روني علي في الجزء الخامس من همسة ناعمة
الجمعة 21 أيلول / سبتمبر 2012, 10:47
كورداونلاين

أولئك الذين لا يدركون من ماهية الكلمات سوى التنبيش في أحشائها والبحث عن مفردات توحي بأنها تمسهم، ولا يهمهم - بل لا يخجلوا - إن ملؤا الدنيا بالأحابيل والأكاذيب حفاظاً على أناهم
كل الكتابات تبقى كلمات .. مبعثرة هنا وهناك .. منها ما تشكل خنجراً في خاصرة السطوة والجهل والتخلف، وتدعوا إلى احترام إنسانية الإنسان، بما يحمله من قيمة وقيم، ومنها ما تنسف تلك القيم وتشرعن للقتل وتهميش العقل البشري .. منها ما تشكل وبالاً على أصحابها وتقودهم إلى شفا حفرة من الهاوية، ومنها ما تغتال الصوت في حناجر الآخرين .. تزيد السلطان سلطة، والعرش قوة، والواقع أكثر قمعاً وتهويلاً وتشويهاً .. حتى تصبح الكلمات ذاتها ميداناً للقتل والتقتيل، للطغيان والتشريد .. والهدف هي، ذات الكلمات..!
إذاً، لا ضير أن يخشى البعض من الكلمات، ويقاتل بأيديه وأسنانه من أجل وأدها وتقبير مصادرها، خاصةً إذا كان من ممتلكي المنطق الذي لا يجيد التعامل إلا مع كلماته "هو" أو كان من نتاج ثقافة القتل، وموروث إبادة الآخر ونسفه، ويعي قراءة مفردات التاريخ، ويدرك تماماً ما فعلته وتفعله الكلمات بالعرش والسلطان، إذا ما عُممت مفرداتها بين البسطاء، الذين لا يخسرون في المعركة سوى فقرهم، ولا شيء سواه .. هذا البعض الذي يستمد سطوته واستمراريته إما من جهل المحيطين به بالكلمات، أو خشيتهم من نتائج الكلمات، أو من سلطته في قمع واغتيال الكلمات، سوف لا يتردد أبداً من نسف كل من يحاول التفوه بمثل تلك الكلمات .. لأنه يدرك حقيقة أنه، في البدء كانت الكلمة..
فما زال البعض من المتعربشين على قامة الزمن، والمتسلقين بخوائهم الفكري، الثقافي والسياسي، آلام قضاياهم القومية والوطنية .. المتاجرين - بانحطاطهم الخلقي - بالقضية والقضايا، بالوطن والوطنية، بآمال وأماني البسطاء، ماضون في طريقهم نحو اغتيال الكلمات ..
نعم ، أولئك الذين لا يدركون من ماهية الكلمات سوى التنبيش في أحشائها والبحث عن مفردات توحي بأنها تمسهم، ولا يهمهم - بل لا يخجلوا - إن ملؤا الدنيا بالأحابيل والأكاذيب حفاظاً على أناهم، أو إرضاءً لأسيادهم، كانوا من يكونون.. أولئك المتسلطين على رقاب القرار، وضمائر البسطاء، يرصفون المانشيتات والديباجات يوماً إثر يوم، أنظمة وعصيبات وحزيبات، ومن هم محسوبون على كل ذلك فعلاً وممارسةً، منادين بحرية الرأي وتحرير الكلمة، منتقدين السطوة والتسلط، لا يخجلون قطعاً من الآخر القابع في كيانهم حينما يقضمون المفردات ويلوكون الأسماء ويحررون الكلمات والمقالات بعد أن يحورونها أو يحاورونها ويتحايلوا عليها، أو يخرجونها إلى النور بعد أن يخضعوها إلى عمليات رتوش في الغرف المظلمة .. !
هم دعاة - بل مدعي - التغيير وحاملي الشعارات ورافعي رايات تحرير الإنسان وتطوير الوجدان .. حرية الكلمة وتعددية الرأي، ومعهم الانتلجنسيا الكردية .. بل المحسوبة عليها . معهم أولياء أمرنا الأزليين الذين نردد أسماءهم أكثر من أسماء الذين كانوا سبباً في وجودنا، لن تتوقف لحظة عن إبادة إنسانية الإنسان إذا ما نطق أو تفوه هذا الإنسان الأعزل بما لا يرضي نزواتهم وهواجسهم، إذا حاول أن يقول لا، لكل ما يمس تلك الإنسانية ويسيء لها .. ضاربين كل الحائط بأن ما يقال هي مجرد كلمات ليست إلا، كلمات ككلماتهم، سوى أنها عارية عن اللكمات، عن الدجل والرياء والنفاق، فيها الليل والنهار سواء بسواء، بلا انفصام ولا ازدواجية ولا أقنعة.. هي ليست الخردل والسيانيد .. وليست قنابل عنقودية أو دروع كيماوية .. هي ككل الكلمات .. لكن ليست كل الكلمات .. فقط - وهنا بيضة القبان - قد يخشاها أولي الأمر والنعم وكذلك القيادات .. ؟!.