هناك تقديرات تقول إن عدد اللاجئين السوريين في تركيا ممّن هم في سن الذهاب إلى المدرسة 800 ألف طالب، ما يزال نصف هذا العدد من الطلاب محروماً أو غير قادر على الذهاب لمقاعد الدراسة
يدور
جدل واسع بين أوساط السوريين في تركيا على خلفية قرار وزارة التربية والتعليم في البلاد
للعام الدراسي 2016-2017، بإيقاف المدارس السورية كافة التي تعتمدها هذه الأخيرة كمراكز
للتعليم المؤقت، وذلك ضمن «خريطة طريق» تمتد من 3 إلى 5 سنوات، تكون فيها المدارس السورية
مراكز التحويل من التعليم المؤقت إلى التعليم النظامي في المدارس الحكومية التركية.
وعدا عن الفوضى التي لحقت بالطلاب السوريين،
لا سيما أن القرار تضمن نقل كل من في الصف الأول والخامس والتاسع إلى المدارس الحكومية
التركية، فإن مخاوف ظهرت لدى الطلاب وأهاليهم من احتمال وجود سياسة ممنهجة للتتريك
من خلال تغيير نظام التعليم.
ويقول عمرو خوّام، وهو طالب في الصف الحادي عشر،
وأحد طلاب مركز للتعليم المؤقت، لـ «القدس العربي» لقد في غالبية المدارس السورية إلى
واحدة أو اثنتين خلال الأسبوع، مقابل زيادة ساعات تدريس اللغة التركية لنحو ثماني عشرة
ساعة في الأسبوع»، علماً أنه وحتى اللحظة لم يتم تشريع قرار رسمي في هذا الخصوص، باعتبار
أن القرار كان يُفترض التدرج في تطبيقه وتخصيصه على الصفوف التي تم نقلها إلى المدارس
التركية لا السورية.
هناك إحجام من قبل بعض الأسر عن تسجيل أولادهم
في المدارس الحكومية التركية ممن هم في الصف الأول والخامس والتاسع، بحسب خوّام، الذي
يشير إلى أن ذلك « ناتج عن مخاوف عدّة منها التدريس باللغة التركية».
وفي هذا السياق، تقول دعاء رستم، وهي والدة أحد
الطلاب السوريين «بعض الأسر تخشى من أن يؤدي تركيز الطلاب في هذه المراحل العمرية على
تعلم اللغة التركية إلى طمس للهوية العربية في ظل حالة عدم الاستقرار الذي يعيشه الوسط
الاجتماعي السوري سواءً داخل المنزل أو خارجه، حيث ستصبح اللغة التركية رئيسية لطالب
الصف الأول وسيكون مندمجاً مع أصدقاء أتراك بطبيعة الحال، وحين عودته للمنزل ليس بالضرورة
أن تقوم العوائل بتوجيه الأولاد وإرشادهم لأهمية اللغة العربية».
وتضيف «كانت الحكومة التركية تستطيع تنظيم المدارس
السورية المؤقتة. لا بد من وضع خطط وبرامج بالتعاون مع الأمم المتحدة من أجل بناء مدارس
خاصة بالسوريين لا سيما وأنها تخصص مثل هذا الأمر لطلابها المحليين كل عام، وإن كانت
تسعى أنقرة للاستفادة من وضع السوريين مع الطلاب الأتراك في برنامج الإدماج الاجتماعي،
فتستطيع تحقيق ذلك من خلال تخصيص حصص للغة التركية وغير ذلك».
ويحاول نائب رئيس الهيئة الوطنية العليا للتربية
والتعليم العالي السورية جلال الدين الخانجي، تبديد مخاوف تتريك الطلبة السوريين، مؤكداً
لـ «القدس العربي» أن فكرة «التتريك من خلال سياسة التعليم غير واقعية؛ فلطالما عاشت
جاليات في العديد من البلدان وتمكنوا من المحافظة على لغتهم الأم، مستدركاً بالتأكيد
على ضرورة قيام العوائل بتعليم أولادهم اللغة العربية بشكل أكبر بما في ذلك الثقافة
في جلسات المنزل اليومية».
ويشير إلى أن «طبقة الطلاب السوريين من الذين
يتعلمون في تركيا ضمن إطار برنامج الإدماج المتبع، سيكونون في النتيجة بالمستقبل قدَماً
لتركيا في سوريا وسيحملون هذا النمط من الازدواجية في الثقافة، لكن الثنائية اللغوية
موجودة في كثير من بلدان العالم، وعاشت الجاليات في فترات من الزمن بثنائية لغوية».
ويبين أن «قرار وزارة التربية والتعليم التركية،
نابع من عدم المقدرة على تحسين أداء مدارس التعليم المؤقت التي كانت تدار بشكل شبه
كامل من قبل إدارة سورية باستثناء وجود مشرف تركي، عدا عن أن التقدير الرسمي يشير إلى
وضع استراتيجية لفترة أطول يمكن فيها استيعاب السوريين المتواجدين في تركيا وفق برنامج
إدماج اجتماعي متكامل».
ويتابع «كانت الاستراتيجية التركية مبنية على
تجاوز أزمة اللاجئين السوريين خلال سنوات قليلة ضمن إقامة مؤقتة لهم، وبالتالي كانت
معالجة الحاجات التعليمية مؤقتة وسريعة، غير أن طول المدة وانقطاع الآمال من تجاوز
هذه الأزمة خلال فترة قصيرة، دفعا الحكومة التركية إلى خطوة دمج الطلاب السوريين مع
الأتراك».
ولدى السلطات التركية خطة لاستيعاب المعلمين
السوريين، الذين سيؤدي تطبيق خارطة الطريق بالنسبة للطلاب إلى تركهم وظائفهم، بحيث
تشمل الخطة تأهيل 17 ألف معلم في العام الدراسي 2016 – 2017، غير أن هذا القرار بعث
بمخاوف شديدة عند الأساتذة السوريين، الذين سيضطرون إلى تعلم اللغة التركية على مستوى
عالٍ؛ من أجل الالتحاق بالمدارس الحكومية للتعليم فيها. ولا يدري خانجي، ما إن كانت
هذه الاستراتيجية ستنجح أم لا، والتي تحتاج أصلاً إلى آليات معقدة وإمكانيات كبيرة،
لكنه يؤكد وجود جدية من قبل الجانب التركي في هذا الشأن.
في 19 أيلول سبتمبر من العام الجاري، نشرت وزارة
التربية والتعليم التركية قراراً توضيحاً بخصوص الطلاب السوريين على الأراضي التركية،
مفاده أن كل طلاب الصف الأول والخامس والتاسع سيدرسون المنهاج التركي.
من ناحية أخرى، هناك تقديرات تقول إن عدد اللاجئين
السوريين في تركيا ممّن هم في سن الذهاب إلى المدرسة 800 ألف طالب، ما يزال نصف هذا
العدد من الطلاب محروماً أو غير قادر على الذهاب لمقاعد الدراسة، ومن هذا العدد يوجد
حوالي 78 ٪ من السوريين يتلقون تعليمهم في مراكز التعليم المؤقتة و22 ٪ الآخرين يتلقون
تعليمهم في مدارس الحكومة.
"القدس العربي"