نوري بريمو: الفدرالية أنسب نظام لسوريا المستقبل
السبت 04 أيّار / مايو 2013, 06:08
كورداونلاين

الدساتير الاتحادية هي التي تحدد إختصاص وصلاحيات كل الشركاء في الدولة الإتحادية، لذلك فإن الدولة الاتحادية تستمد وحدتها وتماسكها وشرعيتها وقانونيتها من قوة المواد القانونية
إذا أخذنا بعين الإعتبار مختلف أنماط الحكم التي خضعت لها بلدان منطقتنا المتتاخمة جغرافياً وشعوبنا الشرق أوسطية المتجاورة تاريخياً، وجدنا بأنّ معظم هذه الأنظمة السياسية هي وضعية من صنيعة الإنسان ولا توجد وصفات مسبقة الصنع أو جاهزة للتداول الميداني في مجال فنون إدارة البلدان من حيث كيفية ونوعية الأداء والتعامل ما بين الراعي والرعية، خاصة وأن تجاربنا الذاتية قد أثبتت عبر التاريخ بأنّ معظم الأنظمة الدكتاتورية التي سادت في ديارنا قد جاءت بغالبيتها عبر الانقلاب على الأهالي لتحقيق أغراض فئة معينة علما بأن بلداننا بحاجة ماسة إلى أنظمة عصرية تدير شؤونها بشكل ديمقراطي توافقي وليس تخالفي.
وبناء عليه وكما أنَّ لكل سلطة خصوصيتها وطبائعها التي تحدد شكلها وجوهرها وتمايزها عن غيرها، فإنَّ معظم النظم الديمقراطية وبالتحديد الفيدرالية هي ذات جوهر واحد من حيث المبدأ لكنها تختلف عن بعضها من حيث التوجهات والشكل والكثرة، وهي أنظمة متطورة ناجمة عن توافقات سياسية إختيارية تؤدي بغالبيتها في نهاية المطاف إلى تأسيس منظومة اتحادية طوعية بين قوى سياسية متوافقة أو قوميات متجاورة أو مناطق جغرافية متتاخمة أو مناطق نفوذ دينية تتآلف فيما بينها لتشكل معاً دولة تعددية اتحادية مبنية على أسس وقواسم وإرادات مشتركة تؤدي بالضرورة إلى رسم مصير مشترك.
وبهذا الصدد أود الإشارة إلى أمر في غاية الأهمية فقد نختلف حول مسميات تلك النظم (كونفدرالية أو فدرالية أو حكم ذاتي أو غير ذلك) لكنَّ ما يهمَّنا في هذا الأمر الذي بات محيرا للبعض هو المضمون الذي ينبغي أن يتم التركيز عليه من قبل جميع المعنيين بالمشكل وخاصة فئة المثقفين الذين تقع على عاتقهم مهمة مراكمة الحراك الذي من شأنه تخليص شعوبنا من عقلية ومظالم الأنظمة المركزية (البسيطة) التي قبعت فوق صدورنا لعهود طويلة، لأنَّ هكذا حراك حضاري من شأنه الإتيان بالبديل اللامركزي (المركب) الذي بمقدوره أن يجلب الاستقرار العام ويشكل بفضل مؤسّساتيته عاملا حاسما للإنصاف ولإستتباب العدالة ولسرَيان خصال حسن الجوار والسلم الأهلي والحياة الحرة اللائقة بمختلف أطيافنا الآدمية، والذي ربما يوصلنا أيضا إلى تشاركات اندماجية حقيقية ترضي جميع مكوناتنا وتلبي طموحات أجيالنا وتجعلنا نبني معاً بلداناً عصرية على شكل فضاءات ديموقراطية تجعلنا أقوياء بالجملة وتعمل على توفير العيش السعيد والآمن لأهلنا الذين لم يهنأوا منذ أمد بعيد بأية نعمة من نعم المساواة ومستلزمات الحياة الآدمية التي وهبها الله لبني البشر.
ورغم اختلاف قراءاتنا لبعض القضايا العالقة فيما بيننا بسبب اختلاف منابتنا ومشاربنا وثقافاتنا وتوجهاتنا ومقتضيات مصالحنا، وبالنظر إلى ما حصل بين شعوبنا من أزمات خلافية مجحفة في مجال اعتداء الأكثرية السكانية على حقوق الأقليات، فإنَّ أحداً لا يستطيع أن ينكر بأن تجربة الدولة الفدرالية (الاتحادية) هي أنموذج ناجح على شتى الأصعدة والميادين العالمية كما هو الحال في كل من أمريكا وسويسرا وألمانيا ولبنان والإمارات العربية المتحدة وغيرها من دول المعمورة، خاصة وأنّ غالبية الدول الفدرالية في دنيانا قد تطورت بشكل ملحوظ وتفوَّقتْ على غيرها وباتت قوية من الناحية المادية والمعنوية والقدراتية، وذلك نظراً لما تتمتع به هذه النظم المتطورة من محاسن وأوجه قوة تستجلب الفائدة المرجوة لأمم تلك البلدان، ونظراً لما يتوفر في هذه الاتحادات من إرادة جماعية تسامحية بين المركز والأقاليم في مجال تحقيق الحقوق وأداء الواجبات، في حين نجد بأنَّ عاصمة الدولة الاتحادية مثلاً تحظى بصلاحيات دستورية واسعة تفوق بكثير مما تناله الأقاليم أو المناطق ذات الإدارة الذاتية التي تتبع لتلك الدولة، إذ يتم في العادة فرض مبادئ معينة على الأجزاء التي ينبغي أن تلتزم بقرارات المركز ولو كان ذلك على حساب مصالحها المحلية، وبموجب ذلك فأنّ أي إقليم تابع للمؤسسة الفدرالية يفقد داخل الإتحاد حق ممارسة السياسة الخارجية التي تكون في العادة من صلاحيات المركز بشكل حصري، وبالمقابل فإنّ المركز يجد نفسه مضطّراً للتنازل بمقتضى الدستور عن بعض سلطاته الداخلية إن دعت الضرورة أو تطلبت الحاجة.
زد على ذلك نجد بأنّ السلطة المركزية للدولة الاتحادية تتعاطى مع أقاليمها وفق خطط وبرامج مستفتى عليها سلفا ومنصوص عليها دستوريا، وتخضع هكذا دول لأحكام القانون الدولي عندما تتعامل مع الأسرة الدولية التي هي بدورها لا تعترف سوى بالحكومة المركزية أو بمعنى أكثر دقة بالإدارة اللامركزية.
وبناء عليه فإنَّ الدول التعددية أو بالأحرى (المركبة) التي تعيش فيها شعوب وطوائف مختلفة، مثل سوريا التي تشهد ثورة عارمة، ينبغي أنْ تختار لشعوبها السير في منحى فدرلة نفسها وأن تستند في نشأتها إلى دستور دائم يقرُّ بالتعددية كخيار ديمقراطي يدعم بنيانها ويصون حاضرها ويخطط لمستقبلها ويمدها بالقوة الجماعية ويعمل على تنظيم التواصل المؤسساتي بين كافة الأفرقاء بشكل توافقي يضمن تحسين العلاقات وتخصيبها ما بين الحكومة الاتحادية وبين الأقاليم أو الولايات المكونة لها.
وللعلم فإنَّ الدساتير الاتحادية هي التي تحدد إختصاص وصلاحيات كل الشركاء في الدولة الإتحادية، لذلك فإن الدولة الاتحادية تستمد وحدتها وتماسكها وشرعيتها وقانونيتها من قوة المواد القانونية التي يتم تدوينها في الدستور وتطبيقها بشكل اختياري وليس قسري وتحت سقف المحكمة الدستورية، مما يوضّح بأن المنظومة الاتحادية المبنية على التعددية القومية أو الدينية أو السياسية هي عبارة عن نمط حكم دستوري يعتمد اللامركزية المنفتحة بدلاً من المركزية المنغلقة، وللعلم أيضاً فإنَّ هنالك ثمة أنواع عديدة من الدول الإتحادية أو بمعنى أخر أنماط كثيرة من اللامركزيات في حكم البلدان التي يُستحسَن إدارتها وفق أساليب ديمقراطية متعددة الأشكال والألوان وفي الوقت ذاته ذات جوهر عصري يكمن في إنسانية بنيتها الفوقية وفي مدى الاهتمام بالبنية التحتية التي لا يجوز تركها عرضة في مهب رياح مصاعب الدمقرطة التي لا بديل عنها سبيلا سلميا لتحقيق الفدرلة وصونها من الداخل عبر حمايتها من جموع المتربصين بها