د. ربى الفتال إيكيلارت:إصلاح النظام الانتخابي في سورية الأساطير والحقائق
الخميس 17 أيّار / مايو 2012, 02:11
كورداونلاين
عند وصول بشار الأسد من بريطانيا لخلافة أبيه في رئاسة الدولة السورية، خفِّضت السن القانونية للرئيس في الدستور السوري كي يتاح له تولي الرئاسة، غير أن الدستور الجديد أعاد السن القانونية لمن يتولى الرئاسة إلى سن الأربعين
في محاولة منه لتهدئة الانتفاضة، "استجاب" بشار الأسد لبعض مطالب المعارضة. بيد أن محاولاته كانت إما أقلَّ مما يجب أو متأخرة كثيراً أو غامضة وناقصة للغاية. ففي أيار/مايو 2011، وافق على وقف العمل بقانون الطوارئ، الذي ظل في واقع الحال يلغي مفعول جميع التدابير الحمائية في الدستور للمواطنين منذ 1963. ولكن هذا لم يوقف أجهزة أمن الأسد عن إحالة المواطنين إلى محاكم أمن الدولة، واستهداف المواطنين ممن يقومون بالاحتجاج السلمي. وبالمثل، كلف الأسد، في تشرين الأول/أكتوبر 2011، لجنة بإعداد تعديلات دستورية تدخل إصلاحات ديمقراطية إلى الحياة السياسية في البلاد. وتم وضع التعديلات، وعرضت على الاستفتاء الشعبي في 26 شباط/فبراير 2012 ومن ثمَّ جرت انتخابات البرلمان الصورية في ظل القتل المستمر
وفيما يرى الأسد في الدستور الجديد عنصراً مهماً في عملية الإصلاح، ويقول أنه سيَجعَلُ من سورية معقلاً للديمقراطية في الإقليم، قامت المعارضة بمقاطعة عملية الاستفتاء ومن بعدها الانتخابات ووصفتها بأنها مهزلة، وطالبت الأسد بالتنحي. ويدعو الدستور الجديد إلى قيام انتخابات برلمانية مُتعددة الأحزاب خلال ثلاثة أشهر، ليحل محل الاحتكار القديم للسلطة الذي تمتع بها حزب البعث الحاكم. وكان من الممكن أن تبدو هذه خطوة ثورية قبل سنة واحدة، ولكن جماعات الناشطين والمعارضة رفضته باعتباره أمراً معيباً، مشيرة إلى أن النظام قد تجاهل العديد من عناصر الدستور القديم التي كفلت الحريات الشخصية والسياسية وحظرت التعذيب
ولكن هناك أسباباً أكثر من ذلك تجعل المعارضة والناشطين يتشككون حيال الإصلاحات التي تضمنها الدستور الجديد، والتي يرى الغرب أنها إصلاحات "مثيرة للضحك". فالحكومة السورية، مثلاً، تعقد استفتاء حول دستور جديد والعنف مستمر في أنحاء مختلفة من البلاد. وفي أرجاء عديدة من سورية لم يتراجع العنف أثناء فترة التصويت أو الانتخابات، وأعلن عديدون أن الظروف المحيطة بمراكز الاقتراع لم تكن آمنة ولا تكفل السلامة. وجرى الحديث عن مصادمات في مدينة حماة، وسط البلاد، وفي محافظة إدلب الشمالية الشرقية، ومحافظة درعا، إلى الجنوب من دمشق
وثانياً، فقد طلب الأسد من حزب البعث تأجيل مؤتمره القطري المقرر إلى ما بعد الاستفتاء. بيد أنه، وحسب المادة 8 من الدستور السابق، فإن "حزب البعث هو الذي يقود الدولة والمجتمع". ومن هنا، فمع أن المادة قد حذفت من الدستور الجديد، حسبما هو مفترض، يتعين أن يجتمع هذا الحزب ليُقِر الاستفتاء، من أجل أن يقرر الاتجاه السياسي الجديد للبلاد - الأمر الذي يمكن أن ينطوي على التخلي عن قيادة الدولة والمجتمع. وهذا يعني أنه وخلال المؤتمر القطري، وعقب تبني الدستور الجديد، يمكن لحزب البعث فعلياً أن يطعن في الدستور الجديد وأن لا يُقِرَّ التعديلات التي أقرها الاستفتاء وما نتج عنها، استناداً إلى أن التعديلات لم تُعرَض على النقاش العام، ولم تُناقَش من جانب قادة الحزب وممثلي الشعب عبر البرلمان
وثالثاً، فعند وصول بشار الأسد من بريطانيا لخلافة أبيه في رئاسة الدولة السورية، خفِّضت السن القانونية للرئيس في الدستور السوري كي يتاح له تولي الرئاسة، غير أن الدستور الجديد أعاد السن القانونية لمن يتولى الرئاسة إلى سن الأربعين
ورابعاً، فعندما تولَّى الأسد رئاسة سورية، لم يكن هناك شرط بأن يكون المرشح للرئاسة من المقيمين إقامة دائمة في سورية لفترة لا تقل عن عشر سنوات، في وقت تقديمه/تقديمها طلب الترشيح. وقد أُضيف هذا الشرط إلى الدستور الجديد بغرض استثناء ترشيح آلاف نشطاء المعارضة من السوريين الذين هُجرواً قسراً إلى خارج سورية، والذين يتطلعون إلى العودة إلى سورية الديمقراطية الحرة
وخامساً، فعِوضاً عن المباشرة في الفترة الرئاسية الجديدة مباشرة عقب تبني الدستور الجديد، فإن الدستور الجديد يتيح للرئيس الحالي الفرصة ليكمل فترة ولايته الحالية (حتى 2014)، كما يتيح له فترتين إضافيتين كل منهما سبع سنوات (حتى 2028). وعند تلك اللحظة، سيأتي إلى السلطة إما ابن بشار عن طريق تعديل دستوري يكيِّف السن القانونية للرئيس بحيث تصبح سن العشرين، أو أحد أقاربه، ولولاية واحدة، كي يعود بشار لفترتين تمتدان لأربع عشرة سنة وهو أمر مماثل للدينامية الحالية التي يتبادل فيها بوتين ومدفيديف السلطة في روسيا
وسادساً، فإن الدستور الجديد المقترح يضع السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) في يدي الرئيس عند الضرورة، ويمنحه سلطة حل البرلمان، وسن القوانين وتعيين أعضاء المحكمة الدستورية، وحتى رئاسة السلطة القضائية. وتكفل المادة 117 أيضاً إخلاء طرف الرئيس من أية مسؤولية أو مساءلة إلا في حالة الخيانة العظمى، وهي تهمة يصعب إثباتها وتتطلب قراراً تتخذه أغلبية الثلثين في البرلمان في جلسة سرية. وبناء على نتيجة اجتماع البرلمان، يُحاكم الرئيس أمام المحكمة الدستورية العليا، التي يتمتع الرئيس، حسب المادة 140 من الدستور الجديد، بمسؤولية تسمية أعضائها السبعة، بينما تقضي المادة 133 بأن يرأس الرئيس المجلس القضائي الأعلى
في ضوء هذه الثغرات الدستورية كلها، من الضروري للشعب السوري أن يرفض الدستور الجديد بأكمله، وكل ما يترتب عليه من انتخابات. فأولاً، لأنه ينطلق من نقطة فقدت فيها الشرعية السياسية والأخلاقية. وثانياً، لأنه يأتي في ظل استمرار العنف ضد الشعب السوري، وثالثاً، لأنه لا يناسب مستقبل سورية. وما يناسب سورية الآن هو دستور ديمقراطي يضع حداً للطغيان والظلم والفساد، ويضع قوانين انتخابات جديدة واضحة لسورية تلبي طموحات الشعب السوري