مرح البقاعي :المشكلة في بنية النظام الأمنية وليس في هيكليته
الإثنين 23 أيّار / مايو 2011, 02:09
كورداونلاين
يحاول النظام السوري أن يفجّر الأوضاع ليس في الداخل وحسب بل على الجبهة الحدودية مع اسرائيل أيضا بعد هدوء متواصل على هذه الحدود دام لعدة عقود لم تطلق فيه رصاصة واحدة باتجاه اسرائيل
النظام السوري استعمل ورقة "الجوكر" الأخيرة وهي الورقة الاسرائيلية !
المشكلة تكمن في بنية هذا النظام الأمنية وليس في هيكليته
وصل عدد شهداء "الإصلاح" على الطريقة الأسدية إلى ما يزيد على 1000 شهيد والمعتقلين إلى 11000 معتقل
أوباما لن يكرر خطأ تجاهل ثورة إيران الخضراء عام 2009 وسيقف في صف الشعب السوري
مرح البقاعي شاعرة وإعلامية وناشطة حقوقية، مؤسِسة معهد الوارف للدراسات الإنسانية في واشنطن، وتعمل مستشارة لغوية وإعلامية في العاصمة الأميركية.
1- ما رأيك في الوضع الأمني والسياسي في سوريا بعد حوالي شهرين من الاحتجاجات ؟
البقاعي: يحاول النظام السوري أن يفجّر الأوضاع ليس في الداخل وحسب بل على الجبهة الحدودية مع اسرائيل أيضا بعد هدوء متواصل على هذه الحدود دام لعدة عقود لم تطلق فيه رصاصة واحدة باتجاه اسرائيل. وهو يحاول إرسال رسالة إلى أوباما قبيل كلمته المرتقبة الأسبوع القادم، ومن مجدل شمس هذه المرة! ونحن نعمل على كشف الحقائق لإدارة أوباما ونطلع المسؤولين الأميركيين على "ما وراء سطور الرسالة" وكيفية توظيفها من قبل النظام الاستبدادي في سوريا لضمان استمراره في القبض على زمام السلطة هناك.
فللمرة الأولى منذ احتلال الجولان قام ما يزيد عن ألف فلسطيني من المخيمات المنتشرة في أنحاء سورية بالتجمهر في موقع عين التينة المقابل لقرية مجدل شمس، وقد وصلوا إلى المنطقة بواسطة باصات مستأجرة ، وكانوا يحملون تصاريح من الجهات السورية بالتظاهر. والسؤال الذي يتوارد إلى الذهن مباشرة في هذا المقام، لماذا التصعيد السوري المفتعل والذي صممته ونفذته أجهزة الأمن السورية مستخدمة قبضتها الحديدية التي تحكمها على المخيمات الفلسطينية، وذلك لدفع الفلسطينيين الشباب لخوض هكذا مغامرة حيث استشهد عدد منهم وجرح عشرات؟ أليس واضحا أن المسألة فبركة أمنية مكشوفة للفت أنظار العالم عن عمليات القتل الجماعي والتنكيل والقمع للمدنيين السوريين العزل من قبل أجهزة النظام وعصاباتها من الشبيحة، وكذا لإيهام العالم، وأميركا تحديدا، أن النظام السوري، ممثلا بالأسرة الحاكمة في سوريا، هو وحده الذي يملك مفاتيح السلام والحرب والأمن الإقليمي في المنطقة؟! أنا أعتقد أن النظام السوري قد استهلك ورقة"الجوكر" الأخيرة في هذه اللعبة، وهي الورق الاسرائيلية هذه المرة، ولم يتبقَ له إلا أن يخرج خاسرا من اللعبة.
أما على الحدود السورية اللبنانية، والسورية التركية، فنزوح المدنيين السوريين من نساء وأطفال وشيوخ أضحى عملية يومية في ظل التصعيد العسكري لأجهزة الأمن السوري التي تحاصر مدينتي تلكلخ وجسر الشعور الحدوديتين بالآليات الثقيلة، وتروع السكان المدنيين وتدفعهم خارج الحدود، ما دعا تركيا أن تتبرع بسيارات إسعاف وخيام توفرها للنازحين السوريين الفارين من استهداف مدنهم بالقصف وعائلاتهم الآمنة بالتنكيل، وكذا فعل اللبنانيون على الطرف الآخر من الحدود السورية في وادي خالد حيث فتحوا بيوتهم لاستقبال السوريين الهاربين من عسف حكامهم ومن "تشبيح" عصاباتهم الأمنية.
لقد اختار النظام السوري منذ البدايات الحل الأمني العسكري للتعامل مع الاحتجاجات السورية التي ابتدأت بمطالب اجتماعية وإنسانية مشروعة ، وانتهت بطلب صارم من الشعب في إسقاط النظام، وذلك في ظل غياب أية مبادرة سياسية راشدة من قبل النظام، وتحوّل الاحتجاجات إلى ثورة شعبية عارمة بسرعة لافتة.
2- ما رأيك بالإصلاحات التي يحاول الرئيس السوري بشار الأسد القيام بها ؟
البقاعي: لقد أخذ الرئيس بشار الأسد فرصته في العشر سنوات الأخيرة من أجل الإصلاح ولم نرَ من هذا الإصلاح الموعود سوى حملات الاعتقالات التي طالت ناشطي المجتمع المدني من ربيع دمشق، ثم مؤسسي إعلان دمشق، إلى أن انتهينا بحملة شعواء معززة بالأسلحة الثقيلة في مواجهة التظاهرات السلمية في الشارع السوري التي اندلعت منذ شهرين نتيجة قيام الأمن في سوريا باعتقال 15 طفلا من مدارسهم في درعا، لا تتجاوز أعمارهم الـ 14 عاما، وزجّهم في المعتقل، وتعريضهم لتعذيب جسدي أقلّه قلع الأظافر، وذلك لمجرد أنهم كتبوا على الجدران شعارات ثورية متأثرين بالثورات التي تجوب الشرق الأوسط من عاصمة إلى أخرى.
أنا أرى ببساطة أن هذا النظام غير قادر على الإصلاح وذلك لعدة أسباب أهمها: غياب المؤسسات السياسية، وأحادية العمل السياسي في ظل تفرد حزب البعث الحاكم بالعمل السياسي كونه الحزب الوحيد الذي يقود الدولة والمجتمع حسب الدستور السوري في مادته الثامنة، وكذا غياب المحاسبة وانتشار الفساد السياسي والمالي في مفاصل الدولة؛ هذه المعطيات مجتمعة تتحرك بوهن سياسي بليغ في ظل حضور ثقيل للأجهزة الأمنية التي هي أقرب إلى "حكومة ظل" فاعلة في سوريا.
المطلوب في هذه المرحلة هو التغيير، والتغيير الجذري وليس الإصلاح، لأن المشكلة الحقيقية تكمن في بنية هذا النظام الاستخباراتية الأمنية وليس في هيكيلته، والإصلاح في هذه الحالة يتطلب من النظام الحاكم في سوريا أن يحلّ نفسه، وفورا.
لقد وعد بشار الأسد بالإصلاح في خطابه أمام مجلس الشعب إثر الأسبوع الأول من اندلاع المظاهرات، وأعلن عن رفع قانون الطوارئ، فماذا كانت النتيجة؟ حصار مدن برمتها بالآليات العسكرية الثقيلة معززة بالدبابات، وحملة اعتقال لا نظير لها، حتى وصل شهداء "الإصلاح" على الطريقة الأسدية إلى ما يزيد على 1000 شهيد و11000 معتقل. الشعب لن يثق بعد اليوم بنظام يوجه بندقيته إلى صدر أبنائه؛ وهو يعلن يوميا، وفي كل شارع وحي ومدينة شعاره الذي لا تراجع عنه: الشعب يريد إسقاط النظام!
4- كيف ترين وتحللين علاقة سوريا مع الولايات المتحدة؟
يجب العودة قليلا إلى الوراء والنظر إلى مشهد العلاقة السورية الأميركية على طريقة الفلاش باك لنتفهم طبيعة هذه العلاقة الملتبسة. فمن المعروف أن زيارات مبعوث السلام الأميركي الذي استقال منذ يومين، السيناتور جورج ميتشيل، المكوكية إلى دمشق، قد أثمرت تسمية روبرت ستيفن فورد سفيراً أميركياً جديداً ليترأس البعثة الدبلوماسية الأميركية في العاصمة السورية إثر استدعاء واشنطن لسفيرتها مارغريت سكوبي في العام 2005 نتيجة ارتفاع حرارة التوتر بين البلدين على خلفية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، إضافة إلى الملفات الخلافية العالقة بينهما، والتي كانت إدارة بوش تعتقد أن دمشق تدير معظم مفاتيحها، ابتداء بالعلاقات البينيّة مع بعض المنظمات التي تندرج على قائمة الإرهاب التي أصدرتها الخارجية الأميركية في العام 2008 مثل حزب الله وحركة حماس، مرورا بدعم العمليات الانتحارية المناهضة للوجود الأميركي في العراق وتيسير عبور الانتحاريين عبر الحدود السورية، وصولا إلى قمع حركات المجتمع المدني السوري وملاحقة ناشطيها الذين يطالبون بالتحوّل السلمي الديمقراطي في الحكم، وذلك بشكل مبرمج ومتّصل.
دمشق قابلت المبادرة الأميركية في تسمية سفير أميركي جديد إلى دمشق بوعدها معاودة التعاون الاستخباراتي السوري ـ الأميركي ـ البريطاني الذي توقف لحينٍ كانت فيه العلاقات في أعلى درجات توترها بين سوريا والولايات المتحدة، وسوريا ودول التحالف التي شاركت في العمليات العسكرية في العراق منذ تاريخ إسقاط نظام صدام حسين في التاسع من شهر آذار/ مارس للعام 2003.
وهكذا عادت دمشق مجددا إلى الساحة الدولية من البوابة الأميركية العريضة بلا أثمان تذكر، فلا هي تخلّت عن علاقتها الاستراتيجية مع إيران التي تناطح العالم، ولا هي أعلنت تقارباً من حكومة نتنياهو إرضاء للولبيات الضاغطة في واشنطن، ولا هي خضعت للتجاذبات الإقليمية التي كانت متوجسة من دورها في لبنان وتحديدا من "خطّها الساخن" مع حزب الله هناك، ولا هي أرخت قبضتها الأمنية عن الأصوات الإصلاحية في الداخل السوري، والخارج الاغترابي، التي تنادي بالتعددية والمشاركة السياسية، وبإطلاق الحريات الفردية والمدنية، وبإقرار حقوق الإثنيات التي تشكل النسيج المجتمعي السوري المتعدّد، ودونما أدنى مراعاة تذكر من طرف السلطة السورية لمطالبات المنظمات الحقوقية الدولية والمجتمع الدولي قاطباً.
إدارة الرئيس أوباما، ما قبل الثورة السورية، كانت ماضية في مشروع تعزيز الحوار مع سوريا، بمزاياها وعيوبها على حد سواء، لأنها كانت تعتقد بمحورية دورها في التحكّم بدفة الأمن الإقليمي، في تجلياته وتداعياته كافة، من خلال إمساكها المحكم والقصديّ بالخيوط التي تحرّك مفاصل اللعبة على خشبة الحدث السياسي والهاجس الأمني في المنطقة.
أما ما بعد الثورة، كونها حركة مفصلية في التاريخ السوري المعاصر، فإن العلاقات السورية الأميركية بدأت تأخذ مسارا جديدا سيفاجئ النظام السوري في الأيام القادمة، ولو أن التصريحات الأميركية الرسمية كانت خجولة في البدايات حيث لم نسمع رفضا حازما من قبل البيت الأبيض أو وزارة الخارجية الأميركية لعمليات الإبادة الجماعية والتنكيل والاعتقالات التعسفية التي يمارسها النظام السوري ضد شعبه. أما هذا الأسبوع فقد تغيرت الصورة تماما، ولاسيما بعد اكتشاف المقابر الجماعية في مدينة درعا وكذا سيناريو تسخين الحدود مع اسرائيل ـ السحر الذي انقلب على الساحر! ففي لقاء مع المستشار السياسي لعضو مجلس الشيوخ جون كايل توصلتُ إلى فحوى القرار رقم 180 الذي أعدّه مجلس الشيوخ من أجل فرض عقوبات على مسؤولين سوريين وعلى رأسهم بشار الأسد ، وهذا القانون سيطرح للتصويت خلال اليومين القادمين في اجتماع المجلس ليصبح نافذا في حال كسب أغلبية الأصوات، وسيعاد طرحه للتصويت أيضا في مجلس النواب حين انعقاد جلسته الأولى في 24 الشهر الجاري إثر عطلة المجلس النصفية. وقال لي أحد خبراء السياسات الخارجية في المجلس أنه يعتقد أن الرئيس أوباما قد تلقى درسا مفيدا من عزوفه عن دعم ثورة إيران الخضراء في العام 2009 وأنه سيصحّح مسار الموقف الأميركي من هذه الحركات التحررية في الشرق الأوسط من خلال دعمه للثورات كافة وعلى رأسها الثورة السورية. وقد لحظنا اليوم توافقا أوروبيا أميركيا من أجل تشديد العقوبات ولهجة التعاطي مع النظام السوري في هذا الوقت الحاسم من تاريخ الثورة السورية.
ما هو المطلوب من قبل المعارضة حاليا من النظام السوري؟
على النظام السوري أن يسحب قوى الأمن بأسلحتها وعتادها من المدن السورية كافة وأن يتوقّف عن القتل العمد، وبدم بارد، للمواطنين الشرفاء العزل الذين يطالبون بحق مشروع لهم وهو الحرية والكرامة. وعليه أن يفتح تحقيقا فوريا، ومن جهات مستقلة وبمراقبة دولية، لوضع اليد على كل من شارك في عمليات الإبادة الجماعية في سوريا وتحويلهم إلى قضاء عادل ونزيه. أما الحوار المزعوم الذي يتشدقون به فلا مكان له على الإطلاق في هذا الظرف، لأن لا لغة يمكن أن تدور بين طرف يحمل مسدسا ويصوبه إلى الرأس وبين الطرف الذي يقع تحت تهديد هذا المسدس! بهذا المعنى يتحوّل الحوار إلى خضوع كامل من طرف أعزل لاحول له ولاقوة إلى شرط الطرف الآخر المدجج بآلة القتل الداهمة! ونحن لا نرضى لثورتنا أن تسير في هذا المسار على الإطلاق بعد كل هذا الدم الذي سُفك وكل التضحيات التي قُدمت.
اليوم يبدأ السوريون في مدنهم وقراهم إضرابا عاما سيشكّل نقلة نوعية في نهج الثورة السورية ـ تلك الحركة الماجدة التي ما فتئت تنتصر لدم شهدائها معلية الحق خفاقا في سماء سوريا الجديدة