السبت 21 حزيران / يونيو 2025, 06:20
الشيخ الدكتور محمد معشوق الخزنوي منهجه وفكره




تكبير الحروف : 12 Punto 14 Punto 16 Punto 18 Punto
الشيخ الدكتور محمد معشوق الخزنوي منهجه وفكره
الجمعة 15 آب / أغسطس 2008, 06:20
كورداونلاين
السيرة الذاتية : محمد معشوق ابن الشيخ عزالدين الخزنوي ولد في قرية تل معروف التابعة لمدينة

                          

اعداد لجنة اصدقاء الخزنوي

 

ملاحظة : عند الحديث عن منهج الرجل تكون الصيغة مروية عن الشيخ اقتباسا من كلماته

 

السيرة الذاتية :

 

محمد معشوق ابن الشيخ عزالدين الخزنوي ولد في قرية تل معروف التابعة لمدينة

القامشلي /سوريا / في 25 /1/1958 ميلادية . وهو طبعاً سليل عائلة كردية تعرف

بالخزنوية نسبة إلى الجد الشيخ أحمد الخزنوي الذي كان يمارس دعوته انطلاقاً من

قريته خزنة التي نسب إليها فيما بعد , وهذه العائلة تعتبر من أهم المرجعيات

الدينية إن لم تكن أهمها في المنطقة قاطبة بل امتد نفوذها فيما بعد إلى شتى

البلاد وخاصة تلك التي هاجر إليها الأكراد بما في ذلك أوروبا .

والشيخ أحمد الخزنوي الذي تنتسب هذه العائلة إليه هو فقيه وداعية إسلامي كبير

ومربي مشهود له في المنطقة توفي سنة /1950 ميلادية في تل معروف ودفن فيها ,

المسيرة العلمية :

درس الدكتور محمد معشوق الخزنوي مبادئ العلوم الشرعية على مجموعة من أهل

العلم وفي مقدمتهم والده الشيخ عزالدين الخزنوي رحمه الله تعالى ثم بعد ذلك في

المعهد الشرعي الذي أسسه جده في قرية تل معروف إلى جانب دراسته النظامية في

مدارس الدولة التي نال منهاالإعدادية عام /1974/ميلادية والثانوية العامة

–الفرع الأدبي –عام/1977/ميلادية كما انتسب إلى معهد إسعاف طلاب العلوم

الشرعية بباب الجابية في دمشق والذي كان يعرف آنئذٍ بمعهد الأمينية فقُبل في

السنة الأخيرة لتميُّزه على أقرانه ونال شهادتها عام/1978/ميلادية

بتقدير/ممتاز/ ولذلك رشحته إدارة المعهد لاستكمال دراسته في الجامعة الإسلامية

بالمدينة المنورة حيث حصل منها على درجة الليسانس في الشريعة الإسلامية عام

/1984/ ميلادية وعمل بعدها في مجال الدعوة مدرساً وخطيباً في المساجد والمعاهد

الشرعية في أكثر من منطقة في سوريا ولا زال مستمراً حتى الآن , الأمر الذي أخذ

عليه جل وقته بل أعاقه عن استكمال دراسته العليا حتى استدرك ذلك في وقت متأخر

حيث نال درجة / الماجستير في الدراسات الإسلامية/ عام /2001/ميلادية من كلية

الإمام الأوزاعي بلبنان عن أطروحته / الأمن المعيشي في الإسلام / وكذلك نال

درجة /الدكتوراه أيضاً في الدراسات الإسلامية / من الجامعة الإسلامية بكراتشي

بباكستان عن أطروحته / التقليد وأثره في الفتن المذهبية / .

 

الخبرة العلمية : درّس الشيخ في المعهد الشرعي بتل معروف مدة اثنتي عشرة سنة

بين عامي /1977 و1989/ حيث حصل بينه وبين القائمين على المعهد خلاف في تجديد

منهاج المعهد خصوصا ومسيرة الدعوة عموما وفي مقدمتهم والده الشيخ عزالدين

الخزنوي وذلك بعد أن أغلقت الدولة المعهد مرتين في تلك الفترة بسبب غياب

النظام والمنهاج عن المعهد وتحول الطلبة في بعض الأوقات إلى مجرد جنود

انكشاريين يغيرون على الفلاحين ويضربونهم ويحرقون مزارعهم ويهدمون بيوتهم وفي

أوقات أخرى إلى عمال في مزارع الشيخ أو جامعي الحطب للتكية في مزارع الناس ,

وعلى إثر ذلك غادر الشيخ إلى مدينة إدلب حيث عمل خطيبا ومدرسا في مساجدها

بالإضافة إلى التدريس في الثانوية الشرعية حتى توفي والده عام /1992/ حيث

انتقل إلي القامشلي وعمل من ذاك التاريخ خطيبا في مساجد البلدة وحمل الشيخ هم

التجديد في الخطاب الديني وإصلاح المنظومة المعرفية الإسلامية بمختلف جوانبها

التي تتلخص أهدافها فيما يلي :

· التعريف بالحضارة الإسلامية عبر وسائل الإعلام المختلفة.

· الإسهام في تفعيل الأطراف التي تجمع بين نشاطات تيارات التجديد في

العالم الإسلامي.

· الإسهام في إحياء الاجتهاد الإسلامي وفق قاعدة احترام التعدد، وحرية

الاختيار من الفقه الإسلامي، ونبذ التعصّب والتكفير. من خلال فك الاشتباك بين

العقل والنص عن طريق منح النص ظروفه المكانية والزمانية: كأسباب النزول وأسباب

الورود، وإحياء وسائل العلماء المجتهدين في التعامل مع النص من خلال تخصيص

العام وتقييد المطلق وتأويل الظاهر والتوقف في النص وغيرها من الوسائل التي

تجعل النص نوراً يقتدي به المهتدون وليس غلاً يحول دون ضياء العقل ونوره.

وفتح منجم الفقه الإسلامي بكافة مذاهبه وتياراته التي تمثل أصدق تدوين للعقل

الإسلامي في فترة النهوض الحضاري، والدعوة للاقتباس منه والاستنارة به وفق

احتياجات الأمة.

· إحياء مقاصد الإسلام الكبرى ومنحها دوراً حقيقياً في التشريع، والتي

تزيد على عشرة عناوين: كالتوحيد والعدل والخير والحب والجمال والعفاف والطهارة

والحرية والمساواة والشورى وحسن الخلق.

· فتح الحوار الإسلامي الإسلامي بأطيافه الجديدة من سنة وشيعة وظاهرية

ومؤولة، وصوفية وسلفية، وأصولية وعلمانية، واتجاه إسلامي واتجاه قومي.

· الإهتمام بشكل خاص بإطلاق الحوار الإسلامي العلماني، وفق قاعدة تعزيز

المشترك وتوحيد الجهود في المقاصد المشتركة، وتجلية التسامح الإسلامي. من أجل

بناء أمة لا إكراه في الدين . ومن أجل إنجاز أمة تلتزم طريق { ولا تقولوا لمن

ألقى إليكم السلام لست مؤمناً} ومن أجل المصالحة بين الدين والعقل.

· تصحيح العلاقة مع الله بحيث ترقى إلى رتبة العبادة بالمحبة والشوق ،

· تصحيح الفهم السائد للنبوة بحيث يكون الأنبياء قادة الكفاح الإنساني،

ومدارس للتربية والحكمة، ودراسة نجاحاتهم و إخفاقاتهم على قاعدة السنن الإلهية

في الأرض، والتأكيد على دور الأنبياء في إرشاد الناس إلى السنن الاجتماعية

والسياسية والكونية، ومواجهة الغلو السائد في فهم النبوة والذي يحول دون

التعامل الواقعي لرسالة الأنبياء في الكفاح الإنساني.

· التأكيد على الأخوة الإنسانية، والبحث عن المشترك بين الناس، في مختلف

اتجاهاتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية، وخاصة أبناء الوطن الواحد، على أساس

القاعدة الذهبية: الخلق كلهم عيال الله وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله.

· المساهمة في الحوار والتقارب الإسلامي المسيحي، على أساس كونهما

الديانتين الأعظم في الأرض وانطلاقاً من كون سوريا مركزاً لانطلاق الديانتين .

واستثمار هذا التقارب لمواجهة أخطار العولمة ومطامع الاستكبار العالمي، على

أساس أنهما الديانتان الأعظم في الأرض.

المشاركات:

شارك الدكتور معشوق خلال السنوات العشرالماضية في نشاطات متعددة منها :

· المجلس العالمي للدعوة والإغاثة القاهرة 1995

المجمع الإسلامي

· مؤتمر حوار الديانات الثاني الخرطوم 1995

المجمع الإسلامي

· برنامج تكريم أهل القرآن مكة 1995

المجمع الإسلامي

· مؤتمر أهل البيت المستشارية الإيرانية 1995

المجمع الإسلامي

· ندوة تجديد الفكر الإسلامي بيروت 1996

دعوة خاصة

· مؤتمر القرآن الكريم المستشارية الإيرانية 1996

المجمع الإسلامي

· مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية الرباط 1996

المجمع الإسلامي

· المجلس العالمي للدعوة والإغاثة القاهرة 1997

المجمع الإسلامي

· مؤتمر السيرة النبوية المستشارية الإيرانية 1996

المجمع الإسلامي

· مؤتمر مئوية الإمام الخميني المستشارية الإيرانية1999

دعوة خاصة

· مؤتمر الوحدة الإسلامية بيروت 1999

دعوة خاصة

· مؤتمر تقريب المذاهب الإسلامية حلب2000

دعوة خاصة

· مؤتمر المجلس العالمي للدعوة والإغاثة القاهرة 2001

المجمع الإسلامي

· المنتدى الإسلامي العالمي للحوار القاهرة 2001

دعوة خاصة

· المؤتمر الرابع للشباب الإسلامي الرياض 2002

دعوة خاصة

· مؤتمر إصلاح المناهج بالأزهر القاهرة 2004

دعوة خاصة

· ندوة تجديد الخطاب الديني جامعة دمشق 2004

دعوة خاصة

· مؤتمر الإجتهاد وضوابطه مجمع أبي النور بدمشق 2004

دعوة خاصة

· جلسات لجنة العمل الإسلامي المسيحي دمشق 2003 – 2004

عضو مؤسس

مؤتمر ( دور الأديان في صناعة السلام) في أوسلو في 7/2/2005

1 – وأجرى سماحته عدة لقاءات صحفية وتلفزيونية منها :

2 - لقاءات ومقالات في التجديد نشرت في صحيفة الشرق الأوسط

3 - لقاء مع مجلة / أسود وأبيض /

4 - لقاء مع مجلة / فارس العرب /

5 - لقاءان مع قناة / العالم / وهي قناة إيرانية ناطقة بالعربية

6 - عدة لقاءات في إذاعة القدس الفلسطينية التي تبث من دمشق

7 - لقاء مع التلفزيون السعودي على هامش مؤتمر الشباب الإسلامي بالرياض

8 - لقاء مع قناة / كردستان /

9 - لقاء مع قناة / كرد سات / .

الانتماء : لا ينتمي الدكتور الخزنوي سياسيا إلى أية جماعة أو حزب عربي أو

كردي معترف به أو محظور وإن كان في الجملة مهتما بالقضايا السياسية للمجتمع

الذي كان يعيش فيه كجزء من مصداقيته في رسالته الدينية وترسيخ خطابه الإسلامي

, أما من الناحية الدينية فهو لا ينتمي إلى أية جماعة أو مذهب أو طريقة دينية

, فالتيار الإسلامي في سوريا تماما مثل أي بلد إسلامي آخر يضم تيارا محافظا

وتيارا إصلاحيا فهناك محافظون يتحلقون حول رجال الدين ويدورون في فلكهم

ويرونهم الناطقين الرسميين باسم الله والنبي والدين كما أن هناك إصلاحيين يرون

الإنسان قادرا على عبادة الله وإدراك شريعته والمساهمة في بناء الوطن من دون

أن ينتظم تقليديا في حلقة من حلقات المشايخ أو ينضم إلي تنظيم من التنظيمات

الدينية التي هي في الغالب تخدم المصالح الضيقة للنخبة من رجال الدين , هذا

وبالرغم من أن الدكتور معشوق الخزنوي يحظى بنفوذ كبير بين الوسط المثقف في

المنطقة إلا أن علاقته معهم ليست هي علاقة مريد وشيخ بل علاقة أخ بأخ بينهما

احترام متبادل لأنه تخرج من المدارس التقليدية والمحافظة ودرس في المدارس

الشرعية الضيقة الأفق وذاق حلوها ومرها ولكنه بعد تخرجه واختلاطه بالناس

واحتكاكه بمشاكلهم وهمومهم علم أن التيار التقليدي الذي تنتمي عائلته إليه

والذي يطلب منه أن يكون أحد رموزه والدعاة إليه هو تيار ضيق الأفق وغير قادر

على إنتاج ما يبني الحياة ويبرء الذمة اتجاه الله وعباده من خلال إظهار

الإسلام بالمظهر اللائق به وبيان مسايرته لروح العصر وصلاحية أحكامه لكل زمان

ومكان , ولذلك بدأ في حياته العملية والدعوية والفكرية يميل إلى التيار

الإصلاحي التجديدي العصري الذي يستطيع أن يقدم الإسلام بثوبه الناصع الجميل

بعيدا عن تأثيرات الأفراد ومصالحهم وكذلك بعيدا عن الأحكام المسبقة الصنع من

قبل فقهاء عاشوا قبل عشرة قرون بحيث يتعاطى مع المستجدات والنصوص الشرعية بروح

عصرية ووفق متطلبات المقاصد الشرعية .

 

المنهج الدعوي :

يعتبرالشيخ نفسه صاحب رسالة ومنهج في الدعوة وتتميز طروحاته في بعض الأحيان

بالجرأة في الإصلاح والتغيير ,وطالما كلفه الكثير من التضحيات ولعلنا نشير في

هذه العجالة إلى أهم هذه النقاط والتي تعتبر من قبل رجال الدين التقليديين

سلبيات في حياته تستحق الاستنكار والحرب والتكفير والتفسيق وقد دفع الدكتور

معشوق بلا شك ضريبة هذا المنهج وخسر الكثير من الميزات والمال والدنيا وهي

هذه :

1 – التجديد الديني : وهو من أهم الواجبات التي حمّلنا النبي الكريم صلى الله

عليه وسلم شرف حملها إلى جانب الكثيرين من شرفاء الأمة مستلهمين الهمة

والشرعية من قوله صلى الله عليه وسلم {يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مأة من

يجدد لها أمر دينها} وبين مهمة المجددين في الدين بقوله { ينفون عنه تحريف

الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين}

هذا وللتجديد شعب متعددة من أهمها :

أولاً : التجديد في العقيدة :

وذلك من خلال العودة إلى الكتاب والسنة وتخليص العقائد السائدة في كثير من

المجتمعات الإسلامية من البدع والشركيات وعبادة الأشخاص والطواف بالقبور

والنذر لأصحابها والتحرر من الخرافة والشعوذة التي من خلالها يغسل كثير من

رجال الدين أدمغة الناس ويستولون على إرادتهم وخاصة تلك البيئات المتأثرة

بالفكر الصوفي الذي يعامل المريدين على أنهم عبيد للشيخ أو كما يقولون كالميت

بين يدي الغاسل.

ثانيا : االتجديد في الفقه :

لا يخفى على أحد أن لنا نصا شرعياً مقدسا ثابتا هو الكتاب والسنة الصحيحة

المتواترة وهذا النص هو شريعة الله التي تعبدنا بها وطالبنا بالانقياد لها

ولكن الذي جرى أن فقهاء المسلمين قد وضعوا تحت هذا النص شرحا ثم جاء من وضع

تحته حاشية ثم جاء من جعل عليه حاشية ثم جاء من وضع عليه تعليقا وهكذا وكان من

الممكن أن تكون هذه الشروح والحواشي والهوامش والتعليقات عامل خير ومصدر غناء

للفقه الإسلامي لو بقي ضمن حدودها كجهد بشري يخطئ ويصيب بذل جهده للوصول إلى

الحق أو الأقرب إلى الحق وهو صاحب أجر إن أخطأ وأجرين إن أصاب, ولكن الذي حصل

أن هذه الشروح وأخواتها قد اكتسبت القداسة بجر الجوار كما يقول النحات وأصبحت

اجتهادات الفقهاء قيوداً وأغلالًا في أعناق المسلمين ولم يعد بإمكان أحد أن

تسول له نفسه أو تحدثه بحق مناقشتها فضاع الفقه وضاعت الأمة معه .

ومن هنا تأتي مهمة المستنيرين من أبناء الأمة في تحمل الرسالة التي حملها

الأنبياء والمخلصون وكسر حاجز الخوف وإفهام الناس أن من حقهم مناقشة كل الآراء

الفقهية واختيار الأصلح للأمة والأيسر على أبنائها وهم اختاروا من الأحكام ما

يتناسب مع زمانهم وعلينا أن نختار منها ما يتناسب مع زماننا فالأحكام تتغير

بتغير الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأحوال .

هذا ويمكن للمجددين أن يعتمدوا على بعض النقاط من أهمها :

آ – مقاومة التقليد الأعمى الذي يجعل من المجتمع مجرد قطيع تائه لا يدري إلى

أين يوجهه الرعاة الذين يحرصون على استنساخ الأمة كصورة طبق الأصل عنهم أو عن

الصورة التي يريدونها .

ب – التفريق بين النصوص قطعية الدلالة والنصوص ظنية الدلالة : وذلك لأننا

ملزمون بتطبيق النصوص القطعية دون تلك الظنية في دلالتها كما في ورودها حيث

نملك هامشا من الحرية في حركتنا الفقهية و خياراتنا الاجتهادية بمقدار ما

يدخل في دلالة النص أو وروده من ظن .

ج – التفريق بيت الثوابت والمتغيرات من أحكام الدين : وذلك لأن الثابت في

ديننا لا يتجاوز الـ15% من الأحكام وهو يدخل في الغالب ضمن منظومة العقائد

والعبادات وأمهات الأخلاق , أما الـ85% من الأحكام فهي من المتغيرات وهي غالب

الأحكام التي تتعلق بمصالح العباد من معاملات واقتصاد وسياسة وغير ذلك .

د – التفريق بين التوقيفي وبين التوافقي : فالتوقيفي من الأحكام هي ما وردت

النصوص مطالبة الأمة به وهذا نظل نطالب الأمة به قائلين سمعاً وطاعة وذلك لا

تتعدى 20% من الأحكام الشرعية , أما التوافقي من الأحكام فهي ما لم ترد بها

النصوص على سبيل المطالبة بإفعل ولا تفعل بل وردت النصوص بها على سبيل حكاية

حال توافقية وهذه تتبدل بتبدل الحال ولا تعتبر أحكاما شرعية لكونها وردت

توافقا وهي تقارب الـ80% من الأحكام الشرعية وهي التي كبلت المسلمين ومنعنهم

من تطوير حياتهم لأنها فرضت عليهم صياغة حياتهم تماما وفق قالب ما قبل أربعة

عشر قرنا ومن هذا القبل أغلب الأحكام التي تصيغ شكل المرأة وطريقة تعاملها مع

المجتمع وكذلك المعاملات وطرق الحكم والقضاء وغيرها من الأحكام الاجتماعية

والاقتصادية والسياسية التي نقلتها الروايات لنا كأسلوب وطريقة في الحياة في

عهد السلف من أجدادنا أصبحت فيما بعد لقصور فهمنا وعدم قدرتنا على تمييز

التوافقي من التوقيفي أحكاما شرعية ونصوصا مقدسة لم يستطع المسلمون أن يتحرروا

منها حتى في عباداتهم كقولهم بضرورة كون الجمعة أربعين رجلاً أو في بلدة دون

القرية أو واحدة كما كانت غير متعددة أو ضرورة أن يحضها السلطان أو الوالي

وإلا فهي باطلة وأمثال ذلك مما ليس هذا محل تفصيله.

 

نتائج التجديد في الفقه

 

يرى الدكتور الخزنوي أن التجديد سيؤثر إيجابيا في شتى مجالات الحياة وخاصة

في المجالات الآتية :

في الحياة الاجتماعية وخاصة ما يتعلق منه بالمرأة :

إن كثيراً من دعاة التحرر يطرحون تحرر المرأة على أساس التمرد على كل موروث ،

وهكذا فإن الحديث عن تنكيس القائم وإقامة المنكوس هو الخيار الذي يتبناه

كثيرون في إطار الحديث عن تحرر المرأة !!

إننا نستقبل القرن الجديد في حال محيرة فدعوة تحرير المرأة لا زالت تحظى

باهتمام لافت ولكن من دون أن تتحدد معالمها بشكل جلي وبالمقارنة مع حركة

النهضة والتنوير التي تبناها الشيخ محمد عبده في القرن الماضي فإن حركة التحرر

قد تراجعت نسبياً على الأقل في إطار التوجيه الديني الذي كان في الواقع طرفاً

إيجابياً في حركة تحرر المرأة ولكنه تراجع الآن إلى خيار سلبي في هذه المسألة!

كان من المألوف أن يتحدث كثيرون عن تحرر المرأة خياراً فكرياً حقيقياً في رحاب

الأزهر الشريف وأن يتسابق لتدبيج الخطب في الدعوة إلى تحرر المرأة رجال

مختلفون في المحاريب ولكن الصيغة التي نواجهها اليوم بمرارة أن التيار الديني

لم يعد يرى أن تحرر المرأة مطلب إسلامي ، بل صارت الصيغة السائدة أن المرأة

لا تعاني من أي مشكلة وأنها إن حققت التزامها بأشكال الحشمة التي يأمر بها

النص الفقهي فهي في غاية من التحرر والعافية لا تحتاج معها لمزيد ، إن لم نقل

إن المزيد هو غزو فكري خبيث يراد به اجتثاث المرأة وإغواؤها .

لقد أسهم في غربة حركة تحرر المرأة تورط بعض دعاة التحرر في طرح مسألة الزي

على أنها المعلم الأول للتحرر وهكذا تم ربط المسائل بالزي عن عمد ، وتم تصنيف

بنات المجتمع إلى تقدميات متحررات أو رجعيات متخلفات على أساس من الزي وحده!!

مع أن أبسط ما يدركه أي عاقل هو أن الزي محايد وهو ليس معياراً بكل تأكيد وأن

التماس التحرر من خلاله موقف لا يخلو من مغالطة وتمحل!!

عندما نتحدث عن المرأة المتحررة فإن أجلى صورة لها إنما هي في الواقع صورة

نساء السلف الصالح في عصر الحضارة الإسلامية يوم شاركت المرأة إلى جوار النبي

الكريم من اللحظة الأولى التي كانت فيها أول قلب اطمأن بالإيمان في شخص خديجة

إلى أن صارت المجاهدة والطبيبة والمعلمة والشاعرة والأديبة والمحدثة والراوية

، وكل ذلك بحضرة النبي الكريم وتشجيعه وإطرائه .

فإلى أين يتجه خيار الجمود حينما يقرر أن خير أحوال المراة أن لا يراها الرجال

ولا ترى الرجال؟

في إحصاء ذي دلالة فإن الحافظ المزي صنف كتاباً شهيراً أسماه : الكمال في

أسماء الرجال ،عمد فيه إلى التعريف بأهم أعلام الأمة في مجال علم الرواية الذي

كان آنئذ أباً للعلوم جميعاً تندرج تحته علوم التاريخ والأدب إلى جانب المعارف

الدينية ، ثم اختصره بعدئذ إلى : تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، ثم رأى

الحافظ ابن حجر العسقلاني أن الكتاب كبير فاختصره في : تهذيب التهذيب في اثني

عشر مجلداً ، وبعد فترة اختصره مرة رابعة وأسماه : تقريب التهذيب ، وعندما

تطالع تقريب التهذيب هذا الذي هو سجل لعلماء الإسلام في عصر المجد الإسلامي

تقف على أسماء 824 امرأة من نساء السلف الصالح حتى مطلع القرن الثالث الهجري ،

وهذا الرقم من كتاب واحد بعد الاختصار للمرة الرابعة ، وكلهن ترجمت حياتهن

ودرسن وصنفن على أنهن أعلام في الإسلام ، وذكر أمام كل واحدة منهن تلامذتها من

الرجال والنساء في صورة جد واضحة لمشاركة المرأة في الحياة العلمية على أوسع

نطاق!!

في دراسة إحصائية للكتب التسعة التي هي أوثق كتب الرواية في الإسلام فإن

الرواية عن هؤلاء النسوة تعكس مدى مشاركتهن وحضورهن في الحركة العلمية

والاجتماعية ، ويمكنك قراءة هذه الأرقام لبعض منهن:

عائشة بنت أبي بكر : أخذ عنها 299 تلميذًا فيهم 67 امرأة و232 رجلاً.

أم سلمة بنت أبي أمية : أخذ عنها101 تلميذاً منهن23 امرأة و78 رجلاً.

حفصة بنت عمر : أخذ عنها 20 تلميذاً فيهم 3 نساء.

أسماء بنت أبي بكر : أخذ عنها 21 تلميذاً فيهم امرأتان.

هجيمة الوصابية : أخذ عنها 22 تلميذً كلهم رجال .

أسماء بنت عميس : أخذ عنها 13 تلميذاً فيهم امرأتان .

وهذه أمثلة واضحة لكل من أراد أن يدرك مدى حضور المرأة في العمل الحضاري ومدى

تجاوز السلف لما نفرضه اليوم من القيود على مشاركة المرأة في الحياة العلمية

باسم الموروث الثقافي ، وتحت عنوان فساد الزمان وتهتك الذمم!!وهل يقنعك بعدئذ

القول بأن كل هؤلاء الرجال كانوا يأخذون العلم من وراء حجاب!!

أستطيع الجزم هنا بأن حال الانحطاط التي طرأت على المرأة بعدئذ وجعلت خروجها

فتنة وصوتها عورة وإقبالها مظهر شيطان !! ليست أبداً حال المرأة التي أطلقها

الإسلام من عقال الجاهلية الأولى ، وبدون أدنى تكلف فإن من العسير أن تستخرج

ترجمة لنصف هذا العدد من نساء اشتهرن بالنبوغ في القرون العشرة التالية لعصر

التدوين الذي دون فيه كتاب الكمال في أسماء الرجال!!

سؤال نطرحه برسم حراس الماضي الذين يقومون رقباء على رعاية القديم ومناهضة كل

حديث، الذين يقولون إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون .

 

في ا لسياسة :

حيث تحاول الحركات الإسلامية التي تنشط في أجزاء من العالم الإسلامي أن تسوق

نفسها لعامة المسلمين على أنهم ورثة الخلافة الإسلامية وبالتالي فهم أولى من

غيرهم بقيادة المجتمعات مصورين للعامة أن الخلافة ونظامها إنما هي صيغة سماوية

اختارها الله لعباده وتعبدهم بها , وهنا يأتي دور مدرسة التجديد التي تضع

النقاط على الحروف بكل جرأة حيث تعتبر تجربة الخلافة من أولها إلى آخرها جهدا

بشريا عبر عنه أبو بكر رضي الله عنه بقوله { وليت عليكم ولست بخيركم فإن عدلت

فأعينوني وإن اعوججت فقوموني أطيعوني ما أطعت الله فإذا عصيته فلا طاعة لي

عليكم} .

بمعنى أننا في الإسلام نمتلك منظومة أخلاقية من العدل والمساواة والشورى

وإصلاح شؤون الرعية والدفاع عن بيضة المسلمين , ولكن هذا لايعني أن نصل إلى حد

الإدعاء بأن لنا في الإسلام نظاما سياسيا متكاملا تجسد في سياسة النبي وخلفائه

في قيادة مجتمعاتهم كما يحلو لبعض الإسلاميين أن يدعيه , ومن يتأمل سيرتهم

يعلم أنهم في حياتهم السياسية كما في سائر شؤون حياتهم كانوا ينطلقون من

بشريتهم ويبذلون جهدهم للوصول إلى الأقرب إلى تحقيق مصلحة العباد , ولذلك

اختلفت تجربة النبي عن تجربة خلفائه في كثير من الجوانب , فعلى سبيل المثال :

- لم يعين النبي خليفته وعين أبو بكر من قبل مجلس شكل سريعا من أعيان المدينة

لسد الفراغ السياسي وهذه طريقة في اختيار الحاكم .

- أما أبوبكر فقد عين عمر بن الخطاب خليفة من بعده وهذه طريقة ثانية .

- في حين شكل عمر مجلسا من ستة أشخاص أوكل إليهم مهمة اختيار الخليفة من بينهم

خلال ثلاثة أيام من وفاته وهذه طريقة ثالثة .

- أما عثمان فقد قتل في فتنة داخلية وحصل بعد مقتله فراغ سياسي دعا الأمة إلى

الخروج إلى منزل علي ومبايعته وهذه طريقة رابعة .

- وأوصى علي بالخلافة لولده الحسن وهي أول حالة في الإسلام يتم فيها تورث

الحكم من الأب إلى الابن وهذه طريقة خامسة .

- والحسن بن علي الذي يعتبر خامس الخلفاء الراشدين وآخرهم تنازل عن الحكم

لمعاوية بموجب صفقة تمت بينهما نصت على تداول السلطة وهذه طريقة سادسة .

فليقل لنا أصحاب الطرح المذكور {الإسلام السياسي }أيا من هذه الطرق الستة هي

إسلامية والأخرى غير إسلامية . أظن من الواجب أن نعترف أننا لسنا أباطرة نحكم

باسم الرب ولكننا من جملة خلق الله وهكذا كان سلفنا ويعترينا ما يعتري غيرنا

ومن حقنا أن نختار لدنيانا ما يصلح لنا وفق زماننا أو مكاننا أو أحوالنا شريطة

عدم تجاوز الخطوط الحمراء في منظومتنا الأخلاقية الإسلامية التي اختارها الله

لنا .

وهذا يوصلنا إلى أننا في تيار التجديد لسنا متحمسين لإنشاء حزب إسلامي يقود

الحراك السياسي في البلد بل نقف في وجه إي نشاط من هذا القبيل باسم الدين لأن

لدينا شعورا بأن طرح الإسلام كمنافس ليس من مصلحة أحد لأن الجميع يحترمون

الإسلام وينتمون إلى الحضارة الإسلامية بما فيهم أولئك المختلفون عنا

إيديولوجيا ولينا شعور بأن الوطن يتسع للجميع وأن الإسلام أقدم من أن يتخذ

وسيلة للمنافسة على دنيا الناس كما قال الإمام الشافعي { لأن أتكسب بالرقص خير

لي من أن أتكسب بالدين }وأكثر من هذا فإن لدين شعورا أننا إذا اجتهدنا وتحركنا

وقلنا للناس إن هذا جهدنا وثمار طاقاتنا البشرية فإن ذلك يكون أقرب إلى رضى

الله وأريح لضميرنا من أن نقول لهم إن هذا هو حكم الله , وهذا معلمنا إياه

رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يقول لقادة فتحه : { فإن هم أنزلوك على

حكم الله فلا ترضى فإنك لا تدري أتصيب حكم الله أم لا ولكن أنزلهم على حكمك }

وبذلك منعنا النبي المعلم من أن نستغل الدين ونجعله درعا لمصالحنا ووسيلة

لتحقيق مآربنا .

 

ثالثا : التجديد في التصوف :

التصوف هو مصطلح مستحدث يطلق على المنهج الإسلامي في التربية والسلوك وهو في

الأصل مطلب إسلامي ضروري كا العيادت النفسية والمصحات العقلية والمراكز

التربوية المنتشرة في سائر أنحاء العالم بمختلف ثقافاته الشرقية والغربية

ولكنه لكون تعليماته في الغالب جهدا بشريا وتجربة شخصية لرجال التصوف الذين إن

كانوا في بعض الأحيان يلتزمون بالضوابط الشرعية للعلاج والتربية والتزكية إلا

أنهم في كثير من الأحايين ما كانوا يلتزمون بتلك الضوابط الأمر الذي أدي إلى

انحراف التصوف عن مساره وبدل أن يكون عاملاً إيجابياً في مسيرة الدعوة خصوصا

وحياة المسلمين عموما أصبح يشكل عبئاً على الدعوة ومصدر تواكل وانهزامية في

حياة المسلمين بل أصبح بيئة مناسبة لنمو الشركيات والبدع التي تأتي من هيمنة

الجهلة الذين يرثون زعامة المدارس الصوفية من آبائهم وأجدادهم دون تأهل لذلك ,

حتى ادعى البعض منهم أنه إله أو حل فيه الإله أو كلمه الإله أو أنه ارتفعت عنه

التكاليف أو أنه القطب الذي يدير الكون وإليه يعود مهمة الحل والربط وهو غياث

المستغيثين والمتصرف على الإطلاق وهو نور السموات والأرضين إلى غير ذلك من

الخرافات التي لا يقبل بها إلا المخدرون من أتباعهم .

وحتى لا نخسر منهجنا في التربية والسلوك فإن علينا أن نقوم بتصفيته وننفي عنه

تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ونجدد هذا العلم برفده بدماء

ملتزمة بالكتاب والسنة يدفعون عنه كل شرك وبدعة ويفهمون الناس أن الجوانب

الباطنية في العقيدة والفقه والسلوك هي دخيلة على التصوف وناتجة من التقليد

الأعمى للرجال الذين علينا أن نغربل تراثهم وآرائهم ونأخذ منها الجذوة لا

الرماد .

 

 

 

رابعاً : التجديد في دور الإسلام في خدمة الإنسانية :

 

الكثير من المسلمين أصبح يرى الإسلام مجرد طقوس وشعائر متناسياً أن الإسلام في

الأساس هو رسالة إنسانية تهدف طقوسه وشعائره إلى تنمية وإحياء روحه الإنسانية

تماماً مثلما تهدف إلى تصحيح علاقته بربه الذي عليه أن يعبده وحده لا شريك له

, بل على المسلم أن يعلم أننا في مدرسة التجديد نرى كما كان يراه أسلافنا أن

حقوق الله على المؤمن مبنية على المسامحة ولكن حقوق العباد مبنية على المشاححة

, ولذلك ورد في الحديث هلاك المرأة التي عذبت الهرة ونجاة المومسة التي سقت

الكلب في الصحراء ونفي الإيمان عمن لا يأمن جاره بوائقه وعمن بات شبعن وجاره

جائع إلى جنبه وهو يعلم وعمن لا يكرم ضيفه وهكذا , الأمر الذي يدعونا إلى

استنفار الطاقات العلمية الإسلامية للاهتمام بالشأن الإنساني والاجتماعي

والتأكيد على دور المسلم في حماية البيئة والحيوان والإنسان ودراسة الحركات

الإسلامية الشكلية العنيفة التي تنسى هذا الجانب وتحول الحياة الدينية إلى

طقوس فارغة مكررة مستجرة دون ملاحظة نتائج ذلك على الحياة العملية والعلاقات

الإنسانية .

 

خامساً : التجديد و ترسيخ مفهوم التعددية :

 

حيث تروج في الخطاب الإعلامي اليوم كلمات كثيرة ترسم ملامح المنجز الديمقراطي,

ولكن الظن السائد اليوم أنها كلمات غريبة عن الثقافة العربية حتى إن نحت مصطلح

عربي لهذه المفاهيم يبدو أمراً غير ميسور لكثير من الباحثين في حقل السياسة.

الرأي والرأي الآخر, والتعددية وحق الاختلاف, وحرية الرأي وحرية الكلمة, وحق

التعبير, وإعذار المخالف, تبدو في الواقع منجزاً غربياً, وتبدو آثارها لازماً

من الأداء الغربي لفهم الديمقراطيات والحريات, على أساس أن هذه المصطلحات

إنجاز غربي دفع الإنسان قدراً غير قليل من التضحيات التاريخية من أجل إقرارها,

وبذل كثيراً حتى رسا عند هذا الشاطئ الذي يتيح قدراً أكبر من الحرية في إطار

الفكر.‏

 

ونسعى في مدرسة التجديد إلى إثبات أن المنجز الديمقراطي اليوم مؤسس عبر تاريخ

الثقافة الإسلامية بل إن كثيراً من مصطلحاته ورموزه كانت محل استعمال في

الأداء العربي اللغوي.‏

إن مبدأ إعذار المخالف منطق قرآني ونبوي في آن واحد , وربما كانت أبلغ كلمة في

التعبير عنه هي تلك القاعدة النبوية الذهبية التي قررها الرسول الكريم بقوله:

للمجتهد إن أصاب أجر وإن أخطأ أجر واحد.‏

وهنا أود القول أن هذه القاعدة الحضارية الذهبية تعرضت للاغتيال تاريخياً,

وضاقت بها صدور كثير من أصحاب القرار الديني الرسمي, ومضى هؤلاء في عكس حركة

التاريخ حتى انتهوا إلى قواعد تتناقض تماماً مع هذا التوجه النبوي الحكيم,

وتكرس للرؤية الفكرية الأحادية المستبدة في غالب الأحيان, حتى قررت قواعد

مختلفة مثل: من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ, أجرئكم على الفتيا أجرئكم

على النار, قف على ما وقف عليه الأولون فإنهم عن علم وقفوا, عليكم بالأمر

العتيق فقد كفيتم, وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف, العلم ما

كان فيه قال حدثنا وما سوى ذلك وسواس الشياطين!!.‏

ولا شك أن هذه الصيغ ونظائرها حالت دون تقدم الفكر وأحبطت المحاولات الرامية

إلى تقديم إجابات جديدة للمسائل التي لم يعد يقنع فيها الخطاب القديم.‏

وقد مضى الاستبداد إلى ما هو أسوأ من ذلك حين قرر أن أجر المخطئ المنصوص عليه

إنما هو لمن أقر بخطئه أما من اختار رأياً ثم لم يرجع فيه إلى خيار الأمة

(الذي هو خيار كل طرف من وجهة نظره) فإنه يصبح حينئذ جاهلاً مغروراً أو عميلاً

مأجوراً, وتتوالى عليه من بعد الاتهامات المختلفة, وبذلك فإن سائر المخالفين

هنا يزجون على دائرة التأثيم والتجريم والتخوين حتى يعودوا عن آرائهم, فإذا هم

عادوا عن آرائهم ولزموا خيار المتغلب فقد صاروا أهلاً لينالوا ثواب المخطئ

التائب وأجره!! وهو عنت لا يتصور أشد منه ولا أقسى, وهو يطفئ بضراوة ضياء

الإشارة النبوية الحكيمة إلى فضيلة الاجتهاد ولو كان خطأ.‏

وقد مضى الموقف السياسي من الاجتهاد إلى مزيد من القمع والقهر, وسلطت الأحكام

القاسية الرهيبة تحت اسم مكافحة الزندقة, وتضمنت هذه الأحكام السجن والصلب

والسحل والقتل, وقد شهد تاريخ الإسلام عناء كبيراً لأهم رجال التاريخ الإسلامي

كأحمد بن حنبل وابن تيمية وابن عربي وابن رشد والإمام البخاري وآخرين كانوا

يضطهدون لأسباب مختلفة وربما متناقضة في كثير من الأحيان تحت اسم الحفاظ على

الدين وحماية الثوابت, ولا أشك أبداً أن الأيام التي حوكم فيها هؤلاء في ظل

كهنوت صارم تقوده سياسة مستبدة كانت أياماً سوداء في تاريخ الإسلام, وأرجو أن

ندرك اليوم أنها كانت جرائم ينبغي التبرؤ منها أكثر مما هي ضرورات شرعية

قضائية لم يكن ثمة بد منها.‏

ومن خلال متابعة سنة النبي الكريم ( فإنه يمكنك أن تقف مباشرة أمام موقفه في

إعذار الآخر المخالف, وهنا فإنني أكتفي بالإشارة إلى حديث الأحرف السبعة الذي

أقر فيه النبي الكريم اختلافهم في قراءة القرآن الكريم, على الرغم من دقة

المسألة وحساسيتها, وهنا فإنني أميل إلى رأي الزمخشري الذي قال فيه إن

القراءات تدور مع اختيار الفصحاء ورأي البلغاء, وهو ما ينسجم مع عبارتهم

الواردة ألوف المرات بلا تحفظ في كل كتاب قراءات تحت عنوان: اختلف القراء في

كذا...واختلفوا...واختلفوا, وهو في الواقع الأقرب إلى المنطق والعقل, مع أن

التأويل المشهور هنا هو رد رأي الزمخشري ووجوب الجزم بان سائر هذه الاختلافات

والقراءات المتواترة ورواياتها وطرقها التي تزيد على ألف طريق إنما نشأت من

وجوه أقرأ بها الرسول الكريم أو أذن بها, وهو ما لا يمكن قبوله إلا بقدر غير

قليل من التعسف والتكلف.‏

قال عمر بن الخطاب سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى

الله عليه وسلم, فاستمعت لقراءته, فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها

رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكدت أساوره في الصلاة, فتصبرت حتى سلم, فلببته

بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ? قال: أقرأنيها رسول الله

صلى الله عليه وسلم, فقلت: كذبت, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد

أقرأنيها على غير ما قرأت, فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه

وسلم, فقلت: إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها, فقال رسول

الله صلى الله عليه وسلم: أرسله, اقرأ يا هشام. فقرأ عليه القراءة التي سمعته

يقرأ, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلك أنزلت. ثم قال: اقرأ يا عمر.

فقرأت القراءة التي أقرأني, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلك أنزلت.‏

وهكذا فإنه بعد أن استمع إلى المتنازعين في القراءة أقر كلاً منهما في خياره

ثم قال قولاً حكيماً ذا مغزى وحدوي فريد: اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم

فإذا اختلفتم فيه فقوموا.‏

إن منطق الإعذار هنا يتناول مسألة في غاية الدقة والأهمية إنها مسألة النص

القرآني الذي هو

جوهر وحدة الأمة ومستقبلها.‏

لقد ظل الفقهاء عبر التاريخ يختلفون ولكن يحترم بعضهم رأي بعض ويقول الشافعية

الرأي عندنا كذا وعند السادة الحنفية بخلافه, وتقول الحنفية الرأي عندنا كذا

وعند السادة المالكية بخلافه, وهكذا عند السادة الحنبلية والمالكية في إعذار

محترم, يرسم ثقافة التواصل والتكامل, ويؤصل لثقافة السعة والرحمة وهو ما عبر

عنه الإمام العادل عمر بن عبد العزيز بقوله: ما أحب أن أصحاب رسول الله لم

يختلفوا لو لم يختلفوا لم تكن توسعة.‏

وبالتأكيد فإن ثقافة الإعذار هذه هي التي أطلقت زند العقل ووفرت ظروف الاجتهاد

حتى ملأت هذا المنجم الفقهي الغزير الذي ننعم به اليوم, ونكتشف فيه كثيراً مما

نحتاجه ونأمله في إطار الفقه الإسلامي وحلوله ومعالجاته.‏

إن جولة في منجم الفقه الإسلامي الزاخر,تدعوك مباشرة إلى إحياء ثقافة الإعذار

واحترام الرأي والرأي الآخر, وهو ما يمهد لقيام ثقافة إسلامية حقيقية لإطلاق

مجتمع يفقه مراد قوله تعالى: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً.‏

إن حشد الأقوال في المسألة الواحدة, وهو ما تراه في سائر الكتب الأمهات في عصر

المجد الإسلامي, لا يراد منه بالضرورة الصيرورة إلى رأي واحد منها بوصفه أنه

الحق المبطل لما سواه بل إن الهدف في المقام الأول الاطلاع على أداء الفقهاء

الكرام والتخير من آرائهم بما يناسب الزمان والمكان , والعمل في النهاية تأكيد

على مرونة الشريعة ومسايرتها للأحداث ووعيها بالظروف والزمان والمكان, وتكوين

مجتمع التسامح والاحترام, وهو المجتمع التي أتاح عبر التاريخ الإسلامي لكل هذه

الآراء أن تتبوأ مكانها في جنة الفقه الإسلامي وتنال شرف الرواية والإسهام

الفقهي في حلول المسائل على الرغم مما تحمله من اختلاف ظاهر, وهو طبيعة الحياة

العلمية التي لا يتم الإبداع فيها إلا بعد أن يتاح للعقل أن يقول ما يعتقده

هدى وصواباً ونوراً مهما كان هذا الخيار مفارقاً لما تعتقده العامة:‏

رب قوم في اختلاف حول ذي حسن يدق‏ يتجلى في اختلاف وهو في الواقع حقّ‏ .

وفي الشأن السياسي فإن الأمة اليوم على سبيل المثال لا تزال تتنازع في شأن

أحقية خلافة الرسول وتنقسم الأمة إزاء هذه المسألة إلى شيعة وسنة, وربما أصبح

موقفك السياسي من اختيار الرجل هنا هو الذي يقرر موقعك من الإيمان من وجهة نظر

كل طائفة, مع أن قراءة سريعة للمشهد التاريخي يؤكد لك أن عدداً غير قليل من

الصحابة كانوا غير موافقين على رأي الجمهور ببيعة أبي بكر, ومع ذلك فإن الأمة

ظلت تنظر إليهم باحترام شديد, ومن أبرز هؤلاء العباس بن عبد المطلب الذي كان

يرى الخلافة في بني هاشم, وأسامة بن زيد وعلي بن أبي طالب وفاطمة بنت محمد

وسعد بن عبادة وعمار بن ياسر والمقداد بن عمرو وخلف كل واحد من هؤلاء عدد من

الصحابة, ومع أن معظم هؤلاء دخلوا في البيعة فيما بعد ولكن بعضهم ظل مصراً على

رأيه الرافض ومات على ذلك كما هو الشأن في السيدة فاطمة التي ظلت تصرح برأيها

في رفض البيعة لأبي بكر, وتتحدث بجرأة عن موقفها السياسي المخالف, وماتت بعد

ستة أشهر ثم دون أن تغير موقفها, وكان اجتهادها في مسألة الخلافة وكذلك في

مسألة مواريث الأنبياء عكس اختيار الموقف الرسمي للخلافة ولكنها ظلت تحظى

بأكبر قدر من الاحترام في الأمة, وظلت السنة والشيعة في أرجاء الأرض تغني

للزهراء وتستشفع بها, ليت الملوك لها من جدكم نسب, من أجل فاطمة أكرم بفاطمة,

من أجل فاطمة قد كرم النسب, وضريحها اليوم في البقيع قطعة طاهرة من الأرض هي

مهوى أفئدة المؤمنين في الأرض.‏

والصحابي الكريم سعد بن عبادة, اختار موقفاً بالغ الصرامة حيال خلافة أبي بكر

وعمر, ولم يكن يكتم رأيه في كل ميدان, وكان أشراف الناس في المدينة يستمعون

إليه, ورسالته وكلماته دونت في ذاكرة الرواية وتناقلها الناس, ومع ذلك كله فقد

ظل ضريح سعد بن عبادة في دمشق مزاراً كريماً في قرية المليحة بغوطة دمشق,

يذكره الناس ببالغ الاحترام, على الرغم من موقفه الشديد في رفض بيعة الشيخين

وقراره ترك المدينة إلى الشام غضباً وسخطاً من خلافة قريش.‏

من العجيب أن تمتلك الأمة القدرة على احترام المخالف قبل أربعة عشر قرناً

وإعذاره مع موقفه في الرفض المباشر, ثم تجبن عن احترام من تبعه فيما ما ذهب

إليه!!

 

 

 

 

سادسا : ا لتجديد وا لحوار الإنساني :

الذي لا يثق ببضاعته لا يصارح الآخر ولا يرغب في المناخات المفتوحة التي تتم

فيها المنافسة بين الجيد والأجود حيث تستقر الأمور لصالح الأجود والأصلح للناس

, ولذلك فنحن في مدرسة التجديد فتحنا باب الحوار على مصراعيه بين سائر الأفكار

والاتجاهات ولو في أدق القضايا إن شئت قل لثقتنا أن ما نحن عليه هو الأصلح وإن

شئت فقل لبحثنا عن الأصلح أين كان لا يهم فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو

أولى بها , ولذلك أنشط مع دعاة التجديد في كل المحاور المتاحة والتي منها :

 

1 – حوارالحضارات وحث المسلمين على تجاوز فكرة الصدام والصراع :

إن الأمم التي جمعها بسمارك مؤسس ألمانيا آخر القرن التاسع عشر لتنضوي تحت

راية الرايخ الثاني ، لم تكن لتسلم إرادتها إلى أوهام غائبة لا تعود عليها

بأمجاد أكثر من أمجادها الأولى، وهو إحساس دفع بالمشاعر الجرمانية إلى التفجر

، حتى دفعت الرايخ الثالث إلى مشاعر نازية متعالية قادها هتلر بعبارته:

ألمانيا فوق الجميع، وأطلق صليبه المعقوف نار الحرب في الأرض حتى أشعل العالم،

ولكن ألمانيا دفعت ثمناً باهظاً عندما قرأت جانباً واحداً من الصورة ، فالمشهد

الذي تراه أنت في تاريخك يقرؤه كل شعب في تاريخه، فالأرض كروية وكل نقطة فيها

تصلح مركزاً للعالم ، فالمشاعر التي تحدوك وأنت في دمشق لتحس أنك في مركز

الأرض، يحس بها الاسكوتلندي ، والميكرونيزي والموزامبيقي، حتى يمكن القول إن

المشاعر النازية قد تكون رصيدا متناثرا بين البشر، ولكن لا يتيسر لها دائما من

يحولها من محض مشاعر على مشروع سياسي.

ويمكنني القول إن كثيراً من حركات الإحياء في البلاد العربية والإسلامية تحمل

شعوراً نازياً بامتياز ولكنها تعجز عن وضعه وضع التنفيذ، فتقصر أدواتها عن

إحيائه وبعثه، ولكن يمكنك أن تقرأه بوضوح فيما يحمله أبناء هذه التيارات من

مشاعر عفوية من احتكار الحقيقة، وثقة عمياء بالسيادة التامة على المستقبل، رغم

ارتكاس الواقع إلى مستوى اللعنة!!.

 

إن حديثي الذي كررته في المراكز العلمية في أكثر من مؤتمر يتناول فكرة واحدة

وهي حاجة الإنسان للإنسان، وحاجة الغرب المادي للروح الإسلامية، وحاجة الشرق

الإسلامي للإنجازات الحضارية الغربية، وهي باختصار مقصود الآية الكريمة: يا

أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن

أكرمكم عند الله أتقاكم، وهو ما كان الجمهور الغربي ينصت إليه باهتمام واحترام

.

لقد طرح الغرب مشروع صدام الحضارات، ونادى به متنبئون أشرار من صمويل هانتغتون

إلى جيري فالويل إلى بات روبنسون الى فوكوياما، ولكننا هنا في الشرق الإسلامي

رفضنا ذلك منذ البداية ودعونا بوضوح إلى حوار الحضارات ويسجل للرئيس الإيراني

خاتمي هذا الإنجاز ، فقد أطلقه من فكرة تتداولها مراكز الثقافة إلى مطلب

للكتلة الإسلامية في الأمم المتحدة وذلك بوصفه رئيسا آنذاك لمنظمة المؤتمر

الإسلامي ، وتم تحقيق نجاح هام حين سمي عام 2001 عام حوار الحضارات استجابة

إلى مطلب الرئيس الإيراني والمجموعة الإسلامية.

ولكنني لم أخف في الغرب قراءتي الأخرى لفكرة الحضارة ، فالحضارة إنجاز انساني

ويشترك فيها مفكرون من سائر الأعراق من الشعوب ، فلا توجد حضارة تبدأ من الصفر

، بل إنها تؤسس على ما أنجزه السابقون وطوره اللاحقون .

قلت لهم : لقد طفت بمشافي دول غربية كثيرة مثلاً وكنت أجد فيها بصمات ابن سينا

وعقاقير الرازي ومباضع ابن زهر تماما كما كنا نجد في مشافينا أيام المجد

الإسلامي يد أبقراط وكما تجد في بناء المسجد الأموي هندسة إقليدس ومعادلات

فيثاغورس، وحين نتعاطى اليوم مع الموبايل والحاسوب فمن غير الممكن تجاوز دور

ابن الهيثم في تصحيح وصفه للمناظر والمرئيات وإرهاصاته المبكرة في اكتشاف سرعة

الضوء وهو أهم إنجاز على الإطلاق في عالم الاتصالات، ولا يمكن إدراك الوعي

الديمقراطي الذي ينعم به العالم المتقدم من غير تذكر دور حمورابي وجوستنيان

وعمر بن عبد العزيز.

إن الحضارة إذن إنجاز إنساني لا يمكن أن ينهض ويتألق ألا عندما ندرك لغة

التكامل والتواصل ، وفق القاعدة القرآنية الذهبية : نتقبل عنهم أحسن ما عملوا

ونتجاوز عن سيئاتهم .

وهو المعنى الذي عبر عنه الرسول الكريم في إطار رسالات الأنبياء : مثل ومثل

النبيين قبلي كمثل رجل بنى داراً فأحسنها وأكملها إلا موضع لبنة فكان الناس

إذا مروا بها يقولون ما أحسن هذه الدار لولا موضع هذه اللبنة فكنت أنا تلك

اللبنة وأنا خاتم النبيين.

هذه الحضارة الغربية التي تجعل من الكوكب الأرضي قرية صغيرة لا يمكن قراءتها

بدءاً من إعلان ماسترخت ولا من اتفاقية فرساي ولا حتى من الثورة الفرنسية ولا

من عصر النهضة ولا من شارلمان ولا حتى من مدونة جوستنيان !! كيف يمكن أن ننسى

روح القانون التي حررها حمورابي ومطالعة أفلاطون ومناجاة أخناتون؟؟ ربما كان

أعظم إنجازات الحضارات إنما هي تلك الإنجازات التي لا يمكنك أن تنسبه إلى فرد

بعينه ولا حتى إلى أمة بعينها ، ومن بين أعظم خمس اختراعات عرفتها البشرية لا

يمكن لأحد أن يستثني اكتشاف الكتابة واكتشاف النار وكلاهما مقيد باسم مجهول لا

يحصره وطن ولا قارة ، ولكنه شريك كامل في الإنجاز الحضاري للإنسان ، أيا كان

شكل هذا الإنجاز ولونه.

إنها اللحظة الحاسمة في الصعود الإنساني، اللحظة التي تبدأ فيها الأمة ببناء

مستقبلها في عالم لم يعد يجدي فيه شيئاً التقوقع على الذات واختيار العزلة،

وندرك فيه أن المقاصد الخيرة للبشرية إنما هي تراث مشترك بين الشرفاء جميعاً

في الأرض، وأن المشترك أكثر مما نعتقد، وأن التمييز بين الخير والشر لا يخضع

لمنطق الجغرافيا، ولا حتى للميثولوجيا وإنما يخضع للمنطق القرآني الخالد: فمن

يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره، وكل نفس بما كسبت

رهينة، وإنما تجزون ما كنتم تعملون.

 

2 – الحوار الإسلامي المسيحي :

 

إننا في مدرسة التجديد نحاول قراءة مسالة الحوار الديني من زاوية أخرى ،

زاوية لا تتجه إلى المختلف بقدر ما تتجه إلى المشترك ، وتبحث عن نقاط اللقاء

أكثر مما تبحث عن مكامن الفراق، وهو لون قد نكون نسيناه في غمرة ما ننجر إليه

عادة من اكتشاف مواطن الاختلاف والشقاق ، حتى تصبح لغة الحوار المعتاد هي لغة

البحث عن مزالق الآخر وأوجه الاختلاف معه ، وهو ما يرغب بارونات الإعلام

إظهاره دوماً على أنه النموذج الأكثر نجاحاً في الحوار (الحقيقي) .

لقد كنا في مدارسنا التقليدية نطرح الحوار عادة على أساس الكشف عن مكامن

الفراق المتصورة في العلاقات الاجتماعية ، وهنا يبدو النمط (الديداتي

السواغارتي) أبرز أشكال الحوار (الديماغوجي) وهو الحوار الذي يرمي إلى إهانة

الخصم وإذلاله ، تلبية لمطالب الجمهور الهائج المتحفز أصلاً لسحق الآخر بغرض

تحقيق استعلاء أيديولوجي مهما عاد ذلك برهق على المتحاورين والمستمعين جميعاً.

لكننا اليوم نطرح صيغة أخرى للحوار ، صيغة تؤسس على المشترك وتدعو إلى تعزيزه

والبناء عليه ،ولكن إلى أي مدى يبدو هذا الخيار منطقياً من وجهة النظر

الإسلامية ؟

في القرآن الكريم ترد صيغة : مصدقاً لما بين يديه سبع عشرة مرة ، وواضح أن

تكرار هذا التعبير يتصل مباشرة بالمقصد القرآني الهادف إلى تعزيز المشترك ،

ومع أن هذه الصيغة واضحة في التعبير عن ذلك ولكن من المؤكد أن أثرها ظل يتخافت

تاريخياً في حمى الإرادات السياسية المتناقضة ، حتى غلب على الخطاب التقليدي

صيغة : ناسخاً لما بين يديه ، أو ناسفاً لما بين يديه ، أو مبطلاً لما بين

يديه، أو ملغياً لما بين يديه ، إلى آخر ما هنالك من صيغ أنانية لا تتفق

ومقاصد القرآن كما أوضحته السنة النبوية في التعبير النبوي البليغ بقوله :

مثلي ومثل النبيين من قبلي كمثل رجل بنى داراً فأكملها وأجملها إلا موضع لبنة

، فكان الناس إذا مروا بها يقولون : ما أحسن هذه الدار لولا موضع هذه اللبنة

فكنت أتا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين !! وهو موقف تواضع رائع ، يجعلك تؤمن

بتكامل سعي الأنبياء ، وتدرك أن الإسلام يعترف بثقافة الآخر ويؤمن بتكامل

المعرفة ، إنه لم يقل أنا البناء كله وإنما قال أنا لبنة في هذا البناء !!.

من البداية رأى النبي الكريم أن يتوجه بقبلته إلى قبلة أهل الكتاب نظراً

للمشترك الذي يبدو بشكل ظاهر بين الديانتين ، الأمر الذي أثار قومه في مكة من

الوثنيين ولكنه استمر على ذلك أكثر من نصف عمر الرسالة ولولا أن أهل الكتاب

فهموا ذلك خطأ ، حين تحدثوا عن قصور في رسالة النبي الكريم وحاجة الرسالة إلى

ظهير من مناسكهم لبقي الأمر في إطار الوحدة الفكرية والتشريعية ، ثم تمت

النعمة على النبي الكريم بتحول القبلة إلى الكعبة المشرفة في مكة .

إن منطق تعزيز المشترك الذي نطرحه مؤهل أن يكون حاضراً في كل خطاب تحاوري

ويمكنك التماس إرهاصاته في منهج الرسول الكريم الذي كان يطرح تعزيز المشترك

على أساس من الوعي بخصوصيات الآخر : قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء

بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً

أرباباً من دون الله ، وكذلك قوله : وقل آمنت بما انزل الله من كتاب ، وأمرت

لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم

الله يجمع بيننا وإليه المصير .

3 – الحوار السني الشيعي : فهم الشريحتان الأعظم من المسلمين وقد وسعت

الدولتان العثمانية والصفوية الشرخ بينهما لمصالح سياسية قذرة للدولتين

وحاجتهما إلى إيديولوجيتين متناقضتين تعتمدان عليهما , وهم اليوم أحوج ما

يكونون إلى الحوار ليعاضدوا بعضهم فيما اتفقوا عليه ويعذروا بعضهم فيما

اختلفوا فيه .

4 – الحوار السلفي الصوفي : وهما شريحتان من أهل السنة مختلفتان تمام الاختلاف

لأن كل واحد منهما لا يقرأ الآخر ففي حين يركز السلفيون على الكتاب والسنة

وتصحيح العقيدة ينسى الكثير منهم التربية والسلوك الذي يعنى به الصوفية وكذلك

في حين تفرغ الصوفية للتربية والسلوك تجد أكثرهم يتعاطى الشركيات والبدع ويقف

الفريقان على طرفي نقيض دون أن يحاول أحدهم أن يستفيد من الآخر , بينما الحياة

أثبتت أننا لسن بحاجة إلى سلفية تلغي وتنطح ولا إلى صوفية تشرك وتشطح ولكننا

بحاجة إلى أن ننصح ولا نفضح .

5 – الحوار الإسلامي العلماني :

إن من المطلوب الآن إدراك أن ثمة مدارس فكرية نشأت في المجتمع الإسلامي، و

اصطبغت بالطابع العلماني، وهي تيارات تمارس دوراً حيوياً في المجتمع الإسلامي،

والمطلوب توفير آلية حقيقية لفتح حوار جاد معها، على أساس أنها نسيج من

المجتمع الإسلامي وليس كياناً طارئاً عليه، وتمييز التيارات العلمانية التي

طورت نفسها وتمسكت بإيمانها من تلك التيارات التي وقفت موقفاً عدائياً من

الفقه الإسلامي.

علينا أن نتجاوز التفكير الذي كان سائداً في الستينات والسبعينات من القرن

الماضي والذي كان يصبغ علاقات التيارات السياسية في العالم الإسلامي بالحدود

الدموية، حين كانت كلمة علماني ترادف كلمة كافر، وفي المقابل كان العلمانيون

يستخدمون تعبير الظلاميين والرجعيين على أولئك الذين يريدون أن يبعثوا الفقه

الإسلامي في الحياة كمعلم هدى ونور وبر وخير.

إن العلمانية تعاني من توصيف حاسم لخيارها الأيديولوجي، ولكن قراءة سريعة

للمشهد الثقافي والسياسي في العالم الإسلامي يجعلك تدرك إلى أي مدى يمكن أن

يكون التقارب واقعياً مع تيارات كثيرة لا يمكن التعبير عنها بأنها سنة ولا

شيعة، ثمة أحزاب كبرى في العالم الإسلامي تنهج نهجاً علمانياً في الحياة

ولكنها شديدة الشوق والتوق إلى السمو الروحي، والهدى الرباني الذي جاء به

الإسلام، حزب نهضة العلماء في أندنوسيا يزيد أعضاؤه عن ثلاثين مليون مسلم،

وحزب عوامي في باكستان، والرفاه والتنمية والعدالة في تركيا، والأمة في

السودان، جميعها أحزاب ذات ميول علمانية بدرجات متفاوتة، وهي موجودة ونشيطة في

العالم الإسلامي وتقدم خدمات غير قليلة للأمة الإسلامية، ولكننا لم نخط حتى

الآن باتجاه فتح حوار حقيقي وبناء معها.

ومن الضروري هنا أن نسجل هذا التحفظ الضروري فمن يختار إنكار الخالق، والتشكيك

بالنبوات لا يمكن أن يكون مسلماً، سواء كان أصله سنياً أو شيعياً أو علمانياً

أو كان من أبناء الأنبياء!

ولكن هل يسوغ القول بأن العلمانيين اليوم في العالم الإسلامي يحملون هذه

الرؤية الكافرة عن ثوابت الشريعة؟

إن كثيراً من التيارات العلمانية في العالم الإسلامي اختارت أن تتجاوز الفقه

الإسلامي وتكتب تشريعات وضعية، ليس بسبب سوء رأيها في الرسول والرسالة، وإنما

بسبب عدم المعرفة بغنى الفقه الإسلامي ، وقدرته على مسايرة الأحداث وأعتقد لو

أننا قمنا بفتح منجم الفقه الإسلامي على مصراعيه، وأضأنا جوانبه المختلفة التي

تراكم عليها الجمود، لوجد المخلصون من كافة الاتجاهات حاجتهم وغايتهم داخل

الفقه الإسلامي ولم يتورطوا في استدباره والتنكر له.

إن الأمة الإسلامية في فترة صعودها الحضاري قامت باحتواء تيارات كثيرة نشأت في

الفكر الإسلامي، ولدينا تصانيف هامة في تفسير القرآن كتبها أعلام محترمون

كالزمخشري ومجاهد والرازي الجصاص وابن رشد والفخر الرازي وأبو العلاء المعري

وابن أبي الحديد مع أنهم لم يكونوا يخفون ميولهم الاعتزالية والقدرية

والتأويلية، ولكنهم كانوا يجدون في الوعي الحضاري للأمة ما يوفر لهم منابر

الفكر والقلم، ولم يكن العالم الإسلامي يشعر بالغضاضة من رواية علم هؤلاء

والانتفاع بهم، ولعل الموقف الوحيد المظلم كان يوم سيطر التعصب على القرار

السياسي سواء كان سنياً أو شيعياً أو اعتزالياً، وأوضح الأمثلة على ذلك ما

صنعه المعتزلة يوم سيطروا على قرار الخلفاء العباسيين فعرضوا رقاب الناس على

السيف ليقولوا بخلق القرآن، وسالت دماء طاهرة زكية رفضت العنف والقهر والإكراه

ودافعت عن حرية الاختيار إلى أن قضى الله أمرا كان مفعولاً وقمعت تلك الفتنة

المشؤومة.

إننا نسعى إلى الحوار مع الاتجاهات العلمانية في العالم الإسلامي، ليس على

أساس أنه حوار بين إسلام وكفر كما جرى في الماضي بل على أساس أنهما رؤيتان

متجاورتان لفهم مقاصد الإسلام في إطار سلوكي وتشريعي، وإن علينا أن نقدم

الأدلة الواضحة على غنى الفقه الإسلامي، وغزارة مناجمه، لإحياء جذوة الإيمان

في هذا الشطر من الأمة، والمحافظة على الرصيد الروحي الذي تختزنه الفطرة،

وتجتهد في رسم العلاقات بين أبناء الأمة الواحدة على أساس تعزيز المشترك،

والإعذار في المختلف، وفق القاعدة الذهبية التي وضعها النبي الكريم : للمجتهد

إن أصاب أجران وإن أخطأ أجر واحد.

إني أعتقد أن المؤيدات الشرعية لهذا الاتجاه موفورة وصريحة، نقرأ في التنزيل

العزيز قوله سبحانه: قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت

تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، وكذلك ينص القرآن الكريم صراحة على

القول: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً.

وفي هدي النبي قوله: اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فيه

فقوموا.

وفي موقف لافت لدلالات الوحدة والجماعة لم يشأ أن يرغم الناس على قراءة واحدة

حتى في نص القرآن الكريم وإنما أذن للناس أن يقرؤوه بالحروف التي اعتادوها

واللهجات التي عرفوها وقال: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف كلها شاف كاف

فاقرؤوا منه ما استطعتم.

إن فتح حوار فقهي علماني جاد ضرورة تمليها القراءة الصحيحة للمشهد الثقافي في

العالم الإسلامي، وهو يتطلب خطوة ضرورية من الفريقين بحيث تتوضح مسألة

الاعتراف بالآخر والإيمان بدوره في البناء، وحقه في الاختلاف.

وإني أقول بصراحة و بمرارة في نفس الوقت إن كل الآفاق لا تستعصي على الحوار

ولا على الوحدة مهما كانت اتجاهاتها , فقط الأفق الوحيد الذي يستعصي على

الحوار والوحدة إنما هو التعصب الذي عبرعنه الرسول الكريم بقوله: (إعجاب كل ذي

رأي برأيه)وقال ( دعوها فإنها منتنة ) سواء كان ذلك التعصب في إطار سني أو

شيعي أو قومي أو علماني.

بالتأكيد لم يكن بإمكانك أن تسمع مثل هذه الصيحة من صاحب عمامة ومنبر ومحراب

قبل عشرين سنة، ولكننا اليوم نطرحه من أجل لم شعث الأمة وزج كل طاقاتها في

الخندق الواحد .

 

 

عناء التجديد

 

أرجو أن لا تفهموا أنني أقحمكم في عناء أنتم عنه في غنى، ولكن إثارة هذه

القضايا ضرورية بتصويب طريقتنا التربوية في التعاطي مع تدريس ظاهرة (البطل)

التي هي جزء من ثقافة الأمم ووعيها التاريخي، خاصة في مراحل النهوض واستشراف

المستقبل من خلال نجاحات الماضي.

إننا نرسم ملامح التاريخ الاجتماعي للأمة بطريقة طوباوية خيالية بحيث يبدو

هؤلاء القادة وكأنما قُدَّت أقدارهم على ما يشتهونه من مقاس، بحيث ولدوا

والملائكة تزغرد في السماء وطالع نجومهم يطفئ كل نور غرب، وحين حبا افتر ثغر

السماء عن محيا وضاح مبتسم ، وحين مشى هرولت إليه الملائكة وخدمته الحور العين

، وحين بلغ أُذِّن في آفاق الأرض قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان

زهوقاً، وحين دعا إلى رسالته بدا كأن القدر يسارع في هواه، وحين ظهر علمه

وفضله تخاطفته السلاطين وحملته الناس على أعناقها فلم يطأ الأرض بقدمه، ورحلت

إليه القوافل وشدت إليه الرواحل، إلى غير ذلك من الأسطوانات المكرورة التي

تسجلها الذاكرة في صحائف كتب التاريخ المختلفة، وتقدم صورة واهمة حالمة للماضي

تجعل محاولة إحيائه أو الإفادة منه ضرباً من الخيال المحض.

إن هذه المبالغات الغائمة في ترجمة رجال الكفاح في التاريخ الإسلامي تشكل في

الواقع استخفافاً بالعقل الإسلامي والوعي التاريخي، وهو عبث ترتطم به كل

محاولات الإحياء التي يتطلع إليها المخلصون في سعيهم ليناء الأمة من جديد على

هدي الأسلاف ونجاحاتهم.

من وجهة نظري فنحن لا نخدم بهذه الأوهام رجال التاريخ الذين نحبهم وإنما نشوه

تاريخهم ونفقده معنى الصراع البشري والتدافع الإنساني الذي كان يطبع حياتهم.

في القرآن الكريم يمكنك أن تدرك أن تلك المواقف الجارحة التي واجه المشركون

بها النبي الكريم على الرغم من قسوتها وشراستها تم تدوينها بكل شفافية في نص

الكتاب العزيز، وهي مما يقرؤه المسلم في صلاته كل يوم، حيث تجد في القرآن

الكريم ما تحدث به أعداء الرسالة من وصف النبي الكريم : ساحر أو كاهن أو مجنون

أو كذاب أشر، أو أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً، وهي

اتهامات كانت في الواقع قاسية وجارحة، وما أسهل أن يحذفها النبي الكريم من نص

الكتاب لو أراد، ولكنه شاء أن يلقيها في مسامع الناس في تدوين أمين لتاريخ

الرسالة، على الرغم من أن هذه الاتهامات لم يعد لها من يدافع عنها أو يتبناها

بعد أن دخلت العرب في الإسلام وانضوت قبائلها جميعاً تحت لواء النبي الكريم.

نفسه الواقع الذي عاناه النبي الكريم في جهاده لقيه كل من سلك هديه في تغيير

الواقع ويناء المستقبل، والقرآن الكريم طافح بشرح معاناة الأنبياء الذين جاؤوا

أقوامهم بالسعادة والخير فكان نصيبهم منهم الجحود والتكذيب والصدود، حتى هلك

كثير منهم في مواجهة التعصب والتخلف والرجعية التي اختارت مقولة الجمود

والتزمت الشهيرة: إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على أثارهم مقتدون.

على سبيل المثال نتحدث اليوم عن أبي حنيفة كرائد أعظم من رواد الإصلاح في

التاريخ الإسلامي ولكن قلما نتذكر ما واجهه هذا الإمام المجدد في تاريخ كفاحه.

حين اختار أبو حنيفة أن يبوئ للعقل مكانته في التشريع، وكتب عن الاستحسان

مصدرا شرعياً تاماً، وهو موقف بدا لمعاصريه أنه اجتهاد في سياق النص فإن مشايخ

زمانه شنوا حملة عاصفة عليه، نظراً للروح التجديدية التي كانت في فكره

واجتهاده، وكان أوضح هذه الانتقادات ما وجهه إليه الإمام الشافعي في كتابه

الشهير العاصف (إبطال الاستحسان) وفيه قرر الإمام الشافعي مقولته المشهورة

الاستحسان عبث في الدين، ومن استحسن فقد شرع.

وعلى الرغم من أن العلماء فيما بعد اختاروا أن يوفقوا بين منهج الشافعي ومنهج

أبي حنيفة إذ ذهبوا إلى أن الخلاف بين الإمامين الجليلين ليس إلا خلافاً

لفظياً، أو أن الشافعي لم يفهم مراد أبي حنيفة، إلى غير ذلك من الاعتذارات،

ولكن من وجهة نظري فإن هذا الوفاق الشكلي لا يرضي أبا حنيفة ولا يسر الشافعي،

وبدون أدنى شك فإن أولى الناس بمعرفة أبي حنيفة هو الإمام الشافعي فهو تلميذ

أصحابه، وحديثه في منزلة أبي حنيفة وفضله مشهور متواتر، ولكنه في الواقع

اختلاف مدارس، واختلاف مناهج، واختلاف رؤى، وكانت الأمة في صعودها الحضاري

تدرك أنه لا ضير في شيء من ذلك .

ولكن ما قاله الشافعي في أبي حنيفة ربما كان أحسن ما قاله ناقد لأبي حنيفة في

ذلك الحين وبإمكانك أن تقرأ ما حرره الحافظ البغدادي في تاريخ بغداد لتدرك ما

لقيه أبو حنيفة من الجامدين والتقليديين في عصره، فقد أفرد الحافظ البغدادي

أكثر من سبعين صفحة ينقل فيها عن العلماء المعاصرين لأبي حنيفة استنكارهم

لفقهه وحملهم على منهجه، ومضى بعضهم إلى التجريح والشتم والقدح إلى الحد الذي

لا يليق بي نقله في هذا المقام، حتى رأى بعض ناقديه أن مذهبه خليط من المجوسية

والغنوصية ورأى آخرون أنه ينقض عرى الإسلام عروة عروة، واتهمه بعضهم بأنه أترك

الناس لكتاب الله وسنة نبيه، حتى قال أحدهم لأن يكون في حيكم خمّار خير من أن

يكون فيه رجل يفتي بفقه أبي حنيفة!!! وغير ذلك من الأقوال الأمر الذي حمل

المحقق محمد زاهد الكوثري على تصنيف كتاب خاص بعنوان: تأنيب الخطيب على ما

افتراه في حق أبي حنيفة من الأكاذيب، وفي الواقع فإن الخطيب لم يكن يحتاج إلى

تأنيب فهو محض ناقل ولكن الذي يحتاج إلى التأنيب هو التعصب والجمود الذي يلقي

بالمخالف دوماً خارج دائرة الأمة والجماعة، ولا يتورع عن استخدام أي صيغة

اتهام في سبيل تسفيه رأيه وقمع اجتهاده، ومن الواضح هنا أنني أكبر جهاد أبي

حنيفة وحقه في الاختلاف مهما شاء الجمود والتعصب أن يمضي في الإساءة إليه.

إنه من المفيد أن يقرأ طلابنا تاريخ أبي حنيفة كما عاناه هو نفسه، بحلوه ومره،

بلسعه وشهده، بنجاحاته وإخفاقاته، بما قاله فيه أولياؤه وأخصامه ، محبوه

ومبغضوه، مادحوه وشانئوه، دعونا نتعامل مع الماضي كما كان ونتحدث عن المستقبل

كما نحب أن يكون.

المعاناة نفسها نقرؤها في تاريخ ابن رشد الذي أحرقت كتبه، وتتالت عليه المكائد

التي ألجأته إلى الفرار وقضت على مستقبله السياسي، وثمة رجال دفعوا بالدم ثمن

خياراتهم الفكرية نقرؤهم في سلسلة متواصلة بدءاً من علي بن أبي طالب الذي

اتهمه أعداؤه بأنه عدل إلى تحكيم الناس بدلاً من حكم الله، ثم جهم بن صفوان

وخالد بن عبد الله القسري، وطيفور بن بسطام والحلاج وابن الفارض وابن عربي

وغيرهم كثير ، حتى إن إماماً جليلاً كالطبري شيخ المفسرين لم يسلم من سهام

التعصب حتى إن مشايخ عصره من الحشوية كانوا يمنعون الناس من اللقاء به حتى إنه

عند موته هاجت العامة ببغداد ومنعوا من دفنه في مقابر المسلمين حتى اضطر أهله

لدفنه في الدار، كما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية، حتى إن بعضهم رموه

بالإلحاد والكفر لمجرد اختلافه عن الجمهور في بعض المسائل، والكأس نفسها ذاقها

ابن تيمية الذي أغضبت فتاويه العامة فحاربوه بشتى أنواع الحرب حتى أدخلوه

السجن وهناك كتب أهم كتبه، وكان لا يخرج من السجن حتى يعاد إليه، وثمة بيانات

وفتاوى متكررة من المشايخ المعاصرين له بكفره وزندقته، يمكنك الاطلاع عليها

فيما دوَّنه السبكي على سبيل المثال، حتى إن ابن بطوطة الذي لم يكن في خصامه

مع ابن تيمية في عير ولا نفير نقل في رحلته حديث الشارع آنئذ الذي كان يتهم

ابن تيمية بالجنون (في عقله شيء)!! ومات ابن تيمية وهو في السجن شهيد الفكر

والرأي، ومن المفارقة أن آراءه اليوم يتم تداولها على عكس ما ناضل من أجله إذ

تحولت آراؤه نفسها إلى نصوص ينتصر لها أتباعه ويشتدون في قمع مخالفيها

بالوسائل ذاتها التي عانى منها ابن تيمية نفسه.

إن قراءة تاريخ التجديد ومعاناة المجددين يكشف لك أن التغيير لا يأتي على

محامل الحرير وأطباق الذهب وتفرش له البسط الحمراء وتتلقاه الناس بالتهاني،

وإنما هو قدر يركبه رجال التجديد في مواجهة تيارات عاتية من الجمود، من رجال

(الحرس القديم) الذين يقولون { إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم

مقتدون} حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

 

الخاتمة

 

بعد هذا الذي رسمته من معاناة من يسير عكس التيار وأنا بلا شك متصور له قبل أن

أرسمه اسمحوا لي أن أقول :إنني أشعر بمرارة لا لأنني لم أكن أتوقع المعاناة

التي مررت بها ولاقيتها من أهلي وكل الذين يستفيدون من ثمار التيار التقليدي

لكن شعوري بالمرارة ناتج من أنني لم أكن أتوقع ما لاقيته من علية القوم والذين

يدعون التقدم والتطور ويدعون أنهم في خندق الإصلاح والتغيير إلى الأفضل في

حياة الأفراد والمجتمعات , وإنني حين أعبر عن مرارتي لا أشكو فالشكوى المستمرة

منذ عام1989 لم تعط أية ثمار ذلك لأن قضاياي كانت دائما وخاصة تلك التي تتعلق

باستنهاض الناس وتوعيتهم وإخراجهم من عبادة العبيد إلى عبادة رب العبيد أقول :

إن هذه الشكاوى كانت في الغالب تتلاشى في مهب الريح ضحية مساومات وحسابات لا

دخل لأمن البلد ولا لمصلحة العباد فيها

 

امثلة ::

وهنا سنذكر بعض الأمثلة هنا على سبيل التمثيل لا الاستقصاء :

1 – منع الأمن السياسي كتابه ( ومضات في ظلال التوحيد ) وسحبته من الأسواق دون

أن تبلغه حتى الآن بذلك ولا أن تعوضه بقيمة النسخ المسحوبة علما أن الكتاب نال

موافقة كل الجهات المعنية على الطباعة وأيضا على التداول, والسبب تعريف الشيخ

بنفسه انه من عائلة تقطن في منطقة كردستان أولا ، ولعل ثانيا ذلك جاء خطوة

مرتجلة ولحساب بعض الجهات التي يضرها التنوير والتجديد بل وبصراحة لمصلحة محمد

الخزنوي الذي هو خط أحمر حسبما نسمع من بعض الجهات الأمنية التي أطلقت يده في

منطقتنا بحجة أن له نفوذا لا يستهان به على بعض البسطاء ولو ذهب ضحية ذلك من

ذهب , وإلا فالكتاب هو مقتبس من سلسلة كتب العقيدة الإسلامية الستة التي

طبعتها وزارة الأوقاف السورية كجزء من منهاج الإعدادي والثانوي .

2 – منذ سنتين تقدم الشيخ محمد معشوق إلى المركز الثقافي بالقامشلي بطلب

إلقاء محاضرة في ( الإخاء الإسلامي المسيحي ) لكونهما يعيشان معا في

هذه المدينة والمصلحة تقتضي تقوية لحمة الإخاء والمواطنة وأعطي نسخة عن

المحاضرة للمركز ولم يتلق مكتب الشيخ حتى الآن ردا علما أننا نسأل عن ذلك كل

شهر تقريبا وفي هذا راجع الشيخ معشوق المركز من أجل طلب موعد لمحاضرة يلقيها

الدكتور محمد حبش فوافق وكان الوقت قبل المحاضرة بيوم وهذا يعني أن الدكتور

محمد معشوق الخزنوي رجل غير مرغوب فيه .

3 – قامت اجهزة القمع والاستبداد في سوريا وبطريقة عصاباتيه بخطف الشيخ الجليل

معشوق الخزنوي لاسكات صوت الحق .

فليصل الجميع من اجل معشوق رده الله سالما

 

 

لجنة اصدقاء الخزنوي

اعتمدت هذه السيرة على المصادر التالية

· مرشد الخزنوي نجل الدكتور معشوق

· موقع الخزنوي على الويب سات

· اللقاءات التلفزيونية التي اجريت مع الدكتور

 

 

 

654.

مواضيع جديدة في موقعنا الجديد اضغط هنا


ارشيف
ارشيف

صحافة وإعلام و آراء

كتاب الموقع
عبدالغني ع يحيى
العصر الطيني في العراق.
بنكي حاجو
الكذبة الكبرى
ب. ر. المزوري
النقطة
زاكروس عثمان
أحزاب خارج التغطية
إبراهيم اليوسف
النص الفيسبوكي 2.
عبد عبد المجيد
الفسيفساء السورية
أفين إبراهيم
رضاب الفراش
وزنة حامد
قلق الذات