السبت 15 شباط / فبراير 2025, 05:23
الصراع اللفظي في إقليم كوردستان وآفة اللاحوار




الصراع اللفظي في إقليم كوردستان وآفة اللاحوار
الإثنين 09 أيّار / مايو 2011, 05:23
كورداونلاين
الصراع من أجل السلطة بواسطة العنف، بدل العمل من أجل الإصلاح، یقود مجتمعنا الی دفع أثمان باهضةً، دماً ودماراً، قهراً و هدراً و یخلق فتن داخلیة و حروب طاحنة و هجرات جماعیة و إرهاب البشر

منذ عدة أسابیع و بالتحدید بعد أحداث 17 فبرایر (شباط) 2011 المؤسفة نشاهد علی شاشات التلفاز التابعة لبعض الاحزاب السیاسیة في الإقلیم ونقرأ في الصحف الالکترونیة التابعة لهذه الاحزاب نصوص ملئها الخشونة والحدة متمثلة بخطابات انفعالیة، ناتجة عن السیاسات والثقافات التي انتهجتها وزرعتها هذه الأحزاب والحرکات في العقود الماضیة لتثقیف کوادرها و أنصارها. فالحدیث عن الصراع اللفظي القائم بین الأحزاب في إقلیم کوردستان أصبح واقعاً مُرّاً وصارت المحاولة الجاهدة من أجل کبح جماح هذا الصراع ومکافحة هذا النهج السیاسي العقیم لزاماً أخلاقیاً ویبقی العمل الدؤوب من أجل إعادة الثقة بین الأعضاء القیادیین في تلك الأحزاب وتمتین أواصر الثقة بین قواعد تنظیمیة لهذه الأحزاب والحرکات علی أساس زرع الفکر الدیمقراطي والسلام الإجتماعي ونشر فلسفة الحوار أمراً ضروریاً.

فالسجالات بین الأحزاب، علی الرغم من عنفها، تنتمي الی عهد انساني آخذ الی الزوال، لا الی عصر الحاسوب والانتاج الناعم وعمال المعرفة والطوائف السبرانیة الافتراضیة، لأن المسألة الآن لیست أن نبرهنَ مَنْ مِنَ الأحزاب کان في الماضي أکثر سعیاً في ترسیخ قیم المواطنة و حب الوطن والدفاع عن کیان کوردستان، بل أن نکف عن تقدیس الأفکار لکي ننخرط في‌ تشکیل فضاء فکري جدید، یتجاوز العقلیات الثوریة القدیمة والخطابات الرّنانة المراوغة والمقولات المستهلکة والعقلانیات الحدیثة التي باتت عاجزة عن فهم الوقائع وصناعة العالم. ولنترك العُملات الفکریة التي تؤجّج الصراعات وتخلق حالة طواریء داخلیة تستدرجنا الی الإنخراط في حرب أهلیة یتحول معها أسم الإصلاح والحریة الی بُعبعٍ وجلاّد تنتهك کل الحدود والحقوق والحرمات.

فمآل الصراع من أجل السلطة بواسطة العنف، بدل العمل من أجل الإصلاح، یقود مجتمعنا الی دفع أثمان باهضةً، دماً ودماراً، قهراً و هدراً و یخلق فتن داخلیة و حروب طاحنة و هجرات جماعیة و إرهاب البشر و إستئصال و نفي المختلف بعقول مغلقة و متحجرة.

من یتأمل مصائر النظریات البرّاقة والمشاریع العریضة والمبنیة بأساطیر الحریة و أدلوجات العدالة والمساواة، یکتشف بأنها أسهمت في قیام أنظمة کُلانیة وعصبیات فاشیة أو في تشکیل هویات مغلقة ومجتمعات مفقرة، من ثمارهم تعرفونهم. 

أن بناء السلام الإجتماعي یحتاج الیوم أکثر من ذي قبل الی التکاتف والتأزر والتعاون والتنسیق بین الأحزاب داخل السلطة و خارجها من أجل تشخیص الأزمة الحالیة بشکل علمي و دقیق وتشغیل الأفکار وإستغلال الطاقات الفعلیة  لطرح حلول بناءة مناسبة، واقعیة و معتدلة تنسجم مع ظروف الآنیة والخصوصیة السیاسیة لکوردستان للوصول الی الاِزدهار والعدالة الاِجتماعية وتحقیق السلام الاجتماعي وصیانته.      

فالجهة التي تنظر الی أعمال الحکومة کالنظر الی المخلوق الآثم الذي ینتظر یوم الدینونة لکي یحاسب علی عمله، لاتنوي الإصلاح، بل تسعی الی نفي کافة الامور الایجابیة التي تتعلق بالسلطات التشریعیة والتنفیذیة والقضائیة، ساعیة الاستغاثة والاستنجاد کما في السابق بالاطراف التي کانت عوناً للبعث َ المقبور وحكمَه المجنــــون و ساهمت في قمع الکوردستانین في الماضي کي تسبب الشرخ في بنیان البیت الکوردستاني.  فعلینا أن لانترك الریاح والعواصف تهبّ من الخارج، فالوحدة الکوردستانیة تبقی هشة أو تکون قید التهدید والانفجار، إذا ما قمنا برشق بعضنا البعض بتهم العمالة والخیانة لهذه الجهة أو تلك وإذا ما نصبنا جدران الکره والحقد فیما بیننا. مانحتاجه الیوم هو تغییر أنماط الرؤیة وطریقة التفکیر وقواعد العمل والبناء و نماذج جدیدة تفکر بعقلیة الخلق والابتکار والتحول بمنطق سلمي، مدني و تبادلي.

علینا أن لا نُقدّس القدیم الی حد الإرهاق فنزداد ضعفاً ونخسر مانرید المحافظة علیه، بل علینا العمل للمستقبل بعقلیة خلاقة بعیدة عن استعباد عقیدة أو مقولة أو إستعمار أصل أو اسم أو نموذج أوحد، علینا کسر الدائرة الخانقة للعمل الثقافي الکوردستاني و نخلق فرص تتیح تجدید الوسائل وتحدیث الوسائط، بقدر ماتتیح تغییر الأدوار و ابتکار المهام.

ومن المعلوم أنه لا سبيل لحل جميع القضايا الفكرية والسياسية والدينية والاجتماعية في الاقلیم إلاّ من خلال الحوار واحترام الرأي والرأي الآخر والاحتكام إلى العقل التنویري.

صحیح أن الدیمقراطیة لیست فردوساً حمیماً، بل هي إمکانیة مفتوحة و فرصة متاحة لکي نحسن أن نتغیر في ضوء الحقائق والمتغیّرات، شرط أن نتعامل معها بلغة الإمکان والاختراع وبعقل ترکیبي، بنائي، معماري وشرط أن نترك عقلیة الإخترال والتبسیط والتعمیم التي هي علی مایبدو وللأسف من اختصاص بعض "المفکرين" الذین یصدورن أحکاماً مطلقة و یطلقون تقییمات شاملة وینادون بمعارضة السلطة الحاکمة و أن لا نعسکر وراء الماضي المُرّ.

قال جون لوك (1632 - 1704)، الفيلسوف التجريبي والمفكر السياسي الإنجليزي ذات مرة:

"إذا رقيت إلى مكان قد لا أستطيع أن أملأ فراغه، فإن الهبوط منه لن يكون إلا سقوطا مروعا، يُسمع له دوي شديد"

وختاماً: من لا یتقدم یتراجع لا محالة. ومن لایحسن دراسة ظروفه الآنیة و خصوصیاته السیاسیة تهمشه المتغیرات و تنتقم منه الوقائع.

د. سامان سوراني

817.

مواضيع جديدة في موقعنا الجديد اضغط هنا


ارشيف
ارشيف

صحافة وإعلام و آراء

كتاب الموقع
عبدالغني ع يحيى
العصر الطيني في العراق.
بنكي حاجو
الكذبة الكبرى
ب. ر. المزوري
النقطة
زاكروس عثمان
أحزاب خارج التغطية
إبراهيم اليوسف
النص الفيسبوكي 2.
عبد عبد المجيد
الفسيفساء السورية
أفين إبراهيم
رضاب الفراش
وزنة حامد
قلق الذات