طل الملوحي جاسوسة والمتظاهرون في السليمانية مجرمون
السبت 19 شباط / فبراير 2011, 18:56
كورداونلاين
تجاوز بارزاني في لهجته وتهديده ووعيده للمتظاهرين، لهجة زين العابدن بن وحسني مبارك أيضاً. ذلك أن بن علي ومبارك، أثناء بداية اندلاع الانتفاضتين التونسيّة والمصريّة، لم يخوّنا المتظاهرين، ولم يصفاهم، بالمجرمين
ذكّرني سيناريو "جاسوسيّة" طلّ الملوحي الذي أعلنت عنه، الناطقة الإعلاميّة باسم الخارجيّة السوريّة، بسيناريوهات مفبركة، سبق وأن اتحفنا بها نظام بشّار الأسد. ومن بين تلك السيناريوهات _ الفبركات، سيناريو اختفاء واختطاف واغتيال شيخ شهداء كردستان سورية، العلاّمة والراحل الكبير محمد معشوق الخزنوي. وما يمكن قوله في جاسوسيّة، تلك الطفلة، حين اعتقالها؛ بأنه يلزمها تسع عشرة سنة أخرى، كي تقوم بما لفّقته لها دوائر الاستخبارات السوريّة "المحترمة"!. ذلك أن كل تلك المهام الخطرة، وإقامة تلك شبكة من العلاقات، في مصر وسورية، يلزمه احتراف ومهنيّة عاليّة في الجاسوسيّة والاختراق... وما إلى ذلك، لن يكفي عمر الملوحي الحالي، للاستحصال عليه!. وما كان لافتاً، في كلام الناطقة باسم الخارجيّة السورية، قولها: أن السلطات حكمت عليها، بعد أن بلغت سنّ الرشد، وليس حينما كانت قاصر!. يعني، اعتقلوها طفلة، وحكموا عليها، وهي بالغة راشدة!. فيالإنسانيّة والرفق بالقانون والأخلاق والمعايير والاتفاقات الدوليّة المتعلّقة بحقوق الإنسان!؟. يبقى القول: إن الحكم الذي أصدرته المحاكم الاستثنائيّة (أمن الدولة) بحقّ الملوحي، يبقى رؤوفاً رحيماً، قياساً بالتهم التي سيقت ضدّ المدوّنة السوريّة الشابّة. ذلك أن تهم الجاسوسيّة والخيانة الوطنيّة، ووفق السيناريو الذي أطلقته السلطات السوريّة، تستوجب عقوبات وأحكام أشدّ من التي صدرت بحقّ الملوحي!. ويبقى القول: ألاّ غرابة في الأمر، إذ أن من طبائع وشيم وأخلاق النظام السوري، الطعن في الأعراض والشرف والكرامة الإنسانيّة والوطنيّة والاجتماعيّة والقوميّة وحتّى الثقافيّة. وما يجب التأكيد عليه هنا: إن اعتقال الملوحي، كان اعتقالاً لكل الشباب السوري. والحكم عليها وعلى شرفها الاجتماعي والإنساني والقومي والوطني، هو حكم صادر بحقّ شرف وكرامة ووطنيّة كل الشباب السوري!. فالوحوش الذين ينهشون في شرف وكرامة وحياة شعب على مدى نصف قرن، لن يكون كثيراً عليهم نهب وانتهاك شرف وكرامة وحياة ومستقبل صبيّة عربيّة سوريّة!.
على صعيد آخر، وتعليقاً على الأحداث التي جرت في مدينة السليمانيّة، في إقليم كردستان العراق، أصدر رئيس الإقليم بياناً، مخيّباً جدّاً للآمال، إلى أبعد ما يمكن تصوّره. فقد تجاوز بارزاني في لهجته وتهديده ووعيده للمتظاهرين، لهجة زين العابدن بن وحسني مبارك أيضاً. ذلك أن بن علي ومبارك، أثناء بداية اندلاع الانتفاضتين التونسيّة والمصريّة، لم يخوّنا المتظاهرين، ولم يصفاهم، بالمجرمين... وأمور أخرى سآتي على ذكرها تابعاً. وإليكم الترجمة العربيّة لرسالة الرئيس بارزاني، كما تناقلتها مواقع إلكترونيّة كرديّة:
(بسم الله الرحمن الرحيمتعرض مبنى الفرع الرابع للحزب الديمقراطي الكوردستاني في مدينة السليمانية اليوم الخميس 17/2/2011 الى هجوم أدى الى وقوع العديد من الضحايا. من الواضح ان أعداء شعب كوردستان مايزالون يحاولون خلق الفتنة والفوضى، ولكن شعب كوردستان واعٍ ومتيقظ لمواجهة وإفشال خطط ومؤمرات الأعداء المتربصين بتجربة ومكتسبات إقليم كوردستان، وكذلك الوقوف بوجه أي تهديد وفتنة يواجههما. لذا ندعو الجميع الى أن يتعاملوا بهدوء وحذر مع الحدث وأن يحافظوا على الوضع الآمن والمستتب في كوردستان، كما ندعوا حكومة الإقليم أيضا الى أن تباشر فورا بتشكيل لجنة تحقيقية من أجل المتابعة وتعقب المجرمين والذين يقفون وراء خلق هذه الفتنة، وذلك للقبض عليهم وتسليمهم الى القضاء وإنزال العقاب العادل بهم. كما ندعو شعب كوردستان وحكومة الإقليم والقوى الأمنية الى القيام بمهامهم وإحكام السيطرة على الوضع بشكل تام وحماية مقرات جميع الأحزاب والأطراف والمؤسسات الحكومية، لأننا لن نسمح أبدا بأن تسود القلاقل والفتنة والفوضى في البلاد ويتعرض الوضع الآمن وحياة المواطنين في الإقليم الى تهديدات ومخاطر.
وفي النهاية نقول ان الوفاق و وحدة الصف أديا الى تحقيق مكاسب كبيرة، لذا ان حمايتها تقع على عاتق الجميع أيضا، كما نعلن اننا سنقف بكل قوة وحزم بوجه أي تهديد يلحق الضرر بالوضع الآمن والمستقر في الإقليم وبمصالح شعب كوردستان.
مسعود بارزاني
رئيس إقليم كوردستان).
وبناء على النصّ، يمكن تسجيل النقاط التالية:
1 ـ لم يعتبر الرئيس بارزاني، ما حدث بأنه مظاهرة، بل هجوماً استهدف مقرّ حزبه، قام به "مجرمون"، هم صنيعة أعداء كردستان الذين يريدون بثّ الفتنة والفرقة والفوضى...!. ولم يأتِ على ذكر مطالبهم وإذا كانت مشروعة أم لا؟!. بخلاف زين العابدن ومبارك، الذين، وإن ألمحا الى الجهات الأجنبيّة وتورّطها في الأحداث في تونس ومصر، إلاّ أنهما وصفا مطالب المتظاهرين بالمشروعة، وأنهما سيلبّيانها، ولو شكليّاً...!.
2 ـ لم يترحّم بارزاني على أرواح الضحايا، ولم يدعُ بالشفاء العاجل للجرحى، ولم يطالب الحكومة وقوى الأمن، بإبداء كامل المرونة وضبط النفس أمام حركات الاحتجاج السلمي، بخلاف تصريحات بن علي ومبارك، الذين كررا مراراً، ولو شكليّاً، الطلب من القوات الأمنيّة بضبط النفس وتحريم استخدام الذخيرة الحيّة ضدّ المتظاهرين. كما أن الدكتاتوران السابقان، التونسي والمصري، كانا أرفق وأرأف من بارزاني، في الترحّم على الضحايا وطلب الشفاء للجرحى!. ويمكن القول هنا: إن رسالة بارزاني هذه، هي الضوء الأخضر الفاقع، لاطلاق يد الأمن في سحق أي مظهر احتجاجي، قد يظهر لاحقاً.
3 ـ طالب بارزاني من الحكومة "أن تباشر فورا بتشكيل لجنة تحقيق من أجل المتابعة وتعقب المجرمين والذين يقفون وراء خلق هذه الفتنة، وذلك للقبض عليهم وتسليمهم الى القضاء وإنزال العقاب العادل بهم". وهنا، نصّب بارزاني نفسه قاضيّاً، وأصدر حكمه، قبل تشكيل اللجنة. وعليه، قرارات اللجنة، لن تخرج عن رأي السيّد الرئيس، على أن المتظاهرين، مجرمون ومأجورون وخونة، وعملاء لأعداء كردستان!!. بخلاف بن علي ومبارك، أثناء مطالباتهما، ولو شكليّاً، بتشكيل لجان تحقيق في الاحداث والاضطرابات!.
4 ـ يستشفّ من رسالة بارزاني بأنه يحمّل حكومة برهم صالح، مسؤوليّة استهداف مقرّ حزبه، دون مقرّات الاحزاب الكرديّة الأخرى، الاتحاد الوطني مثلاً، لكونه الشريك في السلطة والفساد المستشري، ويرأس قيادي بارز فيه، حكومة الإقليم حاليّاً. إذ أن توجّه المتظاهرين نحو مقرّ الديمقراطي الكردستاني، يُفسّر وكأنّه المسؤول الوحيد عمّا يجري في كردستان من فساد وإفساد واستبداد!؟.
5 ـ يظهر من رسالة بارزاني الحازمة والتهديديّة والوعيديّة، أنه لن يكون هنالك تهاون مع من يطالب بالإصلاح ومكافحة الفساد. بخلاف خطب وكلمات بن علي ومبارك، أثناء اندلاع الثورتين التونسيّة والمصريّة!.
لكن، المشترك الوحيد، الذي جمع رسالة بارزاني، والخطاب البعثي الحاكم في سورية، وخطاب بطانة النظامين الدكتاتوريين السابقين في تونس ومصر، هو إحالة أيّة مظاهر احتجاجيّة مطالبة بالإصلاح ومكافحة الفساد، إلى الأعداء، المتربّصين بالكرد وكردستان!. والنقطة الأبرز هنا، أننا كنّا نجد أضاحي، يقدّمها النظام السوري الحالي، والتونسي والمصري السابقين، على مذبح مكافحة الفساد، بينما لم نجد في كردستان العراق، ولو موظّف من الدرجة العاشرة، أحيل للتحقيق بتهمة الفساد، كأضحية، يمكن ان يسكت بها النظام الكردي الحاكم في كردستان العراق منتقديه!؟. ولعل أقلّ ما يمكن قوله هنا: إنه من المعيب والمخزي اللجوء إلى استخدام اسطوانة "أعداء كردستان" من قبل قيادات كردستان العراق، في التعامل مع أحداث كالتي شهدتها السليمانيّة في السابع عشر من الشهر الجاري!. ذلك أن أعداء كردستان الذين أتى على ذكرهم بارزاني، لم يعد لهم وجود، بحكم علاقات قيادة كردستان العراق مع كان يفترض أنهم أعداء وكردستان العراق؟!. فعلاقات قيادات كردستان العراق مع أنقرة وطهران ودمشق، غارقة في الشهد والعسل. كما أن أيتام نظام صدّام حسين (المطلك، النجيفي...) هم شركاء قيادة كردستان العراق في العمليّة السياسيّة!.
حاصل القول، وقياساً بما جرى يوم 17 شباط في السليمانيّة، ورسالة بارزاني حيالها، أن الأوضاع الحاليّة في كردستاننا العراقيّة تثير الرعب والهلع، والترّحم على النظام التونسي والمصري السابقين. وتجيز القول: ما أشبهنا بجلاّدينا، نحن من نزعم الديمقراطيّة وحماية الشعب ومكتسباته!. ما أبشعنا، إذ نضيف البلاد والعباد الى ممتلكاتنا!. ما أكثرنا صفاقة ودجل وتفاهة، إذ نستلهم من قواميس مضطهدينا، كلاماً نخاطب به شعوبنا!. والسؤال المقلق أيضاً وأيضاً، الذي سيبقى طرحه دوماً: هل نجح النظام السوري وحكومة بارزاني _ طالباني، في إسقاط الشعب، وإلى الأبد؟!.