التناقضات و صراع المصالح في الأزمة السورية كوران بافي أري
الأحد 17 آذار / مارس 2013, 17:50
كورداونلاين
لا تزال المأزق تخيم على معظم التحركات التي تسعى إلى إيجاد مخرج للازمة السورية ، فجميع المؤسسات والمحافل الدولية والعربية التي تصدر من أروقتها قرارات بهذا الشأن متناقضة مع بعضها بهذا الصدد ، مجلس الأمن الدولي مشلولة بسبب التناقضات ووجود رؤى مختلفة و فيتو روسي صيني توقف عمل المجلس في إصدار قرارات ملزمة
. جامعة الدول العربية أيضاً تعيش حالة مشابهة فهناك دول تدعم المعارضة بمختلف الأشكال كالسعودية وقطر وليبيا وغيرهم من دول الخليج العربي ، ولهم هدف ورأي مشترك وهي إسقاط النظام بالقوة العسكرية من خلال الجيش الحر ، وهناك دول تنأى بنفسها لكي لا تنتشر المرض إلى جسدها مثل لبنان وإلى حد ما الأردن . ودول عربية أخرى تدعم النظام مثل العراق متمثلاً بحكومة المالكي التي تشكل جسراً قوياً تعبر من فوقها جميع المستلزمات السياسية والعسكرية والاقتصادية من إيران .
أما بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي فهي أيضاً لا تملك رؤية واحدة وتعيش تناقضاً كبيراً في المواقف بكيفية الحل ، فالدول الأكثر تأثيراً فيها مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا مختلفة في وجهات نظرها فمثلاً ألمانيا تجد في منح المعارضة القوة العسكرية والسلاح كارثة بحد ذاتها لأنها ترى في ذلك تسعيراً لحرب طائفية ستنتشر لتحرق جيرانها أيضاً ، أما بالنسبة إلى بريطانيا وفرنسا فإنهما يجدان في إمداد المعارضة بالقوة العسكرية ورفع منع الحظر عن تقديم السلاح للمعارضة سبيلاً لكسر رقبة بشار الأسد والوصول إلى مرحلة التوازن العسكري ، وإجباره على التنحي عن السلطة . وهلم جراً بالنسبة إلى مواقف الدول الأوروبية الأخرى .
أما بالنسبة إلى إيران وتركيا فهما الدولتان اللتان تمثلان دور العمود الفقري للمتصارعين على الحلبة ، فكل منهما لا تبخلان إطلاقاً في تقديم الغالي والنفيس لتشجيع حليفه وإمداده بالقوة من كافة النواحي .
أما إسرائيل فهي من أكثر الدول التي تعنيها و تهمها الشأن السوري وتحسب له ألف حساب في كل دقيقة تمر من عمر هذه الأزمة وقليلاً ما تصدر التصريحات ولكنها من أكثر الدول التي تلعب في الخفاء ، إلا أنه صدر يوم أمس تصريحاً من رئيسها شمعون بيريز وكأنه يطرح مبادرة بتدخل قوات من الجامعة العربية إلى سوريا لحماية الدولة ، ويحذر من إيصال الأسلحة الكيميائية إلى أيدي جبهة النصرة ، وهي من أكثر الدول التي تخشى من البديل القادم وتصرف جهود جبارة من أجل حماية الأسلحة الكيميائية ومنع وقوعها في أيدي الجماعات الإسلامية المتطرفة .
أما الولايات المتحدة الأمريكية فأكثر ما تهمها هي مصلحة حليفتها الإستراتيجية إسرائيل وفي ظل تآكل النظام السوري كما صرح به مدير المخابرات الأمريكية اليوم جاء تصريح آخر من سفير أمريكا في إسرائيل يحذر من وقوع السلاح الكيميائي في الأيادي الخاطئة . هذه التصريحات الأمريكية والإسرائيلية المتناغمة معا تأتي في وقت تتقدم فيه جبهة النصرة في الميدان وتحقق انتصارات كبيرة على أرض الواقع وتسيطر على مناطق واسعة من الأراضي المحررة . يبدو للناظر إلى الأحداث وكأن سيطرة جبهة النصرة على الكثير من المساحات وفي مناطق محددة تدخل في منحى آخر لصالح بقاء الأسد ، لأن إسرائيل وأمريكا والكثير من الأوربيين سيختارون بقاء الأسد على البديل الإسلامي المتطرف المتمثل بجبهة النصرة وهذا ما يجعلهم في حيرة من أمرهم .
فقد جاء اليوم تصريحاً جديداً من الولايات المتحدة الأمريكية على لسان جون كيري على أنه يرغب مشاهدة الأسد والمعارضة على طاولة المفاوضات لإنهاء الأزمة وقد يكون هناك تكتيك عسكري يمارسه الأسد نفسه لهذا الغرض وذلك بإرخاء الخيط قليلاً لسيطرة جبهة النصرة وإبراز سلطتها على المناطق ذات الأغلبية السنية في سعي منه لإبراز نفسه الأفضل أمام أعين القوى الكبرى من البديل الآخر، ولهذا نلاحظ أن الأمريكان ربما في الآونة الأخيرة يرغبون في منح روسيا الدور الأبرز في حل الأزمة السورية وما يؤكد هذا المنحى تصريحات فابيوس وزير خارجية فرنسا على أنهم يعدون مع الروس والأمريكان لائحة بأسماء مسؤولين من القيادة السورية لتوافق عليها المعارضة بالجلوس معها ،
وجدير بالذكر إن المعارضة نفسها تعيش في داخلها تناقضات واختلافات في الرأي والمواقف تكاد تحدث شروخ كبيرة داخل جسم الائتلاف نظراً لتمثيل كل مجموعة لأجندات دول متناقضة مع بعضها لهذا فإن المعارضة أيضاً تعيش وضعاً لا يحسد عليها من التشرذم والتضارب في الآراء والمواقف.
تبدو صورة المشهد معقدة للغاية نتيجة تداخل خيوط اللعبة السياسية مع بعضها وتضارب المصالح الدولية ، لأن هذه المصالح باتت اليوم تلعب دورها أكثر مما تهم مصالح الشعب السوري ، وقد يكون هناك حلقة جديدة من التحركات السياسية والدبلوماسية في طريق إيجاد الحلول لهذه الأزمة عن طريق المفاوضات في الفترة القادمة لهذا فإن طاولة الحوارات السياسية والدبلوماسية في موسكو تكاد لا تخلو من أصحاب الشأن الدبلوماسي لدول أصحاب القرار في الأزمة السورية ، وهذه الحلقة الجديدة من الآراء والمواقف بتوافقياتها وتضارباتها قد تزيد من عمر الأزمة إلى نهاية هذا العام موعد انتهاء مدة رئاسة الأسد للسلطة في سوريا.
كل هذا تأتي في وقت تنذر تقارير من مختلف المنظمات الإنسانية واليونيسيف وحقوق الإنسان بوقوع كوارث إنسانية تدفع فاتورتها الشعب السوري من قتل وتهجير ودمار والدراسات تشير إلى إيصال عدد المهجرين إلى أربعة ملايين في هذا العام وسيكون هناك جيل كامل من الأطفال محرومون من الدراسة وسيعانون من آثار هذه الأزمة طوال حياتهم .