تاهيف دوش : حوار مع روني علي حول الأدب
الجمعة 08 آذار / مارس 2013, 08:00
كورداونلاين

بدأنا نجد بوادر تشكيل صورة أدبية في المنطقة من خلال بعض الكتاب والمهتمين، ومعهم بدأت براعم الخيال تفتح على البعض من ندى الصباحات
حوار مع روني علي حول الأدب
جريدة سبا – جريدة شهرية مستقلة – العدد 9 شباط 2013
- ماذا عن واقع الأدب في كوباني والمعوقات ..؟
لست ميالاً إلى صناعة الامجاد من الفراغ أو الإتيان بواقع لم نعشه بعد، فالأدب كحالة إبداعية ومحاكاة للطبيعة الناطقة، وكذلك ترجمة لذات الإنسان وفق تعبير مختلف ومختلق، يحتاج إلى أدواته وفسحة من الحرية لكي ينمو ويزدهر. وبما أن الشعب الكردي ومنذ تشكل الكيانات الجيوسياسية في المنطقة لم ينعم بالحرية التي هي مطلق الإبداع، بل كان ومازال يواجه الاستهداف في وجوده ويعيش هاجس البقاء وفق خصوصيته القومية، فقد كان النمط الاكثر حضوراً لدى الإنسان الكردي، حتى منتصف القرن المنصرم، هو الأدب الشفاهي أو أدب الصدور، وبحكم أن كوباني – مسقط رأسي – هذه المدينة الواقعة على ضفاف الشقاء منذ أن ولدت في أحشاء النسيان، هي الأخرى تتألم من جملة المشاريع والسياسات التي استهدفت الذات الكردية، فضلاً عن أنها تقع على تخوم التماس بين مشاريع الانقضاض على أية خطوة جنينية تهدف الارتقاء بالوعي الجمالي – منطقة حدودية – فقد كان نصيبها من الحرمان كنصيب الثورة من مفاهيم الحرية نفسها، فهي وحتى أمد قريب جداً كانت محرومة من كل ما من شأنه أن يدفع بالخيال نحو الخصوبة والقريحة صوب الانفجار ، حيث الأمية وغياب مؤسسات العلم والتعليم، ناهيكم عن اللااستقرار بحكم فقدان البنية الاقتصادية الممهدة لذلك ..
كوباني التي يمكن القول عنها أنها جزيرة شبه نائية في بحر التجاهل، كانت تفتقر إلى أبسط مقومات التفاعل مع الحراك الأدبي، فلو حاول أي مهتم البحث عن كتاب – أي كتاب- فلن يجد في طول البلد وعرضه مكتبة عامة أو دارا لتبادل العلم والمعرفة. ولو أراد أديب أن يختصر الألم بكلمات هي من حليب أمه، فلن تسعفه اللغة في التعبير عنها، عدا عن أنه سيكون عرضة للانتهاك والاعتقال كونه يختزل الحلم في قنبلة موقوتة ويتفوه بلغة أرادتها مشاريع الانقضاض أن تكون تحت السيطرة..
فالكردي يقرأ لغة لا يتذوق جماليتها وينشد جمالا لا يمكنه التعبير عنها بلغة الجمال التي يمتلكها، كونه أميّ بلغته عن بكرة أبيه، وعليه كان يشد الرحال إلى قصص المضافات وأساطير فرسان افترشوا في خيال الليل وسهل سروج مساحات شاسعة.
باختصار لم تكن في كوباني ظاهرة أدبية بالمعنى الحقيقي للكلمة وإن وجدت بعض المساهمات هنا أو هناك، ومع بروز الفئة المتعلمة، وحالة التفاعل النسبي بين المنطقة ومحيطها، فضلاً عن انتشار أدوات الإعلام ووسائله، بدأت ملامح الاهتمام بهذا الجانب، وإن كان يحتل المرتبة ما قبل الأخيرة من الاهتمامات، بحكم أن العمل في الحقل السياسي "الحزبي" كان له حصة الأسد من جهة، ومن جهة أخرى توافق إرادة السلطة وإرادات القوى التي تدعي بمناهضتها للسلطة والتقاءهما حول فكرة، أن الوعي هو العدو والخصم الرئيسي للنمطية السائدة في شكل وأسلوب التعاطي مع الحالة المجتمعية وإدارة أزماتها، ولكن مع ذلك بدأنا نجد بوادر تشكيل صورة أدبية في المنطقة من خلال بعض الكتاب والمهتمين، ومعهم بدأت براعم الخيال تفتح على البعض من ندى الصباحات .. لكن ليست في المستوى التي يمكننا القول عنها، أنها قد شكلت حديقة أدبية تتلاقح فيها أنواع الورود والزهور، إلا أنها تحمل أملا بأن المستقبل سينشد للجمال.
- كيف يمكن الارتقاء بالحركة الأدبية لتحتل موقعها في عملية تفاعل اللوحة المجتمعية ..؟
البحث في الكيفية والأداة التي من شأنها انعاش الحركة الأدبية، يعني حكما البحث في مرتكزات الجمال في البنية الاجتماعية، وبالتالي محاولات إيجاد مقومات الصيغة العصرية لتفاعل الحالة الاجتماعية، حتى نتمكن من مأسسة الفعل الاجتماعي والدخول إلى علاقات مدنية بين مجمل فعاليات الحياة العامة، وذلك حتى نتمكن من إخراج الجنين الأدبي من السطور والصدور لينتعش في سيكولوجية الإنسان ويثبت حضوره كأحد روافد عمليات التغيير والانتقال بالمجتمع من طور الجمود في التفاعل بين الخيال والسكون إلى النبش في السكون ذاته وتحريره من القيود والممانعات، وبالتالي تحريضه ليكون جزءا من خيال جمالي يأخذ مجراه في إثارة الوعي المجتمعي كعلاقة جدلية بين سمفونية العشق للحياة والغريزة البشرية التواقة لأن تتغنى بها .. من هنا كان على المهتمين فهم حقيقة؛ أن الأدب ينمو ويترعرع في جو التصارح مع الواقع وليس في اقحامه ضمن مشاريع، هي في حقيقتها تنخر المشاعر المنفعلة وتسطح جمالية الإبداع، فالأدب يحتاج إلى مفرداته وتلك المفردات فيما لو وضعت في موقعها وضمن سياقاتها الطبيعية، ستضفي على الخطاب التفاعلي لمسة ناعمة وحساً مرهفاً، ومن هنا أعتقد أننا بحاجة إلى إيجاد صالونات للأدب ومراكز تشجيع للفعاليات الأدبية، كوننا لا نمتلك القوة والقدرة لأن نحقق أكثر من ذلك على الأقل في المرحلة الراهنة ....