الاديبة الاردنية الدكتورة سناء الشعلان تشارك في المؤتمر الفرانكفوني
الأحد 17 نيسان / أبريل 2011, 13:43
كورداونلاين
يأتي هذا المؤتمر بعد المؤتمر الدولي الأول: " في حوار الحضارات" الذي عقد بجامعة آل البيت في عام 2006م سعيًا إلى مزيد من التواصل الثقافي العالمي
الدكتورة سناء الشعلان تشارك في المؤتمر الفرانكفوني الأردني الدولي الثاني في جامعة آل البيت في الأردن
شاركت الأديبة د.سناء الشعلان في المؤتمر الفرانكفوني الأردني الدولي الثاني الذي عُقد في جامعة آل البيت في الأردن في قسم اللغات الحديثة بعنوان :"تلقي ألف ليلة وليلة في حقول العلوم الإنسانية عالميًّا"،وذلك بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في الأردن والسّفارة الفرنسيّة في عمان والمكتب الجامعي للفرانكوفونيّة.
ويأتي هذا المؤتمر بعد المؤتمر الدولي الأول: " في حوار الحضارات" الذي عقد بجامعة آل البيت في عام 2006م سعيًا إلى مزيد من التواصل الثقافي العالمي، ورغبة في إثارة أسئلة جديدة حول كتاب ألف ليلة وليلة الذي ينحدر من أصول حضارية متنوعة وخصبة، والذي غدا بفضل ترجماته إلى لغات أجنبية وفيرة، نصًّا حكائيًّا مركزيًّا ينتمي إلى الثقافة الإنسانية العالمية.
وقد شاركت د.سناء الشعلان بورقة عمل بعنوان :" توظيف ألف ليلة وليلة في مسرحية"الملك هو الملك" لسعد الله ونّوس" وقد قالت الشعلان إنّ أهمّ ما يميز المسرح العربي الحديث أنه مسرح تجريبي بالمعنى العام، إذ ليس هناك صيغ شكلية جاهزة أمام الكاتب، ومن هنا عليه أن يدخل في باب التّجريب في سبيل صياغة تجربته" (1)، وقد أدرك سعد الله ونّوس أهمية التراث في بناء تجربته المسرحية،،ومسرحية "الملك هو الملك" من أبرز تجاربه في توظيف التراث الشعبي في المسرح، وهي المسرحية الخامسة له في مسيرته المسرحية، وقد أنجزها عام 1978.
وفي هذه المسرحية درس سياسي واضح، وهو أنّ تغير الأفراد لا يُغيّر الأنظمة، وإنّما على الأنظمة أن تغيّر من قواعدها، حتى تصحَ الجسوم، وتلمع الوجوه بالبشر كما كان الناس في سابق الزمان.
فالمسرحية كما يقول ونّوس هي "لعبة تشخيصية لتحليل بنية السلطة في أنظمة التنكّر والملكية" (2) ويراد بأنظمة التنكّر والملكية المجتمعات الطبقية لا سيما البرجوازيات المعاصرة عسكرية كانت أم لا (3). والحقيقة أنّ ونّوس من داخل هذا النّص ومن خارجه يفضح مساوئ النظام الطبقي، ويدين رموزه متأثراً بمقولة كارل ماركس الشهيرة: "إنّ الرأسمالية تخلق حفّار قبرها بنفسها أو رغماً عنها، ولكنّها تحاول أن تثني المكلّف بهذه المهمة التاريخية عن عزمه، فتضع أمام البروليتاريا –الطبقة العاملة- نماذج من مجتمعات أسطوريّة لم توجد ولن توجد يوماً، بل هي مجرد أقنعة تضعها الرأسماليّة على وجهها لتخفي نفسها، وتخدع الطبقة العاملة بها" (4).
"إلا أنّ مسرحية الملك هو الملك لسعد الله ونّوس ليست مسرحاً سياسياً بحتاً، حتى إن حاولتْ تحليل بنية السلطة، داخل أنظمة التنكير الملكية، بل هي محاولة جادة لتطويع تراث ألف ليلة وليلة في المسرح المعاصر" (5).
وقد استوحى سعد الله ونّوس مسرحيته من حكايتين من حكايات ألف ليلة وليلة، ومن المعروف أنّ هارون الرشيد في حكايات ألف ليلة وليلة يضجر، وأمام هذه الحالة إمّا أن يدعو نديماً ليسامره، أو خليعاً ليسليه، وإمّا أن يخرج متنكراً في زي التجّار هو ووزيره جعفر البرمكي، وسيافه مسرور، وأحياناً نديمه أبو نوّاس (6).
ولقد استفاد سعد الله ونّوس من بنية الخروج التنكرية هذه، ففي إحدى الحكايات يخرج هارون الرشيد مع وزيره جعفر متفقّداً الرعية ليلاً، فيسمع رجلاً يقول: "آه لو كنت ملكاً لأقمت العدل بين الناس وفعلت كذا وكذا .. (7) فيقرّر الخليفة أن يأخذه إلى قصره، وأن يجعل منه خليفة ليوم واحد إلى آخر الحكاية. وفي حكاية أخرى يخرج هارون الرشيد، ويتخذ لنفسه وزيراً وسيافاً، ويتقن الدور حتى ليحاور هارون الرشيد إن كان ما يراه هو نفسه (8).
وتحكي المسرحية "الملك هو الملك" حكاية ملك ملول، يسمّى فخر الدين المكين، ينزل مع وزيره متنكرين إلى أزقة المدينة؛ لكي يروّح عن نفسه، ويجد تسلية كبيرة في زيارة رجل فقير مجنون يدعى أبو عزّة، يحلم بالملك والسلطة؛ كي يثأر من شهبندر التجّار والشيخ المتسببين في إفلاسه، بينما تناكده زوجته، ويسخر منه خادمه عرقوب، الطامع بوصال ابنته عزّة.
وتخطر للملك فكرة ممتعة، ماذا لو خدّر ووزيره ذلك المغفّل، وألبساه ثياب الملك، ثم وضعاه في القصر حاكماً ليوم واحد؟ أيّ مهزلة مسلية، وأيّ دهشة صاعقة ستدبّ بين الحاشية حين يلحظون الغريب الأبله في زي الملك؟ ويفعل ووزيره ذلك بغية الضحك.
ولكن الأمور تنقلب عندما يستيقظ أبو عزّة ليجد نفسه ملكا، فيأخذ بالتّصرف وكأنّه ملك منذ أن وُلد، ويضرب على يد الكلّ بيد من حديد، والغريب أن لا أحداً في القصر يلحظ أنّه ليس الملك الحقيقي، بل إنّ الجميع يعامله باحترام حتى الملكة تعامله معاملة الزّوج، ويجد الوزير بربير في الملك الزائف بديلاً أقوى من الملك الحقيقي، فيستعير من عرقوب بزته، ويخرجه صفر اليدين.
وعندما تمثل أم عزّة أمام زوجها وعزّة أمام أبيها لا يتعرف عليهما أبو عزّة، وبدلاً من أن ينصرهما على الشهبندر والشيخ، يدافع عن الظالمين اللذين أصبحا دعامتين لحكمة الباطل، وبذلك يكون أبو عزّة المغفل قد تنكر حتى لنفسه، ثم بعد ذلك يصدر حكمه على أبي العزّة الفقير بالتجريس علناً، وعلى ابنته عزّة بأن تصبح جارية في قصر الوزير.
وهكذا تنتهي المسرحية بنتيجة مفادها: إنّ الرّداء هو الذي يصنع الملك، وكلّ من يلبس الرداء مهما كان أصله الطبقي لا بد أن يتحول إلى طاغية.
"أعطني رداءً وتاجاً أعطك ملكاً لا(9).
ويبدو الملك في هذه المسرحية إنساناً ضجراً، تسيطر عليه حالة من السأم، وتكون تسليته الوحيدة في العبث بالبلاد والناس بدل مساعدتهم، ولكنّه يصبح هو ضحية لهذا العبث.
و شخصية الملك إلى جانب شخصية أبي عزّة هما الشخصيتان الناميتان في هذه المسرحية، لا سيما بعد أن يّلبس الملك أبا عزّة الرّداء، ويسلّمه الصولجان، ويصبح الثاني ملكاً بدل الأول، إنّ الملك يصبح ضحية لعبة أرادها هو، فسارت الأمور عكس ما يشتهي، ويمكن تحديد المفارقة في أنّ الملك أراد أن يتسلى بالآخرين، فأصبح مادة تسليتهم (10)، وقد أدى فقدان الملك لعرشه إلى وصوله إلى حالة الجنون، ويمكن القول إنّه قد بدأ عابثاً، وانتهى مجنوناً.
والحقيقة أنّ هناك فروقاً بين ملك سعد الله ونّوس وبين ملك (خليفة) ألف ليلة وليلة. ففي حين يخرج ملك سعد الله ونّوس بحثاً عن المتعة، وإن كانت بالآم الناس، يخرج هارون الرشيد؛ لينظر في مصالح الناس ويتفقّد أحوالهم.كما أنّ شخصية الملك في هذه المسرحية تختلف عنها في حكاية الليالي، الذي بدا قوياً متمكناً من كلّ مقاليد الحكم، فالتسلية كانت عنده موظفّة في سبيل تحقيق العدل، كما أنّ التنكر كان يكشف مظالماً، فيعيد الحق إلى أصحابه، ويقتصّ من الظالم، إضافة إلى أنّ الملك الحاكم في الليالي، يفشل في ممارسة واجبات الملك، مما يؤكد قدرة الملك على إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح.
أمّا الوزير فإنّه يعي دوره جيداً، لذلك نراه يبدي معارضته للعبة، وهو يحسّ أيضاً بأنّه قد خسر الوزارة حين خلع ملابسه، وبالتالي فهو يحاول استعادتها من الملك الجديد، وينجح في ذلك (11).
وتبرز في المستوى الثاني للمسرحية شخصية أبو عزّة، فهو رجل ملتاث، غارق في الخمر والديون، بعد أن هُزم أمام منافسة الشهبندر.
وإذا تأملنا شخصية أبي عزّة، وهي شخصية محورية، وجدنا أنّه يتحول ولا يتطوّر، حتى مظاهر خبله تزول بسرعة مستحيلة، ليتلبس بإتقان دور الملك (12).
إنّ قطع أبي عزّة لصلته بالماضي لم يكن مبرراً من الناحية الإنسانية، إذ إنّ من المستحيل أن يكون أبو عزّة الحاكم هو نفسه أبو عزّة الملك، إذا عددنا أنّ الشخصية عبارة عن مركب نفسي وفكري متراكم، وإلا كيف يقبل إنسان أن يحكم على نفسه بالتجريس، وأن تكون ابنته جارية في بلاط الوزير؟! ولكن يمكن قبول الشخصية منطقياً في إطار اللعبة التي صاغ سعد الله ونّوس خيوطها، والتي تقول إنّ أبا عزّة الحالم المغفل، قد مات نهائياً، ووُلد منه إنسان لا صلة له بذلك (13).
وشخصية أبي عزّة في مسرحية الملك هو الملك تختلف عن شخصية أبي الحسن في حكاية النائم واليقظان، فقد كان أبو الحسن مغفلا فعلاً، وقد فشل في أن يحكم بعد أن حقّق له الخليفة هارون الرشيد حلمه، فضلاً عن أن أبا الحسن لم يتمسّك بالعرش الذي لم يكن بمستواه كما كان الحال مع أبي عزّة.
وإذا بقينا في بيت أبي عزّة نجد صبية حالمة تحلم بفارس ينقذها مما هي فيه، وترى في عبيدٍ منقذاً لها، بل ولجميع المظلومين، ولكن ما يحصل لها يكون مأساوياً إذ تصبح جارية في قصر الوزير.
أمّا الأم والزوجة أم عزّة، فهي صورة للأم التي تحاول أن تبحث عن مخرج لأزمة الأسرة، والمتمثّلة في استهتار الأب، وإغراقه في شرب الخمرة، وعدم اهتمامه بالمسؤوليات المادية، كما أنها تحلم بزوج مناسب لابنتها، وتحلم بخروج زوجها من أزمته، وترى في مقابلة الملك حلماً فيه بوادر لانفراج أزمتها، لكن الملك يردّ أم عزّة خائبة على عكس الشائع في الليالي، إذ إنّ هارون الرشيد كان يحقّ الحق وينصر المظلومين، ولعلّ شخصية أم عزّة تقترب من شخصية أم حسن في حكاية النائم واليقظان، فأم حسن كانت تعاني من غفلة ابنها، وفي نهاية الحكاية تضربه على يديه عندما يصرّ على أنّه الخليفة هارون الرشيد.
ومن الشخصيات المميزة في بيت أبي عزّة الخادم عرقوب، وهو شخص مبتذل أخلاقياً وفكرياً، وقد كان بقاؤه مع أبي عزّة بسبب طمعه بالزواج من ابنته، وحين يُسند إليه تمثيل دور الوزير مع سيده، كي تكون اللعبة محبوكة يفشل في دوره، ويخرج صفر اليدين ملوماً محسوراً.
أمّا زاهد وعبيد فهما يعبّران عن الثورة و عن فكرها، وعلى الرغم من أن زاهداً وعبيداً وُجدا في زمن الحكاية ومكانها، وأنّهما مربوطان بها، إلا أنّهما ظهرا وكأنهما من عالم مختلف في وعيهما السّياسي، وطريقة طرحهما للأمور.. فهما يتبعان العمل السّري؛ في انتظار السّاعة المناسبة بلا تقديم أو تأخير.والغريب أنّ سعد الله ونّوس لم يدمج هاتين الشخصيتين في بنائه الدّرامي، عندما حرمهما من الصّلة مع حبكة الملك وأبي عزّة.
في حين أنّ الشّيخ طه وشهبندر التجّار يمثّلان التّحالف القائم بين الدين والقوى الاقتصادية المتحكمة بالسّوق، لذا فهما يمسكان بخيوط اللعبة، وبمعنى آخر، هما من يحركان أمور السياسة والاقتصاد معاً، وقد كان حضور الشخصيتين ضعيفاً في الحكاية، على الرغم من دورهما الكبير.
وحالة الاستلاب تسيطر على معظم شخصيات المسرحية "وما يحدد درجة استلاب الفرد هو قدرته على كشف التنكّر، فأم عزّة لا تستطيع أن تتعرف على زوجها ولا على خادمها، بينما ترتعش ابنتها، وهي أكثر وعياً، إذ تكاد تتعرف عليها، أمّا عرقوب الانتهازي، فإنّه يستلب نفسه بنفسه، لقد حاول أن يقفز فوق حقيقة الطبقية، أو أن يتحايل عليها، فخسر كلّ شيء، وحتى في النهاية عندما يبيع رداء الوزير بعملة زائفة، يعجز عن استنتاج أنّ الرداء هو الملك، وأنّ الرداء هو الوزير أيضاً. وفي الضفة الأخرى يمثل ميمون والسياف فرقة الإنشاد، وحتى الملكة التي لا تظهر. حالات استلاب خطيرة، أو يدعمون وضع الاستلاب بشكل عام. وسيحصد الإمام والشهبندر ثمار هذا الاستلاب" (14) ويقولان بعبارة قاطعة ومطمئنة: "لقد أصبح _الملك_ملكاً أكثر (15).
ويمثل أبو عزّة قمة الاستلاب، فهو يتحول في ليلة وضحاها إلى رجل يجهل نفسه وتاريخه وابنته وزوجته، بل ويتنكر لنفسه، ويحكم على نفسه بالتجريس.
وبعد؛
إنّ سعد الله ونّوس لم يستغل هذا الشكل التراثي لمجرد أن يربط النّاس بمسرح يستمد مادته من صميم حياتهم وتراثهم الفكري فحسب، وإنّما ليقول من خلال ذلك ما يريد قوله، ضمن رؤية سياسية واجتماعية لعصر ملتهب مليء بالمتناقضات والهزائم،كما أنّه قد استطاع أن يجرد الظاهرة التراثية من رموزها، وأن يشحنها برموز جديدة تجعلها قادرة على التعبير عن الواقع المعاصر، كما هو الحال في مسرحية الملك هو الملك، فحكاية الليالي لا تثير في القارئ سوى الدهشة والإعجاب والخدر في النّهاية، بينما سعد الله ونّوس قد أحالها إلى لوحة فنية تحفز المتفرج إلى أن يعي عصره، ويدرك ما فيه من تناقضات، فيخرج من المسرح معبئا بالتساؤلات أو المعرفة، أو محاولاً الرّبط بين رموز المسرحية ورموز الواقع الذي يعيش.