شمدين شمدين : سوريا متى تشرق الشمس الدافئة
الإربعاء 13 آذار / مارس 2013, 19:53
كورداونلاين

القامشلي هذه المدينة الساكنة في وادي الانقسامات التاريخية المرة ، مازالت تعيش بعض الأيام الآمنة، لكن الآمان لا يعني البعد عن الموت
سوريا : متى تشرق الشمس الدافئة؟
رئيس الهلال الأحمر الكردي
في تداخل عجيب بين زمهرير الأسى ودخان مدافئ الحطب ، تغيب المدينة في سكون مظلم خلف أحزان الوجع الذي يبدو انه لن ينتهي قريبا ، الكل في الهم يقبعون تحت لحاف الأمل ، الأطفال الذين باتوا لا يدركون معنى وجود الكهرباء ، استكانوا إلى واقع الشموع التي تنطفئ سريعا سريعا ، بات مشاهدة التلفاز وأفلام الكرتون حلما بعيد الأمل ،لا يدركون هم بعقولهم الصغيرة و ابتساماتهم البريئة الواقع الذي فرض عليهم فجأة، ربما لا يدركون إنهم مازالوا ينعمون بحظ كبير، إنهم مازالوا أحياء في مدينة آمنة ،حيث إن الوطن بأكمله بات ساحة خراب ودمار وقتل لبراءة الصغار.
القامشلي هذه المدينة الساكنة في وادي الانقسامات التاريخية المرة ، مازالت تعيش بعض الأيام الآمنة، لكن الآمان لا يعني البعد عن الموت (فالموت لا يأتي دوما برصاصة قناص في الصدر أو الرأس ،إنما الموت يأتي من الجوع والبرد أحيانا كثيرة) تقول امرأة مسكينة تنزوي في ركن صغير باحثة عن رغيف خبز تطعم به صغارها الجوعى.
كمن يبحث عن نافذة تبعث بعض الأوكسجين إلى داخل بيت مهترئ قديم ،بات الكثير من السكان يعيشون أيامهم الصعبة،لكن المحيط سديمي ، ضبابي ، عفن ،غير آمن ، والأطراف تبدو أكثر بؤسا وشقاء، تلك الأطراف التي تعج بالنازحين والهاربين من موت الصواريخ والرصاص الغادر.
عند باب المدرسة التي تمتلئ بوجوه حزينة باردة ، تفاجئك النسوة وهن تكتسين بسواد الألم ، سواد في الخارج من أبخرة البرد ، وسواد في الداخل من الوجع والحسرة،وجوه الأطفال هي الأخرى تتوارى خلف ستار الخوف والترقب ، صعب جدا أن تجد ابنك أو ابنتك في وضع مأساوي كهذا ،لا أبواب تمنع البرد من الدخول إلى الغرف المفروشة بالحصير وبعض البطانيات القليلة التي صنع من قسم منها أبوابا لا تكاد تمنع زفير المرض من الانتقال وسط الأماكن المزدحمة بالأجساد، هل نسيّنا العالم أم كنا منسيين من الأصل ؟ يتساءل رجل ثمانيني يكاد يرى بصيص من النور أمام عينيه التي اعتادت على القطرات الخافضة لضغط العين ولكن منذ شهور لم تعد تتوافر هذه القطرات فتراجعت حالته وبات منهكا ، سريع الغضب ،وسريع البكاء أيضا :( ماتت ضمائر العالم ، ماتت الإنسانية في النفوس ، أين الموت فليأخذنا بعيدا عن مشاهدة هذه الآلام التي اجتاحت بلدنا من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب ) يكمل الثمانيني أنينه وسط صراخ الأطفال وبكائهم المر وجوعهم الذي لا يكاد يخمده القليل من الوجبات الغذائية التي تتصدق بها بعض الجهات والمنظمات الإنسانية أحيانا ، لتنساهم بعد فترة لأيام طويلة متواصلة .
ربما تبدو المدرسة التي تقع في أطراف المدينة ،مجمعا صغيرا لسوريا كلها ففيها من كل المدن والبلدات ، وفيها من كل الأعراق و الأديان وفيها من كل الأعمار ، وفيها الكثير من القصص والمآسي عن وطن تتداعى مؤسساته وتتهاوى أركانه وسط صراع بات أشبه بلعبة على من يقتل أكثر ومن يفتك أكثر ومن يهدم أكثر ومن يشرد أكثر عدد من السكان ،تشاركهم في هذه الجريمة كل الجراثيم والميكروبات التي وجدت لها مرتعا في نفايات وقمامة الشوارع والأحياء المتهالكة ، لتصنع لنفسها مجدا جديدا ، ناشرة كل قذاراتها وأمراضها الفتاكة ، لتحول الأجساد الواهنة أصلا، إلى بقايا بشر، وبقايا أناس مازالوا يحلمون بالدواء والغذاء والأيادي الرحيمة.
من ظلمة الليالي الطويلة المليئة بأصوات المدافع وإرتجافات البرد والخوف ، من ظلمة الجوع الذي يغزو كل البيوت الباقية صامدة وسط معمعة التقاتل والتحارب الأهلي الرهيب ،تلمح بصعوبة وجوه أطفال بريئة ينادون من مخيماتهم التي اجتاحها المطر ، ومن بيوت الطين التي جرفها سيل الألم ، تلمحهم ينادون أمهم التي ترملت سريعا ، متى يا أمي ستشرق الشمس الدافئة ، تنظر الأم بعيون دامعة وسط لهيب العتمة ، حين تهدأ الأحقاد ، وتعبر أشعة الرحمة شغاف القلوب ،حينها ستنطفئ شموع الحاد وستشرق شمس الحرية من جديد ، لتدفئ عظامنا الهشة ، وتفسح الساحات والميادين والحدائق لكم ، لتلعبوا معا لعبة المحبة والتسامح والعهد الجديد ، على أرض السلام والوفاق والإرادة الحرة.