عجز مجلس الأمن في القيام بواجباته الموكولة إليه بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وصمت الجمعية العامة العامة، يؤدي الى إما إلى تحرك دولة أو أكثر بالتدخل بشكل من الأشكال من خارج الشرعية الدولية
صلاحية الجمعية العامة في استخدام القوة المسلحة للحفاظ على الأمن والسلم الدولي
( في حال عجز مجلس الأمن من القيام بواجباته)
المكتب القانوني للمجلس الوطني السوري
اعداد:
منى مصطفى ـ محامية
موسى موسى ـ ماجستير قانون دولي
تم الاعداد في10 شباط 2012 لتقديمها الى مؤتمر دول أصدقاء سوريا المزمع عقده في 24شباط في تونس
منذ أن بدأ الربيع العربي في انطلاقته من تونس كانت سوريا من بين الدول المرشحة وبقوة في مسار رياح الربيع العربي نتيجة للقمع الذي مارسه النظام ضد الشعب السوري وارتكابه لجرائم بشعة ضد كافة أطياف المجتمع السوري حتى أصبحت الحالة لا تطاق بأي شكل من الأشكال مما ولد الإنفجار الكبير في الخامس عشر من شهر آذار 2011 وسرعان ما توسع فوهة الإنفجار لتشمل متسارعة بعض المدن والبلدات السورية، ومن ثم لتشمل باقي المدن والبلدات حتى أصبحت سوريا بمجملها ضمن عاصفة الثورة التي لم يعد هناك تراجعاً بالمطلق رغم اعتماد النظام منذ بداية الثورة للحل الأمني في قمع الثورة إرهاباً وتنكيلاً واعتقالاً وقتلاً لم يستثى من كافة أشكال التنكيل لا الأطفال ولا الشيوخ ولا النساء ولا ذوات الأحمال، وتدميراً متقصداً للمنازل ودور العبادة والتعليم والصحة بما فيهم ساكنيها وعامليها وزائريها من الجرحى والطلبة ورجال الدين والأطباء وغيرهم حيث بلغ عدد المعتقلين والمختفين والشهداء والنازحين يتجاوز المئة ألف منهم أكثر من ثمانية ألف من الشهداء وأكثر من سبعون ألف معتقل ومختف لم يعرف مصيرهم الى اليوم ناهيكم عن النازحين الذين تجاوز أعدادهم عشرون ألفاً ملتجئين الى كل من تركيا ولبنان والأردن والعراق ولا زالت الحالة تسير من سوء الى أسوأ، ضارباً بعرض الحائط المبادرة العربية التي كان من شأنها لو استجاب النظام إليها انتقال سلمي للسلطة دون المزيد من إراقة الدماء وانقاذ البلاد من فوهة البركان التي هي عليها بفعل ممارسات النظام اللاإنسانية بحق الشعب العزل مما أصبح السلم والأمن الدوليين في تهديد واقع وحال.
في هذا الوضع المنذر بالخطر على البلاد وعلى الوضع الإقليمي والدولي من تهديد للأمن والسلم الدولي، كان لا بد للمجتمع الدولي ممثلة بالأمم المتحده وخاصة مجلس الأمن الدولي بتبني قرار على المشروع الذي تقدمت به كل من ألمانيا والبرتغال وفرنسا والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وايرلندا الشمالية، وقد بدأ مجلس الأمن نظره في البند المدرج في جدول أعماله الذي كان معروضاً على أعضاء مجلس الأمن تحت رقم وتاريخ: S/2011/612 في جلسته رقم 6627 في 04/10/211 ولم يعتمد مشروع القرار بسبب التصويت السلبي لعضوين دائمين من اعضاء المجلس وهما روسيا والصين مما جعلا مجلس الأمن عاجزاً في استصدار قرار بشأن سوريا.
إزاء عجز، وفشل مجلس الأمن في مواجهة الوضع في سوريا، وبقاء الأمن والسلم الدولي مهدداً للخطر كان لا بد من الجمعية العامة للأمم المتحدة من اتخاذ اللازم، وقد تحركت بالفعل، وعقدت جلستها في 16/02/2012 لمواجهة الوضع في سوريا فاستطاعت أن تعتمد قراراً يدعم جهود الجامعة العربية لحل الأزمة في سوريا بتأييد 137 دولة ومعارضة 12 دولة وامتناع 17 دولة، كما أدانت بشدة الاستمرار الواسع والممنهج لإنتهاكات حقوق الانسان من قبل السلطات السورية، كما وطالبت الحكومة السورية بوقف كل أشكال العنف وحماية مواطنيها.
إزاء عجز مجلس الأمن من تبني قرار يلزم السلطات السورية في وقف الاستمرار في قتل المواطنين وتدمير المساكن والأعيان المدنية ومنع معالجة الجرحى واطلاق سراح المعتقلين، يستمر النظام السوري في ممارساته الموصوفة مما يستدعي بالضرورة تحركاً سريعاً للمجتمع الدولي لوقف نزيف الدم وإحجام النظام السوري من ممارساته لا بد للجمعية العامة للأمم المتحدة من تحمل مسؤلياتها بناءً على القرار/377/ المعروف بعنوان " متحدون من أجل السلام، أو الإتحاد من أجل السلام". والذي ينص على :" إذا فشل مجلس الأمن، بسبب غياب الإجماع بين الاعضاء الدائمين، في ممارسة مسؤليته الأساسية في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وفي حالة وجود تهديد للسلام، أو خرق للسلام، أو عمل من أعمال العدوان، فإن الجمعية العامة سوف تنظر في المسألة على الفور، بهدف تقديم توصيات ملائمة للدول الاعضاء من أجل اتخاذ تدابير جماعية، بما في ذلك في حالة خرق السلام أو العمل العدواني، استخدام القوة المسلحة عند الضرورة، للحفاظ على، أو اِستعادة السلام والأمن الدوليين".
يفهم من القرار/377/ أن صلاحية الجمعية العامة للأمم المتحدة تشمل استخدام القوة أيضاً في حال وجود تهديد للسلم والأمن الدولي، وهذا الاستخدام للقوة من قبل الجمعية العامة العامة يعتبر استثناءً عن القاعدة بموجب ميثاق الأمم المتحدة، علماً بأن استخدام القوة يدخل ضمن وظائف مجلس الأمن أصالةً، ولفهم آلية توزيع الوظائف لا بد من استعراض وظائف كل منهما ومن ثم العلاقة بين مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
وظائف مجلس الأمن الدولي بشأن حفظ السلم والأمن الدوليين:
تنص المادة /24/ من ميثاق الأمم المتحدة على ما يلي:
" أ ـ رغبة في أن يكون العمل الذي تقوم الأمم المتحدة سريعاً وفعالاً، يهدف أعضاء تلك الهيئة الى مجلس الأمن بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدوليين ويوافقون على ان هذا المجلس يعمل نائباً عنهم في قيامه بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعات.
ب ـ يعمل مجلس الأمن، في أداء هذه الواجبات وفقاً لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئهاوالسلطات الخاصة المخولة لمجلس الأمن لتمكينه من القيام بهذه الواجبات مبينة في الفصول السادس والسابع والثامن والثاني عشر .
ج ـ يرفع مجلس الأمن تقارير سنوية، وأخرى خاصة، إذا اقتضت الحال الى الجمعية العامة لتنظر فيها".
ولمعرفة وظائف مجلس الأمن بتفاصيله الدقيقة يرجع الى الفصول السابقة الذكر في المادة/24 ف ب/ وتلك الفصول هي (6، 7، 8، 12).
وظائف الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن حفظ السلم والأمن الدوليين:
تنحصر وظائف الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن حفظ السلم والأمن الدوليين بالمواد ( 10، 11، 13، 14، 15، 16، 17).
أما وظيفة استعمال القوة فهي خارجة عن صلاحة الجمعية العامة إلا في حالتين:
الحالة الأولى: إذا طلب منها مجلس الأمن بموجب المادة /12/ من الميثاق والتي تنص على :" عندما يباشر مجلس الأمن بصدد نزاع أو موقف ما الوظائف التي رسمت في الميثاق فليس للجمعية العامة أن تقدم أية توصية في شأن هذا النزاع أو الموقف إلا إذا طلب منها مجلس الأمن".
الحالة الثانية: بناءً على قرارها رقم /377/ المتخذ في الثالث من تشرين الثاني 1950 الذي ينص على أنه:
" إذا فشل مجلس الأمن بسبب غياب الإجماع بين الأعضاء الدائمين، في مسؤليته الأساسية في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وفي حالة وجود تهديد للسلام، أو خرق للسلام، أو عمل من أعمال العدوان، فإن الجمعية العامة سوف تنظر في المسألة على الفور، بهدف تقديم توصيات ملائمة للدول الأعضاء من أجل إتخاذ تدابير جماعية، بما في ذلك في حالة خرق السلام أو العمل العدواني، واستخدام القوة المسلحة عند الضرورة، للحفاظ على، أو استعادة السلام والأمن الدوليين".
حيثيات القرار /377/ الاتحاد من أجل السلام.
أساس هذا القرار هو عجز مجلس الامن في اتخاذ قرار بسبب التهديد، أو استخدام حق النقض، الفيتو، من قبل أحد أعضاء مجلس الأمن الدائمين.
ففي عام 1950 نتيجة لوقوع أعمال عسكرية بين الكوريتين، الشمالية والجنوبية، وما كان ينطوي من تهديد للأمن والسلم الدوليين وعجز مجلس الأمن من القيام بمسؤلياته في تبني قرار أو اتخاذ أية تدابير عملية ضد كوريا الشمالية بسببب التهديد، واستعمال الاتحاد السوفياتي آنذاك باستعمال حق الاعتراض، الفيتو، ضد أي قرار من شأنه اتخاذ تدابير عملية ضد كوريا الشمالية، وضرورة تجنب الأمن والسلم الدوليين من الخطر التجأت كل من الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربا الغربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة للتدخل وحسم الصراع من خارج مجلس الأمن وبعيداً عن الاعتراض السوفياتي في مجلس الأمن، ففرضت الجمعية العامة قراراً بعنوان " الاتحاد من أجل السلام" رقم /377/ بتاريخ 3 تشرين الثاني 1950.
تطبيقات القرار/377/ في الدول المختلفة:
يجوز للجمعية العامة، عملا بقرارها المعنون ”متحدون من أجل السلام“ المؤرخ 3 تشرين الثاني/نوفمبر 1950 (القرار 377 (د - 5))، أن تعقد ’’دورة استثنائية طارئة‘‘ في خلال 24 ساعة، إذا بدا أن هناك تهديدا للسلام أو خرقا للسلام أو أن هناك عملا من أعمال العدوان، ولم يتمكن مجلس الأمن من التصرف بسبب تصويت سلبي من جانب عضو دائم، حيث يمكنها أن تنظر في المسألة على الفور من أجل إصدار توصيات إلى الأعضاء باتخاذ تدابير جماعية لصون أو إعادة السلام والأمن الدوليين، وقد عقدت الجمعية العامة عشرة دورات استثنائية طارئة منذ نشؤ الامم المتحدة بشأن مختلف الحالات في بعض المناطق حسب التسلسل التالي:
1 ـ الدورة الاستثنائية الطارئة الأولى بشأن العدوان الثلاثي على مصر من 1 ـ 10 نوفمبر 1956.
2 ـ الدورة الثانية من 4 ـ 10 نوفمبر بشأن مواجهة الغزو السوفياتي لهنغاريا.
3 ـ الدورة الثالثة من 8 ـ 21 أغسطس 1958 بشأن الحالة في الشرق الأوسط.
4 ـ الدورة الرابعة من 17 ـ 19 سبتمبر 1960 بشأن الكونغو.
5 ـ الدورة الخامسة في 17 و 18 يونيو 1967 بشأن الحالة في الشرق الاوسط.
6 ـ الدورة السادسة من 10 ـ 14 بشان التدخل السوفياتي في أفغانستان وآثارها على السلم والأمن الدوليين.
7 ـ الدورة السابعة من 22 ـ 29 يوليو 1980 ومن 20 ـ 28 أبريل1982 ومن 25 ـ 26 يونيو 1982 و من 16 ـ 19 أغسطس 1982 و في 24 سبتمبر1982 بشأن فلسطين والانتهاكات الاسرائيلية.
8 ـ الدورة الثامنة في 13 و 14 سبتمبر 1981 بشأن مساندة نضال ناميبيا ضد نظام الأبارتيد.
9 ـ الدورة التاسعة من 29 ينايرـ 5 فبراير 1982 بشأن الأراضي العربية المحتلة ومرتفعات الجولان السورية المحتلة.
10 ـ الدورة العاشرة في 20 ديسمبر 2001 بشأن الأعمال الاسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة.
إلزامية القرار/377/، الاتحاد من أجل السلام.
يعتبر القرار/ 377/ بديلاً عن إلزامية القرار الذي يتخذه مجلس الأمن في المسائل المعنية دون أن يخضع لحق الاعتراض الذي ينحصر استخدامه في مجلس الأمن، وإذا أعتبر ان ذلك القرار الزامياً بمعنى فاعليته وكأنه صادر من مجلس الأمن فإن ذلك يعتبر تعدياً على إحدى الوظائف الأساسية لمجلس الأمن وفي هذه الحالة يفقد مجلس الأمن معنى وجوده كون الجمعية العامة تقوم بمسؤليتها حال عجز مجلس الأمن أو فشله في اتخاذ قرار جماعي، ولكن قيام الجمعية العامة بتلك المسؤلية يوفر برأينا غطاءً شرعياً للدول الراغبة في التضامن والتعاون معاً والالتزام بذلك القرار ـ رغم عدم إلزاميته على كافة الدول ـ بما فيه استعمال القوة المسلحة للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
وفي الحالة السورية وما تشكله من تهديد للأمن والسلم الدوليين وعرضهما للخطر، وفي الصمت الروسي أو استعمال حق الأعتراض في مجلس الأمن من قبل إحدى الدول الدائمة العضوية لا بد من البحث عن وسيلة يوفر غطاءً شرعياً لدولة ما، أو لمجموعة من الدول من التحرك لإيقاف تهديد الأمن والسلم الدوليين وتلك الوسيلة هي الإجتماع الطارئ للجمعية العامة العامة وتحمل مسؤلياتها بموجب القرار/ 377/ المعنون ب :الاتحاد من أجل السلام.
وباستمرار المجتمع الدولي المتمثل في عجز مجلس الأمن في القيام بواجباته الموكولة إليه بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وصمت الجمعية العامة العامة، يؤدي الى إما إلى تحرك دولة أو أكثر بالتدخل بشكل من الأشكال من خارج الشرعية الدولية مما سيضطر المجتمع الدولي بعد ذلك بتوفير الغطاء الشرعي لتلك العملية، وإما سيضاعف النظام السوري بتوغله الوحشي وممارسات قواته وشبيحته الى المزيد من القتل والتدمير ويوجه البلاد الى أكثر من منزلق مما قد لا يعود بامكان المجتمع الدولي بعد ذلك ـ وإن أراد ـ من أن يعيد السلم والأمن الدولي والاقليمي والداخلي الى وضعه الطبيعي.
ان الشعب السوري يشعر في هذا الصمت بأن كارثة حقيقة تنتظره، ودرءاً لذلك نحن في المكتب القانوني للمجلس الوطني السوري نرى بأن المجتمع الدولي أولاً، وفي حال صمته تكون الدول الاقليمية أمام مسؤولية قانونية وسياسية وأخلاقية وانسانية في درء الخطر المحدق بالشعب السوري وشعوب المنطقة.