وداد بنموسى في : زوبعة في جسد
الإربعاء 28 تشرين الأوّل / أكتوبر 2009, 13:58
كورداونلاين
البحث عن الزوابع في جسد ديوان :" زوبعة في جسد "
للشاعرة المبدعة الأستاذة : وداد بنموسى
البحث عن الزوابع في جسد ديوان :" زوبعة في جسد "
للشاعرة المبدعة الأستاذة : وداد بنمو
وداد بنموسى
الشعر أوسع رصيف لأي رسو في مدن الكلام، مهما كانت خالية من أي حب ...
وداد بنموسى ...عرافة تقرأ بتلقائيتها الشعرية أسرار الكون ... تستنسخ من الكلمات العاشقة قمرا ينير عتمة التيه ، ونجوما مرشدة في عز الضياع والاغتراب ...تعد بحق من الشاعرات القليلات اللواتي تبوأن مكانة بارزة في مجال الكتابة الإبداعية ، حيث تمكنت بجرأتها أن تثبت ذاتها وتؤكد صوتها الشعري بين ملائكة جنة القول الشعري ... الجميل ...
" زوبعة في جسد " ... ديوان صادر عن منشورات مرسم في طبعته الأولى 2008 ، طبعة جد أنيقة... يضم بين طياته 56 قصيدة تتوزع بين طويلة ( أأكون) ، ومتوسطة ( سيرة مختصرة للحنين )، وقصيرة ( نساء ) ، وقصيرة جدا ( قرار ) أو ( طاعة ) .
" زوبعة في جسد " ...مجموعة تتوزع بين رفض للخنوع والخضوع لنزوات الآخر مهما هوت عليها الصواعق ... رفض للحياة مهما كانت فارغة لا معنى لها ، في غياب الحب والحنان ... رفض للهزيمة أمام جبروته...
وليس لي أن أتفرغ لجنونك هذا الصباح...
.................................................
وليس لي نية أن أباغتك بقبلة أخرى...
.................................................
ولست مجبرة أن أغير تسريحة شعري ...
...................................................
وليست المصابيح التي أطفأناها أمس كي
نندس في كلانا إلا إعلانا عن خجل كاذب
....................................................
ولست أحبك حين تخرج قلقك من جيب
سترتك الجلدية ..........................
...............................................
وليس لديك علي سلطان ...............
...............................................
ولست أحتمي بك مني ، بل أحتمي بي منك
لأنك الطوفان ...................................
قصيدة :" ليس " ص : 43 – 44 - 45
و توسلات ترسلها عبر الآهات الحارقة من فرط اشتعال الذات بلوعة الفراق ...
لا تتركني بعدك في الشقاء الأعنف
خذني فيك
نجري سويا تحت مياه الأبد
ونطفئ معا
فتيل آخر نبضة من قصيدة :" توسل " ص : 40
تكشف من خلالها عن المجاهل المتخفية من الجسد بنوع من الاحتشاد ، كي تلهب لذة الآخر ... فالزوبعة هي القاسم المشترك بين كل القصائد ، كتعبير عن الانكسار النفسي والجسدي معا .
لماذا أذل جسدي ؟
ولست به
سوى واجفة
تنأى وتبتهل
في براري الرغبة ؟
قصيدة " لماذا ؟ " ص : 20
صفير الرغبة يعلو
هسيس اللذة جسور
قصيدة " لقطة " ص : 2
دلالة العنوان : ...
" زوبعة في جسد " ... يحمل دلالات عميقة وسيميائية خاصة ، حيث يتخفى خلف هذا الجسد المتأرجح والمحترق حسا أنثويا رقيقا ، يمتع حرارة وحرقة .
" زوبعة في جسد " ... يفيض بالجمال الجسدي والروحي للشاعرة ، في عز الزوبعة مهما كانت عاتية
الإهداء ...
في الصفحة الأولى : - ...تعبير صريح بالتشبث بالآخر ، بنبل وطهارة وصدق ... كلمات عاشقة ... إلى من يهمه الأمر ...
عشقت ... قبلك ... شمس ... وضوحك.
كلمات قد تبلغ أهدافها ... فالعشق : هو الهيام ...هو الحب عن اقتناع ... وقبلك هي اختيار للآخر بمحض إرادة ...والشمس هي إشراقة الحياة ... هي النور الذي يصبو إليه المرء لينير به درب حياته ... والوضوح هو الصفاء ، هو الوفاء ...إنها كلمات أربع ، تختزل كل معاني الحياة .
في الصفحة الثانية :- ... تطلب من كل مكونات الكون أن تشاركها حرقتها وزوبعتها وألمها ...أو تطلب منها أن تكون شاهدة على احتراقها حيث اعتبرت نفسها عائدة من الموت لتتجاسر على الحياة ... لتذهب في الحزن إلى أبعد نقطة من التحدي ، مهما كان الفراق والهجر مؤلما وصادما ... لترمي بهما في سلة النسيان ... وتستمر الحياة بعشق الكلمة ...
على العائدة من موتها أن تتجاسر على الحياة
على الورد أن يصغي لألمي
على تلك السنديانة أن تنطق بأسرار عذاباتي
على الحائر أن يتعثر في حيرته
على الهدهد الخائب أن يغادر نافذتي
........................................................
وعلي
أن أفاخر بكوني ذهبت أبعد في الحزن
لم يجنحني سوى النسيان ... ص : 7
الأنا حاضر وبقوة في جل القصائد ، وتتجلى في صيغة المتكلم ، ليس من باب الأنانية أو النرجسية ، لكن كتعبير عن حرقة الذات ...
عشرون عاما وأنا أتهيأ لهكذا ضياع
أرهف السمع لخطواتك على السلم
وأتوسل الليل أن يأتي باكرا
من " سيرة مختصرة " ص : 15
توسل محمود حتى وإن طال عليه الزمن ... عشرون عاما ... من الانتظار ..انتظار عودة الآخر ... أرهف السمع لخطواتك على السلم ... وأتوسل الليل أن يأتي باكرا ...لأن الطيور تعود إلى أوكارها عند كل غروب مهما ابتعدت عنها ... فهل يعود الآخر ، هو الآخر ..؟ .
تحس في بعض اللحظات أنها تمتلك العالم بسمائه ...بشمسه ... بحبها للآخر ... خاصة عندما تشعر بأنه يبادلها نفس الإحساس .
أحس العالم لي وحدي
وأنا ألمس أهداب شمسك
وأنا ألهو قليلا بأعشاب القمر
وأنا
أغير إيقاع الحياة
بهدأتك
من قصيدة " أعرف " ص : 77
يصاب الإنسان بخيبة أمل عندما يستيقظ من حلم جميل ، ليجد نفسه وحيدا بين الفلواة ... يعيش الغربة والانمحاء المفتعل، فيفقد كل الرغبات ...
نمت بجوارك كي أصير غيمة
....................................
....................................
كأي أتصدع باللمس
كي يرممني الهمس
كأنك تركتني هاهنا في الصحراء
أحرس قبلاتك الصغيرة في الهواء
وانمحيت
من قصيدة :" خيبة " ص : 50
تستلقي على سرير الدهشة مهما كان أحمرا من فرط الاشتعال ، كي تستريح من تعب الأسئلة الحمقاء ، التي تؤرق الذات العاشقة ، تجنبا لأي تبعثر في الحياة مهما شاخت ...فالحب الصادق لا يشيخ ...
لا تنام أفكاري وأنا بجوارك
أبقى يقضى
أدور في رحى السؤال :
كيف .....................؟
كيف .....................؟
كيف .....................؟
كيف لا تشيخ قناديل الشهوة
وكيف تسير الحياة تحتها
في اتجاه ليل أزرق
يتعرى
على سرير أحمر ؟
مني يتعب السؤال
ولا أتعب ...
من قصيدة :" بجوارك " ص : 63
تكتب بأسلوب شعري يتجاوز حدود الممكن للغوص في أغوار اللاممكن متى كان متاحا ، لتجاور بين الواقع والخيال بفنية شعرية عالية ، وبنوع من التماهي بينها وبين الآخر حتى في بعده وهجره ... حتى في عز التشظي ...
الهواء ، أتنفسه وإياك
يعبر رئتي خفيفا
ويترك فيهما خبب الحياة
كم هو لذيذ هواؤنا الواحد
وكم هي رائقة
الحياة
التي في الرئتين
قصيدة " قبلة " ص : 22
تتوحد القصائد في قدرتها على ترجمة الانشطار ، والعشق ، بصدق مشاعر البوح الأنثوي ، تبحث من خلالها عن العواطف الجياشة الفائرة في أعماق الوجدان ، متجاوزة وبجرأة كل الحواجز ، لتعلن عن مشاعرها وعواطفها ورغبتها في تحقيق الإشباع الشعري ، ولإثبات الإخلاص والوفاء للآخر ، مهما كان جاحدا ...
لأجلك ...
أنزل إلى قعر نفسي
أجمع المحار والأصداف
وحبات الرمل
والحصوات الزرق، وقطر الورد
واللازورد :
أريد أن أزين في حضرتك
سقف أنوثتي .
قصيدة " رغبة " ص : 59
تقيس حرارة احتراقها على سلم العشق ، حين تتفجر براكين الرغبة ، في انتظار بطل الأحلام ، ولو عبر رسالة أو رنة هاتف ...
لا رسائل بيننا ...
لا هتاف
فقط
هذه الأحراش من اللهفة
وهذا العرق اليتصبب
في مستهل الفجاءة
قصيدة " سلم العشق " ص : 31
قد يكون ليوم السبت دلالة خاصة في ذاكرة الشاعرة ، مهما كان ندير شؤم ، لما وقعت به من أحداث دامية عبر أزمنة وأمكنة متباينة ...وهذا السبت الإستثنائي ينضاف إلى تلك السبوتات ، حيث يتبدى في المكان ومؤثثاته ...
سفن كسولة تتثاءب
ومراكب يتكئ عليها الوقت
من قصيدة :" سبت " ص: 38
من فرط الضجر والكسل ... الميناء هو الآخر تخاله الشاعرة ماكرا وخائنا ... كالآخر ...
ونحن نحترق في وداعنا
بينما ذات الوقت يتفرج
وقحا
في جلسته على منصة اللؤم ...
( القصيدة ذاتها )
تكالب الزمن هو الآخر ، يزيد من غصة المرارة ولوعة الفراق ، خاصة فراق الحبيب ...
تحفر للآخر بين نهديها ميناء لرسوه المحتمل ، أو نهرا يسبح مع تياره كي يوصله إلى أعماقها (روعة التصوير )، حيث ينبوع الحب متفجر ...تعلق آمالها على جدع الوقت في انتظار عودة الآخر ...
هنا قلت له :
ثم وضعت يدي على مفرق بين ثذيي
حفرت لك نهرا
..أما النوارس فخفقي
.............................................
على جدع هذا المساء
سأعلق عمري
في انتظار أن تعود
من قصيدة " هذه القصيدة " ص : 34 – 35
قصيدة :" الزوبعة في جسد " ... بيت القصيد ... تشير الشاعرة إلى الهيام المذمر للذات ... ذات الشاعرة ... بنوع من التجريد المطلق ، مقتبسة لذة الألم من معاناة :- ميخائيل نعيمة : ... " جذور اللذة في الألم ، وجذور الألم في اللذة " ... لذة لا تحسها إلا الشاعرة، لكن في حضرة الشعر الذي تسمع من خلاله للآخر صرخات القلب في غياهب الصمم ...
بعد حين سيشتعل حقل الألم
ستشب الأسئلة
ويضج القلب بالصرخات
.................................
وأقول :
لم تتعب وردة الروح
من دوخة الجروح
ولم تهزمني الزوبعة
التي
في الجسد .
من قصيدة :" الزوبعة في الجسد " ص : 26
الأبواب بابان : باب القلب ، وباب الروح...تفتح الشاعرة باب روحها للآخر في انتظار ضمة حنان أو قبلة حب تنعش قلبها المتهالك من فرط الألم ، ألم الافتقاد ...
ضمني إليك قبل بزوغ الألم
بعد حين سيشيخ العشب في قلبي
وتأخذني الريح
في مهب افتقادك
وبعد حين
ستوصد روحي بابها العليا
وسأظل أفكر
من أية غابة
سيدخلني الموت
من قصيدة :" ضمني " ص : 42
تعيش الشاعرة ألف حياة بانفعالاتها خلال لحظة كتابة قصيدة أو حتى بيت شعر ، مكسرة حدود الزمان والمكان ، لتقدمها قربانا لذاك الراسخ في الذاكرة المحترقة ...فهل من مجيب ...؟
أهديك الغصن في الوريد
اللوعة في بحة النشيد
القبلات
أشد اتساعا
أهديك عمر من الصفح
أعمارا من الدنو
حقولا من الألغاز
غابة من الدلالات
وأنت ؟
أين هي يدك ؟
أريد يدك...
من قصيدة:" هدايا " ص : 71
جميل أن يكون الإنسان متسامحا ، لكن ليس دائما ، ولا يجب أن يكون على حساب كرامته ...
اللغة : ...
لغة شاعرية بامتياز ...لغةعاطفية رومانسية ، ذات إيقاع سلس وعذب ، غنية ترميزا وكناية ، نابعة من المشاعر الصادقة ، حتى وإن كانت تغلب عليها السوداوية من فرط الهجر ، حيث وظفت مفردات شتى ، تعبيرا عن الانفصال والفراق الجسدي ... إلا أن التمازج والتجانس الروحي والوجداني حاضر في قوة الإيحاء والتجريد ...لغة شعرية قادرة على اختراق عقل وقلب الآخر مهما امتنع أو تمنع ...
عموما ... فقصائد الديوان تنبض بالحياة والحيوية ... بينها تتربص الشاعرة المتألقة ...وداد بنموسى ... لأن الشعر رفيق حياتها ، ويختزل كل وجودها ووجدانها ، في تجلياتها الإبداعية المختلفة ... تخضع قصائدها لثلاثية :- الزمان ... الخيال ... الكلمة ... ثلاثية متأصلة في كينونتها الشعرية .
لا تتوقف عند دلالتها اللفظية الظاهرة ، وإنما تتجاوزها إلى ما هو أعمق ، إلى الدواخل ... إلى الخفي والمتخفي من المشاعر الصادقة ، مهما حاولت مداراتها ، فالكلمات تفضحها ...فهي تفصح ولا تضمر عبر بوحها الأنثوي ... تجاهر وتصارح الآخر برقة مشاعرها ورهافة حسها بحبها الصافي والصادق ، عله يدرك أو يتدارك قيمة ذاك الحب العذري الذي امتلك وتملك كل المشاعر والجوارح...
ولوداد أقول صادقا :- من اشتراك كسب الرهان ... ومن باعك جنى الحسرة والهوان ...فطوبى لعذاراك ، فمهما لفتها الأحزان ، تستبذلين الأنين بعذب الكلام وأجمل الألحان ......... دمت مبدعة متألقة ........
محمد الكلاف
كاتب- ناقد وقاص
طنجة – المغرب
Mohammed_gu@hotmail.fr