الأحد 09 شباط / فبراير 2025, 19:42
الولايات المتحدة وسورية وايران: نزاعات والتقاءات!




الولايات المتحدة وسورية وايران: نزاعات والتقاءات!
الإربعاء 01 تشرين الأوّل / أكتوبر 2008, 19:42
كورداونلاين
كُلُّ الصيد في جوف الفرا، أو كلُّ الأخبار من الولايات المتحدة هذه الأيام. هناك المعركة الانتخابية الرئاسية. وهناك الأزمة المالية الأميركية/ العالمية. وهناك

اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث يحضُرُ معظم رؤساء العالم، وهناك أخيراً في ما يهمنا نحن في المشرق العربي ثلاثة أمور: المماحكات في شأن الاستيطان الإسرائيلي ومصير عملية السلام، وكلام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في اجتماعه مع جمعياتٍ وشخصياتٍ أميركية، واجتماع وزير الخارجية السوري وليد المعلّم مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس. وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل طرح مسألة الاستيطان، وكيف تُهدد عملية السلام، وتجعل من المستحيل قيام الدولة الفلسطينية العتيدة. وفي الاتجاه ذاته تحدث الأمين العام للجامعة العربية. ورايس التي اعتادت على التصريح بأن الاستيطان يعوق عملية السلام، اكتفت هذه المرة باستنكار الإرهاب الذي يُهدد إسرائيل، كما تُهددها تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد! لكن الذي حظي بالاهتمام أو اللااهتمام ان الحكومة الإسرائيلية الحالية ذاهبة خلال شهر، والإدارة الأميركية الحالية ذاهبة خلال ستة أسابيع، والفلسطينيون يتجادلون في ما بينهم في القاهرة في محادثاتٍ تتم للمرة العاشرة من دون أن ينجم عنها شيءٌ مفيدٌ لوحدتهم ومشروعهم! والأوروبيون موزعو الاهتمام بين الاستعصاء الروسي، والنووي الإيراني، والأزمة المالية الأميركية/ العالمية!

الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قال في الأمم المتحدة الكلام المعتاد. أما غير المعتاد فقاله في اجتماعٍ نُظّم له مع جمعياتٍ وشخصياتٍ أميركية، فقد ركَّز على أن الإيرانيين لا يملكون مشاعر عدائية مطلقة ضد الولايات المتحدة ولا الغرب. وانما هم يشعرون أن الإدارة الأميركية تعاديهم دونما داعٍ أو سبب. فقد ساعدوا الولايات المتحدة في أفغانستان ضد "طالبان". كما ساعدوها في العراق ضد صدام حسين، وهي جازتهم بدل مكافأتهم بمحاولة منعهم من إنتاج النووي السلمي، وألحقتهم بالإرهاب الذي ساعدوها ضدّه طوال السنوات الماضية! لذا، فإن على الطرفين أن يستفيدا من أحداث السنوات الماضية، بحيث يمكن العودة الى التواصل مع الإدارة الجديدة إن أظهرت تغييراً في السياسات بعد سنوات الاجتياحات والاضطراب. الذين شهدوا الاجتماع والنقاش انقسموا الى فريقين: فريق يقول إن هذا الكلام ليس فيه جديد ولا تنازُل على رغم تركيزه على "القواسم المشتركة". وفريقٌ يقول بل إن الكلام فيه جديد، ويمكن متابعته في سائر المسائل باستثناء النووي الذي يحسُنُ فيه الاستمرار في آلية الدول الست، والتي استطاعت الاتفاق على رغم الصعوبة الروسية، على تأكيد القرارات الدولية الثلاثة السابقة في شأن العقوبات.

المفاجأة إذاً ما كانت في "إيجابياتٍ" ممكنة بين ايران والولايات المتحدة، وهي إن كانت فلن تحدث أو تنكشف الآن على المسرح الدولي، بل ربما تكون جاريةً في كواليس المرشحين للرئاسة. ولنتذكر كيف حسمت الجمهورية الإسلامية أمرها في مفاوضاتٍ سرية لمصلحة الرئيس الاميركي الاسبق رونالد ريغان ضد سلفه جيمي كارتر في أزمة الرهائن عام 1980. حدثت المفاجأة إذاً في اجتماعٍ آخر: اجتماع رايس بوليد المعلم، حيث نوقشت قضايا لبنان وفلسطين والعراق، والأهم: المفاوضات السورية - الإسرائيلية. وكان اللقاء مفاجئاً لأن الرئيس بوش كان قد شنّ حملةً على سورية وإيران في كلمته الأخيرة أمام الجمعية العامة، قبل يومٍ من الاجتماع بين المعلّم ورايس. والمفاجأة كانت في أن الاجتماع جاء بناءً على طلب من وزير الخارجية السوري، والذي أعلن بعد الاجتماع أنه كان ايجابياً وستكون له متابعة. ولنتذكر أنه طوالَ الجولات الأربع من المحادثات غير المباشرة بين اسرائيل وسورية، كان الأميركيون يعبّرون عن تشككهم، وكان الأتراك ثم الفرنسيون يعلنون أن الأميركيين على اطلاعٍ ومتابعة، كما أن الرئيس السوري قال مرتين على الأقل علناً انه يريد رعايةً أميركيةً للمفاوضات، وان هذا هو شرطه لتحويلها الى محادثاتٍ مباشرة. لذا، فالواضح ان المعلِّم قال لرايس ما سبق أن قاله الرئيس الأسد: الدعوة الى رعايةٍ أميركيةٍ مباشرةٍ لعملية التفاوض. ولا شك في أنه قدم لذلك بما أبدته سورية من تعاون في لبنان والعراق وفلسطين، وما هي مستعدة للقيام به في الشهور والأسابيع المقبلة. كما لا شك في أنه استشهد على تعاونه بالفرنسيين والأتراك، وكان الرئيس الفرنسي قد قال قبلها بيومين إن سورية تتعاون وتُنفّذ التزاماتها في لبنان! وقد قيل إن السيدة رايس اعترفت لسورية ببعض التعاون، واستحثّتها على المزيد منه في لبنان والعراق، لكنها رأت ان الخطوة الحاسمة للانتقال من جانبٍ الى جانبٍ لم تحصُل بعد، وهي تتمثل في تغيير طبيعة العلاقة مع ايران ومع "حزب الله". وهكذا تبلور خط بدأ يتمدد منذ شهورٍ، أو منذ مطالع العام 2008، السوريون يقولون للأميركيين إن المظلة الأميركية ضرورية لتمكينهم من الانتقال المطلوب. والأميركيون يقولون لهم: بل تنتقلون فتحصلون على المظلة، ويرى مراقبون أن الأمر ليس مستعصياً، فالنقلة التدريجية يمكن أن تبدأ بالنقطة الأقل احراجاً: العلاقات مع التنظيمات الفلسطينية المسلحة، وإذا وجد السوريون عندها انفتاحاً أميركياً فيمكن أن يخطوا الخطوة الثانية بالقطع مع "حزب الله"، وقد لا يكون الأمرُ بهذه البساطة، لكن من جهةٍ ثانيةٍ، فإن المفاوضات مع إسرائيل وصلت الى مرحلةٍ صار فيها هذا الشرط هو الحاسم في المتابعة أو الانقطاع. وهذا ما تقوله تسيبي ليفني علناً منذ شهور، وإن قيل إنها أقل ميلاً من أولمرت تجاه المفاوضات مع سورية. وعلى أي حال، فإن هذا الخط لن ينقطع بين الولايات المتحدة وسورية أياً تكن الإدارة الأميركية القادمة. فإن جاء الديموقراطيون فإنهم منفتحون على سورية أصلاً، وإن جاء جون ماكين، فإن الاستراتيجية الجديدة (بعد العام 2005) والقائمة منذ منتصف العام 2006 على خطة بيكر/ هاملتون، ستسير في الخط نفسه الذي بدأته رايس في اجتماعها مع وليد المعلِّم.

أفاد الإيرانيون في الأسابيع الماضية من الأزمة التي انفجرت بين روسيا والغرب. فصاروا أقل حرصاً على إخفاء تصميمهم على متابعة برنامجهم النووي، لكأنما أرادوا تثبيت مقولةٍ أو سقفٍ لن يتخلوا عنه في عهد الإدارة الأميركية الجديدة التي ستكون أقلّ حماسة للحلول العسكرية. لكن ذلك مشروطٌ ببقاء أو صمود التخوم الاستراتيجية التي أقاموها غرب الفرات وشرق سيحون وجيحون. وعلى رغم الدعايات الهائلة لـ "حماس" و "حزب الله" والإنجاز الإيراني من خلالهما، فإن الاختراق الرئيس الذي حققوه كان ولا يزال على الجبهة السورية. والنظام السوري يتزحزح ويتقلب على جحر النار - بحسب تعبير أم كلثوم - منذ خروجه من لبنان على أثر القرار الدولي رقم 1559 واغتيال الرئيس رفيق الحريري. وقد أسهم في اشعال الجبهات في العراق وفلسطين ولبنان، ثم اتجه بعد الغضب الأميركي، والجفاء الأوروبي، ثم العربي، الى تركيا واسرائيل. وبعد جاك شيراك فتح له نيكولا ساركوزي نافذةً أوروبية، وفتح باب المفاوضات غير المباشرة بينه وبين اسرائيل. لكن النظام السوري، وهو يقوم بهذه التقلبات كلها وآخرُها التواصل المُدوّي مع روسيا الغاضبة، أثار قلق طرفين اثنين: العرب الكبار، والإيرانيين. وفي العادة، أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد، كان النظام السوري مستنداً الى التفويض الأميركي، يمسك العصا من الوسط بين العرب وإيران. لكنه منذ مُدّةٍ حدها الظاهر القرار الرقم 1559 فقد التفويض الأميركي، ثم الميزة العربية الوازنة، وهو الآن لا يستطيع الاتكاء طبعاً على الجمهورية الإسلامية لتباعد الأهداف والسياسات، وتصاعد الشكوك، وتبادل الاغتيالات. ولنتذكر أنه في وضعٍ مشابهٍ فإن النظام الليبي سلّم كل أوراقه للولايات المتحدة. وما فعل النظام السوري ذلك لأنه اعتقد أنه يملك أوراقاً عدةً يستطيع من خلالها الحصول على شروطٍ أفضل. والواضح الآن ان أوراق لبنان والعراق وفلسطين ضاعت من يده أو كادت. وبالنسبة الى الغرب ما عاد يملكُ غير ورقتين: احتمال الفوضى والإرهاب في سورية إذا تزعزع النظام، وإمكان التخلي عن الارتباط بإيران وامتداداتها. في الأمر الأول، ما بدا الأميركيون مهتمين، إذ دأبوا منذ سنواتٍ على التشهير بالنظام السوري لحمايته واستخدامه للإرهاب ضد جيرانه، وقالوا أيضاً إنه مطلوبٌ منه تغيير سلوكه أو تصبحُ "الفوضى البناءة" أفضل منه! بيد أنهم هم والإسرائيليون والأتراك والفرنسيون ما استخفوا بالإمكانية الأخيرة التي لا يدري أحدٌ حتى الآن هل يملكها أو يستطيعها: التخلي عن التحالف الاستراتيجي مع ايران!

قد لا يكون من الملائم المبالغة في معنى اجتماع وليد المعلّم بكوندوليزا رايس. لكن من جهةٍ أخرى يقول الرئيس بشار الأسد منذ أكثر من عام: فلتذهب ادارة بوش، ونرى كيف نتدبر الأمر مع الإدارة الجديدة! فلماذا هذه الاستماتة للوصل مع ادارةٍ غاربة؟!

وفي الوقت الذي كان السيد حسن نصرالله الأمين العام لـ "حزب الله" يقول في حديثٍ رمضاني ان كل آفاق التسوية مسدودة، والأميركيون مثل الإسرائيليين لا يريدون السلام ولا العدالة، كان وزير خارجية الرئيس الأسد يجتمع بوزيرة الخارجية الأميركية ليطلب منها رعاية التفاوض مع اسرائيل وليجدد إيمان سورية بالسلام من طريق ذاك التفاوض. فلنردد مع أبي العلاء المعري رحمه الله:

هذا كلامٌ له خبيءٌ/ معناه ليست لنا عقولُ

رضوان السيد* كاتب لبناني

199.

مواضيع جديدة في موقعنا الجديد اضغط هنا


ارشيف
ارشيف

صحافة وإعلام و آراء

كتاب الموقع
عبدالغني ع يحيى
العصر الطيني في العراق.
بنكي حاجو
الكذبة الكبرى
ب. ر. المزوري
النقطة
زاكروس عثمان
أحزاب خارج التغطية
إبراهيم اليوسف
النص الفيسبوكي 2.
عبد عبد المجيد
الفسيفساء السورية
أفين إبراهيم
رضاب الفراش
وزنة حامد
قلق الذات