تبدأ حكاية تل حلف مع المنقب الأثري الألماني البارون ماكس فون أوبنهايم عندما أرشده أحدهم إلى موقع تل حلف
تل حلف- تنقيب متجدد ... و اكتشافات أكثر
تقرير: آلان عثمان – عبد الحليم سليمان عبد الحليم
تبدأ حكاية تل حلف مع المنقب الأثري الألماني البارون ماكس فون أوبنهايم عندما أرشده أحدهم إلى موقع تل حلف الأثري، و كان لذلك اللقاء الدور الرئيسي في حياة أوبنهايم حيث أصبحت تل حلف جزءً من حياته لأنه اكتشف حضارة عظيمة و غامضة في بعض جوانبها حتى يومنا هذا.
تل حلف
يقع تل( تل حلف) غرب مدينة رأس العين– سري كانيه- بمسافة 3 كم ، للتل امتداد طولي من الشرق إلى الغرب يقدر بمسافة 500 متر و من الجنوب إلى الشمال إي امتداد عرضي بمسافة 300 متر ، اكتشف التل من قبل أوبنهايم على أنه موقع أثري كبير في عام 1899م و بدأ اوبنهايم التنقيب بشكل رسمي عام 1911 م بعد حصوله على إذن من الحكومة العثمانية، نقل اوبنهايم المكتشفات إلى برلين حيث تم إنشاء متحف تل حلف عام 1930من قبله كما وضعت بعض المكتشفات في قسم الآثار الشرقية القديمة بمتاحف برلين و وضع قسم منها في متحف حلب ، بالنسبة لمتحف تل حلف في برلين فقد تعرض المتحف في عام 1943 للقصف (أثناء الحرب العالمية الثانية) حيث لحق به ضرر كبير ، كما تعرض قسم من الآثار للكسر في موقع تل حلف أثناء النزاع التركي الفرنسي في منطقة الخابور و تعرض قسم آخر من اللوحات الحجرية للكسر على أيدي السكان المحليين بسبب استخدامها في بناء البيوت و أعمال الطحن.
لقاء مع عالم الآثار الألماني لوتس مارتن
في مدينة رأس العين حيث يقيم فريق البعثة الألمانية برئاسة البروفسور لوتس مارتن والذي استقبلنا بحفاوة وتواضع كبيرين في مكتبه و مكان عمله في إحدى منازل المدينة ،و كان لنا هذا اللقاء معه الذي جرى باللغة الإنكليزية ،وهذا نصه:
س- ما أهمية تل حلف كموقع تاريخي؟
ج – يعتبر موقع تل حلف من أهم المواقع الأثرية في سوريا ،و قد أُكتشف التل من قبل المنقب الأثري البارون ماكس فون أوبنهايم الذي قام بثلاث حملات تنقيبية بدأت في عام 1899 و استمرت حتى عام 1929.
س- و ماذا عن بعثتكم الحالية؟
ج- نحن كبعثة من متحف برلين بدأنا في عام 2006 بالتعاون مع هيئة الآثار و المتاحف في دمشق و كذلك جامعتي توبنغين و هاللى.
وحسب الحفريات فإن تل حلف كان عاصمة للآراميين في أواخر الألف الثاني و بدايات الألف الأول قبل الميلاد وفيما بعد في القرنين التاسع والثامن ق.م كان يعرف أيضاً جوزانا( تل حلف) كمقاطعة أشورية ، و كان تل حلف مدينة مهمة في فترة ثقافة حلف في الألفين السادس و الخامس ق.م و كان سكانه من الفلاحين والمزارعين.
س- ما هو سبب هذا الانقطاع الطويل في عدم سكن التل لهذه الفترة الطويلة الممتدة من الألف الخامس و حتى الألف الأول قبل الميلاد؟
ج- حتى الآن لا نعلم السبب الحقيقي لخلو التل بعد الألف الخامس وحتى الألف الأول قبل الميلاد حيث بدأ الآراميون بالسكن فيه.
س - ما أهم المكتشفات الأثرية في تل حلف؟
ج – اكتشف فون أوبنهايم قصر آرامي لـ كابارا و بيت بخياني ومدخل القصر الذي نُقل إلى متحف برلين و صنع على نسقه تماماً مدخل متحف حلب ،كذلك هناك أبنية أخرى مثل قصر المقاطعة في الفترتين الآرامية والآشورية أما في الفترة الرومانية كان تل حلف مدينة مهمة أيضاً و وجدنا لهذه الفترة لوحات فخارية ونقود تعود للعصر الروماني.
و الآن استكملت بعثتنا اكتشاف قصر كابارا الآرامي حيث وجدنا أساس مبنى القصر و كذلك اكتشفنا مبنى ربما يكون لشخص مهم ،وأيضاً وجدنا لوح طيني و هو عبارة عن عقد دين ، واكتشفنا الجزء الجنوبي للقصر و أصبح لدينا الآن قسمين للقصر الشمالي و الجنوبي المكتشف حديثاً.
س – ماذا عن وجهة المكتشفات الأثرية، أين ستوضع؟
ج – معظم اللقى و المكتشفات ستوضع في متحف دير الزور.
س- من يموّل بعثتكم؟
ج- الحكومتان السورية والألمانية
س- لكن من يدعم بعثتكم أكثر ؟
ج – الحكومة الألمانية لأن البعثة الألمانية مقيمة هنا في سوريا
س – ما فائدتكم من هذا العمل؟
ج – بالدرجة الأولى نحن مهتمون بالتاريخ و كذلك نستفيد في البحث العلمي عن العصرين الآرامي والآشوري إلى جانب اكتشاف الماضي
س- حسب خبرتك في التنقيب الأثري للمنطقة ماذا عن آثار الحوريين ـ الميتانيين ؟
ج- في خمسينيات القرن الماضي جاءت بعثات نقبت في تل الفخيرية ( الواقع جنوب المدينة تماماً) وجدت فيها أثاراً تعود للميتانيين في الألف الثاني ق.م لكن ما لم يتأكد تماماً بعد إن كانت تل فخيرية هي واشكاني ( عاصمة الميتانيين)أم لا.
س- كيف تقيم عملك خلال هذه السنة؟
ج – كانت هذه السنة ناجحة لنا كبعثة فقد اكتشفنا لوحات كتابية ، وبناية كبيرة لكن ليست معروفة لمن وأيضاً اكتشفنا القسم الجنوبي لقصر كابارا إلى جانب الكثير من الأبنية الأخرى في التل مما أدى لاكتسابنا معرفة جديدة حول كابارا وكذلك حصلنا على معلومات مهمة عن العصر الحديدي إضافة إلى اكتشاف لوحات مرسومة و أنا سعيد جداً بهذا الإنجاز.
تل حلف - الخلفية تاريخية
ثقافة حلف
تطلق هذه التسمية على المجموعة السكانية التي عاشت في شمال ميزوبوتاميا ( بلاد مابين النهرين) في فترة الألف السادس و الألف الخامس قبل الميلاد، و كانت تعتمد على الزراعة و الصيد و أهم ما يميز هذه الحضارة هو الفخار الذي أُكتُشِف لأول مرة من نوعه في تل حلف و أظهرت الاكتشافات أن الحلفيين عرفوا الصحون و الكؤوس و الأطباق و القدور منذ ثمانية آلاف سنة و يدل هذا على أن الحلفيين عاشوا أسلوب حياة المدن و صنعت تلك الأواني من الطين المغسولة و كانت ذات لون بني فاتح و يعود ذلك إلى خبرة الحلفيين و حرفيتهم في صناعة الفخار الذي صنع بعدة طرق كالحرق و الأكسدة كذلك النقوش المحفورة على تلك الأواني تدل على مدى الدقة و الحرفية،كما أُكتشف تماثيل مصنوعة من الطين لنساء جالسات في وضعية القرفصاء عاريات الصدور.
إن النقوش التي حفرت على الأواني من أشكال هندسية و صور حيوانات و تماثيل لنساء عاريات الصدور تدل على رمزية تلك الأشياء لدى الحلفيين و أنها كانت ذات دلالة كبيرة.
من هم الحلفيون و بأي لغة تكلموا و هل استعملوا الكتابة ؟ هذه الأسئلة و غيرها ما تزال حتى هذا اليوم بلا إجابة و غامضة لعدم وجود كتابات عن الأشياء التي اكتشفت عنهم، لكن الحرفية الكبيرة لدى الحلفيين في أمور الزراعة و صناعة الأواني و التماثيل تدل على أنهم أسلاف عرف عنها حبها للزراعة و الصيد و التفنن في صناعة الأواني و التماثيل.
الآراميون
سكن الآراميون في تل حلف ما بين أواخر الألف الثاني وأوائل الألف الأول قبل الميلاد و قد كانت جوزانا ( تل حلف ) عاصمة إمارة بيت بخياني ، وقد عُرف في تلك الفترة حاكم اسمه كابارا الذي شيد القسم الغربي والذي سمي بقصر المعبد كما كان الحصن يضم قصراً آخراً في قسمه الشمال الشرقي المطل على منحدر وعر ينتهي بمجرى نهر الخابور، و في الجوانب الأخرى حمي التل بسور يحيط بالمدينة منذ العصور القديمة و ثمة سور جداري آخر يفصل الحصن المبني في الجزء الشمالي عن المدينة السفلى الواقعة في منطقة منخفضة، و بلغت مساحة المدينة الخارجية نحو نصف كيلو متر مربع ،وأظهرت المكتشفات أن الحاكم الآرامي أمر بكتابة النقوش بالكتابة المسمارية و استمرت جوزانا عاصمة للآراميين إلى أن وقعت تحت الحكم الآشوري في الفترة912- 891 ق.م.
أما أهم المكتشفات الآرامية فتمثلت بلوحات نُقِشت على الحجارة و تماثيل على شكل أبي الهول و طائر العنقاء و أسود مجنحة.
رغم مرور أكثر من مئة عام على اكتشاف التل أول مرة من قبل أوبنهايم و تجددها عن طريق بعثة البروفسور لوتس مارتن إلا أن عوالم و أثار حضارات التل لم تظهر بشكل تام بعد .