السبت 08 شباط / فبراير 2025, 07:24
عثمان حمو: التدريب على الضوء




عثمان حمو: التدريب على الضوء
الجمعة 11 كانون الثّاني / يناير 2013, 07:24
كورداونلاين
عندما كانت عيوني مغلقة,فكرت بأن جسدي مقبرة كبيرة وشواهد قبور لا تنتهي وبحر وطريق,المقابر هادئة دائما لأن الموتى يتكلمون بلا صوت ويعلقون قناديل عالية على السماء البعيدة ليلا


ليلة أمس نزعت رأسها,صارت تنزف من عنقها بغزارة,ملئت الكأس حتى آخره وشربت

عند منتصف الليل كنت ثملا بدم العنب المقتول,وكانت الزجاجة فارغة ملقاة على الطاولة بعفوية

لا أريد أن أستيقظ هذا الصباح,سأترك عيوني مغمضة و أفكر بالأشياء واللأشياء,قبل أن أستفيق تطير الملائكة من فراشي وتقصد جهة ما,أكنس ريشها المبعثر من على فراشي,أرتب الريش في صندوق من الخشب خلف الباب حيث للخشب رائحة الغابة المنذهلة

لا أريد أن أفتح عيوني,فلما فتحت عيوني أشاهد السقف الذي يحاصر الهواء والجدران التي تضغط على صدر الضوء,وكلما نظرت الى صورتي المرسومة على الجدار بحبر الظل,كلما حاولت أن أخيط التمزق في الصورة يندلق النهر على فراغ المكان بغزارة ويتبلل وجهي و أختنق بالماء وبالخشب الرطب

لا أريد أن أفتح عيناي,سأترك عيوني مغلقة بقفل حديدي وسلاسل,فالمارة في شوارع المدينة شاحبين كأوراق كتاب قديم,كئيبين كأوراق المتساقطة من الشجرة,فالمارة المختبئين خلف متاريس ملابسهم يتآمرون على الهواء والفجر والفراشات التي تطير صدفة في الصباح

سأترك عيوني مغلقة و أدعي النوم,فخلف الزجاج تنام الملائكة بلا خوف

مرة إستيقظت صباحا,سقط وجهي و إندلق كالماء على الأرض,حينها كان يهطل خفيفا في الخارج,وتبللت أجنحة الملائكة بالمطر,دخنت سيجارة,وكان وجهي يسيل ماءا على السجادة,وكانت رئتاي ضيقتين كالجدران,التابوت ضيق,والجسد ضيق,والرحم ضيق,و الأحذية ضيقة,الهواء ضيق,والثقب في قفل الباب ضيق,والكلمات ضيقة,بعد أن تطير الملائكة من فراشي الى جهة ما وتترك ريشها الناعم على فراشي,أستيقظ و أخيط وجهي بالخيط والإبرة,أجمع وجهي كقطع قماش ملونة و أخيطه,وتطير الفراشات حيث تشاء

عندما كانت عيوني مغلقة,فكرت بأن جسدي مقبرة كبيرة وشواهد قبور لا تنتهي وبحر وطريق,المقابر هادئة دائما لأن الموتى يتكلمون بلا صوت ويعلقون قناديل عالية على السماء البعيدة ليلا

سأترك عيناي مغلقتين,ولن أحرك أطرافي,و أتوقف عن التنفس و أدعي الموت,و أترك جسدي يغوص في مياه المحيط حتى يلامس أعشاب القاع,حيث يلامس الرمل الطري جسدي الدافئ و سأترك الأسماك الصغيرة تأكل شفتاي

مرة أستيقظت في الصباح,كنت داخل البئر,فسقط يوسف على صدري,تساقطت أضلاعي فوق بعضها كأحجار الدومينو,كان يوسف جميلا كقمر مكسور وحزينا كقمر مكسور,لم أفتح عيناي حينها,البئر فكرة محفورة في ذاكرة الأرض,بكى يوسف بعيون مغمضة حتى إمتلأ البئر بالفراشات الميتة,و أكلت الأسماك الصغيرة شفتانا,مرت قافلة و أخذت أضلاع يوسف في كيس من النايلون وهو يبكي مغمض العينين وجميل كقمر مكسور

ماذا سأفعل إذا كنت حديقة,,؟

سأقطف كل أزهاري و أرميها,و أقطع كل الأشجار من على جسدي,و أدوس على العشب حتى أصبح حديقة بلا حديقة,إستنكارا للمدينة التي تأكل أطفالها,سأطرد كل الفراشات و أكنس كل السماء من فوقي حتى أكون قبيحا يليق بكل هذا القبح الفاجر على نوافذ المدينة

لن أفتح عيناي هذا الصباح,وسأفكر بأنني سأنام الى الأبد,و أخدع الفراغ من حولي بأنني سأنام الى الأبد,و سأتخيل بأن المدينة قد إحترقت بكل من وما فيها,و أتخيل بأني قارب مهجور على شاطئ جزيرة ما,و أتخيل بحارة كانوا هنا في الوقت البعيد و إختلفوا في تقاسم الكنز وقتلوا بعضهم بعضا بسواطير عريضة و ببنادق محشوة من فوهاتها,ضاع البحارة والسواطير والبنادق و أسياخ الحشو والكنز تحت الرمل,و إهترأت انا على الشاطئ الوحيد هناك

بين النوم واليقظة قصة إحتيال أبدية وتحايل ازلي بين التحولات,سأترك عيوني مغمضة,وأتدرب على الضوء و أتدرب على الموت,و أتدرب على الذوبان في الكل الكامل حتى أفهم التفاحة في بهاء ذاتها,حين أفتح عيوني تركض كل الأنهار خلفي و أنا أهرب,يمسكني الريح من خاصرتي ويرميني الى القاع حيث الرمل الناعم يلامس جسدي و تأكل الأسماك الصغيرة شفتاي,سأترك عيناي مغلقتين و أترك روحي هبة للرمل و الأسماك المولعة بولائم الشفاه الهاربة من عبث الكلام,وليتدبر هذا الكون شؤونه من دوني,ليتلاعب الهواء بالملابس المعلقة على حبل الغسيل وترميها أرضا لتتوسخ بالطين والعشب المبلل,لتقف القطط على السياج الخشبي تنظر نحو حديقة الجيران كما تشاء,لتمر الفصول بلا جواز سفر مختوم بذاكرتي محملة بالخيبة,ليرمي المتسكعين والمارة بأعقاب سجائرها على الرصيف دون علمي,شياطين تحرق مدن وقرى,أجساد متفحمة مشوية لمسلمي الروهينغا في دمشق وحمص وحلب,في الشمال والجنوب والشرق والغرب,كل الجهات الأربع خراب,ورائحة الشفاه المشوية على فحم القذيفة

الكلام أحقر أداة إكتشفها البشر,أنا أتكلم كثيرا مع نفسي,لذلك تخاصمت اليوم مع نفسي حتى يتخلص كلانا من لعنة المفردات,كذلك تركت عيوني مغمضة لأن العيون المفتوحة كلام بلا حروف,وتركت الأسماك الصغيرة تأكل شفتاي

بقايا من دم العنب المقتول قد تجفف أسفل الكأس الواقفة منذ ليلة أمس على ساق واحدة,الزجاجة المرمية على الطاولة بلا كفن,هولوكوست من السجائر المحترقة المتكومة فوق بعضها البعض داخل المنفضة الكبيرة

سأترك عيوني مغمضة,و أوقف حركة جسدي,و أوقف أنفاسي

و أوهم الحياة

بأنني ميت

عثمان حمو 10,01,13

1370.

مواضيع جديدة في موقعنا الجديد اضغط هنا


ارشيف
ارشيف

صحافة وإعلام و آراء

كتاب الموقع
عبدالغني ع يحيى
العصر الطيني في العراق.
بنكي حاجو
الكذبة الكبرى
ب. ر. المزوري
النقطة
زاكروس عثمان
أحزاب خارج التغطية
إبراهيم اليوسف
النص الفيسبوكي 2.
عبد عبد المجيد
الفسيفساء السورية
أفين إبراهيم
رضاب الفراش
وزنة حامد
قلق الذات