كما جرت العادة فإننا كلما فقدنا شخصية كبيرة سياسية كانت أو اجتماعية فإن الجانب العاطفي الحقيقي أو المصطنع يطغى على الجوانب الأخرى
ما سبب دعوة الإقليم للدكتور عبد الرحمن
آلوجي للعلاج في هولير
دل سوز ميدي
كما جرت العادة فإننا كلما فقدنا شخصية كبيرة سياسية كانت أو اجتماعية فإن
الجانب العاطفي الحقيقي أو المصطنع يطغى على الجوانب الأخرى . فترى من يبدأ
بالكتابة عن مناقب تلكم الشخصية و من يتأسف عن مواقف له منها أو معها أو من كان
يتمنى من الأقدار تغيير وجهتها أو تأخير مقدمها أو التخفيف من وقعها. وكل هذا شئ
صحي و متناسب كليا مع الطبيعة البشرية . ولكن الخوض في دراسة و تحليل الحوادث ضمن
ظروفها و ربطها بالسياق الزمني السابق لها والنتائج اللاحقة القريبة المباشرة أو
المتوقعة غير المباشرة المعتمدة على الاستنتاج أو الاستدلال . أقول إن الخوض في
ذلك يجب أن يأخذ مجراه لتقييم الحدث بشكل موضوعي ومنطقي . و بناء عليه :
إن محاولة فهم دعوة الإقليم المفاجئة وعلى أعلى المستويات للدكتور الآلوجي
للعلاج في هولير والاستعداد لتسفيره على نفقتهم –إن استلزم الأمر- للعلاج في
أوروبا في آخر مراحل المرض وبعد أن استفحلت العلة في جسده وفعلت فعلها . إن هذه
الدعوة المتأخرة تبعث إلى الدهشة والغرابة لسببين :
أولاً : هي جاءت في وقت حيث لا جدوى منها و لا نفع و محاولة تحقيق المستحيل
الذي كان ممكناً في وقت سابق إنما هو مجرد ذر للرماد في العيون .
ثانياً : إن أي مراقب أو متابع للأحداث سيكتشف حالة الجفاء والقطيعة بين
الحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيسه البارزاني والبارتي الديمقراطي الكردي
وسكرتيره الراحل الآلوجي منذ الإنشقاق الحاصل في البارتي عام 2007 و الذي أنتج
حزبين الأول بقيادة عبدالرحمن آلوجي والثاني بقيادة عبد الحكيم بشار البعثي السابق
ورئيس الحزب الديمقراطي الكردي حالياً المدعوم من رئيس الإقليم الذي منحه وحزبه
الشرعية وحجبها عن الآلوجي وحزبه ولحد الآن حيث بدا ذلك واضحا وجليا من خلال برقية
المواساة التي أرسلها البارزاني لعائلة الآلوجي والتي جاء فيها (السيد رئيس إقليم
كوردستان يعزي عائلة الشخصية الكوردية الوطنية عبد الرحمن آلوجي لوفاته) والملاحظ
أن السيد رئيس الإقليم لم يعزي حزب الآلوجي ولم يذكره بصفته الرسمية كسكرتير
للبارتي بل اكتفى بوصفه بالشخصية الكوردية الوطنية مع الإعتبار أن شرعية أي قائد
سياسي إنما يحددها شعبه أولاً.
ثالثاً: إن عبد الحكيم بشار المقيم في كوردستان والذي لم يكن يتمنى وجود
الآلوجي في أي مكان يتواجد هو فيه بدليل أنه أعاق دخول حزب الآلوجي للمجلس الوطني
الكردي مدة ستة أشهر والذي يعتبر الآلوجي الضد رقم واحد كان قد أدلى بتصريح عجيب وهو
أنه ينتظرقدوم الآلوجي إلى كوردستان ليطرح عليه وحدة الحزبين؟؟!!.
و عليه فالتساؤلات المطروحة هي : لماذا التفتت قيادة الإقليم إلى الدكتور
الآلوجي بعد فوات الأوان؟
هل أرادوا تسجيل موقف لدفع رفاق الآلوجي من بعده للتوحد تحت قيادة عبد
الحكيم بشار؟
بالنسبة لدعوتهم لعلاج الدكتور آلوجي في الوقت الضائع هل تحسب لهم أم
عليهم؟
إن كل التوقعات تشير إلى أن البارتي وتحت ضغط قواعده سيغير من قواعد
تحالفاته وآليات التعامل مع الأطراف الكوردستانية بعدما شعر بالخذلان من لدن رئيس الإقليم
والقيادة الكوردستانية واقتنع أن للسياسة وجها آخر غير نزيه وأن القدسية تعطى
للعقائد والثوابت وليس للأشخاص والأحزاب ففي حين كانت الجماهير الكوردية تغلي وهي
تتدفق أمواجا وتعتصر ألما ولوعة خلف جنازة فقيدها الذي (توفي ) في كوردستان فإن
أخوتهم من وراء الحدود في قيادة الإقليم لم يتكلفوا حتى بإرسال برقية عزاء للتخفيف
عن رفاقه.
الدكتورعبد الرحمن آلوجي لم
يكن شخصية سياسية كبيرة فحسب, بل كان مفكرا من الطراز الرفيع في علم التاريخ والحضارات
تمتزج في ذاته رقة وإحساس الشاعر مع شجاعة وإقدام القائد, بسيطا متواضعا على غزارة
علمه وثقافته يمتلك كاريزما خاصة تجعله محبوبا من مختلف أطياف المجتمع. كان يمارس
السياسة بوصفها علماً لقيادة المجتمعات وليس تفنناً في المكر والخديعة , وهذا ما
منحه الشرعية الواضحة من شعبه الذي أثبت وفاءه من خلال زخم الجماهير التي أذرفت
دموعاً ساخنة توازي الحرقة والأسى التي تلظى بها قلوبهم وأكبادهم على قائد جدير
منهم بذلك.
فأية نجمة أفلت من سماء كوردستان وأي قلب كبير توقف عن الخفقان؟.