الأحد 09 شباط / فبراير 2025, 06:36
غارة سوريا إعلان زمن المطاردة الساخنة




غارة سوريا إعلان زمن المطاردة الساخنة
الإربعاء 05 تشرين الثّاني / نوفمبر 2008, 06:36
كورداونلاين
“لا شك في أن توقيت شن قوات خاصة أمريكية عملية كوماندوز في الأراضي السورية يبعث على الدهشة،

“لا شك في أن توقيت شن قوات خاصة أمريكية عملية كوماندوز في الأراضي السورية يبعث على الدهشة، وليس مرد الدهشة إشادة مسؤولين أمريكيين في الأشهر القليلة الماضية بسعي سوريا في وقف تسلل المقاتلين عبر حدودها إلى العراق بل إلى حيثيات تسويغ الضربة وتبريرها”.


بهذه الخلاصة تنهي صحيفة “الانترناشيونال هيرالد تربيون” رؤيتها لما جرى في قرية البوكمال السورية، غير أن علامات الاستفهام تبقى قائمة حول الأسباب الحقيقية لما جرى وحتى لو تذرعت الإدارة الأمريكية كالعادة بوجود فلول للقاعدة هناك.


ولعل التساؤل الرئيسي هل ما جرى يتجاوز سوريا إلى غيرها من دول المنطقة والعالم المناوئ للهيمنة الأمريكية؟


ربما تكون الرؤية بالمنظور الأوسع أكثر إفادة في قراءة الحدث وهي قراءة تمتد من افتتاحية “الهيرالد” وتتصل إلى تصريحات وزير الأمن القومي الأمريكي، وبين هذه وتلك تتضح أبعاد واحدة من أحدث الاستراتيجيات الأمريكية التي تدور في سياق ما بات يعرف ب”المطاردة الساخنة” الصنو والمقابل “للضربات الاستباقية” ماذا عن ذلك؟


عند “ايريك شميت، وتوشانكر” من كتّاب “الهيرالد” أن مسؤولين أمريكيين قد أشاروا مؤخرا إلى أن إدارة بوش قد عزمت أمرها على انتهاج سياسة دفاعية لا تتقيد بقيد سيادة دولة أخرى وأنها في سياق هذا المفهوم ماضية في شن هجمات على أهداف عسكرية في دول ذات سيادة وأن العملية الأمريكية في سوريا مثيلة لعملية الإنزال الأمريكي قبل نحو سبعة أسابيع بباكستان.


وبحلول الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري كان وزير الأمن القومي الأمريكي مايكل تشيرتوف بدوره يصرح بأنه يتعين أن يكون لأي بلد الحق في مهاجمة بلد آخر، إذا كان يؤوي تهديدا إرهابيا محتملا. ويكمل في نقاش حول الديمقراطية جرى في البرلمان البريطاني بالقول: إن القانون الدولي ينبغي أن يجيز لأي بلد محاولته لردع تهديد خارجي محتمل حتى وإن كان يعني ذلك اتخاذ خطوات استباقية ليس هذا فحسب إذ يضيف أن هناك أماكن في العالم لا تخضع للحكم أو غير قابلة لأن تخضع للحكم غير أنها تقع ضمن حدود وسيادة دولة ما فهل يعني أن علينا ببساطة أن نسمح للإرهابيين بأن يقيموا عمليات هناك؟


ماذا يعني ما تقدم؟


المعنى والمبنى هو أن واشنطن تؤسس عشية غياب بوش وتواريه لمذهبية جديدة تعرف بالمطاردة أو التعقب الساخن، وهي في ذلك تسعى للاستعانة بالقانون الدولي وخصوصا المادة 51 من شرعة الأمم المتحدة لتبرير عملياتها في سوريا وباكستان على غرار ما فعلت “إسرائيل” للإفراج عن رهائن “إسرائيليين” في أوغندا عام 1976 وما قامت به تركيا لملاحقة “حزب العمال الكردستاني” بشمال العراق، وتنص المادة على حق الأفراد والدول في الدفاع عن النفس وشن هجمات عسكرية في أراضي دول ذات سيادة تخل بواجباتها وأول واجباتها وقف تهديد إرهابيين لمصالح دول أخرى انطلاقا من أراضيها.


على أن هذا الارتكان إلى تلك الشرعة الدولية وبهذه الصورة يعني عودة مقنعة لفكرة الضربات الاستباقية الأمريكية التي أصّل لها الرئيس بوش بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 وعاد للتشديد عليها في خطابه الأخير أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر/أيلول الماضي بقوله “نحن ملزمون الحؤول دون استخدام الإرهابيين أراضينا ومكافحتهم قبل انتقالهم إلى دول أخرى.. نحن ملزمون منع الأنشطة الإرهابية وانتشار تجارة البشر والجريمة المنظمة”.


وبدورنا نتساءل هل من حق كل دولة وأي دولة أن تقرر منفردة الأخطار التي تواجهها من جماعات أو أفراد على أراضي دول أخرى؟ ألا يصبح المشهد وعن حق في هذا الحال عودة ل”شريعة الغاية” حيث الأقوى يتصرف بأقدار ومصائر الأضعف تحت مبررات واهية؟ ثم أليس هذا الخيار هو ضرب بعرض الحائط ومن جديد بأي شكل من أشكال الأممية الدولية الممثلة في مجلس الأمن والذي يجب أن ترجع إليه كل الأطراف الدولية قبل الإقدام على عمليات مسلحة من تلك النوعية؟


ثم هل كانت سوريا تمثل وعن حق تهديداً يستوجب تطبيق آليات “التعقب الساخن”؟ وإن لم تكن فما السبب وراء ما جرى؟


قبل أشهر كان الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات الأمريكية السابق بالعراق يشير إلى أن عدد المقاتلين المتسللين من سوريا إلى العراق انخفض من 120 مقاتلاً في الشهر إلى 20 مقاتلا تشتبه الولايات المتحدة في أن سوريا ترعاهم، كما أكد على أن القوات السورية قد ألقت القبض على عدد من المقاتلين حال نزولهم بمطار دمشق في طريقهم إلى العراق.


وتصريحات بترايوس في حقيقة الأمر ليست جديدة، فالتعاون السوري الأمريكي في مواجهة القاعدة يمتد إلى الحادي عشر من سبتمبر/أيلول وهذا أمر محسوم ايجابيا لصالح دمشق بشهادة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول ومدير الاستخبارات الأمريكية المركزية الأسبق جورج تينت.. أين السبب إذن وراء ما جرى؟ هنا تكثر الروايات وتبدأ مراحل الغموض:


أولاها أن سوريا ليست المستهدف الرئيس وأن إيران هي الهدف الاستراتيجي وما كان في ال”بوكمال” هو تحرك تكتيكي لبث الخوف في طهران، ولإثناء دمشق عن إظهار أي ولاء لتحالفها القائم مع حكومة الملالي حال حدوث القارعة المتمثلة في الضربة “الإسرائيلية”  الأمريكية للبرنامج النووي الإيراني، والذي تشير مصادر عديدة إلى احتمال حدوثه في الفترة الممتدة بين انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد وتسلمه لمقاليد السلطة رسميا في يناير/كانون الثاني المقبل، وهنا يمكن فهم الغارة الأمريكية على سوريا بأنها التفاف على طهران التي يرى البعض أن كافة القرارات والضغوطات الدولية قد فشلت في تركيعها،ولهذا وجهت الضربة لدمشق بوصفها الحلقة المهمة في السلسلة  ما أسماه البعض بالهلال الشيعي  التي تمتد من إيران إلى سوريا ثم حزب الله المثلث المشهور والمعروف برفضه للأطروحات الأمريكية والمشروعات الاستعمارية دون أن يغفل المرء حركات المقاومة الفلسطينية مثل حماس التي تحلق في ذات الفلك.


على أن ثاني القراءات لا يوفر الضغوط الأمريكية “الإسرائيلية” لتقبل دمشق بما ترتئيه تل أبيب بشأن المفاوضات الممتدة للتوصل إلى اتفاق سلام بين البلدين لا سيما وأن الغريب في المشهد أن يسارع رئيس الوزراء “الإسرائيلي” المستقيل ايهود أولمرت إلى طلب تفعيل الوساطة التركية وتسرب استخبارات “إسرائيل” وعن عمد أنباء تتعلق بنوايا الرئيس بشار الأسد التي تصفها بالحقيقة والراغبة في السلام.. فهل ما حدث هو نوع من الطرق على الحديد وهو ساخن أم عودة لمنهجية العصا والجزرة؟


هناك محطتان يبدو التوقف عندهما أمرًا حتميًا قبل الجواب، وكلاهما يتقاطع مع المخطط الأوسع الذي تتعرض له المنطقة والذي لا تزال تراوده أحلام الهيمنة الأوسع أمريكيًا.


الأول هو أن هناك من يود أن يقطع الطريق على أي مسيرة سلمية مع سوريا ولو مؤقتا بزرع العراقيل في الطريق، وليس أدل على صحة ما نقول به من التسريبات التي أشارت إليها شبكة ABC الإخبارية الأمريكية الأيام القليلة من أن إدارة بوش قد رفضت اقتراحا من قائد القيادة الوسطى في القوات الأمريكية الجنرال ديفيد بترايوس لزيارة سوريا ولقاء الرئيس بشار الأسد فيما أشارت مصادر مطلعة في واشنطن إلى أن بترايوس كان ولا يزال يرغب في محاورة سوريا لأنه يعتقد أنه بالإمكان استخدام الدبلوماسية الأمريكية لإحداث شرخ بين طهران ودمشق فيما قال مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون انه “عندما يحين الوقت، علينا أن نذهب إلى سوريا وأن نجري نقاشات مثمرة مع السوريين”.


هل كانت إدارة بوش وما تبقى من فلول المحافظين الجدد في البيت الأبيض والخارجية الأمريكية وراء منع بترايوس من الذهاب ولقاء الأسد؟ وهل كان اللقاء سيبطل الألاعيب والحيل ويكشف الفخاخ المنصوبة لسوريا وإيران وما عداهما في الشرق الأوسط المتألم أبدا المجروح دوما؟


المحطة الثانية التي واكبت الغارة هي العودة للحديث عن برامج سوريا النووية والتي كانت سببا مباشرا في الهجوم “الإسرائيلي” على قرية دير الزور السورية منذ بضعة أشهر، ففي توقيت أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه مشبوه ويحمل بالفعل لا بالقول الكثير من الدلالات كشف مؤخرًا دبلوماسيون في الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن أن النتائج النهائية لفحص العينات التي أخذها مفتشوها من موقع “الكبر” في دير الزور أقنعتها بضرورة الضغط من أجل المزيد من التحقيقات في شأن امتلاك سوريا برنامجا نوويا، فقد قال دبلوماسيون في وكالة الطاقة طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم إن “عينات التربة والهواء التي جمعها المفتشون الدوليون من الموقع الذي قصفته الطائرات “الإسرائيلية” في 6 سبتمبر/أيلول 2007 تؤمن ما يكفي من الأدلة لتبرير مزيد من التفتيش” وأوضحوا أن “التقييم النهائي الذي أنجز قبل أيام أقنع الوكالة بالضغط لمزيد من التحقيقات”.


هل من هواجس يمكن أن تتسرب إلى القارئ وتربط السحب السوداء التي تتراكم فوق سماء دمشق بعضها البعض؟


ليس هذا فقط بل هناك من يود أن تمضي حالة القلق والاضطراب والغموض إلى منتهاها ما يعود بنا إلى فكر “الفوضى الخلاقة” الذي استنته كوندوليزا رايس من قبل، وقد تمثل ذلك في ما نشرته صحيفة “التايمز” البريطانية من وجود تواطؤ سوري بشأن الغارة الأمريكية وأن دمشق رغم إدانتها رسميا للهجوم على البوكمال قد أيدت الغارة سراً، وتستند الصحيفة في هذه التساؤلات إلى تصريحات حصلت عليها الصحيفة من مصادر أمريكية لم يعلن عن هويتها والتي كشفت عن تنسيق مخابراتي سوري أمريكي لتنفيذ العملية، وأن رد الفعل السوري الغاضب حدث لأن الأمر تجاوز “الاعتقال والانتزاع” إلى القتل المباشر.


ويبقى قبل الانصراف التساؤل هل كانت ملامح المشهد الانتخابي الرئاسي الأمريكي بعيدة عما جرى؟ بمعنى هل الغارة جاءت كدعم غير مباشر لجون ماكين في مواجهة باراك أوباما؟


عقب الغارة هلل ماكين للاعتداء واستغله ليشن هجوما على منافسه أوباما قائلا “انه (أي أوباما) لم يكن ليتجرأ على القيام بمثل هذه الغارة لو كان رئيسا”، فيما أشار المتحدث باسم ماكين “مايكل جولدفارب” إلى أن “سوريا دولة راعية للإرهاب وملاذاً للإرهابيين الذين يستهدفون الجنود الأمريكيين في العراق”.


ما الذي أرادته عصبة البيت الأبيض قبل رحيلها من عملية سوريا؟ ربما توريط الإدارة القادمة في مستنقعات جديدة، وحتى تمضي مؤامرة إسقاط سبع دول في خمس سنين التي كشفها من قبل الجنرال ويسلي كلارك. وللعرب والمسلمين يبقى القول إن “العدل حلم الضعفاء لكن القانون يكتبه الأقوياء وغير ذلك هو الادعاء”.

المصدر : دار الخليج

إميل أمين

204.

مواضيع جديدة في موقعنا الجديد اضغط هنا


ارشيف
ارشيف

صحافة وإعلام و آراء

كتاب الموقع
عبدالغني ع يحيى
العصر الطيني في العراق.
بنكي حاجو
الكذبة الكبرى
ب. ر. المزوري
النقطة
زاكروس عثمان
أحزاب خارج التغطية
إبراهيم اليوسف
النص الفيسبوكي 2.
عبد عبد المجيد
الفسيفساء السورية
أفين إبراهيم
رضاب الفراش
وزنة حامد
قلق الذات