السبت 01 حزيران / يونيو 2024, 23:47
عثمان حمو :من مذكرات دجاجة ماكينة الشواء تدور وتدور




تكبير الحروف : 12 Punto 14 Punto 16 Punto 18 Punto
عثمان حمو :من مذكرات دجاجة ماكينة الشواء تدور وتدور
الثلاثاء 08 كانون الثّاني / يناير 2013, 23:47
كورداونلاين
أحسست كيف يتقاطر دهن جسدي المشوي ويختلط مع دهن أخواتي على الصاج المعدني في الأسفل,ضحكت بمرارة وقلت في نفسي كيف دخلنا الى نار جهنم قبل الأوان,وقبل البشر

من مذكرات دجاجة

 

ماكينة الشواء تدور وتدور

بكرات من الحديد واللهب والدهن المتقاطر ورائحة الشواء,حالة لا يدركها سوانا نحن معشر الدجاج,جسدي العاري من الريش يدور مع بقية الأجساد,مؤخرتي العارية,فخذاي تدوران في صف اللهب,أحس بالخجل و أنا أشاهد نفسي والآخرين عراة على السيخ المحمر جمرا,عندما  كنت على قيد الحياة وحية أورزق سمعت مرات عدة من بني البشر بأن الطيور والبهائم لا تحاسب ولا تعاقب بالجنة  أو بالنار,لكني ضحكت بمرارة و أنا أشاهد جسدي وجسد إخوتي من الدجاج وهي تحترق بجهنم من الغاز واللهب في ماكينة الشواء,كنت أسمع جلدي الذي يتحمص من جراء الدرجات العالية للحرارة,و أحسست كيف يتقاطر دهن جسدي المشوي ويختلط مع دهن أخواتي على الصاج المعدني في الأسفل,ضحكت بمرارة وقلت في نفسي كيف دخلنا الى نار جهنم قبل الأوان,وقبل البشر الشرسين

أتذكر ذلك النهار جيدا,ربما ينعتنا كثيرون من بني البشر بالغباء وضعف الذاكرة,وبأننا طيور خلقت للذبح والشواء,ولكني أتذكر  ذلك النهار جيدا,عندما كسرت بمنقاري الأحمر الصغير قشرة بيضتي التي كنت اسكنها طوال الوقت,رأيت حزمة صغيرة من النور و هي تلج عالمي الصغير,رأيت النور من خلال الثقب الصغير جدا الذي أحدثته منقاري الناعم,أحسست بالدهشة,كانت مفاجئة رائعة,الضوء شيء رائع,بقعة وحيدة من النور الأبيض يلمس جسدي المبلل,عندما كسرت بعضا آخر من قشرة البيضة بنهم وشوق و أخرجت رأسي الذي كان ما يزال يهتز لضعفه,رأيت أمي بريشها الأحمر وهي تحيطنا أنا و أخوتي,رأيت في البدء ريشها الناعم الجميل ومن ثم رأيت عيونها السوداء البراقة الحنونة,ورأيت منقارها الجميل,وكان أجمل منقار أشاهده في حياتي,رأيت الريش اللامع على عنقها,حينها تأكدت بأن أمي أجمل دجاجة على وجه الأرض,كانت قشرة البيض تعيق جسدي وحركتي,وبجهد مضني إستطعت التخلص من قشرة الكلس اللعينة,شاهدت إخوتي الذين خرجوا للتو مثلي من خلف قشرة البيض بأجسادها المبللة وريشها الناعم اللزج ببقايا الدم والبيض,كنا نرتعش جميعنا,رغم إن الجو كان لطيفا ودافئا بعض الشيء

من الباب المفتوح على آخره,كنت أستطيع أن أشاهد الديك أبي,أحسست بالفخر و أنا أشاهده واقفا كقبطان سفينة فوق المزبلة بقامته العالية وجسده المشدود و عضلات أفخاذه القوية وعرفه الأحمر الجميل المائل على عينه اليسرى,منقاره المعقوف القوي و ريش ذيله الزاهي البراق,الديك أبي يقف كملك عظيم على المزبلة

في وقت لاحق وبعد أن إستطعت المشي,أدركت بأن العالم أجمل من ذلك العالم الذي كنت أراقبه و أشاهده من خلال فتحة البيضة,في الخارج كانت الحشرات والعشب وضوء الشمس الساطعة والديدان اللذيذة,الساحة المليئة بالصيصان الصفراء بزغبها الناعم منهم من يكبرنا عمرا وحجما و آخرين يشبهوننا تماما,أيام جميلة في المزرعة حيث الهواء النقي والشمس الساطعة بينما كان مالكنا صاحب المزرعة سخيا كريم اليد الى أبعد الحدود حيث يرش بكميات هائلة من الذرة والقمح وبقايا الخضار والفواكه بيننا نحن الصيصان الذين كنا نكبر يوما بعد يوم,مع مرور الوقت كنت أحس بجسدي وهو يمتلئ ويأخذ تضاريس جسد أنثى بكل مواصفاته,أحس بإمتلاء في منطقة الفخذين و إرتخاء هادئ في منطقة الحوض مما جعلني أهتز بشكل خفيف أثناء حركتي و أحس بنعومة وليونة في صدري,كنت أحس بالفخر والسرور حين أمر في الباحة وعيون الديكة الشابة تنظر الي بشهوة واضحة,أو حين يغازلني أحد الديوك الشابة بكلمات وعبارات مبطنة لا تخلو من الدعوة الواضحة للإلتحام الجسدي أحيانا ,حينها كنت أحس بالخجل فأسرع في خطواتي و أنا أعبر الباحة يحمر عرفي الصغير و أحس بدوخة لذيذة,كانت حقا أياما جميلة جدا الى أن جاء ذاك النهار المشؤوم

في فجر ذلك النهار,كان الجميع ما زال نائما,حين دخل مالك المزرعة الذي كنا نظنه حنونا ونكن له الإحترام والعرفان بالجميل,لكن صاحب المزرعة لم يكن همه سوى تسميننا ليحصل على أكبر كمية من اللحم,دخل صاحب المزرعة مع رهط من العاملين المدججين بالأقفاص,أصبحوا يرموننا داخل الأقفاص دون رحمة  أو حنان ,كان صراخنا وبكائنا يملئ المكان,نفر من زاوية الى أخرى في محاولة يائسة للنجاة ولكن هيهات’أمهاتنا تنظرنا بعيونها السوداء اللامعة الحزينة,بينما المشهد الأكثر حزنا و إيلاما هو منظر الديك أبي الذي حجزوه في فقص بمفرده,كان يضرب بمنقاره و أجنحته على جنبات القفص بقوة في محاولة يائسة لإنقاذنا حتى  أصابه الإعياء ووقع مغميا عليه غضبا,كان منظرا حزينا وانا أشاهد ابي القوي بلا حول ولا قوة

وضعوا جميع الأقفاص في شاحنة كبيرة و أغلقوا علينا تلك الأبواب الحديدية الكبيرة حيث كننا نرتعش في تلك الأقفاص الضيقة حيث إمتلأ المكان برائحة الزرق والفساء,لم نكن ندري بأن المجزرة الأكثر هولا في إنتظارنا,ظننا بأننا سننقل من مكان الى آخر ولكن كان في إنتظارنا ذلك المكان الرطب حيث كان لكل شيء رائحة الموت,الأرضية الإسمنتية المبللة بالماء ورائحة الدم الثقيلة المدوخة وهنا كانت المجزرة المرعبة التي لم يشاهدها كائن على الإطلاق,علقونا بخطاطيف محكمة على أقدامنا في سلسلة طويلة,جسر طويل متحرك من أجساد الدجاج الطرية تمر على مجموعة من البشر البشعين المخيفين و بأياديهم سكاكين صقيلة حادة,يجزون بها رؤوسنا الصغيرة وسط عويل وبكاء وصراخ,سيل من الدم يسيل الى الحوض المعدني الصقيل ودجاجات تهتز من الألم قليلا سرعان ما ترتخي أجنحتها وتهدأ الى الأبد,نمر بعدها آلالات و أجهزة تنتف عنا الريش بعناية الماء الساخن لنخرج بعدها لتستلمنا أيادي بشرية أخرى تمزق أجسادنا وتخرج الأحشاء ولواحقها وتتركنا أجسادا فارغة لنوضع في أكياس ومن ثم صنادق داخل البرادات

كانت حياة مرعبة ومريرة,وها أنا الآن أشاهد جسدي داخل الشواية مع إخوتي,يتقطر مني الدهن نقطة نقطة نحو الأسفل على المعدن الساخن,أتذكر الآن تلك اللحظة الأولى حين ضربت بمنقاري الصغير قشرة بيضتي,ثقب صغير جدا دخل من خلاله ضوء الشمس الى حجرتي وعالمي الصغير,حينها حاولت بأقصى جهدي للخروج الى تلك المساحة الواسعة

كنت أعتقد حينها بأن الحياة جميلة جدا وبلا خوف

بلا خوف

عثمان حمو 08,01,13

1317.

مواضيع جديدة في موقعنا الجديد اضغط هنا


ارشيف
ارشيف

صحافة وإعلام و آراء

كتاب الموقع
عبدالغني ع يحيى
العصر الطيني في العراق.
بنكي حاجو
الكذبة الكبرى
ب. ر. المزوري
النقطة
زاكروس عثمان
أحزاب خارج التغطية
إبراهيم اليوسف
النص الفيسبوكي 2.
عبد عبد المجيد
الفسيفساء السورية
أفين إبراهيم
رضاب الفراش
وزنة حامد
قلق الذات