أنا لم أذهب إلى أي مسؤول ولم أطرق باب أي شخص. لكن إذا أتاني المسؤول وهو على مستوى رئيس جمهورية فسأرحب به طبعاً
حاوره .. دلير يوسف
بخطوطه يرسم تفاصيل أيامنا، حياتنا تعيش ضمن لوحاته. رسام كاريكاتير من طراز خاص، كُرم في العديد من دول العالم ورفع اسم بلده عالياً في المحافل الدولية، هو علي فرزات، فنان لا يعرف الاستسلام.
بدأت في الفترة الماضية بطلب أفكار من الجمهور حتى تقوم برسم أفكارهم. هل بدأت أفكار علي فرزات بالنضوب؟
هل تعتقد التواصل مع الناس لا يحتاج إلى شروط؟ التواصل مع الناس من خلال رؤيتي وزاويتي هو السبب الأساسي للإبداع. أي عمل يخلو من جماهير ومن دعم جماهيري هو عمل ميت. كثير من الناس يعتقدون بأن الفنان هو مسألة استثنائية خارج إطار اللمس والرؤية ووو. هكذا تعودنا. أنا كسرت كلّ هذه القواعد وحاولت أن أصنع جسوراً بيني وبين العالم البسطاء الذين أرسم من أجلهم. نستطيع أن نقول نضوب عندما أتوقف عن الرسم ولا يبقى لي لوحات جديدة، لكن طالما أمشي من خلال خطين متوازين: الأول هو لقائي مع الناس الذين هم جوهر عملي. والثاني: هو رسومي الأخرى الذين ترونها منشورة في كل مكان. عندما نرى أنّه لم يعد لدى علي فرزات رسوم جديدة حينها نقول بأنه يعتمد على أفكار الغير. وأنا مخلص للناس في أفكارهم؛ لذا رأيت أنّه من واجبي أن أذكر صاحب الفكرة. وعندما أقوم برسم فكرة شخص ما فستكون هذه اللوحة. أعظم هدية له. إنني أمنح ثقة إنسانية مطلقة لهذا الإنسان الذي كان يظن بأن الفنان صنم. الغاية الأساسية هو إنني أشبه الناس وهم يشبهوني.
عندما نرى في المواقع الأخرى وفي الصحف عدم وجود لوحات لي عندها ستقول بأن أفكاري نضبت.
أي لا نستطيع القول بأن علي فرزات الفنان قد مات؟
لا أبداً، فقط هو نوع من الدخول إلى قلوب الناس وكسر الحواجز الجاهزة.
لكن الدومري مات؟
الدومري لم يمت، لكنها استراحة المحارب، إلى أن يأتي الوقت المناسب في المكان المناسب وفي الزمان المناسب. لكن ليس كما يقولون إننا في الحروب نختار الوقت. أنا أقصد هنا الوضع الداخلي، فبوجود الأحكام العرفية وقانون الطوارئ، لا وجود لمطبوعات حرة. لا أستطيع الخروج كنصف علي فرزات أمام الناس. يكفيني تلك التجربة التي كانت مهمة جداً بالنسبة إلي، وقد أعطتني صورة أمام الناس لا أريد أن أشوهها.
أتعتقد بأن شبكة الانترنت كافية للتواصل الدائم مع الجمهور؟
الإنسان يجب أن يبحث عن وسيلة للتواصل، لا أن يجلس في منزله ويبكي ويشكي. بالنتيجة الفنان هو "بوسطجي". فعندما يضع الله تعالى الموهبة لدى هذا الفنان يجب عليه أن يوصل الرسالة التي أعطاه الله إياها للناس.
أهي رسالة ربانية، أم رسالتك أنت؟
أي شخص هو رسالة ربانية للبشرية. أليس فينا شبه من الله، الخير، الجمال، الصدق، المحبة، أليست هذه من صفات الله؟ لماذا نُبعد أنفسنا عن الله؟ لماذا نضعه في موضع بعيد عنّا؟ الله يعيش فينا وفي تفاصيل حياتنا، لذلك الخير شيءٌ مطلق. كلُّ فرد فينا وضع الله رسالة فيه لكي يوصلها للآخرين.
وغاليري علي فرزات، جزء من هذه الرسالة؟
طبعاً. المشروع الأساسي كان مشروع الدومري، وعندما أغلقت الحكومة جريدة الدومري بحثت عن وسيلة أخرى للتواصل مع الناس، وكان من البديهي أن أفتح صالة للعرض لأستطيع التواصل مع الناس. والانترنت يجري بالتوازي مع هذا المشروع. من المفترض بي ألا أغيب عن الساحة الفنية والثقافية. ولو افترضنا إغلاق هذا الغاليري، سأجلب الحمام الزاجل وأربط اللوحات برجل هذا الحمام وأرسله إلى الناس.
جزء كبير من الإبداع هو توصيل الرسالة، ليس فقط أن أكون فناناً بل على الفنان أن يستطيع أن يوصل إبداعه إلى الناس.
يُعرف عنك كثرة علاقاتك مع رجالات السلطة السورية، كالرئيس السوري بشار الأسد، إذاً ما هو سبب المضايقات الأمنية التي كانت تواجهك؟
أولاً، أنا لم أذهب إلى أي مسؤول ولم أطرق باب أي شخص. لكن إذا أتاني المسؤول وهو على مستوى رئيس جمهورية فسأرحب به طبعاً وهذا فخر لي. وقد قال لي الرئيس السوري بشار الأسد مرة: أنا احترمك لأنك لست بحاجة إلي.
ألم يكن بمقدورك منع إغلاق الدومري بمجرد اتصالك مع مسؤول ما من أصدقاءك؟
سأجري ذلك الاتصال عندما أكون صاحب "دكان" أو سوبر ماركت وعندما يكون لدي مصلحة خاصة. جريدة الدومري كانت مشروع وطني، فإن كانت البلاد لا تريد هذا المشروع فهي الخاسرة.
هذه الرسالة أود أن تصل لمن أغلق الدومري، هذه الجريدة هي مشروع وطني وليست دكاناً. كانت هذه هي الجريدة الأولى الخاصة التي حققت هذا الانتشار منذ الستينات.
لماذا أنت مقّل بعدد المعارض؟
معارضي قليلة في الصالات الرسمية، وأنا لا أحب أن يرعى أحدٌ ما أعمالي.
ما رأيك بالفنان ناجي العلي، هل كان ربّ الكاريكاتير العربي؟
ناجي العلي حالة خاصة، لا يمكننا تصنيفه كرسام كاريكاتير. ناجي العلي هو قيمة إنسانية سياسية اجتماعية. وبالنهاية هو ابن مخيم، ابن قضية، ابن نكبة. لذلك ليس من المطلوب تصنيفه. دائماً نجد في رسوماته شخصيات مكررة (فاطمة، حنظلة، المسؤول....الخ). فهدفه ليس هو رسم الكاريكاتير بل الهدف هو إيصال فكرة من خلال هذه الشخصيات. أحياناً تراه كاتباً وأحياناً رساماً وهكذا.الرسم لديه هو وسيلة لتوصيل الفكرة. شروط رسام الكاريكاتير هو أن يرسم في جميع الاتجاهات وفي جميع المواضيع وبشخصيات متغيرة. بينما ناجي العلي متخصص بالقضية الفلسطينية.
دائماً ما نشاهد الكلام في معظم رسوم الكاريكاتير، لكنك تتميز بلوحاتك الخالية من الكلمة (رسم فقط)، ما السر في ذلك؟
هذه قضية استثنائية، عملية إنتاج فكرة بدون كلام عملية متعبة. بعض الفنانين يغرقون بالرمز فتضيع الفكرة.