السبت 21 كانون الأوّل / ديسمبر 2024, 18:09
نص ادبي عن معاناة مكتوم كردي سوري




تكبير الحروف : 12 Punto 14 Punto 16 Punto 18 Punto
نص ادبي عن معاناة مكتوم كردي سوري
الثلاثاء 08 آذار / مارس 2011, 18:09
كورداونلاين
مكتوم لأني كردي أهدد أمن الدولة! وأي أمن هذا الذي أهدده - فإنا لم أقتل يا عالم لا الحسن ولا الحسين- كي يحكم عليّ بأن أحيا مكتوما..،

ولدتُ لاجئاً... (ماهر عبو)

"لا أريد أن أزيد عدد اللاجئين لاجئاً آخر"

محمود درويش، عندما سُئل لماذا لم تنجب أولادا!

هذا الجواب لا يستطيع أن يستوعب معناه وأبعاده..

أي شخص كان إلاّ إذا كان كرديا مكتوما من أكراد سوريا..!

أذا كان الفلسطيني لاجئاً أيضا! فهو لاجئ من درجة ما دون الفلسطيني..! فكم كان يتمنى لو ينعم بإمتيازات اللاجئ الفلسطيني!!

هو ماهر عبو.. ولدَ هناك في شوارع قامشلو الحبيبة  1985 ولدا إلى الحياة باكيا.. مكتوما بدون أي أثبات للشخصية والمعنى!

ألتقيت به في أحدى محطات المنفى.. فعزف لي بعض من أنينه ومعاناته ساردا...

(تبدأ مصيبتي عندما همس الله في أذني قائلا "جهز نفسك وغادر إلى الدنيا!

لتنتصر بذلك مشيئة الحياة، فقد كنت مثل كل باقي سكان الجنة، أتمتع بأوراق قيد وبطاقة للشخصية وجواز سفر إلهي! وحب للحياة يغمرني،

كما كنت أحمل في مخيلتي تصورات ساذجة وبسيطة عن العالم الآخر، فكم ياتُرى ستكون الدنيا جميلة وفوضوية الحرية!!

وخصوصا بعدما مللنا من الروتين والسهر في ليالي الجنة الفوتوكوبية!

وبعدها حملت أمتعتي ووصلت مثل كل طفل آدمي إلى المحطة الوسطى، لحظة الألتصاق بجسد الأم!

وهناك كانت الأقامة عالم جميلا، قوانينه العواطف والحنان، فقد كنت أحس بنبض أمي وهمساتها، وأشعر بألمها وفرحها لأني أنا!

ولكني لم أكن أستطع أن أبصر خارج حدود ذلك العالم المحدود! لكن كانت توخزني صدى كلمة تتردد بين الفينة والآخرى مكتوم مكتوم..!

ولم أكن أدرك معنى وتفاصيل هذه الكلمة..!

وبعدها قدر لي بإن أودع عالم أمي، وأعتمد على نفسي في العيش مستقلا.. ومتلذذا بحبات أوكسجيني الخاص!

وهكذا ولدت إلى الحياة..! ومعها تبدأ قصة حياتي طفلا على مكبات الفقر في قامشلو المغتصبة،

كرديا أنا تربيت مهمشا وترعرعتُ في وطن ترددت فيه عبارات تمجيد الصنم "إلى الأبد.. إلى الأبد.. ياحافظ الأسد"

وآيات تبجيل البعث الحاكم! فلم أرى.. ولم أسمع أبدا أغنية لذاتي تعبر عن هويتي وكرديتي،

بل عشت الأحصاء وأحزمة العروبة والمحرقات!!

مثل كل أقراني كنت مقموعا مهمشا غير مرحبا بي في وطني، فبعدها أدركت اليقينَ بإني مكتوم..!

مكتوم لأني كردي أهدد أمن الدولة! وأي أمن هذا الذي أهدده - فإنا لم أقتل يا عالم لا الحسن ولا الحسين- كي يحكم عليّ بأن أحيا مكتوما..،

ففتى يافع مثلي لا يستطيع أن ينام في فندق أو يستقل حافلة.. أو أن يشتري خط موبايل!!

أو أن يتعالج في مشفى حكومي!!

كنت ببساطة محروما من أبسط حقوقي كإنسان، هنا أدركت وهم شعارات حقوق الإنسان " يولد الناس متساوون في الكرامة"

وأية كرامة هذه إذا كنت مهاجرا في وطني !!

فأظطررت مقموعا معدوما.. للسفر إلى دمشق ، لأكون بذلك رقما آخر فوق كومة المهمشين في ضواحي الموت من العاصمة!

وكانت قساوة الحياة تزيدني قهرا وعذابا.. وظلم البعث يتكاثر ويهدينا ال49 .. وساما، ورصاصا حيا في أعيادنا..

فكن نمشي مشيعين موتانا من 12 آذار.. ووصولا لبيوت العزاء في نوروز الرقة!!

فمثل أي شاب متشبث بالحياة، قررت الرحيل إلى أوروبا، وخرجت من مستنقع الموت سوريا، وتركتُ خلفي كل شيء.. وحامل فقط باقة من الأمل،

فخرجت مثل أي بضاعة مهربة صوب تركيا،

وهناك أعتقلت فحبست لشهر في سجون أسطنبول، سجنت لأني أمنت بالحياة.. وبالبحث عن مفاتيح الحرية!!

وبعدها أفرج الأتراك عني على وعد بمغادرة المكان! فحملت نفسي هاربا.. مهاجرا إلى اليونان سيرا على الأقدام،

وحينها خاطبت ربي، لماذا يا آلهي بعثتني إلى هذه الدنيا القاسية التي أستهلكت أنسانيتي..،

وبينما أنت تعبر غابات اليونان الموحشة، يشعل الصمت في البال أفكارا غريبة مثل غرابة وصمت المكان ،

لماذا أهاجر/ لماذا أعيش/ لماذا كنتُ بالأصل.. لحتى أحلم بإن أكون/ ولماذا ولماذا..!

وبعد مسيرة سبع أيام من المشي وصلنا إلى اليونان وفي نفوسنا أمل بالحرية.. الحرية التي طالما حرمنا منها،

ولكننا أنصدمنا بالمشهد المزري، حيث كان اليونانيين يشيعون أقتصادهم على أكتاف الأفلاس..!

وبعد مشاركتنا في العزاء الأثيني، أعتقلونا ومكثنا ثلاثة أشهر في السجن، وكان ليل السجن كئيب والوقت جامد مقهور!

ففي كل لحظة جمود كنت ألعن نفسي لأني ولدت، وألعنُ البعث الذي أوصلنا لهذه الحال، وأذرف دمعة على الوطن الرازخ تحت الأستبداد!

وبعد طردنا من اليونان قسرا إلى تركيا، عدت مرة آخرى مهاجرا إلى اليونان ومتحديا هذه المرة أمواج البحر ومستنشقا رائحة الموت،

حيث كان لعاب البحر يسيل أمواجا ويهدد زورقنا الصغير بين الحين والآخر، فوصلت ثانية إلى اليونان..،

ومن هناك تبسم الحظ في وجهي فوصلت إلى جنة الأرض، كما كنت أتصور مثل كل الآخرين (أوروبا) وتحديدا النرويج عاصمة السعادة!

ولكن بعد سنة من التشرد هناك، لم يرأف أحد بحالي ولم يسألني أحد لما أنت هنا،

كانت أيام مقلقة.. ومخيبة! تحسد الحيوانات على حقوقها!

ودون أي سابق أنذار داهمتني الشرطة وأرجعوني إلى بلاد الأغريق!

وفي طريق العودة ومحاكاة الذات تزداد والحزن يتفجر بالداخل، أكتشفت زيف حقوق الإنسان " حرية التنقل وتبديل الأوطان"

فأين الوطن أين الحرية!

في لحظة ما أدركت بإني.. هل أصبحت يا تُرى عبئ على ما يسمى أوروبا ؟!! أم أني غدوت علة على زاد قططهم وكلابهم يا ترى؟!

فتمنيت الهروب إلى الموت، وأنهاء هذه المهزلة المسماة بتراجيديا الحياة!

ولكني تذكرت دموع أمي وهي ترسم لي وجه الأمل، الأمل بالحياة والغد الأفضل!

وفي عالم لم أجد حجرة تأويني، فكان الشارع أرحم مكان يأويني، وأنبل من كل منظمات حقوق البشر،

إلى أن سنحة الفرصة لي للعبور إلى بلاد الجبن والساعات "سويسرا" أملا بوجبة فطور كريمة وزمنً حر!

وهناك أستقبلوني المضيفين بإن أكرموني بالسجن، وذلك لأني كنت يوما ما ضيف على النرويجيين!!

فبعد ثلاثة أشهر من الأحتجاز رحلوني إلى النرويج، وفي النرويج مكثت شهرا في السجن، وبعدها منعتُ من الدخول إلى مايسمى بدول الدبلن الأوربية ،

وعلى أثرها أرسلوني إلى اليونان مجددا!

وأنا في طريق العودة كنت أتأمل مفارقات الحياة، في زمن تعيش بدون أنتماء وهوية ووطن، وحيث يكون للأخرين أوطان كثيرة..

فبخلوا علينا بمتر مربع من الأمان..!

أي ذنب أقترفته يا ترى سوى أني ولدت كرديا ومكتوما.. ومحكوما من قبل عصابة البعث!!

واليوم أعيش هنا مشتتا وأطوي ليالي الجوع والتشرد في أزقة أثينا!!

وأنتظرا موتا جديدا لعله يخطفني إلى جنة الله!!

إلى أوراق أقامتي الدائمة، حيث لا لاجئوون ولامنفيون.. وأتمتع بهوية للشخصية وجواز سفر أخضر.. للسفر إلى كل السموات..!!}

"فبين لعنة اللجوء.. والرغبة في الموت من أجل الخلاص..

يبقى جيش من الماهريين قابعيين على أرصفة التشرد ويحملون بليل من الأمل والأمان"!!

1252.

مواضيع جديدة في موقعنا الجديد اضغط هنا


ارشيف
ارشيف

صحافة وإعلام و آراء

كتاب الموقع
عبدالغني ع يحيى
العصر الطيني في العراق.
بنكي حاجو
الكذبة الكبرى
ب. ر. المزوري
النقطة
زاكروس عثمان
أحزاب خارج التغطية
إبراهيم اليوسف
النص الفيسبوكي 2.
عبد عبد المجيد
الفسيفساء السورية
أفين إبراهيم
رضاب الفراش
وزنة حامد
قلق الذات