بدرخان علي: مساهمة في استبيان مجلة الآداب عن سوريا
الثلاثاء 09 تشرين الأوّل / أكتوبر 2012, 02:26
كورداونلاين
بكلِّ ألمٍ وحسرةٍ، إذ أشاهدُ بلدي يُدمَّر وشعبي يُقتَل والفقراء يتضوّرون جوعًا ومئات الألوف من المهجّرين والمشرّدين في أصقاع العالم، لا أرى أفقًا لإنقاذ البلد وأهله
تنقسم سوريا بحدّةٍ بين معارضٍ وموالٍ، وتكاد تصبح بلدين أو أكثر. السياسيون يملؤون الفضاءَ بتحليلاتهم لما يجري، وما يجب وما لا يجب. لذلك اتجهنا إلى مجموعةٍ مثقّفين من مشاربَ مختلفةٍ لسؤالهم عمّا يجري، وما يتوقّعونه، وما يمكنُ أن يكون إسهامُهم من أجل سوريا أفضل.
• بدرخان علي ( كاتب سوري)
ما يجري في سوريا ثورةٌ شعبيّةٌ وطنيّةٌ: ثورةٌ بإرادة المقاومة والكفاح المتواصلة رغم العنف المهول والخسارات الهائلة؛ وشعبيّةٌ لأنّها تعكس إلى حدٍّ بعيدٍ صورةَ المجتمع السوريّ المتنوّع وفئاته الشعبيّة بشكلٍ خاصّ؛ ووطنيّة لأنّها اندلعتْ من إرادة المواطنين التوّاقين إلى الكرامة والحريّة، بتأثيرٍ من موجة "الربيع العربيّ،" بعد عقودٍ من الإذلال على يد نظامٍ ديكتاتوريّ وأنانيّ وفاسد.
على هامش هذه الثورة يمكن أن تقال أشياء كثيرة ، بعضها صحيحٌ وبعضُها مبالغٌ فيها. بعضها تتحمّل السلطةُ القائمة مسؤوليّتها جرّاء سلوكها الوحشيّ خلال الانتفاضة، وبعضُها نتائجُ قمع مديد تعرّض له السوريّون على مدى عقود. بعضها لعواملَ إقليميّة، وأخرى لعوامل دوليّة. ويمكن الكلام على اختراقاتٍ حصلتْ لطابع الثورة الشعبيِّ الوطنيّ، لكنّها ليست هي المتنَ على أيّة حال.
غير أنَّ مستقبل الثورة السوريّة لن يكونَ كما كان يُتوقَّع في البداية، أو على حجم التضحيات العظيمة التي بُذِلَتْ، للأسف. إذ إنَّ السلطةَ القائمة تتساقط بالتدريج، المكلفِ والمدمِّرِ، لكنّها ستسقط على أشلاءِ الناس، وفوق بحرٍ من الدماء والدمار، وستحوّل المجتمعَ والدولةَ إلى شبهِ حطام، ولن تتركَ لنا نشوةَ الفرح بسقوطها المرتقب. لقد تحوّلت الثورة إلى حربٍ بكلِّ معنى الكلمة. وللتوضيح، فأنا لا أراها حربًا طائفيّةً أو أهليّةً كما يُقال أحيانًا؛ بل أراها حربًا بين سلطةٍ عسكريّةٍ – أمنيّةٍ - عائليّةٍ (هي الطرف الأقوى بكثير) مدجّجةٍ بترسانةٍ عسكريّةٍ قويّة ودعمٍ روسيٍّ إيرانيٍّ معلن؛ وبين مجتمع الثورة الذي دُفع إلى مواجهةٍ كبيرةٍ ودامية. إنّها حربُ إلغاءٍ وإفناءٍ، يصعب إيجادُ حلولٍ وسطى لها، بتواطؤ جميع الدول تقريبًا، من حلفاء النظام وداعميه إلى "أصدقاء الشعب السوريّ"!
لقد أرادها النظامُ حربًا منذ البداية، وزجَّ بالجيش باكرًا في مواجهة الاحتجاجات السلميّة في درعا وحماه وحمص وغيرها، في محاولةٍ لاستئصال الحركة الاحتجاجيّة من جذورها. فيما بعد، برز عنفٌ مضادٌّ من قبل جمهور الثورة، دفاعيٌّ على الأغلب، هو العنف الملازم لكلِّ ثورةٍ جذريّةٍ من نمط الثورة السوريّة في مواجهة نظامٍ "جذريٍّ" أساسًا، وذلك بعد تزايد أعداد الضحايا وبروز ظاهرة المنشقّين عن الجيش وانضمام السكّان المدنيّين إلى المقاومة المسلّحة. وتعاظمت هذه الأخيرة حتى طغت على الحراك السلميّ، الذي بات يصعب الكلام عليه في أجواء الحرب القائمة وفي المناطق الخاضعة لسيطرة السلطةِ تحديدًا.
وعطفًا على سؤالكم عن دورٍ للمثقّفين في مستقبل سورية وفي ما يعنيني تحديدًا، أقول: إنّني، وبكلِّ ألمٍ وحسرةٍ، إذ أشاهدُ بلدي يُدمَّر وشعبي يُقتَل والفقراء يتضوّرون جوعًا ومئات الألوف من المهجّرين والمشرّدين في أصقاع العالم، لا أرى أفقًا لإنقاذ البلد وأهله (وما تبقّى منه ومنهم). الكلام على مؤتمراتٍ لـ"أصدقاء سورية" و"حكوماتٍ انتقاليّةٍ تمثل جميع فئاتِ الشعب" و"إعادة إعمار" البلد، ومشاريع "اليوم التالي" لسقوطِ النظام .... لا يغيّر شيئًا من تشاؤمي و إحباطي.
*استبيان مجلة الآداب البيروتية عن سورية- العدد الحالي صيف 2012