لن أهرب من الموت. إني لا أستطيع أن أتخلى عن المبادئ التي ناديت بها عمري كله. بل إنني يا كريتون أرى هذه المبادئ الغالية التي ناديت بها حتى اليوم جديرة بذلك الثمن. أجل يا كريتون ليست الحياة نفسها شيئاً، ولكن أن نحيا حياة الخير والحق والعدل فذلك هو كل شيء...." النهایة معروفة.

من المعلوم أن الإعدام هو سلب لحياة إنسان. وهو عملية قتل واعية، أي هو قتل عمد تقوم به جهة يفترض أنها مسؤولة عن أمن المجتمع كما يُشاع وتصعب إدانتها هي. وعقوبة الإعدام هي من أقدم العقوبات التي عرفتها البشرية. وقد نصت عليها العديد من القوانين، سواء القوانين الوضعية أو القوانين السماوية  (التشريع الديني). وتنفيذ حكم الإعدام هو قتل شخص بإجراء قضائي من أجل العقاب أو الردع العام والمنع. وتعرف الجرائم التي تؤدي إلى هذه العقوبة بجرائم الإعدام أو جنايات الإعدام.

والاستهانة عبر عقوبة الإعدام بأهم وأكثر الحقوق أصالة، أي حق الحياة، له أبعاد خطيرة على مجمل الوضع الاجتماعي السياسي والثقافي للمجتمع. وتكاد عقوبة الإعدام تشكل ركناً مقدساً عند الكثير من الأوساط الفكرية والسياسية وخصوصاً التيارات اليمينية الفاشية القومية والدينية. إنها باستماتتها في الدفاع عن عقوبة الإعدام إنما تريد أن تستحوذ على جسد الإنسان وروحه ووجوده، تسعى لأن تملك حياته ومماته وتخدش كرامته. وهي بانتهاكها هذا الحق الأولي تحيل وبضربة واحدة كامل موجودية الفرد والمجتمع وحقوقه الأخرى السياسية والاجتماعية وضماناته، حق التنظيم، التظاهر، الإضراب، حق التعليم والضمان الصحي والسلامة والبيئة الآمنة إلى ميدان مفتوح للمصادرة والمنع والسلب. استخدمت عقوبة الإعدام کسيف مسلط على المجتمع لإرهاب الجماهير.

والمدافعون عن عقوبة الإعدام يسوقون جملة من الذرائع، منها أن عقوبة الاعدام رادع للجريمة، بها یمکن حماية المجتمع من العبث بأمنه. ومنهم من يقول أن القصاص وجزاء المثل بالمثل ضروري وعادل.

السؤال هو، هل ان عقوبة الاعدام تردع الجريمة؟ لاتوجد دلائل على هذه المقولة، بل ان الحقائق في الواقع العملي تثبت انه وحيثما كانت هناك عقوبة الاعدام وما يرافقها من استبداد واستغلال شديد عادةً، كانت الجريمة أكثر انتشاراً وأكثر نخراً لجسد المجتمع وتهديداً له. مثال المجتمع العراقي في ظل سلطة البعث الشوفیني المقبور لا يحتاج إلى إمعان مطول لاكتشاف هذه الحقيقة.

في القرون الوسطى وبداية أوروبا الحديثة، قبل ظهور نظام السجن الحديث، كانت عقوبة الموت معممة كشكل من أشكال العقاب. أما الآن فمجتمع أوروبا رفع هذه العقوبة من قاموسه الجزائي، حيث أن المادة الثانية من ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي يحرم تطبيق هذه العقوبة. إضافة الی ذلك  لایتم تسليم المعتقلين الی الدول التي ستتسلمهم، والتي سوف تطبق عليهم حكم الإعدام. أما دول منطقة المحيط الهادي (أستراليا ونيوزيلندا وتيمور الشرقية) وكندا فقد أبطلت العمل بهذه العقوبة. ومن بين الهيئات غير الحكومية التي تعارض تطبيق عقوبة الإعدام منظمة العفو الدولية ومراقبة حقوق الإنسان والنقابات العمالية والمجالس المحلية ونقابات المحامين. وفي عام 2002 أسس تحالف عالمي لمناهضة تطبيق عقوبة الإعدام من قبل هذه المنظمات.

التقليل من حدوث جرائم القتل واستخدام العنف يتم بالاهتمام بالتربية وبالاهتمام بالجانب الاقتصادي و بإنشاء مؤسسات قادرة على نشر الوعي و ثقافة اللاعنف السليمة ومراعاة المساواة أمام القوانین والتمرس بسیاسة الاعتراف المتبادل و التخلي عن استراتیجیة الرفض والاقصاء للمختلف والخروج من عقلیة القوقعة والمؤامرة والتحرر من التصورات المطلقة والرؤی الاحادیة. ومانحتاجه هو المحاورة الهادئة والمناقشة العقلانیة من منطلق الشراکة والخصوصیة المفتوحة و دعم القوة الناعمة للمشارکة الفعالة في صناعة المصائر، وذلك بکسر منطق لاذکورة الاحادي والفحولة البائسة، لأن المرأة أثبتت جدارتها في تسییر الأمور وإدارة المصالح وصناعة الحیاة.

في الفصل العاشر من كتاب تعاليم بوذا Dhammapada نص یقول:  "الجميع يخشى العقاب؛ الجميع يخشى الموت، مثلك تمامًا. لذا، لا تقتل أو تتسبب في قتل أحد."

ختاماً یقول المهاتما غاندي: "بما أنني رمیت سیفي، فأن كأس الحب هو کل مأستطیع أن أهدیه لمن یعترض لي."

د. سامان سوراني

1547.

مواضيع جديدة في موقعنا الجديد اضغط هنا


ارشيف
ارشيف

صحافة وإعلام و آراء

كتاب الموقع
عبدالغني ع يحيى
العصر الطيني في العراق.
بنكي حاجو
الكذبة الكبرى
ب. ر. المزوري
النقطة
زاكروس عثمان
أحزاب خارج التغطية
إبراهيم اليوسف
النص الفيسبوكي 2.
عبد عبد المجيد
الفسيفساء السورية
أفين إبراهيم
رضاب الفراش
وزنة حامد
قلق الذات