السبت 08 شباط / فبراير 2025, 07:21
نوري بريمو:هل ستبقى الأفضلية الشطرنجية للأبيض؟




نوري بريمو:هل ستبقى الأفضلية الشطرنجية للأبيض؟
الجمعة 23 كانون الثّاني / يناير 2009, 07:21
كورداونلاين
عالمنا استطاع أن يتطوّر بشكل تدريجي من عهد المشاعة إلى الرق والعبودية فالإقطاع والرأسمالية ومن ثم محاولة السير حالياً صوب دمقرَطة النظام العالمي

هل ستبقى الأفضلية الشطرنجية للأبيض؟!

نوري بريمو

19 ـ 12 ـ 2008م

جريدة الصباح الجديد

في الثمانينات من القرن الماضي عندما تعرّفتُ لأول مرة على لعبة الشطرنج، تبادر إلى مخيلتي تساؤل مشروع: لماذا تُعطى الأفضلية للأبيض في هذه الرياضة التي تتنافس في رقعتها الضيقة بيادق سود وأخرى بيض  لها نفس القوة والدور والحركة والشكل لكنها تختلف عنها من حيث اللون فقط...؟!، وعندما وجدتُ حالي عاجزاً واستسلمتُ ولم أعثر على أي جواب مقنع ويرضي فضولي، حاولتُ مخادعة ذاتي ولم أبذل عناءً في التفكير وقلت بيني وبين نفسي: ما دامت العادة قد جرَتْ منذ الأزمان بأنْ تُعطى الأفضلية للعنصر الأبيض في كل مناحي الحياة، فما المانع فيما إذا تم إفتتاح مباريات الشطرنج بالبيادق البيضاء بدلا من السود ، خاصة وأنه قد تم اختراعها ووضع قواعدها وأصولها على يد البشر الذين يمنحون الأميَزية ـ دون أي وجه حق ـ لآدميين تكتسي جلودهم بشرة بيضاء على أقرانهم الآخرين الذين خلقهم الله بقامات سوداء.

ولما كانت الدنيا دوّارة كما يـُقال، وبما أنها قد شهِدَتْ مع مرور الزمن ثمة تطوّرات تاريخية لا يُستهان بها، حيث ودّعتْ فيها البشرية عصوراً قديمة احتضرت لا بل تقادمتْ بفعل مفاعيل كثيرة أثرَتْ بمتراكمة حراكها التحديثي في محطات مفصلية عديدة على صيرورة التاريخ وأدت فيما أدت إلى فرض حتمية تعاقب العصور التي انقلب فيها الحاضر على الماضي وتراتلتْ وراء بعضها عصرا تلوَ الآخر حتى وصلنا إلى عصرنا الراهن الذي يجمع الناس المتهمين بالشأن على تسميته بعصر العولمة رغم عدم رضى البعض الآخر المتضرّر من أي تحديث قد ينقذ المعمورة من براثن الماضي، وبما أنّ البشر بغالبيتهم يمتازون بطبائع إيجابية تجعلهم يتطلّعون بالفطرة نحو التغيير والتجديد وفي سبيل حياة أفضل.

فإنّ عالمنا استطاع أن يتطوّر بشكل تدريجي من عهد المشاعة إلى الرق والعبودية فالإقطاع والرأسمالية ومن ثم محاولة السير حالياً صوب دمقرَطة النظام العالمي الجديد  الذي يدّعي بأنه يدعم حقوق الإنسان والأمم عبر إنعاش ثورة المعلوماتية القائمة التي بفضلها قد يتحقق الإتيان بالبدائل الأكثر عصرية على أنقاض الأنماط القديمة المبنية على مبررات بالية اعتمدتْ على مسلكية التمييز بين الآدميين على خلفية قومياتهم أو أديانهم أو مذاهبهم أو أجناسهم أو ألوان بشرَتهم.

وفي هذا الإطار التطويري يجري التنافس منذ عقود طوال بين مختلف أطراف وأقطاب الأسرة الدولية، وقد نجح الأوربيين إلى درجة كبيرة وحتى أمد قريب في مسعى التباهي بتجربتهم السياسية كنموذج للدفاع عن الحرية والديمقراطية والتسامح وقبولها للآخر، إلا أن وصول الرئيس أوباما الأسود إلى البيت الأبيض، قد قلب الآية لصالح الأمريكان الذين برهنوا بأنهم يرتادون المكانة الأرفع في مضمار دمقرطة الحياة الداخلية في دولته الاتحادية التي يحق لها التفاخر نظراً لما تم انجازه مؤخراً بفضل وصول الناخب الأمريكي إلى مرحلة لم يجد فيها حرجاً من اختيار رئيس أسمر وهو دليل على مدى تجاوز عقدة التمييز العنصري وانفتاح العقل الأمريكي على تقبل ما لا يمكن التفكير به لدى الآخرين، وقد دحّض فكرة تفوّق أوربا في هذا المجال، خاصة وأنّ الواقع السكاني الحالي للقارة العجوز يُظهِر بأنّ أعداد الأوربيين السود لا تتناسب مع نسبة تمثيلهم السياسي في الحكومات والبرلمانات وحتى في المؤسسات الغير رسمية، ويُحكى بأنه لا تزال هنالك ثمة مطاعم وفنادق أوربية تمتنع بهذا الشكل أو ذاك عن استقبال المواطنين غير البيض!؟.

وبما أنّ السود قد تربعوا على كرسي الرئاسة الذي كان حكراً على البيض في أقوى دولة في العالم منذ تأسيسها، فهل سينعكس ذلك على دول أخرى قد تحذو حذوها لتتغير معها معالم السياسة الدولية في هذا المنحى المعادي للعنصرية أو ذاك، أم أن بوادر التغيير لا تزال حظوظها قليلة وأنّ حبل المظالم التمييزية سيبقى على جرار الأنظمة العنصرية والشوفينية المستبدة...!؟، مثلها في ذلك كمثل لعبة الشطرنج التي يبدو أنّ قواعدها لن تتغير وستبقى الأسبقية في رقعتها للأبيض إلى أبد الآبدين.

352.

مواضيع جديدة في موقعنا الجديد اضغط هنا


ارشيف
ارشيف

صحافة وإعلام و آراء

كتاب الموقع
عبدالغني ع يحيى
العصر الطيني في العراق.
بنكي حاجو
الكذبة الكبرى
ب. ر. المزوري
النقطة
زاكروس عثمان
أحزاب خارج التغطية
إبراهيم اليوسف
النص الفيسبوكي 2.
عبد عبد المجيد
الفسيفساء السورية
أفين إبراهيم
رضاب الفراش
وزنة حامد
قلق الذات