 |
الإثنين 10 شباط / فبراير 2025, 21:38
|
|
عبداللطيف الحسيني :الغريب .
الإربعاء 11 تمّوز / يوليو 2012, 21:38 كورداونلاين

- أعدْ لشبابي مراهقتَه وشهوةَ حياة الدنيا لأجعلَ من الأرض التي يمشي عليها السفهاءُ مَرَحاً .. جنّةً , ومن سخف القول غابةً من البسمات
هذا ليسَ أنا , بل عتماتُ حياتي جمهرَكم حولي لأقفَ خطيباً عليكم معتلياً دكّةً ترابيةًّ , مهلهلَ الثياب والقول والملامح , مُتلعثماً لا يدري ما يتفوّهُ به , غيرَ أنّه يظنُّ بأنّ السماءَ ستنخفضُ لأقواله , والأرض ستزلزلُ بواطنَها , أوأنّ الأرضَ ستحتلُّ السماء الأولى ليبقى هذا الواقفُ وحدَه يسردُ حكايتَه لفراغ جهات الأرض كلها :- أعدْ لطفولتي نبضَها وكلَّ دُماها المذهّبة كتلك التي رأيتُها لابن جارنا أو كتلك التي رأيتُها في كتبي المدرسّة , وكانت يدي تلعبُ بها قبلَ عيني , ذاك الطفل الذي كنتُه تُطرَدُ عينُه و تُلصقُ به البذاءَةُ و يُشتم شكلُه وطريقةُ مشيه , يُعَاب عليه حين يأكلُ أوحين يجوع أوحين ينام جائعاً أو حين يغسل وجهه في الصباح أو لم يغسلْه , ما على ذاك الطفل الذي كنتُه إلا أنْ يغتسلَ بدمعه الفيّاض , لكنّه يُشتمُ حتى بدمعه , إنْ قالتْه عينُه المُرقرقةُ دمعاً أحمر .! أيّةُ يدٍ لم تصفعْه , فلتتقدّمْ إليه لتجدَ أمامَها وجهاً ملطّخاً بكلّ ذكرياته المريرة ؟ ذاك الطفلُ الذي كنتُه كيفَ دَفَنَ طفولتَه الميّتةَ ؟ كيفَ دفن طفلٌ ميّتٌ طفولتَه الميّتة .؟ - أعدْ لشبابي مراهقتَه وشهوةَ حياة الدنيا لأجعلَ من الأرض التي يمشي عليها السفهاءُ مَرَحاً .. جنّةً , ومن سخف القول غابةً من البسمات .أعدْ إليّ شبابي كي ألبسَ ثوباً مشجّراً وأضعَ في عنقي سلسلةً مذهّبةً و أنقش على زنديّ وشومَ الحبّ و قلباً يخترقُه سهمٌ أسود , وأنتعلَ حذاءً مطاطيّاً وأقف في زاوية الشارع لأصفّرَ لكلّ فتاة ذاهبة أو قادمة , أوألوّح لها بمنديل أحمر معطّر أوأرسل لها قبلة على الهواء بميوعة .أعدْ إليّ شبابي كي أدفنَ بقايا حياتي الكهلة قبلَ أنْ أتوكّأ على عصايَ وترتجف يدي ويغطّي عينيّ العماءُ, قبلَ أنْ يناولني حفيدي علبةَ الأدوية مُمتعضاً من بؤس حالي وسعالي , وقبل أنْ تناديني نفسُ الزاوية التي طُردتُ منها في الطفولة والشباب , وأقبع فيها مُنادياً كلَّ مَنْ يمرّ بي ولأترجّاه كي يدفنني دون ندم .
|
1602.
مواضيع جديدة في موقعنا الجديد اضغط هنا
|
|
|
|