أوجلان: إن لم تقبل باتخاذ الأكراد مخاطباً فذلك يعني أنك تريد الحرب
الإثنين 27 تمّوز / يوليو 2009, 02:28
كورداونلاين
أنا لو أردت لاستطعت حتى تحقيق الدولة المستقلة ، ولكن ذلك سيكون سبباً في موت مليونين أو ربما أكثر من الناس ، فالاشتباك والعنف والموت ليست منطقي
لن تحل هذه القضية ما لم تحترموا قيمنا الإنسانية
الوضع الراهن أسوأ بكثير مما كان عليه في الحرب العالمية الأولى ، والحرب العالمية الثانية . حيث نعيش نتائج أمور معقدة جداً فيما يسمى بالحرب العالمية الثالثة .
الديموقراطيون المحافظون والديموقراطيون الليبراليون قليلون إلى درجة العدم ، وضعفاء ، أما الذين سيحققون الحل ويعززون مساره فهم الديموقراطيون الجذريون أصلاً . هؤلاء يتحدثون عن الدستور ، فهل هم يعرفون الديموقراطية ؟ فطريق وضع الدستور الجديد يمر عبر الذهنية الديموقراطية . يتحدثون ويقولون الدستور ...الدستور ، ولكنهم يفتقرون إلى الذهنية الديموقراطية ، فليقوموا بما يتطلبه حزب السقف( الحزب الجامع لكل التيارات الديموقراطية تحت سقفه) .
في الإعلام يتم تفعيل موضوع المخاطب ، أنا لست شغوفاً باتخاذي مخاطباً ، وليس لدي هم من ذلك القبيل . إنني أعمل من أجل إنجار خريطة الطريق التي يتحدث الإعلام عنها كثيراً والتي سأعلنها في الخامس عشر من آب ، وقد بدأت بالكتابة ، وسيمضي أسبوعان أو ثلاثة على هذا المنوال . سمعت من الراديو أن جريدة "الصباح" كتبت اليوم ، ولا أعلم من أين يأتون به ، فقد بدأت بالكتابة حديثاً . وللحقيقة ليس لما كتبوه أية علاقة بما أكتب ، إنهم يقذفون ، فكيف يكتبون وأنا لم أقل شيئاً بعد في هذا الموضوع ؟ . ولكن لدي ما أقوله ، فإن لم يتطور الحل سياسياً فإن الشريحة العسكرية ستأخذ المبادرة ، فإن لم يأت الحل سيتقوى الجناح العسكري كثيراً ، وستكون نتائج ذلك أفظع مما نتوقعه جميعاً ولهذا أطالب بالحل، فأوجدوا حلاً كيفما تشاؤون، وخذوا من تريدونه مخاطباً. ولكن علينا أن نكون جادين .
الكل يطالب باستمرار أجواء عدم الاشتباك ، وللحقيقة هذا هو ما أقوم به هنا منذ أحد عشر عاماً ، بل أقوم به منذ أيام "أوزال" بمفردي . أفعل ذلك بناءاً على مناشداتهم ، فقد ناشد "أوزال" عبر الطالباني ، وفي البداية قلت للطالباني مستغرباً : ماذا تقول ؟ !! ، وفيما بعد جاءت مناشدة "أرباكان" من خلال رئيس الدولة السورية ، ثم مناشدة العسكر من خلال "بروكسل" ، وأخيراً جاءت مناشدات من هنا أيضاً . ومثلما تتابعون السيد أردوغان والسيد غول يوجهان المناشدات والرجاءات ولو بشكل غير مباشر عن طريق الإعلام ، وأنا أستجيب لهؤلاء . في عصر العثمانيين كان الباشوات يستمعون من خلف الستار ، فإذا كان الحل آتياً فنحن نقبل بذلك أيضاً ، وأنتم استمعوا إلى ما نقوله . لتقولوا ؛ أنتم قلتم هذا ، فقوموا بالدفاع عما قلتموه ، فعليكم أن تكونوا جريئين حسب متطلبات السياسة الديموقراطية ، والذين لايريدون الحل هم الذين يريدون رحيل أردوغان وغول .
إذا لم تُحل هذه القضية قد تظهر مجموعات مختلفة ، وتأخذ المبادرة ، فأنا هنا لست في وضع القادر على منع كل شيء ، فإن تصاعدت الحرب لن يكون لدي الكثير مما أقوله ، لأنهم سيقولون " الحياة حياتنا" ، وهم المقيمون في الجبال ، ولن أستطيع قول شيء بهذا الصدد ، فذلك هو قرارهم ، بل حينها لن يستمعوا إليّ ، وأنا لاأقول هذا الكلام كتهديد فظ . فقد بات الجميع يدرك بأن القضية لن تحل بالعنف .
إذا كنتم أصحاب أخلاق سياسية أعملوا ما تقولونه وامتلكوا الجرأة ، إنكم تتحدثون عن الديموقراطية ، وتتحدثون عن الدستور ، فكيف تعيشون مع دستور لا تؤمنون به ولا ترونه سليماً ؟ تعلمون أن الدستور قانون مقدس ، فكيف تطبقون قانوناً لا تؤمنون بصحته ؟ لا تؤمن بدستورك ثم تمارس السياسة ، فهل للأخلاق متسع لهذا ؟ إن هذا عمل لاأخلاقي ، وحرام . فهو حرام ديناً ، وحرام سياسياً . فإذا كنتم لا تؤمنون بدستوركم وتعتقدون أن فيه خطأ ، فعليكم أن لا تناموا ليلاً ولا نهاراً لتعملوا من أجل تصحيحه . والذين لا يفعلون ذلك هم أولاد حرام ، فإذا كنتم أصحاب أخلاق لن تقبلوا بمثل هذا الأمر ، وقد رأى "أرتوغرول أوزكوك" بأنني عرفت هذا الأمر وحللت شفرة تركيا ، فتطرق إليه في مقالته . فهناك من حوله أربعون أو خمسون شخصاً على الأقل وله علاقاته بهم ، وهم يعرفون بأنني حللت هذا الأمر . لماذا حللت ؟ حللته بتجربتي ومما عشته . فقد قمت بما يلزم بمفردي . حتى أنهم قالوا بأنني "استسلمت وكذا....وكذا" . إن ضميري وعقلي لايسمحان بالاشتباك وموت الناس . يقولون لي : استسلِم ! وتخلى عن شخصيتك ، وعش بلا كرامة !! وأخرج من إنسانيتك . أنا لا أقبل بذلك إطلاقاً . ألست إنساناً ؟ فالناس يوضعون هنا ، فإذا لم أكن إنساناً لماذا جلبتموني إلى هنا ، ولماذا وضعتموني هنا ، ولماذا تدعوني أعيش ؟ وإذا لم نقم بحل هذه المسألة فيما بيننا ، فإن قوى مختلفة سترغب في التدخل .
يقال بأن تكون التركية اللغة الأم ، فلتكن . فبالنسبة لي الفيدرالية وحتى الكونفيدرالية ليست مهمة كثيراً ، فأنا أجعل من الشخص وحريته أساساً .
هناك قول تعرفونه ؛ "الحيوانات تتفاهم مع بعضها بالشم والناس تتفاهم مع بعضها بالحديث"(قول شعبي تركي) ، تقول بأنني سأحلها ، فكيف ستحلها ؟ ومع من ستحلها وكيف ؟ . إنني أنادي السيد أردوغان : تقول ليكن كل شيء لنا ، فليكن لكم ولكنك مرغم على احترام قيمنا الإنسانية . فإن لم تحترموا قيمنا الإنسانية فهذه القضية لن تُحل . يمكن تأسيس لجنة الرجال العقلاء ، لأذهب وأروي لهذه اللجنة أفكاري وكيفية الحل ، وأشرح لهم مكاسب الحل وأضراره ، فإن لم تقبل باتخاذ الأكراد مخاطباً فذلك يعني ؛ "أنك تريد الحرب وتريد الاشتباك" وأنا لست مسؤولاً عن ذلك .
إذا كنتم صادقين فالحل سيتطور بسرعة ، وإذا نظرتم إلى مثال "فرانكو" في اسبانيا ، فقد رحل فرانكو في عام 1975 وفي عام 1978 كانوا قد قاموا بحل كل شيء خلال ثلاث سنوات . يجب عليك أن تحل هذه الأمور بسرعة ، ماذا فعلتم خلال خمس وعشرين سنة ؟ بل هناك ما سبق ذلك أيضاً . يقولون لي ؛ يجب أن يستمر وضع عدم الاشتباك . إذا كان ذلك يجلب فائدة فليستمر ، وليقوموا بمتطلبات السياسة الديموقراطية . أما أنا فأقوم بهذا منذ عشر سنوات ، ولكن النقطة التي تم الوصول إليها حتى اليوم ، هي أنهم يفسرون الأمر بالضعف ، لقد فهموها ضعفاً وأموراً أخرى من قبل ، ولكنها لم تجلب أية فائدة ، فهذه المسألة هي مسألة أخلاق . فالناس هم الذين ماتوا في مرحلة إيقاف الاشتباك هذه ، ولا زالوا يموتون ، فإذا كان الناس يموتون فذلك يعني أنه لا جدوى من ذلك ، فهدفي الأساسي من ذلك هو عدم موت الناس . يقال أن تكون اللغة التركية اللغة الرسمية ، فهذه أمور بسيطة ، وأنا لا أنشغل بمثل هذه الأمور، ولكن لتكن حريتنا لنا ، ولتكن لنا حريتنا الإنسانية وميداناً لحياتنا ، وهذا أمر لابد منه ، فعندما يولد طفل تكون له لغته الأم ، وهو يستخدم تلك اللغة ، وعليك أن تهيء مجال استخدام تلك اللغة وميداناً لحياته الحرة .
مفهومي للدولة ليس المفهوم الشرقي للدولة ، بينما مفهوم دولة الأمة الغربي قوموي فاشي ، فعندما يكونوا قومويين لامفر من أن يكونوا فاشيين أيضاً ، كما لا أفكر بما يتوافق مع فكر الأوروبيين نحو البلدان النامية ، فهم منفعيون فاشيون ، واليوم نرى نتائج مفهومهم للدولة القومية بشكل مكشوف في أفغانستان وباكستان وإيران والعراق . إنهم يحاولون الاستمرار في وجودهم من خلال الحرب والاشتباكات . بينما أنا أدافع عن مفهوم يتخذ من حرية الإنسان أساساً له ، وأفكر بشكل يختلف عنهم .
الأوروبيون يحمون أنفسهم بقوميتهم ، فكيف ظهرت القومية في أوروبا ؟ وانتشرت عدواها من أوروبا إلى تركيا ، فحتى بالقوموية لا تستطيع تركيا حماية نفسها ، فكما ترون إنهم عاجزون اليوم عن حماية الأتراك في القوقاز وروسيا والبلقان والشرق الأوسط . وها أنتم ترون في الصين . لقد حاول أردوغان البروز في "دافوس" ، فأظهروه بطلاً ، وهو لا يدرك ما هو الأمر وكيف يكون ، ولم يفهمه ، ولا يستطيع احتساب متى سيتواجه مع نتائجه ، ولكن هؤلاء سيثأرون بعد ثلاث أو خمس سنوات وسيحاسبون دون أن يشعر بهم أحد ، حتى أنه لن يدرك ذلك . تعلمون بأحداث السادس والسابع من أيلول التي جرت في عهد "مندريس" ، وأُعدم "مندريس" نتيجة لها ، ولكنه لم يفهمها ، أي حتى أنه لم يفهم سبب إعدامه ولماذا . وهم سيسألون أردوغان عن حساب "دافوس" ، ولكنه لن يدركه أيضاً ، إن الحل الوحيد لكل ذلك هو السياسة الديموقراطية .
لقد أخذ حزب العدالة والتنمية AKP أفكارنا واستخدمها ، وأسس مئات الأكاديميات والمراكز في أربع سنوات . بدون وجود نظريات السياسة الديموقراطية لن تستطيعوا ممارسة السياسة الديموقراطية ، فعلى رغم تأسيسهم لكل هذه الأكاديميات لا يستطيع أردوغان فهم السياسة الديموقراطية ولا استيعابها . فهو يقول : أنا أفهمها كمشاعر !! . ولكن هذا الأمر لايمكن أن يسير بالمشاعر وما شابهها ، عليك أن تقوم بمتطلباته بالعقل والمنطق . يبدو الآن أن "أحمد داووداوغلو" قد فهم هذا الأمر بعض الشيء ، هو فاهم ، إنه متابع لي ، فهو قد تلقى الثقافة الديموقراطية المعاصرة من الأوروبيين . لقد قرأت كتابه بعنوان "العمق الاستراتيجي" في الأيام الماضية . المثقفون الأتراك متأثرون بالمفهوم الأوروبي لدولة الأمة ، وهم مرغمون على ذلك ، والحقيقة ليست أمامهم فرصة أخرى لأنهم متأثرون بهم ، ولكنهم عاجزون اليوم عن حماية التركياتية بها في العالم ، فهناك أتراك في العالم بما يناهز خمسة أو ستة أضعاف ما في تركيا ، وهم يتعرضون للتهديد ويحتاجون للحماية .
إنني أقدِّر مصطفى كمال بأحد جوانبه ، فقد كان متأثراً بعض الشيء من الفرنسيين في جمهوريتهم الثالثة ، وبدأ بتطبيق هذا الفكر في تركيا ، وحقق نجاحاً نسبياً لأنه كان يفهم السياسة الديموقراطية ، وأنا لست في وارد مقارنة نفسي بأحد ، فأنا قمت بتحليل المسار على مدى الخمسة عشر ألف سنة الأخيرة ، فهناك نتيجة سوسيولوجية للأحداث ، وقد شرحتها بشكل موسع في مرافعاتي ، ويجب على المتنورين النظر إلى الموضوع من هذا الجانب . ما نريد القيام به اليوم هو إحياء روح عقد العشرينيات من القرن الماضي . وأقول للمثقفين بأن يكون حذرين فإن تركيا ستتطور أكثر من عشرينيات القرن الماضي .
يُبين "أرتوغرول أوزكوك"(رئيس تحرير جريدة حريَت) في زاويته في الأسبوع الماضي بأنه "استخدم من أجلي مصطلحات إرهابي ، ورأس الإرهاب وما شابهها ، ولكن هذا غير صحيح في يومنا ، ويجب أن تكون اللغة المستخدمة أكثر مرونة ". نعم ، أنا أيضاً لست الأنا السابق ، وجريدة "حريَّت" ليست "حريَّت" السابقة ، و"حريَّت" السابقة لن تستطيع الاستمرار بعد هذه الساعة ، وستتغيَّر أكثر ، فالماضي بقي للماضي ، والدولة لن تكون كما كانت . فأنا أيضاً كنت أعتقد بأن بعض الأمور ستتحقق بتأثير الاشتراكية المشيدة ، واليوم ترون وضع روسيا والقوقاز في الميدان ، وإشتراكية الصين لا تقوم سوى بخدمة الولايات المتحدة ، وأنا لو أردت لاستطعت حتى تحقيق الدولة المستقلة ، ولكن ذلك سيكون سبباً في موت مليونين أو ربما أكثر من الناس ، فالاشتباك والعنف والموت ليست منطقي . لهذا السبب تخليت عن هذه الأمور ، وأجعل من السياسة الديموقراطية والحرية أساساً لي ، إنني ديموقراطي جذري .
أبعث بتحياتي إلى الرفاق في السجون ، فأنا أستلم منهم رسائل جيدة تتضمن كتابات متعمقة وجميلة . فليستمروا في كتاباتهم وليتثقفوا أكثر ، سأدلي في المستقبل بتوضيحات تتعلق بموضوع البلديات ، والبلديات الديموقراطية .
طابت أيامكم . وتحياتي للجميع .
24 تمــــــــــــــوز 2009