ماذا تعني سيطرة الأكراد على بلدية ايغدير
الخميس 02 نيسان / أبريل 2009, 13:34
كورداونلاين

لم يظهر أردوغان محبطاً كما هو عليه منذ مساء الأحد الماضي. اختفت ابتسامته وخفت صوته وخلا وجهه من تعابير الحدة والحيوية التي اتسم بها في الأسابيع الأخيرة،
على الرغم من فوزه في الانتخابات البلدية وتقدّمه على أقرب منافسيه بست عشرة نقطة، فقد تحول حال حزب العدالة والتنمية، عملاً بالمثل، الى بقرة سقطت فكثر سلاخوها بعدما تراجع حجم التأييد الشعبي له ثماني نقاط من 47 الى 39 نقطة.
وهي المرة الأولى التي تفسح الفرصة لخصوم الحزب لكي ينفذوا منها ويؤسسوا لزعزعة مملكته المتربع على عرشها منذ العام 2002 «السلطان» رجب طيب اردوغان الأول.
لم يظهر أردوغان محبطاً كما هو عليه منذ مساء الأحد الماضي. اختفت ابتسامته وخفت صوته وخلا وجهه من تعابير الحدة والحيوية التي اتسم بها في الأسابيع الأخيرة، وهو يجول في طول البلاد وعرضها، رغم التهديدات وصعوبات المناخ البارد، الذي أودى في الأسبوع الماضي بزعيم حزب الاتحاد الكبير محسن يازجي اوغلو الذي سقطت المروحية التي كانت تقله مع خمسة من مرافقيه في منطقة جبلية بسبب عاصفة ثلجية.
الأرقام التي نشرتها الصحافة التركية تزيد من عمق الإحباط لدى حزب العدالة والتنمية. وفي النسب المئوية تراجع الحزب ثماني نقاط، لكن بلغة الأرقام تبدو الصورة أكثر إحباطاً.
في العام 2007 نال حزب العدالة والتنمية 16 مليوناً و327 الف صوت من اصل 36 مليونا اقترعوا فعليا. وفي انتخابات الأحد الماضي اقترع 40 مليوناً و 825 ألفاً، أي بزيادة اقل من خمسة ملايين بقليل. لكن عدد الأصوات التي نالها حزب العدالة والتنمية بلغت 15 مليوناً و500 الف صوت فقط، أي انه عملياً لم ينل اي صوت من الخمسة ملايين صوت إضافي من اعداد المقترعين. كما تراجعت اصواته اكثر من 800 ألف صوت عما ناله في العام 2007.
وفي المقابل، ارتفعت الأرقام التي نالتها كل الاحزاب الاخرى عما نالته في انتخابات 2007. حزب الشعب الجمهوري العلماني، المنافس الأول لحزب العدالة والتنمية، زادت أصواته بمليونين بالتمام، من سبعة ملايين و300 الف صوت، الى تسعة ملايين و300 الف صوت.
وزادت أصوات حزب الحركة القومية اليميني والثالث في الترتيب العام مليوناً ونصف المليون صوت من خمسة الى ستة ملايين ونصف المليون صوت. وكانت الزيادة الكبرى، كنسبة، لحزب السعادة الإسلامي الذي تضاعفت اصواته من 820 الفا في العام 2007 الى مليونين ومئة الف صوت الاحد الماضي.
وكذلك ارتفعت أصوات حزب المجتمع الديموقراطي الكردي وبلغت مليونين و250 الفا، يوم الاحد الماضي، من دون القدرة على تقدير الزيادة بدقة، لأن نواب الحزب ترشحوا العام 2007 بصفة مستقلين لينجحوا بدخول البرلمان بأكثر من عشرين نائباً.
وفي الخريطة الجغرافية للانتخابات البلدية الاخيرة ترتسم لوحة مثيرة وبعض جزئياتها قد يكون خطيراً. فباستثناء الإسكندرون، فإن جميع البلديات الواقعة على ساحل البحر المتوسط صعوداً الى بحر ايجه، فكل القسم الاوروبي من تركيا يقع في قبضة حزب الشعب الجمهوري الذي يمكن إطلاق صفة «الحزب البحري» عليه.
كما نجح حزب المجتمع الديموقراطي الكردي في تنظيم ما يُسمّى في لعبة كرة القدم بـ«دفاع المنطقة»، وأغلق كامل الجنوب الشرقي من الأناضول، ما عدا ماردين، أمام مهاجمي حزب العدالة والتنمية ليكتمل الشعور بوجود «إقليم» خاص هناك شبيه بوجود «إقليم» كردستان شمال العراق.
وهنا لفت صدور موقف أقل ما يمكن أن يُقال فيه إنه «تخويني» من جانب نائب رئيس الحكومة جميل تشيتشيك عندما حذّر من عواقب «استيلاء» حزب المجتمع الديموقراطي الكردي على بلدية ايغدير المحاذية للحدود مع أرمينيا على الأمن القومي التركي. وقال تشيتشيك «لقد أخذوا ايغدير. أي انهم يتكئون الآن على حدود أرمينيا. حسناً يمكن أن نفرح ونقول أخذنا أنقرة. ويمكن أن يفرح حزب الشعب الجمهوري ويقول أخذنا أزمير. لكن التهنئة لا تساعد من زاوية أمن تركيا في منطقة حدودية. ويجب ان ننظر الى هناك بدقة».
ووجدت كلمات تشيتشيك صدى سلبياً جداً لدى حزب المجتمع الديموقراطي الذي طالب رئيس كتلته النيابية صلاح الدين ديميرطاش تشيتشيك بالاعتذار متــهما اياه بأنه لا يوجد في رأسه سوى ارمينيا الكبــرى وكردستــان الكبرى، فيما وصــف النائب الكردي عثمان اوز تشــيليك تصريحــات تشيتشيك بأنها لا تخدم سوى الذين يريدون تقسيم تركيا، مشيراً إلى أنّ أردوغان نفسه اعترف بفشل سياسته الكردية.
في هذا الوقت تلقت سياسات الحكومة الاقتصادية ضربة كبيرة عندما أعلنت هيئة الإحصاء التركية الرسمية أرقام النمو الاقتصادي للربع الأخير من العام 2008، حيث تراجع النمو الاقتصادي ست نقاط ليبلغ النمو العام عام 2008، 1,1 في المئة فقط ليسجل أكبر تراجع منذ العام 2001 تاريخ اكبر ازمة اقتصادية مرت بها تركيا. كما تراجع متوسط الدخل الفردي السنوي الى حوالى عشرة آلاف دولار. وكانت القطاعات الأكثر تأثراً بالنمو السلبي التجارة والبناء والفنادق والمطاعم.
هل بدأ العد العكسي لسلطة العدالة والتنمية؟ من المبكر الإجابة بنعم. لكن الوضع يجب أن يستدعي القلق البالغ من جانب اردوغان واعادة نظر جذرية بالسياسات المعمول بها حتى الآن ولا سيما على الصعيد الكردي والاقتصادي إذا ما اراد ان يستمر في السلطة ويواصل عملية الإصلاح التي توقفت عملياً منذ أكثر من سنتين، وها هو يدفع ثمن هذا التوقف.
محمد نور الدين
السفير