صلاح الدين حدو:بدون الدم الكوردي المقدس .... عفرين أحلى
الثلاثاء 12 حزيران / يونيو 2012, 19:28
كورداونلاين

العمل السياسي اليومي وخاصة في الأزمات يتطلب الكثير من المهارة السياسية والمرونة والخبرة في تلقي تسارع المتطلبات اليومية على المستوى السياسي واللوجستي والأمني
ترددت كثيراً اليوم في كتابة هذا المقال لأني كنت دائماً أرى أن الكاتب الكوردي المخلص يجب أن ينأ بنفسه عن الخوض في حرب الكلمات على أي جبهة كوردية كوردية كونها مفتعلة دائماً لغايات غير كورداياتية وخدمة لأجندة أمنية معادية للكورد في المطلق على مستوى المشاعر والقضية . ولكني اليوم ورغم محفوفيتي بأمل المستقبل الكوردي ولأول مرة في التاريخ أجد نفسي مدفوعاً بألم ثقيل يفطر القلب ويؤلم الضمير اثر التحول التراجيدي لتناطح الكورد في سوريا إلى شكل أقرب لبروفات الاقتتال بانجرارهم لفخ و مخططات أفعوانية محسوبة على أجندات أمنية متعددة تتجول في الشارع الكوردي وتستغل التأزم النفسي المنعكس على شرائح المجتمع الكوردستاني عموماً و على القواعد الحزبية المستنفرة من هول الضغوط النفسية خصوصاً والناتجة عن خيبة أمل معظم تلك القواعد من الأداء الباهت لقياداتها سياسياً واستراتيجياً و انكشاف فرسان طواحين الهواء الدونكيشوتيين وهم يتساقطون أمام تصاعد الأحداث اليومية من جهة أحزاب ما سمي لاحقاً بالمجلس الوطني الكوردي المسلوق على عجالة وفي غفلة من التاريخ . ومن الطرف الآخر قام أعضاء ال ب ي د بتشكيل تراجيدي لما سمي بمجلس غرب كوردستان المفتقر في معظم مفاصله للمؤهلات السياسية والثقافية اللازمة ، ثم سرعان ما كرت سبحة المجالس حتى بات عصياً على أي متابع حفظ الأسماء والهيئات المشكلة بين ليلة وضحاها ، ونتيجة لتسارع الأحداث ومتطلباتها اليومية وجد ب ي د ومجالسه أنفسهم في معترك توازنات ظنوه بداية نزهة واستعراض عضلات وجرفهم تيار نشوة حمل السلاح والسيطرة على الأرض وامتلاك خلفيتهم الأيديولوجية لمسودة مشاريع وتجارب سابقة خاضوها في كوردستان الجنوبية والشمالية ، هذا التطور الدراماتيكي وتسلم طرف كوردي لمعظم السلطات في المناطق الكوردية أذهل بادئ ذي بدء الشارع الكوردي وخاصة في عفرين ونشر أجواءً من الطمأنينة والأمان وخاصة في تصديهم لتنظيم و تأمين حاجات المواطنين اليومية من الخبز والمازوت وتحييد شرائح الحثالة والاجرام عن التأثير على حياة المواطن الكوردستاني كوردياً كان أم عربياً أو من أي مكون آخر .
إلا أن العمل السياسي اليومي وخاصة في الأزمات يتطلب الكثير من المهارة السياسية والمرونة والخبرة في تلقي تسارع المتطلبات اليومية على المستوى السياسي واللوجستي والأمني وترجمتها على الأرض عبر مفهوم جيفارا للثوري ، ويحتم مشاركة الجماهير طواعية انطلاقاً من الوازع والضمير الوطني للمساهمة في تأمين توازن الرعب المرتقب وتأمين حاجات العمل الديالكتيكي والاستراتيجي المتغير حسب توجه رياح الأحداث التي بدأت تعصف فيها الهزات الارتدادية من الداخل والزلازل القادمة عبر الحدود من الخارج .
إن حالة اللامبالاة والتفكك التنظيمي التي عاشتها الأحزاب الكوردية وغياب الخطاب السياسي الصادق لانشغال قادتها بالدسائس والمؤامرات لإزاحة الطاقات الواعدة الخطرة على كراسيهم داخلياً واتباعهم مبدأ التقية السياسية أوقعها في فخ التردد والتخبط وكشف عنها الغطاء وأظهرها عارية وعاجزة عن اتخاذ القرار في الوقت المناسب . مما دفع شريحة الشباب المتمرد لإعلان تذمرها وبدأت بوادر العصيان بالبزوغ متصفة بالعفوية وعنفوان الشباب الذي قرع ناقوس الخطر فتنادت كل الاحزاب الكوردية كلها بلا استثناء وشحذت أدمغة الدهاء والدسائس أسلحتها وتقاسمت الكعكة الشبابية مستغلة استشهاد ملهمهم الشهيد مشعل التمو وبدأت عملية شراء الذمم والاغراءات واستغلال العواطف القومية بحرفنة قل نظيرها تؤتي أكلها ورُوضت معظم الأصوات في مجالس الهروب نحو الأمام .
هذه الأجواء الملبدة فتحت الباب لتشكل سحابة سوداء في سماء المناطق الكوردية شيئاً فشيئاً إلى أن وصلت زخات سوداوية منها إلى عفرين وكادت تنذر بالتحول لعاصفة هوجاء لولا تدخل العناية الإلهية بداية وعدم ترحيب الشارع الكوردي ذي الأغلبية الصامتة بذلك وتعفف ما بقي من سلطة الدولة ولأول مرة عن تصعيد الصراع الكوردي الكوردي لانشغالها بصراع الوجود على التخوم ، ناهيك عن استنفار بعض الأقلام الكوردية الوطنية ودقها لناقوس الخطر . بدأت الاشكالات بسوء فهم حصل عند التعامل مع أعضاء الهلال الأحمر إلى حادثة محاولة تفجير مركز المرأة الكوردية في عفرين المدينة ، إلى حادثة قرية الباسوطة تلتها حادثة طفلي الحرية انتهاءً بحادثة قرية سينكا ، ولا ينكر فضل الأستاذ صالح مسلم رئيس ب ي د والإعلامي أجدر شيخو في سرعة استجابتهم لندائنا المباشر عبر الاتصال في تخفيف وطأة الأحداث وسحب فتيلها متشاركين بذلك في الطرف الآخر مع حكمة المناضل مصطفى جمعة في ابتعاده مع كوادره القيادية عن سياسة ردات الفعل . وأدعوا صادقاً بعد الاستيعاب الأولي للصدمة وانطلاقاً من الكورداياتية جميع الأطراف إلى اللجوء للغة الحوار والتواصل لإبعاد شارعنا الكوردي عن أي احتقانات في المستقبل القريب والبعيد عبر تقديم المصلحة الكوردية على أي اعتبار آخر والتفعيل الصادق لأليات التواصل والتلاقي وتحكيم الشارع الكوردي المخلص عبر الندوات الخاصة والعامة ، وأقترح هنا حلاً يشبه حل مسألة رياضيات مثلثة الخطوات وذلك عبر:
أولاً : تحديد المشكلة ونشأتها
لقد سبق ووقفنا على معظم أسباب المشكلة ونشأتها والتي يمكن تلخيصها بضرورة الاعتراف بوجود أجندات أمنية تتجول في الشارع السوري عموماً وفي الشارع الكوردي خصوصاً والتي تهدف إلى زج الكورد كوقود لإنضاج مشاريعهم الأمنية والاستعمارية متكئين بذلك على حالة الاغتراب السياسي التي فرضتها الأنظمة الشوفينية المتعاقبة على الحكم منذ تولي القوميون العروبيون لسدة الحكم في سوريا منذ عام 1958م إلى الآن . ومن جهة أخرى يقع على عاتق قيادة ب ي د تقدير شعور الصدمة التي تلقتها قواعد الأحزاب الكوردية المنضوية لاحقاً تحت ما سمي بالمجلس الوطني الكوردي الذي لم يكن في حقيقته إلا هروباً للأمام لتبرير عجزهم عن مواكبة المتغيرات اليومية وعدم قدرتهم عبر آلياتهم الخشبية البالية عن ايجاد آليات عملية لتوجيه طاقات شباب الكورد وضحالة قراءتهم للواقع وبالتالي صعوبة استنتاج الحلول على المستوى اليومي والاستراتيجي ، فتحول شغلهم الشاغل إلى قدح زمام دهائهم المكتسب عبر معاركهم الوهمية للحفاظ على كراسيهم وعروشهم الكرتونية وهم يرون عروش أمنية بامتياز تتهاوى أمام طاقات الشباب في الربيع المحيط بهم ، ومن الجهة الثالثة جاءت مشاريع ال ب ك ك كحلول جاهزة لسد الفراغ الحاصل من خبراتهم المكتسبة عبر تجاربهم في الجنوب والشمال الكوردستاني ولكن لم يأخذوا بالحسبان آثار غيابهم القسري عن الساحة الكوردية في سوريا طيلة فترة الربيع السوري التركي على محازبيهم وأصدقائهم ، فكثرت المشاريع المطروحة بدون ايجاد المكون الانساني القادر على فهم وترجمة وتكييف هذه المشاريع مع المتطلبات الحياتية اليومية المرتبطة بالمتقلبات السياسية والأمنية المتسارعة ، فغدا معظمهم انفعالياً مأخوذاً بعاطفة الحرمان وبعضٍ من الانتقام تحت تأثير ضربات الأحداث المتلاحقة وجثامة الحمل الملقى على عاتقهم مما أوقعهم في مرض الهوس الارتيابي والتوجس الثوري ، وبدأت الأنا تتضخم لديهم مع نمو شعور الشك والريبة اتجاه كل من ينام أو يبتسم حولهم وكأنهم وحيدون تحت الضغط ولا يُشعَر بهم وحتى باتوا يوقنون بملكية الحقيقة حصرياً.
ثانياً : تحييد المشكلة والبحث عن آليات لاحتوائها :
تقع مهمة تحييد المشكلة على عاتق الأحزاب الكوردية الموجودة على الساحة فعلى المجلس الوطني الكوردي فتح باب النقد الذاتي واعترافه أنه استلب فكرة تكوين المجلس من المثقفين الواقعين في الشارع الكوردي وادعاها لنفسه ومريديه وأنه بهروبه نحو الأمام وسلقه للمشروع في يوم واحد قزم المصلحة الكوردية العامة للحفاظ على كراسيه الصدئة ولعل الإجراء الأخير الذي اتخذوه اتجاه الشخصية الوطنية مصطفى اسماعيل ورفاقه الذين خلقوا حراك كوباني بدون منازع يلقي الضوء على الكثير من خبايا سلوكيات هذا المجلس ؟؟؟؟؟ وأضم صوتي وأشكر هنا الكاتب الاستاذ ابراهيم محمود لتسليطه الضوء على لواعج وخلجات النفس لدى قيادات المجلس عبر مقالته الرائعة " رسالة مفتوحة وتعزية إلى أعضاء المجلس الوطني الكوردي ". ومن الجهة الأخرى على أتباع ال ب ك ك بكل مسمياتهم الاعتراف بأن اغترابهم عن الشريحة المثقفة الوطنية والتعالي على الشرفاء من مناضلي قواعد الأحزاب الكوردية الأخرى أوقعتهم في حلقة مفرغة لا و لن تجيز لهم استلاب الحقيقة الكاملة أو ادعاء امتلاكها الحصري ولا امتهان كرامة المواطن الكوردستاني تحت مسمى العمل الثوري اليومي والتضحيات الجسام التي يقدمونها والتي نقر ويقر معنا كل الشعب الكوردي بها لا بل ونحني الهامات أمام أرواح الشهداء الأبرار براعم شقائق نعمان الأمل الكوردستاني. وعليهم التخلص من الأنا المتورمة وعدم الاستحياء من طلب العون من كل أفراد الشعب الكوردستاني في شتى المناحي مع ضرورة الاعتراف برموزهم ومقدساتهم واحترامهم لها كي تحدث عملية تبادل للمشاعر الكوردوارية بالمثل .
ثالثاً : استراتيجية الحل اللازم لبناء المستقبل الكوردستاني
على المستوى العاجل لنزع فتيل الأزمة يجب التخلي عن سياسة قناة الدنيا السورية في التخوين والتخويف وسياسة الاعترافات المفبركة احتراماً لفكر وعقل المواطن الكوردي واللجوء للغة الحوار ومد الأكف للتسامح وامتلاك جرأة الاعتذار وخاصة من مناضل بوزن الاستاذ مصطفى جمعة سكرتير حزب آزادي الكوردي الذي ميزته الأجهزة الأمنية السورية مع قلة من نظرائه في الحركة الكوردية بمكرمة الاعتقال التعسفي لفترات طويلة وأكثر من مرة ، و أدعوا من هنا باسمي وباسم نخبة من الوطنيين الشرفاء في عفرين الغيارى على مصالح الكورد قيادة ال ب ك ك وهيئاتها بالإفراج الفوري عن كل المعتقلين على خلفية أحداث باسوطة وسينكا ضمن مهرجان جماهيري تضامني – يمكننا المساعدة في الدعوة إليه وانجاحه – أما من ثبت عليه التآمر مع الخارج باعترافات موثقة غير مكره عليها فيجب السماح لوفد من حزبه متشاركاً مع وفد الوطنيين باللقاء معه والاطلاع على حيثيات المسألة والتشاور بعدها على ما يلزم .
على المستوى الاستراتيجي الكوردي إننا كوطنيين كوردستانيين على المستوى الثقافي والشعبي لن نتخلى عن طروحات وآمال الشعب الكوردستاني في الدعوة الدائمة للنضال في سبيل قيام دولة كوردستان تحت الشمس كحق لا يقبل المساومة ولا النقاش أسوة بباقي الأمم ، وإننا في كوردستان الغربية سنظل نناضل كي نعود بجغرافيتنا لمصطلح غرب كوردستان .
ولكن على المستوى الواقعي لا بأس أن يناط بالأحزاب الكوردية والمنظمات ذات الصلة حرية التعامل ضمن محافل السياسة العالمية والمحلية بما تقتضيه الأعراف والتوازنات السياسية على أن توجه من مصدر القرار الكوردي والمنبثق عبر ألية ديمقراطية تراعي المصلحة القومية للكورد التالية لعملية توحيد المرجعية السياسية الكوردية في سوريا أولاً لتغدو جزءاً من اللوبي الكوردي المنظم والفاعل كوردستانياً وعالمياً ، وذلك عبر الدعوة الجادة بداية لتشكيل جبهة النضال الكوردي في سوريا كمظلة تضم في اطارها المجلس الوطني الكوردي و حزب ال ب ي د و مجلس غرب كوردستان وكل الفعاليات الشبابية المناضلة وروابط المثقفين الكورد والفعاليات الاجتماعية الحقيقية ولإنجاح العملية السياسية لا بد من التشاور مع قيادة حزب العمال الكوردستاني والقيادات الكوردستانية في اقليم كوردستان .
أخيراً أنصح بتشكيل مجلس حكماء حقيقيين في كل منطقة كوردية من المنسجمين والالمعيين الحقيقيين والغير قابلين للانشقاق أو الشراء لحل كل مشكلة كوردية كوردية ولمساعدة الحراك الحزبي الكوردي الغير مستقل أبدا والجاهل بدهاليز السياسة أحياناً لافتقار معظمه للكادرية الاختصاصية ,والتي سهلت وقوعه في مطب افتعال معارك وهمية لشق الصف الشعبي الكوردي الذي أثبت وفاءه للدم الكوردي وأن الدم الكوردي فوق المجالس والتنسيقيات والاحزاب ، وسيترك وحيدا كل من لا يتبنى الدم الكوردي المقدس .
وأخيراً أدعو كافة الأحزاب والمنظمات ذات الصلة لتلافي تقصيرها المريع بحق اخوتنا الكورد في جبل الأكراد وتأمين الاحتضان السياسي واللوجستي لهم اسوة بالمناطق الكوردستانية الأخرى .
الدكتور صلاح الدين حدو
عفرين 9 / 6 / 2012م يوم الذكرى الخامسة لاستشهاد ابنتي شهيدة الطفولة الكوردي جينا
أهدي روحها قصد وصدق كورداياتية هذه المقالة