قراءة قانونية في مشروع قانون الحنين إلى أيام الجاهلية ووأد البنات
الإربعاء 28 تشرين الأوّل / أكتوبر 2009, 19:58
كورداونلاين
جاء هذا المشروع كالصاعقة وبمثابة جرس إنذار بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وإغراق المجتمع السوري في أتون الظلام والفكر الرجعي متستراً بعباءة الشريعة الإسلامية
قراءة قانونية
في مشروع قانون الحنين إلى أيام الجاهلية ووأد البنات...
* المحامي مصطفى أوسو
تمهيد:
في الوقت الذي كان فيه عيون أبناء وبنات المجتمع السوري تتطلع بشغف ولهفة إلى إحداث نقلة نوعية وحضارية في جميع القوانين والتشريعات السورية المنتمية إلى حقبة زمنية ممتدة على طول أكثر من نصف قرن من الزمن، وذلك انسجاماً مع تطورات الحياة الاجتماعية واتساقاً مع الدستور السوري ومع الاتفاقيات والمواثيق والقوانين واللوائح الدولية التي وقعت عليها سوريا والتزمت بتطبيقها.
وفي الوقت الذي كان فيه قانون الأحوال الشخصية السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم ( 59 ) لعام 1953 من أكثر القوانين التي تحتاج إلى المراجعة والتعديل وإعادة النظر في الكثير من أحكامه وبنوده ومواده...، لأنه من أكثر القوانين والتشريعات أهمية بالنسبة لموقع المرأة في جميع مجالات الحياة، ولأنه يتعارض مع أسس ومبادئ الدستور السوري الذي يؤكد على المساواة الكاملة بين المواطنين جميعاً في الحقوق والواجبات، وكذلك لما شهدته السنوات الكثيرة الماضية من عمل طويل ومضن, وجهود كبيرة ومناشدات لأعلى المستويات في الدولة من قبل القوى والفعاليات الديمقراطية ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني والشخصيات الوطنية...، لتعديل هذا القانون.
جاء مشروع قانون الأحوال الشخصية المعد من قبل اللجنة المكلفة بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم ( 2437 ) تاريخ 7 / 6 / 2007 والذي وزعته الحكومة على الوزارات وعلى العديد من الهيئات والمؤسسات في البلاد بتاريخ 24 / 5 / 2009 لدراسته ووضع الملاحظات عليه مدة لا تتعدى الشهر قبل مناقشته في مجلس الوزراء وإحالته إلى مجلس الشعب، نقول جاء هذا المشروع كالصاعقة وبمثابة جرس إنذار بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وإغراق المجتمع السوري في أتون الظلام والفكر الرجعي متستراً بعباءة الشريعة الإسلامية متناسياً أن الإسلام هو دين اليسر والتسامح والمساواة والعدالة والتعايش المشترك.
ولعل الطامة الكبرى، أنه وفي الوقت الذي تشهد دول المنطقة التي كانت تتأخر بتطورها الاجتماعي بأشواط كبيرة عن سورية فيما مضى، تشهد سجالات ونقاشات جدية حول قانون أحوال شخصية ذات طابع حضاري مدني تجعل من مفاهيم المواطنة والمساواة...، أساساً ومرتكزاً لها، تتحفنا اللجنة السورية المكلفة من خلال مشروعها هذا بنصوص ومواد ترجعنا إلى أيام الجاهلية وأبي لهب وهارون الرشيد.
فهو من جهة أولى: لم يغير الرؤى والأفكار الأساسية الكلاسيكية المتخلفة التي يقوم عليها القانون الحالي، بل أضاف إليها ما هو أكثر كلاسيكية وتخلفاً...، ومن جهة ثانية: ميز بين المواطنين على أساس الدين والمذهب والجنس...، وتضمن مفردات مستمدة من عصور بائدة ( تسمية الذمي على أهل الكتاب )، لا تستقيم مع أسس المواطنة التي تقوم عليها الدولة الحديثة، وهو من جهة ثالثة: يشكل تعدياً خطيراً على الحقوق والحريات المدنية للمواطن السوري بشكل عام والمرأة والطفل بشكل خاص، وهو من جهة رابعة: يتعارض بشكل صارخ مع نصوص الدستور السوري وأحكامه ومع الاتفاقيات والمواثيق والقوانين واللوائح الدولية التي وقعت عليها سوريا والتزمت بتطبيقها.
ملاحظات شكلية هامة:
1- اكتفت الحكومة بتوزيع مشروع القانون على وزارات الدولة والدوائر والهيئات والمؤسسات العامة...، لدراسته ووضع الملاحظات عليه...، في حين أن مشروعاً بمثل حجم هذا المشروع كان يفترض فيه أن يوزع على كافة القوى والفعاليات والشخصيات الوطنية والديمقراطية بشكل عام ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان بشكل خاص والهيئات والمنظمات المدافعة عن حقوق المرأة والطفل بشكل أخص. ويبدو أن الحكومة لم تشارك حتى أحزاب ( الجبهة الوطنية التقدمية ) بهذا الأمر.
2 – خلا المشروع من ذكر الأسباب الموجبة وراء إصداره، وكذلك من المذكرة الإيضاحية، وبذلك فقد خلا من ذكر المصادر التشريعية التي اعتمدها واضعوه، لأن أي مشروع قانون يصدر يتضمن في العادة الأسباب الموجبة له وكذلك يتضمن مذكرة إيضاحية يسرد فيها بالتفصيل مصادر التشريع التي اعتمدها واضعي المشروع، ولربما اللجنة اعتمدت مصادر تشريعية لا تنتمي إلى هذه الحقبة الزمنية من التاريخ ؟!!!
عود على بدء:
وكما قلنا فأن هذا المشروع الجديد لقانون الأحوال الشخصية لم يختلف في روحه وجوهره عن القانون الحالي، حيث ورغم المآخذ والانتقادات الكثيرة التي وجهت إلى القانون المعمول به، ورغم المطالبات المستمرة والملحة من أوساط واسعة من المجتمع السوري بضرورة تعديله وإصدار قانون عصري يحتكم إليه المواطنين السوريين في حياتهم وأمورهم وأحوالهم الشخصية، قانون يحقق العدالة والمساواة بين أبناء المجتمع السوري دون تمييز بسبب العرق أو الدين أو الجنس...، وينسجم مع أحكام الدستور ومع الاتفاقيات والمواثيق والقوانين واللوائح الدولية التي وقعت عليها سوريا والتزمت بتطبيقها، إلا أن اللجنة المذكورة أنفاً لم تأخذ كل ذلك بعين الاعتبار، بل وعلى العكس من ذلك تماماً فقد رسخت مظاهر التمييز والانتهاكات بحق المواطن السوري بشكل عام والمرأة والطفل بشكل خاص في المشروع الجديد وأضافت إليه مواداً أخرى أكثر تمييزاً وانتهاكاً لحقوق الإنسان بشكل عام ولحقوق المرأة والطفل بشكل خاص.
المقارنة تبين حجم الكارثة في مشروع القانون الجديد:
أن أهم الجوانب التي تشكل تمييزاً ضد المرأة في قانون الأحوال الشخصية الحالي والتي كانت على مدار السنوات الماضية مطلباً ملحاً للتغيير، ولم يطرأ عليها أي تعديل في مشروع القانون الجديد، هي:
تؤكد المواد ( 2 و 3 و 13 ) من المشروع الجديد، على سريان قانون الزوج وقت إبرام الزواج، وكذلك سريان قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت وقوع الطلاق ووقت رفع دعوى التطليق أو الانفصال.
أن هذه المواد عوضاً عن إنها تشكل تمييزاً بحق المرأة وعدم المساواة بينها وبين الرجل فيما يتعلق بعقد الزواج والذي يعتبر أهم عقد شراكة في الحياة بين الرجل والمرأة، فإنها تعلي أيضاً من أهمية الدين والطائفة والانتماء الديني والطائفي على حساب أهمية الوطن والانتماء له.
أما المادة ( 15 ) من هذا المشروع، فإنها تعطي صلاحيات إضافية للمحاكم الشرعية، في الوقت الذي كان يفترض فيه أن يأتي هذا المشروع الجديد منسجماً مع تطورات الحياة الاجتماعية ويعمل على تقليص الصلاحيات الممنوحة للمحاكم الشرعية لمصلحة المحاكم المدنية، أي أن صلاحيات المحكمة الشرعية تتوسع أكثر فأكثر بموجب هذا المشروع الجديد.
أما المادة ( 21 ) من هذا المشروع، فقد نصت على إنشاء النيابة العامة الشرعية، التي من مهمتها الدخول في قضايا الأحوال الشخصية إذا لم يتقدم أحد من ذوي الشأن وذلك في كل أمر يمس النظام العام.
وهذه المادة تشكل تهديد حقيقي وفعلي على عدد كبير من المواطنين السوريين في حالات بطلان زواج المرتد أو المرتدة، إذ يخشى أن يتهم هؤلاء وخاصة أصحاب الفكر والرأي بالردة مع ما يترتب على ذلك من التدخل وإقامة الدعاوى ببطلان زواجهم وتفكيك أسرهم، كما حدث في مصر مع الدكتور حامد أبو زيد وغيره من المثقفين المصريين.
هذا إذا علمنا أن المادة ( 22 ) جعلت من حق أي كان الإدعاء بأي من المواضيع المحددة في المادة السابقة حتى ولو لم يكن صاحب مصلحة في ذلك، وهذه المادة جديدة ومستحدثة ولا يوجد شبيهاً لها في قانون الأحوال الشخصية الحالي.
وفي المادة ( 38 ) من المشروع، فأن تسمية ( الذمي ) على أهل الكتاب من الديانات الأخرى يثير الكثير من المخاوف بأنهم غير متساوين في الحقوق مع المسلمين ويأتون في سلم أدنى من درجات المواطنة بسبب انتمائهم الديني، وأيضاً هذه التسمية لم ترد شبيهاً لها في قانون الأحوال الشخصية الحالي.
أما المادة ( 39 ) من المشروع، فأنها تكرس أيضاً التمييز بين الرجل والمرأة، عندما تشترط لصحة عقد الزواج أن يكون الشهود رجلين أو رجل وامرأتين مسلمين، أي أن شهادة الرجل تعادل شهادة امرأتين، وهو نفس ما نصت عليه المادة ( 12 ) من قانون الأحوال الشخصية الحالي.
أما المادتان ( 44 و 45 ) من المشروع، فقد أجازتا زواج القصر دون أن يكترث واضعوه ما لذلك من أضرار جسيمة وخاصة بالنسبة للفتيات اللواتي لم يجتزن بعد مرحلة الطفولة والمراهقة بكل ما لها من تداعيات وآثار نفسية...، ونعود لنؤكد مرة أخرى من خلال هذه القراءة، أن الزواج مرحلة هامة في حياة الإنسان يتطلب النضوج وقدر كبير من الخبرة في الأمور الحياتية مع ما يترتب على ذلك من تشكيل أسرة وإعداد جيل لمواجهة المستقبل، ولا يصح بأي شكل من الأشكال أن نعتبره مجرد مسألة فيزيولوجية حتى نشترط فيه ( احتمال جسميهما ) ليأذن القاضي بذلك، وهو أيضاً نفس ما نصت عليه المادة ( 18 ) من قانون الأحوال الشخصية الحالي.
أما المادة ( 53 ) من المشروع، فأن المرأة لا تستطيع تزويج نفسها، لأن هذا الحق هو ملك للعصبات من الأصول والفروع، أي إنها تعتبر ناقصة الأهلية وتابعة للرجل وخاضعة لإرادته ومشيئته. وهذا تعد سافر على حقوقها كإنسان وكفرد في المجتمع، وهو أيضاً نفس ما نصت عليه المواد ( 21 و 23 ) من قانون الأحوال الشخصية الحالي.
واعتبرت المادة ( 63 ) من المشروع، أن اختلاف الدين بين الرجل والمرأة سبباً مبطلاً للزواج في ثلاث حالات، هي: زواج المسلمة بغير المسلم وزواج المسلم بغير مسلمة إذا لم تكن كتابية وزواج المرتد أو المرتدة عن الإسلام ولو كان الطرف الآخر غير مسلم. بالنسبة للحالة الأولى هو نفس ما نصت عليه الفقرة الثانية من ( 48 ) من قانون الأحوال الشخصية الحالي أما الحالتان الثانية والثالثة، فهما مستحدثتان.
أن في ذلك تمييز صارخ بين الأديان ومحاولة لنفيها وإلغائها من الوجود وكذلك تهديد جدي لفئة من المجتمع ( أصحاب الفكر والرأي )، حيث وكما ذكرنا أنفاً يخشى أن يصبح هؤلاء عرضة للاتهام بالردة وإقامة الدعاوى عليهم ( دعاوى الحسبة ) بهدف الضغط عليم والنيل منهم ومن أفكارهم...، خاصة وأن المادتين ( 21 و 22 ) أفسحتا المجال أمام النيابة العامة الشرعية وأي كان حتى ولو لم صاحب مصلحة التدخل والإدعاء في ذلك.
وفي المادة ( 66 )، من المشروع، وكما في القانون الحالي للرجل أن يجمع بين أربع نساء ويستطيع في أي وقت يشاء أن يستبدل إحداهن بامرأة أخرى.
أن في نص هذه المادة إهانة كبيرة لكرامة المرأة ولشخصيتها ولها نتائج خطيرة على الأسرة وعلى الأولاد، وهو أيضاً ما نصت عليه المادة ( 17 ) من قانون الأحوال الشخصية الحالي.
وفي المادة ( 67 ) من المشروع، لا يجوز للرجل أن يتزوج امرأة طلقها ثلاث مرات، إلا بعد انقضاء عدتها من زوج آخر، دخل بها فعلاً في زواج صحيح دون توقيت صراحة أو ضمناً.
وفي هذه المادة أيضاً انتهاك وإهانة لكرامة المرأة، وهو أيضاً نفس ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة ( 36 ) من القانون الحالي للأحوال الشخصية.
أما المادة ( 70 ) من المشروع، والتي تنص على إقامة حد القذف على الرجل الذي يريد التزوج من زوجته الذي لاعنها، فإنها تعيدنا بحق إلى أيام الرجم في بدايات ظهور الإسلام.
ومن الغرائب أن واضعي هذا المشروع نصوا على هذا المبدأ في الوقت الذي تجاهله المشرع السوري في القانون الحالي الصادر من أكثر من نصف قرن.
الفقرة الثالثة من المادة ( 84 ) من المشروع، إذا كان أحد الزوجين أجنبياً لا يجوز تثبيت الزواج إلا بعد موافقة دوائر الأمن العام... ولو كان هناك ولد أو حمل ظاهر، وهذه المادة تطلق يد الأجهزة الأمنية في التدخل في أخص خصوصيات المواطن، خاصة إذا علمنا أن شريحة كبيرة من أبناء الشعب الكردي في سوريا، هم ( أجانب ) قانوناً نتيجة الإحصاء الاستثنائي في محافظة الحسكة عام 1962 والذي جرد بموجبه عشرات المواطنين الكرد من جنسيتهم السورية.
ويزداد المخاوف مع وجود المادة ( 85 ) من المشروع التي اعتبرت الزواج الذي يجري خارج المحكمة باطلاً ولا يترتب عليه الآثار القانونية إضافة إلى معاقبة الزوجين والولي والشهود ومنظم العقد بالحبس شهراً كاملاً، وهذه المواد أيضاً لا وجود لأمثالها في قانون الأحوال الشخصية الحالي.
وفي المادة ( 109 ) من المشروع، لم تعطي المرأة حق طلب التفريق، حيث نصت على أن: ( القاضي لا يحكم بالتفريق بعد الدخول )، وهو نفس النهج الذي سار عليه القانون الحالي بالنسبة لهذا الموضوع في المادة ( 85 ).
وجاءت المادة ( 130 )، من المشروع، لتؤكد من جديد نية واضعي المشروع لجعل المرأة في سلم أدنى من الرجل عندما قيد حقها في السفر والتنقل وجعلها تابعة للرجل ووضع مصيرها بيد القاضي.
وفي هذا أيضاً تكريس لمبدأ عدم المساواة وتمييز صارخ على أساس الجنس، وهو نفس ما نصت عليه المادة ( 148 ) من قانون الأحوال الشخصية الحالي.
أما المادة ( 143 ) من المشروع، والتي تنص على أن حق الزوجة في النفقة تسقط إذا عملت خارج المنزل دون أذن زوجها الصريح أو الضمني، فهي أيضاً مجحفة بحق المرأة وخاصة الموظفة الملزمة بالعمل خارج المنزل، وهي أيضاً نفس الرؤية في قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المادة ( 73 ).
الفقرة الخامسة من المادة ( 165 ) من المشروع، التي تنص على أن الأحكام التي تصدر بإجماع القضاة الثلاثة برئاسة مستشار تكون مبرمة، مجحفة بحق المواطن وتصادر حقه الدستوري في التقاضي وسلوك طرق الطعن.
إذ أنه من الممكن أن تخطيء المحكمة ولو كانت مؤلفة من ثلاثة قضاة ولا يصح أن نتذرع بالعجلة لنضيع حقوق جوهرية وفي قضايا حساسة، وهذه المادة أيضاً مستحدثة ولا وجود لمثيل لها في قانون الأحوال الشخصية الحالي.
أما المادة ( 180 ) من المشروع، والتي تقول: ( إذا طلق الرجل زوجته وتبين للقاضي أن الزوج متعسف في طلاقها دون ما سبب معقول وأن الزوجة سيصيبها بذلك بؤس وفاقة جاز للقاضي أن يحكم لها على مطلقها بحسب حالة ودرجة تعسفه بتعويض لا يتجاوز مبلغ نفقة سنة لأمثالها فوق نفقة العدة، ومتعة الطلاق ).
أن هذه المادة اشترطت للحكم بتعويض الطلاق التعسفي وقوع الزوجة في بؤس وفاقة وهذا من الصعب إثباته أمام المحاكم، لأن الزوجة إذا كانت تعمل أو ساعدها أهلها، فإن ذلك يعني إنها لم تقع في البؤس والفاقة وبالتالي عدم استفادتها من التعويض، كما اشترط القانون أن لا يتجاوز مقدار التعويض مبلغ نفقة سنة لأمثالها فوق نفقة العدة...
أي أن المشروع الجديد خفض مقدار التعويض المنصوص عليه في القانون الحالي، الذي يستطيع القاضي أن يحكم به مهما كان الضرر بالغاً، ولم يمنع كما في المادة ( 117 ) من القانون الحالي التعسف في الطلاق، وهذا المبلغ المتواضع من التعويض غير كاف بكل تأكيد لجبر الضرر المادي الذي يقع على المرأة جراء طلاق التعسف.
وتضمن مشروع القانون الجديد مواد صارخة في انتهاك حقوق المرأة ولم تعد تتناسب مطلقاً مع متطلبات هذا العصر، وخاصة المواد من ( 215 – 221 ) من الفصل المتعلق بالتفريق للعان وكذلك المواد من ( 222 – 226 ) من الفصل المتعلق بالتفريق للإيلاء والمواد من ( 227 – 229 ) من الفصل المتعلق بالتفريق للظهار ، وهذه المواد غير موجودة بالأصل في القانون الحالي للأحوال الشخصية.
وفي المادة ( 230 ) من المشروع، تعود اللجنة من جديد لتكرس التفرقة الدينية والمذهبية وتنتقص من أهلية المرأة وعقلها وكرامتها عندما تجعل فسخ زواجها بيد القاضي، وهو أيضاً نفس النهج الذي صار عليه القانون الحالي.
أما المادة ( 234 ) من المشروع، ففيها أيضاً تمييز صارخ بحق المرأة وعدم المساواة بينها وبين الرجل، حيث نصت على أن: ( ردة الزوجة وحدها لا توجب فسخ الزواج )، وهو أيضاً نفس النهج الذي صار عليه القانون الحالي.
أما الفقرة الأولى من المادة ( 240 ) من المشروع، فإنها أيضاً مجحفة بحق المرأة المطلقة، إذ إنها لا تستطيع الامتناع عن العودة إلى مطلقها أثناء فترة العدة ويستطيع الرجل ( الزوج ) مراجعتها ولو كان بدون رضاها. وهو أيضاً نفس النهج الذي سار عليه قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المادة ( 118 ).
أما المادة ( 250 ) من المشروع، عدة المطلقة رجعياً إذا توفى زوجها خلال عدة الطلاق تنتقل إلى عدة الوفاة وهي أربعة أشهر قمرية وعشرة أيام من وفاته ولا يحسب ما مضى قبل ذلك.
أن في هذا إضرار كبير بالمرأة المطلقة وإطالة لأمد العدة وبالتالي تمييز بحقها دون مبرر قانوني أو شرعي وهو أيضاً نفس النهج الذي سار عليه المشرع السوري في القانون الحالي للأحوال الشخصية في المادة ( 127 ).
وفي المادتان ( 293 و 294 ) من المشروع، يقتصر الحق في حضانة طفل المسلم على الأم المسلمة وينزع الطفل من أمه غير المسلمة فور بلوغه الرابعة من العمر، وفي هذه المادة أيضاً تمييز بين الأديان وفيه أيضاً انتهاك لحق الطفل ومصلحته الفضلى.
وفي المادة ( 295 ) من المشروع، تسقط حضانة الأم أو غيرها من الحاضنات إذا تزوجت بزوج غير محرم للصغير...، وهذه المادة تتعارض مع حق المرأة الحاضنة في ممارسة إرادتها وحريتها في اختيار شريك حياتها. وهو أيضاً نفس النهج الذي سار عليه قانون الأحوال الشخصية الحالي في الفقرة الثانية من المادة ( 138 ).
أما المادة ( 315 ) من المشروع، تنتهي مدة الحضانة بإكمال الغلام الثالثة عشرة من عمرة وللبنت الخامسة عشرة من عمرها، وفضلاً عن أن هذه المادة تمثل تمييزاً بين المرأة والرجل، فإنها قد لا تحقق مصلحة المحضون وكان الأجدى باللجنة الموقرة واستناداً إلى الأسس التربوية والنفسية بخصوص دور المرأة في تربية الأطفال، أن تعمد إلى رفع سن الحضانة لكلا الجنسين وأن يكون للمحضون حق الاختيار في الإقامة مع من يشاء من والديه. وهذا أيضاً نفس النهج في قانون الأحوال الشخصية الحالي في المادة ( 138 ).
المادة ( 320 ) من المشروع، ليس للأم أن تسافر بولدها في أثناء الزوجية إلا بإذن أبيه، أي أن الأم الحاضنة لا تستطيع أثناء قيام الزوجية السفر بالمحضون إلا بإذن أبيه، في حين أن الأب ( الزوج ) يستطيع السفر بالأبناء دون أن يكون للزوجة ( الأم ) أي دور أو علم بذلك. وهذا أيضاً نفس النهج الذي سار عليه قانون الأحوال الشخصية الحالي في المادة ( 148 ).
المادة ( 325 ) من المشروع، تتعارض جملة وتفصيلاً مع حرية الاعتقاد الديني، وهي أيضاً لم تشذ عن روح وجوهر قانون الأحوال الشخصية المعمول به.
وفي المادة ( 609 ) من المشروع، في ميراث ذوي الأرحام مطلقاً للذكر مثل حظ الأنثيين، أي أن اللجنة واضعة المشروع، ميزت بين الرجل والمرأة، ولا يخفى أن هذه النصوص كانت ولا زالت أهم آليات العنف ضد المرأة، وهو نفس ما نصت عليه المادة ( 297 ) من قانون الأحوال الشخصية الحالي.
وفي المادة ( 630 ) من المشروع، هناك أيضاً تمييز صارخ بين الإسلام والأديان الأخرى، حيث أن لا يجوز إثبات الزوجية إلا بالوثيقة أو الإقرار القضائي، أما إذا كان الزوج مسلماً جاز إثبات الزواج بشتى وسائل الإثبات الشرعية.
وأخيراً، فأن القانون الحالي كان ينص على أنه يطبق بالنسبة للطوائف المسيحية واليهودية ما لدى كل طائفة من أحكام تشريعية دينية تتعلق بالخطبة وشروط الزواج وعقده والمتابعة والنفقة الزوجية ونفقة الصغير وبطلان الزواج وحله وانفكاك رباطه وفي البائنة والحضانة...، إلا أن المشروع الجديد بخلاف الواقع والمنطق السليم وإمعاناً منه في التمييز بين الأديان تضمن أحكاماً خاصة بالطوائف المسيحية واليهودية، متجاهلاً التشريعات القائمة الخاصة بهذه الطوائف، في الوقت الذي كان يفترض أن يصدر ومنذ زمن قانون مدني يشمل جميع المواطنين السوريين.
مقارنة مواد المشروع الجديد مع الدستور السوري:
يتعارض المشروع الجديد مع الدستور السوري لعام 1973 في العديد من مواده وأحكامه ومنطلقاته الأساسية، ومن أهمها:
الفقرة الرابعة من المنطلقات الرئيسية والتي تنص على:
( الحرية حق مقدس والديمقراطية الشعبية هي الصيغة المثالية التي تكفل للمواطن ممارسة حريته التي تجعل منه إنساناً كريماً , قادراً على العطاء والبناء، قادراً على الدفاع عن الوطن الذي يعيش فيه، قادراً على التضحية في سبيل الأمة التي ينتمي إليها، وحرية الوطن لا يصونها إلا المواطنون الأحرار ولا تكتمل حرية المواطن إلا بتحرره الاقتصادي والاجتماعي ).
المادة ( 12 ) التي تنص على أنه:
( تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع الاشتراكي ).
المادة ( 25 ) التي تنص على أن:
(1 – الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم. 2 – سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة. 3 – المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات. 4 – تكفل الدولة تكافؤ الفرص بين المواطنين ).
المادة ( 26 ) التي تنص على أنه:
(لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وينظم القانون ذلك )
الفقرة الرابعة من المادة ( 28 ) التي تنص على أن:
( حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون ).
المادة ( 33 ) التي تنص الفقرة الثانية منه على أن:
( لكل مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة إلا إذا منع من ذلك بحكم قضائي أو تنفيذاً لقوانين الصحة والسلامة العامة ).
الفقرة الأولى من المادة ( 35 ) التي تنص على أن:
( حرية الاعتقاد مصونة وتحترم الدولة جميع الأديان ).
الفقرة الأولى من المادة ( 36 ) التي تنص على أن:
( العمل حق لكل مواطن وواجب عليه وتعمل الدولة على توفيره لجميع المواطنين ).
المادة ( 45 ) التي تنص على أن:
( تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي ).
مقارنة مشروع القانون الجديد مع الاتفاقيات والمواثيق والقوانين واللوائح والعهود الدولية:
يتعارض مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد مع جميع الاتفاقيات والمواثيق والعهود واللوائح الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتي وقعت عليها سوريا والتزمت بتطبيقها.
فهو يتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار ( 217 ) ألف ( د – 3 ) والمؤرخ في 10 / 12 / 1948 فقد جاء في نص المادة ( 1 ) من هذا الإعلان ما يلي:
( يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء ).
أما المادة الثانية من هذا الإعلان فقد نصت على أن:
( لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع
آخر.
وفضلاً عن ذلك لا يجوز التمييز على أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان
مستقلاً أو موضوعاً تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو خاضعاً لأي قيد آخر على سيادته ).
وفي المادة ( 7 ) من هذا الإعلان:
( الناس جميعاً سواء أما القانون، وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز
ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز ).
أما الفقرة الثانية من المادة ( 13 ) من هذا الإعلان فنص على أنه:
( لكل فرد حق مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إليه ).
وفي المادة ( 16 ) من هذا الإعلان جاء ما يلي:
( 1- للرجل والمرأة، متى أدركا سن البلوغ، حق التزوج وتأسيس أسرة، دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين. وهما متساويان
في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله.
2 – لا يعقد الزواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاء كاملاً لا إكراه فيه.
3 – الأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة ).
أما إعلان وبرنامج عمل فيينا الصادر عن المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان المعقود في العاصمة النمساوية ( فيينا )، فقد أكد على أن: ( حقوق الإنسان للمرأة وللطفلة هي جزء غير قابل للتصرف من حقوق الإنسان العالمية وجزء لا يتجزأ من هذه الحقوق ولا ينفصل عنها. وإن مشاركة المرأة مشاركة كاملة وعلي قدم المساواة في الحياة السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية علي الصعيد
الوطني والإقليمي والدولي، واستئصال جميع أشكال التمييز على أساس الجنس، هما من أهداف المجتمع الدولي ذات الأولوية ).
كما أنه طالب حكومات جميع دول العالم العمل على:
( اتخاذ جميع التدابير المناسبة امتثالاً لالتزاماتها الدولية ومع المراعاة الواجبة للنظم القانونية السائدة في كل منها وذلك لمواجهة التعصب القائم على أساس الدين أو المعتقد وما يتصل به من عنف، بما في ذلك ممارسات التمييز ضد المرأة...).
وجاء في نص قرار لجنة حقوق الإنسان رقم ( 2000 / 33 ) بصدد تنفيذ إعلان القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز المرتكبين ضد الأقليات الدينية، بما في ذلك الأخذ بتشريعات تقييدية وتطبيق التدابير التشريعية والتدابير الأخرى تطبيقاً تعسفياً، أن على حكومات
دول العالم أن:
( تتخذ طبقاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، جميع التدابير اللازمة لمكافحة الكراهية والتعصب وأعمال العنف والترهيب والإكراه بدافع من التعصب القائم على الدين أو المعتقد، مع مراعاة الأقليات الدينية بوجه خاص، وأن تولي أيضاً اهتماماً خاصاً للممارسات التي تنتهك
حقوق الإنسان للمرأة والتي تنطوي على تمييز ضد المرأة ).
وقد نصت أهداف التنمية للألفية التي وقعت عليها سوريا، على أنه:
( يجب عدم حرمان أي فرد أو أمة من فرصة الاستفادة من التنمية. ويجب ضمان المساواة في الحقوق وتكافؤ الفرص للرجل والمرأة ).
ولذلك يجب العمل على:
( تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة باعتبارهما وسيلتين فعالتين لمكافحة الفقر والجوع والمرض، ولحفز التنمية المستدامة فعلاً ). وجاء في التقرير الوطني الثاني لأهداف التنمية للألفية في سوريا، أن من العوامل المساعدة لتحقيق أهداف التنمية للألفية، ما يلي:
( ...- إصدار مجموعة من القوانين والمراسيم التشريعية الخاصة بتحسين أوضاع المرأة والأسرة...).
وأن الأهداف الإستراتيجية لتحقيق ذلك، هو العمل من أجل:
( تطوير القوانين والتشريعات انسجاماً مع اتفاقية عدم التحيز ضد المرأة وإصدار قانون مدني للأسرة يضمن حقوق أفرادها ويكرس المساواة الفعلية بين المرأة والرجل ويوفر الحماية للنساء من العنف ويساهم بالقضاء على العادات والتقاليد التي تعيق مساهمتها في بناء مجتمع
متحرر عصري وديمقراطي ومكافحة جميع أشكال العنف ضد المرأة وتنفيذ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ).
أما إعلان بكين لعام 1995 فقد أكد على التزام الدول العمل على:
( تساوي النساء والرجال في الحقوق والكرامة الإنسانية المتأصلة، وسائر المقاصد والمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وغير ذلك من الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، ولا سيما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل، فضلاً عن إعلان القضاء على العنف ضد المرأة، وإعلان الحق في التنمية، وضمان الإعمال الكامل لحقوق الإنسان للمرأة والطفلة باعتبارها جزءاً لا يقبل التصرف أو التجزئة أو الفصل عن جميع حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وأن حقوق المرأة هو جزء من حقوق الإنسان، وأن المساواة في الحقوق، والفرص، والوصول إلى الموارد، وتقاسم الرجل والمرأة المسئوليات عن الأسرة
بالتساوي، والشراكة المنسجمة بينهما أمور حاسمة لرفاهيتهما ورفاهية أسرتهما وكذلك لتدعيم الديمقراطية...).
وجاء في نص الفقرة الثانية من المادة ( 2 ) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ما يلي: ( تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بأن تضمن جعل ممارسة الحقوق المنصوص عليها في هذا العهد بريئة من أي تمييز بسبب العرق، أو
اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسياً أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب ).
وجاء في المادة ( 3 ) من هذا العهد الدولي، على أن:
( تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد مساواة الذكور والإناث في حق التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها في هذا العهد ). وقد عبرت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تعليقها على التقرير الدوري الثالث المقدم من قبل سوريا فيما يتعلق بإعمالها لالتزاماتها بموجب العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، عن:
( قلقها إزاء استمرار التمييز ضد المرأة في مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع السوري، وهو ما ينعكس بصفة خاصة في المشاركة المحدودة للمرأة في عملية اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية، وفي تدني السن القانونية لزواج الفتيات...).
وفي المادة ( 3 ) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، جاء ما يلي:
( تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بكفالة تساوي الرجال والنساء في حق التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في
هذا العهد ).
أما الفقرة الثانية من المادة ( 12 ) من هذا العهد فقد جاء فيها، ما يلي:
( لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده ).
أما الفقرات ( 2 و 3 و 4 ) من المادة ( 23 ) من هذا العهد، فقد جاء فيها:
( 2 – يكون للرجل والمرأة، ابتداء من بلوغ سن الزواج، حق معترف به في التزوج وتأسيس أسرة.
3 – لا ينعقد أي زواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاء كاملاً لا إكراه فيه.
4 – تتخذ الدول الأطراف في هذا العهد التدابير المناسبة لكفالة تساوي حقوق الزوجين وواجباتهما لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله. وفي حالة الانحلال يتوجب اتخاذ تدابير لكفالة الحماية الضرورية للأولاد في حالة وجودهم ).
وفي المادة ( 26 ) من هذا العهد، جاء ما يلي:
( أن الناس جميعا سواء أمام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحق متساو في التمتع بحمايته. وفي هذا الصدد يجب أن يحظر القانون أي تمييز وأن يكفل لجميع الأشخاص على السواء حماية فعالة من التمييز لأي سبب، كالعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيا
أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب ).
وقد جاء في اتفاقية حقوق الطفل الصادر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ( 44 / 25 ) تاريخ 20 / 11 / 1989 ما يلي: ( 1- تحترم الدول الأطراف الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية وتضمنها لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من أنواع التمييز، بغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي أو غيره أو أصلهم
القومي أو الأثني أو الاجتماعي، أو ثروتهم، أو عجزهم، أو مولدهم، أو أي وضع آخر.
2- تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتكفل للطفل الحماية من جميع أشكال التمييز أو العقاب القائمة على أساس مركز والدي
الطفل أو الأوصياء القانونيين عليه أو أعضاء الأسرة، أو أنشطتهم أو آرائهم المعبر عنها أو معتقدهم ).
وفي الفقرة الأولى من المادة ( 18 ) من هذه الاتفاقية، جاء ما يلي:
( تبذل الدول الأطراف قصارى جهدها لضمان الاعتراف بالمبدأ القائل إن كلا الوالدين يتحملان مسؤوليات مشتركة عن تربية الطفل ونموه. وتقع علي عاتق الوالدين أو الأوصياء القانونيين، حسب الحالة، المسؤولية الأولي عن تربية الطفل ونموه. وتكون مصالح الطفل الفضلى موضع اهتمامهم الأساسي ).
وجاء في المبدأ الأول من إعلان حقوق الطفل الصادر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 1386 ( د – 14 ) تاريخ 20 / 11 /
1959 ما يلي:
( يجب أن يتمتع الطفل بجميع الحقوق المقررة في هذا الإعلان. ولكل طفل بلا استثناء أن يتمتع بهذه الحقوق دون أي تفريق أو تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة أو النسب أو أي
وضع آخر يكون له أو لأسرته ).
وجاء في المادة ( 16 ) من اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، ما يلي:
( 1- تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية،
وبوجه خاص تضمن، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة:
( أ ) نفس الحق في عقد الزواج.
( ب ) نفس الحق في حرية اختيار الزوج، وفي عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل.
( ج ) نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه.
( ح ) نفس الحقوق والمسؤوليات بوصفهما أبوين، بغض النظر عن حالتهما الزوجية، في الأمور المتعلقة بأطفالهما وفي جميع الأحوال، يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول.
( ه ) نفس الحقوق في أن تقرر، بحرية وبإدراك للنتائج، عدد أطفالها والفاصل بين الطفل والذي يليه، وفي الحصول على المعلومات والتثقيف والوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة هذه الحقوق.
( د ) نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم، أو ما شابه ذلك من الأعراف، حين توجد
هذه المفاهيم في التشريع الوطني، وفي جميع الأحوال يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول.
( ز ) نفس الحقوق الشخصية للزوج والزوجة، بما في ذلك الحق في اختيار أسم الأسرة والمهنة ونوع العمل.
( ح ) نفس الحقوق لكلا الزوجين فيما يتعلق بملكية وحيازة الممتلكات والإشراف عليها وإدارتها والتمتع بها والتصرف فيها، سواء بلا مقابل أو مقابل عوض.
2- لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي اثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية، بما في ذلك التشريعي منها، لتحديد سن أدنى
للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمر إلزامياً ).
وماذا بعد:
إذا كان مشروع القانون الجديد الذي أعدته اللجنة المكلفة من قبل رئيس مجلس الوزراء، يأتي في السياق العام للقوانين والتشريعات السورية التي تكرس العنف والتمييز بحق أفراد المجتمع السوري بشكل عام والمرأة والطفل بشكل خاص، فأنه أيضاً يأتي بعكس تطورات الحياة الاجتماعية وبالضد من إرادة التغيير الذي كان ينشده أبناء هذا المجتمع ولا ينسجم أبداً مع المكانة التي وصلت إليها وطموحها في تحقيق المساواة القانونية والفعلية مع الرجل في الحقوق والواجبات في جميع مجالات الحياة. وهو فضلاً عن ذلك، يدق المسمار الأخير في نعش الوحدة الوطنية وعملية التنمية واستقرار الأسرة وبناء المجتمع المدني القائم على أسس المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين بغض النظر عن عرقهم وجنسهم ودينهم...، كما أنه يهدم قاعدة شرعية القوانين والتشريعات ودستوريتها لتعارضه مع المواد التي أتينا على ذكرها من الدستور السوري وكذلك مع الاتفاقيات والمواثيق والعهود الدولية التي وقع عليها سوريا والتزمت بتطبيقها
وبتطوير قوانينها وتشريعاتها الوطنية لتنسجم معها.
وانطلاقا من ذلك لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يصبح هذا المشروع قانوناً، فهو مشروع ظلامي بامتياز، يريد تفتيت المجتمع السوري ورهن مشيئة وإرادة وحقوق بناته وأبنائه بأحكام مستمدة من عصور الجاهلية ووأد البنات...، وأن تعديل القوانين والتشريعات السورية وبشكل خاص قانون الأحوال الشخصية هو ضرورة موضوعية واجتماعية...، نظراً للتطورات الكبيرة التي شملت مختلف مجالات
الحياة منذ نصف قرن من الزمن وحتى الآن، وانطلاقاً مع القاعدة الشرعية التي تقول:
( لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان )
ولكن التغيير المنشود لا يكون بالحنين إلى الماضي وتقمص أحكامه وتطبيق مفاهيمه وأفكاره...، على الوقائع الاجتماعية الجديدة، لأن مسيرة تطور المجتمعات البشرية لا يمكن إيقافها، ومن لا يجاريه لن يكون مصيره إلا التراجع والتقهقر إلى الوراء وفي النهاية الهلاك والزوال. إذاً ومن أجل مواكبة التطورات الحاصلة في كافة مستويات الحياة الاجتماعية في سوريا، لا بد من إجراء دراسة شاملة لقانون الأحوال الشخصية الحالي من قبل لجان متخصصة تضم كافة فعاليات المجتمع السوري وقواه الوطنية والديمقراطية ومنظمات حقوق الإنسان المجتمع المدني...، وتحديد الأفكار والمفاهيم والرؤى البالية التي لم تعد تنسجم مع هذا الواقع وتشكل تمييزاً بين أفراده وانتهاكاً لحقوقهم وحرياتهم الأساسية، تمهيداً للانتقال إلى إعداد مشروع قانون عصري للأحوال الشخصية يعتمد على تطورات الحياة الاجتماعية ويبني على أسس المواطنة الحقة بين المواطنين السوريين جميعاً دون تمييز، قانون يراعي استقرار العلاقات الأسرية ومصلحة الأطفال ويكرس مفهوم الشراكة بمعناها الحقيقي والفعلي بين الرجل والمرأة.
* - المحامي مصطفى أوسو رئيس مجلس أمناء المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا ( DAD )
* - الدراسة منشورة ضمن العدد ( 1 و 2 ) ربيع وصيف 2009 من مجلة ( زمين ) الفصلية التي تصدرها المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا ( DAD )